فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب في الهبة والشفعة

( بابٌُ فِي الهِبَةِ والشُّفْعَةِ) أَي: هَذَا بابُُ فِيمَا يكره من الاحتيال فِي الرُّجُوع عَن الْهِبَة والاحتيال فِي إِسْقَاط الشُّفْعَة.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنْ وَهَبَ هِبَةً ألْفَ دِرْهَمٍ أوْ أكْثَرَ حتَّى مَكُثَ عِنْدَهُ سِنينَ، واحْتال فِي ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الواهبُ فِيها فَلاَ زَكاة على واحِدٍ مِنْهُما، فَخَالَف الرَّسولَ فِي الهبةِ وأسْقَطَ الزَّكاةَ.

أَرَادَ بِهِ التشنيع أَيْضا على أبي حنيفَة من غير وَجه لِأَن أَبَا حنيفَة فِي أَي مَوضِع قَالَ هَذِه الْمَسْأَلَة على هَذِه الصُّورَة بل الَّذِي قَالَه أَبُو حنيفَة هُوَ أَن الْوَاهِب لَهُ أَن يرجع فِي هِبته، وَلَكِن لصِحَّة الرُّجُوع قيود.
الأول: أَن يكون أَجْنَبِيّا.
وَالثَّانِي: أَن يكون قد سلمهَا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ قبل التَّسْلِيم يجوز مُطلقًا.
وَالثَّالِث: أَن لَا يقْتَرن بِشَيْء من الْمَوَانِع، وَهِي مَذْكُورَة فِي موضعهَا، وَاسْتدلَّ فِي جَوَاز الرُّجُوع بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهبته مَا لم يثب مِنْهَا.
أَي: مَا لم يعوض، رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَأخْرجهُ ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام من حَدِيث عَمْرو بن دِينَار عَن أبي هُرَيْرَة.
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عَطاء عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهبته مَا لم يثب مِنْهَا.
وَأما حَدِيث ابْن عمر فَأخْرجهُ الْحَاكِم من حَدِيث سَالم بن عبد الله يحدث عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي قَالَ: من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهَا مَا لم يثب مِنْهَا.
.

     وَقَالَ : حَدِيث صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ، فَكيف يحل أَن يُقَال فِي حق هَذَا الإِمَام الَّذِي علمه وزهده لَا يُحِيط بهما الواصفون أَنه خَالف الرَّسُول؟ وَكَيف خَالفه وَقد احْتج فِيمَا قَالَه بِأَحَادِيث هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة من الصَّحَابَة الْكِبَار؟ وَأما الحَدِيث الَّذِي احْتج بِهِ مخالفوه وَهُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ الَّذِي يَأْتِي الْآن، وَرَوَاهُ أَيْضا الْجَمَاعَة غير التِّرْمِذِيّ: عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي قَالَ: الْعَائِد فِي هِبته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه، فَلم يُنكره أَبُو حنيفَة بل عمل بِالْحَدِيثين مَعًا فَعمل بِالْحَدِيثِ الأول فِي جَوَاز الرُّجُوع وَبِالثَّانِي فِي كَرَاهَة الرُّجُوع، لَا فِي حرمه الرُّجُوع كَمَا زَعَمُوا، وَقد شبه النَّبِي رُجُوعه بِعُود الْكَلْب فِي قيئه، وَفعل الْكَلْب يُوصف بالقبح لَا بِالْحُرْمَةِ وَهُوَ يَقُول بِهِ لِأَنَّهُ مستقبح، وَلقَائِل أَن يَقُول: للقائل الَّذِي قَالَ: إِن أَبَا حنيفَة خَالف الرَّسُول: أَنْت خَالَفت الرَّسُول فِي الحَدِيث الَّذِي يحْتَج بِهِ على عدم الرُّجُوع لِأَن هَذَا الحَدِيث يعم منع الرُّجُوع مُطلقًا سَوَاء كَانَ الَّذِي يرجع مِنْهُ أَجْنَبِيّا أَو والداً لَهُ.
فَإِن قلت: روى أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة عَن حُسَيْن الْمعلم عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن طَاوس عَن ابْن عَمْرو بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، عَن النَّبِي قَالَ: لَا يحل لرجل أَن يُعْطي عَطِيَّة أَو يهب هبة فَيرجع فِيهَا إلاَّ الْوَالِد فِيمَا يُعْطي وَلَده.
قلت: هَذَا بِنَاء على أصلهم أَن للْأَب حق التَّمَلُّك فِي مَال الابْن لِأَنَّهُ جزؤه، فالتمليك مِنْهُ كالتمليك من نَفسه من وَجه قَوْله، واحتال فِي ذَلِك، فسره بَعضهم بقوله بِأَن تواطأ مَعَ الْمَوْهُوب لَهُ على ذَلِك.
قلت: لم يقل أحد من أَصْحَاب أبي حنيفَة: إِن أَبَا حنيفَة أَو أحدا من أَصْحَابه قَالَ ذَلِك، وَإِنَّمَا هَذَا اخْتِلَاق لتمشية التشنيع عَلَيْهِم.



