فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: كيف يدعى للمتزوج

( بابٌُ كَيْفَ يُدْعَى لِلْمُتَزوِّجِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كَيْفيَّة الدُّعَاء للَّذي يتَزَوَّج؟ قَالَ ابْن بطال: أَرَادَ بِهَذَا الْبابُُ رد قَول الْعَامَّة عِنْد الْعرس بقَوْلهمْ: بالرفاء والبنين فَإِن قلت: رُوِيَ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من حَدِيث معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهد أَمْلَاك رجل من الْأَنْصَار فَخَطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنكح الْأنْصَارِيّ،.

     وَقَالَ : على الألفة وَالْخَيْر وَالْبركَة والطائر الميمون وَالسعَة فِي الرزق وَأخرجه أَبُو عمر النوقاني فِي كتاب ( معاشرة الأهلين) من حَدِيث أنس، وَزَاد فِيهِ: والرفاء والبنين؟ قلت: الَّذِي أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير ضَعِيف، وَأخرجه أَيْضا فِي الْأَوْسَط بِسَنَد أَضْعَف مِنْهُ، وَفِي حَدِيث النوقاني أبان الْعَبْدي وَهُوَ ضَعِيف، وَأخرج التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة أَنا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا رفأ الْإِنْسَان إِذا تزوج، قَالَ: ( بَارك الله لَك وَبَارك عَلَيْك وَجمع بَيْنكُمَا فِي خير) .
.

     وَقَالَ : حَدِيث حسن صَحِيح، وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَالنَّسَائِيّ فِي الْكَبِير وَالْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عبد الرَّحْمَن بن عبيد، وَابْن مَاجَه عَن سُوَيْد بن سعيد.
قَوْله: ( إِذا رفأ) ، قَالَ شَيخنَا: هُوَ بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْفَاء مَهْمُوز، وَهُوَ الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة مَأْخُوذ من الالتئام والاجتماع، وَمِنْه رفو الثَّوْب،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الرفاء بِالْمدِّ الالتئام والاتفاق، يُقَال للمتزوج: بالرفاء والبنين، وَرَوَاهُ بَعضهم: رفى، مَقْصُورا بِغَيْر همزَة، وَرَوَاهُ بَعضهم: رفح، بِالْحَاء الْمُهْملَة مَوضِع الْهمزَة، وَمعنى الأول أَعنِي الْمَقْصُور القَوْل بالرفاء والاتفاق، وَمعنى الثَّانِي على أَنه رفاء بِالْهَمْزَةِ وَلكنه أبدل الْهمزَة حاء، وَأخرج النَّسَائِيّ من رِوَايَة أَشْعَث عَن الْحسن عَن عقيل بن أبي طَالب أَنه تزوج امكرأة من بني حبشم فَقَالُوا: بالرفاء والبنين، فَقَالَ: لَا تَقولُوا هَكَذَا، وَلَكِن قُولُوا، كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ بَارك لَهُم وَبَارك عَلَيْهِم، وَهُوَ مُرْسل.



[ قــ :4877 ... غــ :5155 ]
- حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا حَمَّادٌ هُوَ ابنُ زَيْدٍ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عنهُ، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى علَى عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْف أثَرَ صُفْرَةٍ، قَالَ: مَا هاذا؟ قَالَ: إنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأةً علَى وزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: باركَ الله لَكَ، أوْلِمْ ولوْ بِشاةٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( بَارك الله لَك) يُوضح معنى قَوْله: كَيفَ يدعى للمتزوج.
وَحَدِيث أنس هَذَا مُخْتَصر من حَدِيث حميد عَن أنس الَّذِي مضى فِي الْبابُُ الَّذِي قبل الْبابُُ الْمُجَرّد، وَفِيه زِيَادَة على ذَلِك، وَهُوَ قَوْله: ( بَارك الله لَك) وَهَذِه اللَّفْظَة ترد القَوْل: بالرفاء والبنين، لِأَنَّهُ من أَقْوَال الْجَاهِلِيَّة، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكره ذَلِك لموافقتهم فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الْحِكْمَة فِي النَّهْي، وَقيل: لِأَنَّهُ لَا حمد فِيهِ وَلَا ثَنَاء، وَلَا ذكر لله عز وَجل، وَقيل: لما فِيهِ من الْإِشَارَة إِلَى بغض الْبَنَات لتخصيص الْبَنِينَ بِالذكر.
قلت: فعلى هَذَا إِذا قيل: بالرفاء وَالْأَوْلَاد لَا يَنْبَغِي أَن لَا يكره.
فَإِن قلت: رُوِيَ ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عمر بن قيس الماصر قَالَ: شهِدت شريحا وَأَتَاهُ رجل من أهل الشَّام، فَقَالَ: إِنِّي تزوجت امْرَأَة، فَقَالَ: بالرفاء والبنين: قلت: هَذَا مَحْمُول على أَن شريحا لم يبلغهُ النَّهْي عَن ذَلِك.