فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب كلام الرب مع جبريل، ونداء الله الملائكة

( بابُُ كَلامِ الرَّبِّ مَعَ جِبْرِيلَ ونِداءِ الله المَلائِكَةَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كَلَام الرب مَعَ جِبْرِيل الْأمين، عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِي نِدَاء الْمَلَائِكَة، وَفِي هَذَا الْبابُُ أَيْضا إِثْبَات كَلَام الله تَعَالَى وإسماعه جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة، فيسمعون عِنْد ذَلِك الْكَلَام الْقَدِيم الْقَائِم بِذَاتِهِ الَّذِي لَا يشبه كَلَام المخلوقين إِذْ لَيْسَ بحروف وَلَا تقطيع وَلَيْسَ من شَرطه أَن يكون بِلِسَان وشفتين وآلات، وَحَقِيقَته أَن يكون مسموعاً مفهوماً، وَلَا يَلِيق بالباري أَن يَسْتَعِين فِي كَلَامه بالجوارح والأدوات.

وَقَالَ مَعْمَرٌ: وإنّكَ لَتُلَقَّى القُرْآنَ، أيْ: يُلْقَى عَلَيْكَ وتَلقَّاهُ أنْتَ أيْ: تَأْخُذُهُ عَنْهُمْ.

قَالَ الْكرْمَانِي: معمر بِفَتْح الميمين وَإِسْكَان الْمُهْملَة بَينهمَا قيل: إِنَّه ابْن الْمثنى أَبُو عُبَيْدَة مُصَغرًا التَّيْمِيّ اللّغَوِيّ.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى قَوْله.
قيل: بل هُوَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى بِلَا خلاف، وَرُبمَا يتَبَادَر الذِّهْن إِلَى أَنه معمر بن رَاشد وَلَيْسَ كَذَلِك فَافْهَم.
قَوْله: وَإنَّك لتلقى الْقُرْآن هَذَا من الْقُرْآن، قَالَ الله تَعَالَى: { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْءَانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} فسره أَبُو عُبَيْدَة: بيلقى عَلَيْك ... إِلَى آخِره، وَالْخطاب للنَّبِي ويلقى على صِيغَة الْمَجْهُول، وتلقاه بتَشْديد الْقَاف.
قَالُوا: إِن جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، يتلَقَّى أَي: يَأْخُذ من الله تلقياً روحانياً ويلقي على مُحَمَّد إِلْقَاء جسمانياً
ومِثْلُهُ { فَتَلَقَّىءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
أَي: مثل الْمَذْكُور معنى قَوْله: فَتلقى آدم من ربه أَي: قبلهَا وَأَخذهَا عَنهُ، وأصل اللِّقَاء اسْتِقْبَال الشَّيْء ومصادفته.



[ قــ :7087 ... غــ :7485 ]
- حدّثني إسْحَاقُ، حدّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدثنَا عَبْدُ الرَّحْمانِ هُوَ ابنُ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنْ أبِيهِ، عنْ أبي صالِحٍ، عنْ أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الله تَبارَكَ وَتَعَالَى إِذا أحَبَّ عَبْداً نادَى جِبْرِيلَ إنَّ الله قَدْ أحَبَّ فُلاناً فأحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي جِبْرِيلُ فِي السَّماءِ: إنَّ الله قَدْ أحَبَّ فُلاناً فأحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، ويُوضَعُ لهُ القَبُولُ فِي أهْلِ الأرضِ
انْظُر الحَدِيث 3209 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

وَإِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: إِسْحَاق إِمَّا الْحَنْظَلِي وَإِمَّا الكوسج.
قلت: هَذَا التَّرَدُّد غير مُفِيد بل هُوَ ابْن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج، والحنظلي هُوَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه لَا يَقُول إلاَّ أخبرنَا، وَهنا مَا قَالَ إلاَّ: حَدثنَا، وَعبد الصَّمد هُوَ ابْن عبد الْوَارِث، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَدَب فِي: بابُُ المقت من الله، من رِوَايَة نَافِع عَن أبي هُرَيْرَة.