[ قــ :6609 ... غــ :6975 ]
- حدّثنا أبُو نُعَيْم، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ أيُّوبَ السَّختِيانيِّ، عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النبيُّ العائِدُ فِي هِبَتِهِ كالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ، لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ.

مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْهِبَة.

قَوْله: وَلَيْسَ لنا مثل السوء أَي: الصّفة الرَّديئَة.





[ قــ :6610 ... غــ :6976 ]
- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا هِشامُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عَن أبي سَلَمَةَ، عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله قَالَ: إنّما جَعَلَ النبيُّ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذا وَقَعَت الحُدُودُ وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلا شفْعَةَ.

مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة.
وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي.

والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع عَن مُحَمَّد بن مَحْبُوب وَعَن مَحْمُود عَن عبد الرَّزَّاق وَفِيه وَفِي الشُّفْعَة وَفِي الشّركَة عَن مُسَدّد.

قَوْله: فِي كل مَا لم يقسم أَي: ملكا مُشْتَركا مشَاعا بَين الشُّرَكَاء.
قَوْله: وصرفت بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد أَي: منعت،.

     وَقَالَ  ابْن مَالك: أَي خلصت وَثبتت من الصّرْف وَهُوَ الْخَالِص، قَالَ: وَلَا شُفْعَة، لِأَنَّهُ صَار مقسوماً وَصَارَ فِي حكم الْجوَار وَخرج عَن الشّركَة، وَقد ذكرنَا فِيهِ من الْخلاف وَغَيره غير مرّة.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الشُّفْعَةُ للْجِوارِ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَا شَدَّدَهُ فأبْطَلَهُ،.

     وَقَالَ : إنِ اشْتَرَى دَارا فَخافَ أنْ يَأْخذَها الجارُ بِالشُّفْعَةِ فاشْتَرَى سَهْماً مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ ثُم اشْتَرَى الباقيَ وَكَانَ لِلْجارِ الشُّفْعَةُ فِي السَّهْمِ الأوَّلِ وَلَا شُفْعَةَ لهُ فِي باقِي الدَّارِ، ولهُ أنْ يَحْتالَ فِي ذالِكَ.

هَذَا تشنيع آخر على أبي حنيفَة.
وَهُوَ غير صَحِيح لِأَن هَذِه الْمَسْأَلَة فِيهَا خلاف بَين أبي يُوسُف وَمُحَمّد، فَأَبُو يُوسُف هُوَ الَّذِي يرى ذَلِك،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد: يكره ذَلِك، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي.
قَوْله: للجوار بِكَسْر الْجِيم وَضمّهَا وَهُوَ الْمُجَاورَة.
قَوْله: ثمَّ عمد إِلَى مَا شدده بالشين الْمُعْجَمَة ويروى بِالْمُهْمَلَةِ وَأَرَادَ بِهِ إِثْبَات الشُّفْعَة للْجَار.
قَوْله: فأبطله يَعْنِي أبطل مَا شدده وَيُرِيد بِهِ إِثْبَات التَّنَاقُض وَهُوَ أَنه قَالَ: الشُّفْعَة للْجَار ثمَّ أبْطلهُ حَيْثُ قَالَ فِي هَذِه الصُّورَة: لَا شُفْعَة للْجَار فِي بَاقِي الدَّار، وناقض كَلَامه.
قلت: لَا تنَاقض هُنَا أصلا لِأَنَّهُ لما اشْترى سَهْما من مائَة سهم كَانَ شَرِيكا لمَالِكهَا، ثمَّ إِذا اشْترى مِنْهُ الْبَاقِي يصير هُوَ أَحَق بِالشُّفْعَة من الْجَار لِأَن اسْتِحْقَاق الْجَار الشُّفْعَة إِنَّمَا يكون بعد الشَّرِيك فِي نفس الدَّار وَبعد الشَّرِيك فِي حَقّهَا.
قَوْله: إِن اشْترى دَارا أَي: إِذا أَرَادَ اشتراءها.





