فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم

( بابُ تَكُونُ فِتْنَةٌ القاعِدُ فِيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ)
أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: تكون ... إِلَى آخِره، وَهَذِه التَّرْجَمَة بعض الحَدِيث.



[ قــ :6705 ... غــ :7081 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله، حدّثنا إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنْ أبِيهِ عنْ أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحمانِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ.

قَالَ إبْراهِيمُ: وحَدثني صالحُ بنُ كيْسانَ، عنِ ابنِ شهِابٍ، عنْ سَعِيد بنِ المُسَيَّبِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَتَكُونُ فِتَنٌ القاعدُ فِيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فِيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فِيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَها تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ فِيها مَلْجأ أوْ مَعاذاً فَلْيَعُذْبِهِ
انْظُر الحَدِيث 3601 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمُحَمّد بن عبيد الله مُصَغرًا ابْن مُحَمَّد مولى عُثْمَان بن عَفَّان الْأمَوِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد يروي عَن أَبِيه سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمان بن عَوْف عَن عَمه أبي سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفِتَن أَيْضا عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور.

قَوْله: سَتَكُون فتن وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: فتْنَة، وَالْمرَاد جَمِيع الْفِتَن، وَقيل: هِيَ الِاخْتِلَاف الَّذِي يكون بَين أهل الْإِسْلَام بِسَبَب افتراقهم على الإِمَام وَلَا يكون المحق فِيهَا مَعْلُوما، بِخِلَاف عَليّ وَمُعَاوِيَة.
قَوْله: الْقَاعِد فِيهَا أَي: فِي الْفِتَن خير من الْقَائِم إِشَارَة إِلَى أَن شَرها يكون بِحَسب التَّعَلُّق بهَا، وَزَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ: والنائم فِيهَا خير من الْيَقظَان، وَالْيَقظَان فِيهَا خير من الْقَاعِد وَلمُسلم: الْيَقظَان فِيهَا خير من النَّائِم وللبزار: سَتَكُون فتن ثمَّ تكون فتن بِزِيَادَة: والمضطجع خير من الْقَاعِد فِيهَا وَلأبي دَاوُد: المضطجع فِيهَا خير من الْجَالِس، والجالس خير من الْقَائِم وَمعنى الْقَاعِد خير من الْقَائِم الَّذِي لَا يستشرفها.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: الظَّاهِر أَنه إِنَّمَا أَرَادَ أَن يكون فِيهَا قَاعِدا.
وَحكى ابْن التِّين عَنهُ أَن الظَّاهِر أَن المُرَاد من يكون مباشراً لَهَا فِي الْأَحْوَال كلهَا، يَعْنِي: أَن بَعضهم فِي ذَلِك أَشد من بعض فأعلاهم فِي ذَلِك السَّاعِي فِيهَا بِحَيْثُ يكون سَببا لإثارتها، ثمَّ من يكون قَائِما بأسبابُها وَهُوَ الْمَاشِي، ثمَّ من يكون مباشراً لَهَا وَهُوَ الْقَائِم، ثمَّ من يكون مَعَ النظارة وَلَا يُقَاتل وَهُوَ الْقَاعِد، ثمَّ من يكون محسناً لَهَا وَلَا يُبَاشر وَلَا ينظر وَهُوَ المضطجع الْيَقظَان، ثمَّ من لَا يَقع مِنْهُ شَيْء من ذَلِك وَلكنه رَاض وَهُوَ النَّائِم، وَالْمرَاد بالأفضلية فِي هَذِه الْخَيْرِيَّة من يكون أقل شرّاً مِمَّن فَوْقه على التَّفْصِيل الْمَذْكُور.
قَوْله: من تشرف بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق والشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء على وزن تفعل، أَي: تطلع لَهَا بِأَن يتصدر ويتعرض لَهَا وَلَا يعرض عَنْهَا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروى: من يشرف، من الإشراف.
قَوْله: تستشرفه أَي: تهلكه بِأَن يشرف مِنْهَا على الْهَلَاك يُقَال: استشرفت الشَّيْء علوته، وأشرفت عَلَيْهِ.
قَوْله: ملْجأ أَي موضعا يلتجأ إِلَيْهِ من شَرها.
قَوْله: أَو معَاذًا بِفَتْح الْمِيم وبالعين الْمُهْملَة وبالذال الْمُعْجَمَة أَي: مَوضِع العوذ، وَهُوَ بِمَعْنى الالتجاء أَيْضا.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: روينَاهُ بِالضَّمِّ، يَعْنِي بِضَم الْمِيم.
قَوْله: فليعذبه جَوَاب قَوْله: فَمن وجد




