فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا} [النساء: 128]

(بابُُ: { وَإنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلَها نُشُوزا أوْ إعْراضا} (النِّسَاء: 128)

كَذَا وَقع عِنْد جَمِيع الروَاة بِغَيْر ذكر لفظ: بابُُ، وَوَقع فِي بعض النّسخ، فَالظَّاهِر أَنه من بعض النّسخ.
قَوْله: (وَإِن امْرَأَة خَافت) أَي: إِن خَافت امْرَأَة من بَعْلهَا أَي: من زَوجهَا.
قَوْله: (نُشُوزًا) وَهُوَ الترفع عَنْهَا وَمنع النَّفَقَة وَترك الْمَوَدَّة الَّتِي بَين الرجل وَالْمَرْأَة وإيذاؤها بسب أَو ضرب أَو نَحْو ذَلِك، قَوْله: (وإعراضا) أَي: وخافت إعْرَاضًا، وَهُوَ أَن يعرض عَنْهَا بِأَن يقل محادثتها ومؤانستها وَذَلِكَ لبَعض الْأَسْبابُُ من طعن فِي سنّ أَو سيء فِي خلق أَو خلق أَو دمامة أَو ملال أَو طموح عين إِلَى أُخْرَى أَو غير ذَلِك، وَجَوَابه قَوْله: (فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصالحا بَينهمَا صلحا) وَالصُّلْح بَينهمَا أَن يتصالحا على أَن تطيب لَهُ نفسا عَن الْقِسْمَة أَو عَن بَعْضهَا كَمَا فعلت سَوْدَة بنت زَمعَة حِين كرهت أَن يفارقها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعرفت مَكَان عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عِنْده، فَوهبت لَهَا يَوْمهَا.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: وقرىء: (تصالحا) وتصالحا، بِمَعْنى يتصالحا ويصطلحا.
ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى: { وَالصُّلْح خير} أَي: من الْفِرَاق.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ شِقاقٌ تَفَاسُدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إِن خِفْتُمْ شقَاق بَينهمَا} (النِّسَاء: 35) أَي: بَين الزَّوْجَيْنِ، وَذكر عَن ابْن عَبَّاس بِالتَّعْلِيقِ أَنه فسر الشقاق الْمَذْكُور فِي الْآيَة بالمفاسد، وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: الشقاق الْعَدَاوَة لِأَن كلاًّ من المتعاديين فِي شقّ خلاف صَاحبه، وَكَانَ مَوضِع ذكر هَذَا فِيمَا قبل، على مَا لَا يخفى.

وَأَحْضِرَتِ الأَنْفَسُ الشُحِّ هَوَاهُ فِي الشَيْءِ يَحْرِصُ عَلَيْهِ كَالمُعَلَقَةِ لَا هِيَ أيْمٌ وَلا ذَاتَ زَوْجٍ.

أَشَارَ بقوله: (وأحضرت الْأَنْفس الشُّح) إِلَى أَنه هُوَ الْمَذْكُور بعد قَوْله تَعَالَى: { الصُّلْح خبر} ثمَّ فسره بقوله: هَوَاهُ، فِي الشَّيْء يحرص عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَرْوِيّ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس رَوَاهُ عَنهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُعَاوِيَة بن صَالح عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة وَيُقَال: الشُّح الْبُخْل مَعَ الْحِرْص، وَقيل: الإفراط فِي الْحِرْص.
قَوْله: (كالمعلقة) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فنذروها كالمعلقة} (النِّسَاء: 29) أَي: كَالْمَرْأَةِ الْمُعَلقَة ثمَّ فسره بقوله: (لَا هِيَ أيم) الأيم، بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْمَكْسُورَة.
وَهِي امْرَأَة لَا زوج لَهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا وَيُقَال أَيْضا رجل أيم، وَوصل هَذَا ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد صَحِيح من طَرِيق يزِيد النَّحْوِيّ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: { فتذروها كالمعلقة} (النِّسَاء: 129) قَالَ: لَا هِيَ أيم وَلَا ذَات زوج.