[ قــ :6611 ... غــ :6977 ]
- حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ إبْراهِيمَ بنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ الشَّرِيدِ قَالَ: جاءَ المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَة فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى مَنْكِبي، فانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى سَعْدٍ فَقَالَ أبُو رافِعٍ لِلْمِسْوَر: أَلا تَأْمُرُ هاذا أنْ يَشْتَرِيَ مِنِّي بَيْتِي الَّذِي فِي دَاري؟ فَقَالَ: لَا أزِيدُهُ عَلى أرْبَعمِائَةٍ إمَّا مُقَطَّعَةٍ وإمَّا مُنَجَّمَةٍ.
قَالَ: أُعْطِيتُ خمْسَمِائةٍ نَقْداً، فَمَنَعْتُهُ، ولوْلا أنِّي سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ الجَارُ أحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا بِعْتُكَهُ.
أوْ قَالَ: مَا أعْطَيْتُكَهُ.

قُلْتُ لِسُفْيانَ: إنَّ مَعْمَراً لَمْ يَقُلْ هاكذا، قَالَ: لاكِنَّهُ قَالَ لي هاكذا.

مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَإِبْرَاهِيم بن ميسرَة ضد الميمنة الطَّائِفِي، وَعَمْرو بن الشريد بالشين الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة الثَّقَفِيّ، والمسور بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وبالواو ثمَّ بالراء ابْن مخرمَة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة ابْن نَوْفَل الْقرشِي ولد بِمَكَّة بعد الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ وَقدم بِهِ الْمَدِينَة فِي عقب ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَقبض النَّبِي وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، وَسمع من النَّبِي وَحفظ عَنهُ، وَفِي حِصَار الْحصين بن نمير مَكَّة لقِتَال ابْن الزبير أَصَابَهُ حجر من حجر المنجنيق وَهُوَ يُصَلِّي فِي الْحجر فَقتله، وَذَلِكَ فِي مستهل ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ، وَصلى عَلَيْهِ ابْن الزبير بالحجون وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ، وَأَبوهُ مخرمَة من مسلمة الْفَتْح وَهُوَ أحد الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَمِمَّنْ حسن إِسْلَامه مِنْهُم، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة أَربع وخمسن وَقد بلغ مائَة سنة وَخمْس عشرَة سنة، وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص وَهُوَ خَال الْمسور الْمَذْكُور، وَأَبُو رَافع مولى رَسُول الله واسْمه أسلم القبطي.

قَوْله: أَلا تَأمر هَذَا يَعْنِي: سعد بن أبي وَقاص، وَالْمرَاد أَنه يسْأَله أَو يُشِير عَلَيْهِ.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِيه أَن الْأَمر لَا يشْتَرط فِيهِ الْعُلُوّ وَلَا الاستعلاء.
قَوْله: بَيْتِي الَّذِي فِي دَاري كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بَيْتِي اللَّذين، بالتثنية.
قَوْله: إِمَّا مقطعَة وَإِمَّا منجمة ويروى: مقطعَة أَو منجمة، بِالشَّكِّ من الرَّاوِي وَالْمرَاد أَنَّهَا مُؤَجّلَة على نقدات مفرقة، والنجم الْوَقْت الْمعِين الْمَضْرُوب.
قَوْله: أَعْطَيْت على صِيغَة الْمَجْهُول وَالْقَائِل هُوَ أَبُو رَافع.
قَوْله: بسقبه ويروى: بصقبه، بالصَّاد وبفتح الْقَاف وسكونها وَهُوَ الْقرب، يُقَال: سقبت دَاره بِالْكَسْرِ والمنزل سقب والساقب الْقَرِيب وَيُقَال للبعيد أَيْضا، جَعَلُوهُ من الأضداد.
.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي كتاب غَرِيب الحَدِيث الصقب بالصَّاد مَا قرب من الدَّار وَيجوز أَن يُقَال: سقب، بِالسِّين وَاسْتدلَّ بِهِ أَصْحَابنَا أَن للْجَار الشُّفْعَة بعد الخليط فِي نفس الْمَبِيع، وَهُوَ الشَّرِيك ثمَّ للخليط فِي حق الْمَبِيع كالشرب بِالْكَسْرِ وَالطَّرِيق، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي حَيْثُ لم يثبت الشُّفْعَة للْجَار.
قَوْله: مَا بعتكه أَي: الشَّيْء، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: مَا بِعْتُك بِحَذْف الْمَفْعُول.
قَوْله: أَو قَالَ: مَا أعطيتكه شكّ من الرَّاوِي، قيل: هُوَ سُفْيَان ويروى: مَا أَعطيتك، بِحَذْف الضَّمِير.