[ قــ :6706 ... غــ :708 ]
- حدّثنا أبُو اليَمان، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي أبُو سَلَمَة بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَتَكُونُ فِتَنٌ القاعدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمِ خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَها تَسْتَشْرفْه، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجأً أوْ مَعاذاً فَلْيَعُذْ بِهِ
انْظُر الحَدِيث 3601 وطرفه
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره.

قد ذكرنَا أَن المُرَاد من قَوْله: فتن جَمِيع الْفِتَن.
فَإِن قلت: إِذا كَانَ المُرَاد جَمِيع الْفِتَن فَمَا تَقول فِي الْفِتَن الْمَاضِيَة وَقد علمت أَنه نَهَضَ فِيهَا من خِيَار التَّابِعين خلق كثير؟ وَإِن كَانَ المُرَاد بعض الْفِتَن فَمَا مَعْنَاهُ وَمَا الدَّلِيل على ذَلِك؟ .
قلت: أجَاب الطَّبَرِيّ: بِأَنَّهُ قد اخْتلف السّلف فِي ذَلِك، فَقيل: المُرَاد بِهِ جَمِيع الْفِتَن، وَهِي الَّتِي قَالَ الشَّارِع فِيهَا: الْقَاعِد فِيهَا خير من الْقَائِم وَمِمَّنْ قعد فِيهَا من الصَّحَابَة: حُذَيْفَة وَمُحَمّد بن سَلمَة وَأَبُو ذَر وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأُسَامَة بن زيد وأهبان بن صَيْفِي وَسعد بن أبي وَقاص وَابْن عمر وَأَبُو بكرَة، وَمن التَّابِعين: شُرَيْح وَالنَّخَعِيّ.
.

     وَقَالَ ت طَائِفَة بِلُزُوم الْبَيْت،.

     وَقَالَ ت طَائِفَة بِلُزُوم التَّحَوُّل عَن بلد الْفِتَن أصلا، وَمِنْهُم من قَالَ: إِذا هجم عَلَيْهِ شَيْء من ذَلِك يكف يَده وَلَو قتل، وَمِنْهُم من قَالَ: يدافع عَن نَفسه وَعَن مَاله وَعَن أَهله وَهُوَ مَعْذُور إِن قتل أَو قتل، وَقيل: إِذا بَغت طَائِفَة على الإِمَام فامتنعت عَن الْوَاجِب عَلَيْهَا ونصبت الْحَرْب وَجب قتالها، وَكَذَلِكَ لَو تحاربت طَائِفَتَانِ وَجب على كل قَادر الْأَخْذ على المخطىء وَنصر الْمَظْلُوم، وَهَذَا قَول الْجُمْهُور،.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: وَالصَّوَاب أَن يُقَال: إِن الْفِتْنَة أَصْلهَا الِابْتِلَاء، وإنكار الْمُنكر وَاجِب على كل من قدر عَلَيْهِ، فَمن أعَان المحق أصَاب وَمن أعَان المخطىء أَخطَأ، وَأَن أشكل الْأَمر فَهِيَ الْحَالة الَّتِي ورد النَّهْي عَن الْقِتَال فِيهَا، وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن الْأَحَادِيث وَردت فِي حق نَاس مخصوصين وَأَن النَّهْي مَخْصُوص بِمن خُوطِبَ بذلك، وَقيل: إِن أَحَادِيث النَّهْي مَخْصُوصَة بآخر الزَّمَان حَيْثُ يحصل التحقق أَن الْمُقَاتلَة إِنَّمَا هِيَ فِي طلب الْملك.
قلت: يدْخل فِيهَا التّرْك أَصْحَاب مصر حَيْثُ لم يكن بَينهم قتال إلاَّ لطلب الْملك.