قَوْله: إِذا أحب عبدا محبَّة الله للْعَبد إِيصَال الْخَبَر إِلَيْهِ بالتقرب والإثابة، وَكَذَا محبَّة الْمَلَائِكَة وَذَلِكَ بالاستغفار وَالدُّعَاء لَهُم وَنَحْوه.
قَوْله: وَيُوضَع لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض أَي: فِي أهل الأَرْض أَي: فِي قُلُوبهم، وَيعلم مِنْهُ أَن من كَانَ مَقْبُول الْقُلُوب هُوَ مَحْبُوب الله عز وَجل، وَقيل: يوضع لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض عِنْد الصَّالِحين لَيْسَ عِنْد جَمِيع الْخلق، وَالَّذِي يوضع لَهُ بعد مَوته أَكثر مِنْهُ فِي حَيَاته.





[ قــ :7088 ... غــ :7486 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ، عنْ مالِكٍ عنْ أبي الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَتَعاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ ومَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ ويَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ العَصْرِ وصَلاةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الّذِينَ باتُوا فِيكُمْ فَيَسْألُهُمْ وهْوَ أعْلَمُ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبادِي؟ فَيَقُولونَ: تَرَكْناهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأتَيْناهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فيسألهم وَهُوَ أعلم أَي: بهم من الْمَلَائِكَة.

وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ فضل صَلَاة الْعَصْر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: يتعاقبون أَي: يتناوبون فِي الصعُود وَالنُّزُول لرفع أَعمال الْعباد الليلية والنهارية، وَهُوَ فِي الِاسْتِعْمَال نَحْو: أكلوني البراغيث.
قَوْله: ثمَّ يعرج أَي: ثمَّ يصعد.
قَوْله: الَّذين باتوا فِيكُم من البيتوتة إِنَّمَا خصهم بِالذكر مَعَ أَن حكم الَّذين ظلمُوا كَذَلِك لأَنهم كَانُوا فِي اللَّيْل الَّذِي هُوَ زمَان الاسْتِرَاحَة مشتغلين بِالطَّاعَةِ، فَفِي النَّهَار وبالطريق الأولى، أَو اكْتفى بِأحد الضدين عَن الآخر.
قَوْله: فيسألهم أَي: فيسألهم رَبهم، وَلم يذكر لفظ: رَبهم، عِنْد الْجُمْهُور وَوَقع فِي بعض طرق الحَدِيث، وَوَقع أَيْضا عِنْد ابْن خُزَيْمَة من طَرِيق أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة: فيسألهم رَبهم، وَفَائِدَة السُّؤَال مَعَ علمه تَعَالَى يحْتَمل أَن يكون إلزاماً لَهُم وردا لقَولهم: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُو اْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}




[ قــ :7089 ... غــ :7487 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا غُنْدَرٌ، حدّثنا شُعْبَةُ، عَن واصِلٍ عنِ المَعْرُورِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أتانِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي أنَّهُ مَنْ ماتَ لَا يُشْرِكُ بِالله شَيْئاً، دَخَلَ الجنَّةَ.
قُلْتُ: وإنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى؟ قَالَ: وإنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، تبشيره لَا يكون إلاَّ بِإِخْبَار الله تَعَالَى بذلك وَأمره لَهُ بِهِ.

وَمُحَمّد بن بشار هُوَ بنْدَار، وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وواصل بن حَيَّان بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الأحدب، والمعرور على وزن مفعول بِالْعينِ الْمُهْملَة ابْن سُوَيْد الْأَسدي الْكُوفِي، وَأَبُو ذَر جُنْدُب بن جُنَادَة على الْمَشْهُور.

وَهَذَا الحَدِيث طرف من حَدِيث طَوِيل جدا قد مضى فِي كتاب الرقَاق فِي: بابُُ المكثرون هم المقلون.