قَوْله: قلت لِسُفْيَان الْقَائِل هُوَ عَليّ بن عبد الله شيخ البُخَارِيّ.
قَوْله: أَن معمراً لم يقل هَكَذَا يُشِير بِهِ إِلَى مَا رَوَاهُ عبد الله بن الْمُبَارك عَن معمر عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة عَن عَمْرو بن الشريد عَن أَبِيه بِالْحَدِيثِ دون الْقِصَّة.

أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن حُسَيْن الْمعلم عَن عَمْرو بن الشريد عَن أَبِيه: أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول أرضي لَيْسَ فِيهَا لأحد شرك وَلَا قسم إِلَّا الْجوَار، فَقَالَ: إِنَّمَا الْجَار أَحَق بسقبه مَا كَانَ، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَهَذَا صَرِيح بِوُجُوب الشُّفْعَة لجوار لَا شركَة فِيهِ.
انْتهى.
قلت: الشريد بن سُوَيْد الثَّقَفِيّ عداده فِي أهل الطَّائِف لَهُ صُحْبَة النَّبِي وَيُقَال: إِنَّه من حَضرمَوْت، وَيُقَال: إِنَّه من هَمدَان حَلِيف لثقيف، روى عَنهُ عَمْرو، وَالْمرَاد على هَذَا بالمخالفة إِبْدَال الصَّحَابِيّ بصحابي آخر،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يُرِيد أَن معمراً لم يقل هَكَذَا أَي: إِن الْجَار أَحَق بِالشُّفْعَة، بِزِيَادَة لفظ: الشُّفْعَة، ورد عَلَيْهِ بِأَن الَّذِي قَالَه لَا أصل لَهُ وَلم يعلم مُسْتَنده فِيهِ مَا هُوَ، بل لفظ معمر: الْجَار أَحَق بصقبه، كَرِوَايَة أبي رَافع سَوَاء.
قَوْله: لكنه أَي: قَالَ سُفْيَان: لَكِن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة قَالَ لي هَكَذَا وَحكى التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ: إِن الطَّرِيقَيْنِ صَحِيحَانِ، وَالله أعلم.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاس: إِذا أرادَ أنْ يَبِيعَ الشُّفْعَةَ فَلَهُ أنْ يَحْتَالَ حتَّى يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، فَيَهَبُ البائِعُ لِلْمُشْتَرِي الدَّارَ ويَحُدُّها ويَدْفَعُها إلَيْهِ ويُعوِّضُهُ المُشْتري ألْفَ دِرْهَمٍ، فَلَا يَكُون لِلشَّفِيعِ فِيها شُفْعَةٌ.

هَذَا تشنيع على الْحَنَفِيَّة بِلَا وَجه على مَا نذكرهُ.
قَوْله: أَن يَبِيع الشُّفْعَة من البيع قَالَ الْكرْمَانِي: لفظ الشُّفْعَة، من النَّاسِخ أَو المُرَاد لَازم البيع وَهُوَ الْإِزَالَة.
قلت: فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي ذَر عَن غير الْكشميهني: إِذا أَرَادَ أَن يقطع الشُّفْعَة، ويروى: إِذا أَرَادَ أَن يمْنَع الشُّفْعَة.
قَوْله: ويحدها أَي: يصف حُدُودهَا الَّتِي تميزها،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروى فِي بعض النّسخ: وَنَحْوهَا، وَهُوَ أظهر، وَإِنَّمَا سَقَطت الشُّفْعَة فِي هَذِه الصُّورَة لِأَن الْهِبَة لَيست مُعَاوضَة مَحْضَة فَأَشْبَهت الْإِرْث.