نُشُوزا بُغْضا
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا} وَفَسرهُ بقوله: (بغضا) وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم، من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس،.

     وَقَالَ  فِيهِ: يَعْنِي بغضا.
.

     وَقَالَ  الْفراء: النُّشُوز يكون من قبل الْمَرْأَة وَالرجل، وَهُوَ هُنَا من قبل الرجل.



[ قــ :4348 ... غــ :4601 ]
- ح دَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ أخْبَرنا عَبْدُ الله أخبرنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا وَإن امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزا أوْ إعْرَاضا قَالَتِ الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ المَرْأَةُ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْها يُرِيدُ أنْ يُفَارِقَها فَتَقُولُ أجْعَلُكَ مِنْ شأنِي فِي حِلت فَنَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِك.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَعُرْوَة وَابْن الزبير بن الْعَوام.

والْحَدِيث مضى فِي الصُّلْح عَن مُحَمَّد وَلم ينْسبهُ عَن ابْن الْمُبَارك بِهِ، وَفِيه أَيْضا عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان بِهِ.

قَوْله: (لَيْسَ بمستكثر مِنْهَا) أَي: من الْمَرْأَة فِي الْمحبَّة والمعاشرة والملازمة.
قَوْله: (يُرِيد) أَي: الرجل.
قَوْله: (فَتَقول) أَي: الْمَرْأَة.
قَوْله: (من شأني) أَي: مِمَّا يتَعَلَّق بأَمْري من النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَالصَّدَاق تَجْعَلهُ فِي حل ليفارقها.
قَوْله: (فَنزلت الْآيَة) أَي: الْمَذْكُورَة، وَزَاد أَبُو ذَر عَن غير الْمُسْتَمْلِي: (وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا) الْآيَة.
وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، نزلت فِي الْمَرْأَة تكون عِنْد الرجل تكره مُفَارقَته فيصطلحان على أَن يجيئها كل ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة، وَرَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بأطول مِنْهُ، وروى الْحَاكِم من طَرِيق ابْن الْمسيب عَن رَافع بن خديج أَنه كَانَت تَحْتَهُ امْرَأَة فَتزَوج عَلَيْهَا شَابة فآثر الْبكر عَلَيْهَا فنازعته وَطَلقهَا، ثمَّ قَالَ لَهَا: إِن شِئْت رَاجَعتك وَصَبَرت.
فَقَالَت: راجعني، فَرَاجعهَا ثمَّ لم تصبر فَطلقهَا.
قَالَ: فَذَلِك الصُّلْح الَّذِي بلغنَا أَن الله تَعَالَى أنزل فِيهِ هَذِه الْآيَة، وروى التِّرْمِذِيّ من طَرِيق سماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: خشيت سَوْدَة أَن يطلقهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَت: يَا رَسُول الله: لَا تُطَلِّقنِي وَاجعَل يومي لعَائِشَة، فَفعل وَنزلت هَذِه الْآيَة.
.

     وَقَالَ : حسن غَرِيب.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الدغولي فِي أول مُعْجَمه، حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا الدستوَائي حَدثنَا الْقَاسِم بن أبي بردة.
قَالَ: بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سَوْدَة بنت زَمعَة بِطَلَاقِهَا، فَلَمَّا أَتَاهَا جَلَست لَهُ على طَرِيق عَائِشَة، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَت لَهُ: أنْشدك بِالَّذِي أنزل عَلَيْك كِتَابه واصطفاك على خلقه لما راجعتني، فَإِنِّي قد كَبرت وَلَا حَاجَة لي فِي الرِّجَال، ابْعَثْ مَعَ نِسَائِك يَوْم الْقِيَامَة، فَرَاجعهَا، فَقَالَت: إِنِّي قد جعلت يومي وليلتي لحبة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قلت: هَذَا غَرِيب ومرسل.