[ قــ :661 ... غــ :6978 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسفَ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ إبْراهِيمَ بنِ مَيْسَرَةَ، عنْ عَمْرِو بنِ الشَّرِيدِ، عنْ أبي رافِعٍ أنَّ سَعْداً ساوَمَهُ بَيْتاً بأرْبَعِمِائَةِ مِثْقالٍ، فَقَالَ: لوْلا أنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ الجارُ أحَقُّ بِصَقَبِهِ لمَا أعْطَيْتُكَ.

أَي: هَذَا حَدِيث أبي رَافع الْمَذْكُور ذكره مُخْتَصرا من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، وَأوردهُ فِي آخر كتاب الْحِيَل بأتم مِنْهُ.

سعد هُوَ ابْن أبي وَقاص، قيل: ذكر البُخَارِيّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة حَدِيث أبي رَافع ليعرفك إِنَّمَا جعله النَّبِي حَقًا للشَّفِيع لقَوْله: الْجَار أَحَق بصقبه لَا يحل إِبْطَاله انْتهى.
قلت: لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على أَن البيع وَقع وَالشَّفِيع لَا يسْتَحق إلاَّ بعد صُدُور البيع، فحينئذٍ لَا يَصح أَن، يُقَال: لَا يحل إِبْطَاله،.

     وَقَالَ  صَاحب التَّوْضِيح إِنَّمَا أَرَادَ البُخَارِيّ أَن يلْزم أَبَا حنيفَة التَّنَاقُض لِأَنَّهُ يُوجب الشُّفْعَة للْجَار وَيَأْخُذ فِي ذَلِك بِحَدِيث: الْجَار أَحَق بصقبه، فَمن اعْتقد هَذَا وَثَبت ذَلِك عِنْده من قَضَائِهِ وتحيل بِمثل هَذِه الْحِيلَة فِي إبِْطَال شُفْعَة الْجَار فقد أبطل السّنة الَّتِي اعتقدها.
انْتهى.
قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه كَلَام من غير إِدْرَاك وَلَا فهم، لِأَنَّهُ لَا جَار فِي هَذِه الصُّورَة لِأَن الَّذِي فِيهَا الشَّرِيك فِي نفس الْمَبِيع وَالْجَار لَا يتَقَدَّم عَلَيْهِ وَلَا يسْتَحق الْجَار الشُّفْعَة إِلَّا بعده بل وَبعد الشَّرِيك فِي حق الْمَبِيع أَيْضا فَكيف يحل لهَذَا الْقَائِل أَن يفتري على هَذَا الإِمَام الَّذِي سبق إِمَامه وَإِمَام غَيره وينسب إِلَيْهِ أبطال السّنة.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنِ اشْتَراى نَصِيبَ دارٍ فأرادَ أنْ يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ وهَبَ لابْنِهِ الصغيرِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ.

هَذَا أَيْضا تشنيع على الْحَنَفِيَّة.
قَوْله: وهب أَي: مَا اشْتَرَاهُ لِابْنِهِ الصَّغِير وَلَا يكون عَلَيْهِ يَمِين فِي تحقق الْهِبَة، وَلَا فِي جَرَيَان شُرُوطهَا.
وَقيد بالصغير لِأَن الْهِبَة لَو كَانَت للكبير وَجب عَلَيْهِ الْيَمين فتحيل إِلَى إِسْقَاطهَا بجعلها للصَّغِير، وَأَشَارَ بِالْيَمِينِ أَيْضا إِلَى أَن لَو وهب لأَجْنَبِيّ فَإِن للشَّفِيع أَن يحلف الْأَجْنَبِيّ أَن الْهِبَة حَقِيقِيَّة وَأَنَّهَا جرت بشروطها: وَالصَّغِير لَا يحلف لَكِن عِنْد الْمَالِكِيَّة: أَن أَبَاهُ الَّذِي يقبل لَهُ يحلف، وَعَن مَالك: لَا تدخل الشُّفْعَة فِي الْمَوْهُوب مُطلقًا، كَذَا ذكره فِي الْمُدَوَّنَة