فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب السواك

( بابُُ السِّواكِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَحْكَام السِّوَاك.
قَالَ ابْن سَيّده: السِّوَاك، يذكر وَيُؤَنث، والسواك كالمسواك، الْجمع: سوك،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة رُبمَا همز فَقيل: سؤك، وَأنْشد الْخَلِيل لعبد الرَّحْمَن بن حسان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

أغر الثنايا أَحْمَر اللثات سؤك الأسحل.

بِالْهَمْز، يُقَال: ساك الشَّيْء سوكاً دلكه وساك فيمه بِالْعودِ وَاسْتَاك، مُشْتَقّ مِنْهُ، وَفِي الْجَامِع،
السِّوَاك والمسواك مَا يدلك بِهِ الْأَسْنَان من الْعود والتذكير أَكثر، وَهُوَ نفس الْعود الَّذِي يستاك بِهِ، وَأَصله الْمَشْي الضَّعِيف يُقَال: جَاءَت الْغنم وَالْإِبِل تستاك هزالًا أَي: لَا تحرّك رؤسها وَفِي ( الصِّحَاح) بِجمع على سوك مثل: كتاب وَكتب، وَيُقَال: ساك فَمه، وَإِذا لم يذكر الْفَم يُقَال: استاك وَهَاهُنَا سؤالان.
الأول: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين هَذَا الْبابُُ وَالْبابُُ الَّذِي قبله؟ .
وَالثَّانِي: مَا وَجه مَا ذكره بَين الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة هَاهُنَا؟ .
الْجَواب عَن الأول: أَن كلاًّ مِنْهُمَا يشْتَمل على الأزالة غير أَن الْبابُُ الأول يشْتَمل على إِزَالَة الدَّم، وَهَذَا الْبابُُ يشْتَمل على إِزَالَة رَائِحَة الْفَم، وَهَذَا الْقدر كَاف.
وَعَن الثَّانِي: ظَاهر، وَهُوَ أَن الْأَبْوَاب كلهَا فِي أَحْكَام الْوضُوء، وَإِزَالَة النَّجَاسَات وَنَحْوهَا، وَبابُُ السِّوَاك من أَحْكَام الْوضُوء عِنْد الْأَكْثَرين.

وقالَ ابنُ عَبَّاسِ بِتُّ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْنَن

هَذَا التَّعْلِيق لَيْسَ فِي رِوَايَة المستعلي، وَهُوَ قِطْعَة من حَدِيث طَوِيل فِي قصَّة مبيت عبد الله بن عَبَّاس عِنْد خَالَته مَيْمُونَة، أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، ليشاهد صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّيْلِ وَصله البُخَارِيّ من طرق، وَتقدم بعضه وَيَأْتِي الْبَاقِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: ( فاستن) من الاستنان، وَهُوَ الاستياك، وَهُوَ ذَلِك الْأَسْنَان وَحكمهَا بِمَا يجلوها، مَأْخُوذ من السن، وَهُوَ إمرار الشَّيْء الَّذِي فِيهِ خشونة على شَيْء آخر، وَمِنْه المسن الَّذِي يشحذ بِهِ الْحَدِيد، وَنَحْوه.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الاستنان: اسْتِعْمَال السِّوَاك، افتعال من الْأَسْنَان وَهُوَ الإمرار على شَيْء.



[ قــ :241 ... غــ :244 ]
- حدّثنا أبُو النُّعْمانِ قَالَ حدّثنا حَمَّادْ بنْ زَيْدٍ عنْ غَيْلانَ بن جَرِيرٍ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبيهِ قَالَ أتَيْتُ النَّبيِّ لله فَوَجَدْتَهُ يَسْتَنُّ بِسِوَاكٍ بِيَدِهِ يَقُولُ اعْ أُعْ والسِّوَاكُ فِي فِيهِ كأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ.

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو النُّعْمَان، بِضَم النُّون.
مُحَمَّد بن الْفضل الْمَشْهُور بعارم، تقدم فِي آخر كتاب الْإِيمَان.
الثَّانِي: حَمَّاد بن زيد، تقدم فِي بابُُ الْمعاصِي من أَمر الْجَاهِلِيَّة.
الثَّالِث: غيلَان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَسُكُون الْيَاء آخرالحروف.
ابْن جرير، بِفَتْح الْجِيم وبالراء الْمَكْسُورَة المكررة، المعولي، بِسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو، وَأما الْمِيم فَقَالَ الغسائي: بِفَتْحِهَا مَنْسُوبا إِلَى بطن من الأزد،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير بِكَسْرِهَا، مَاتَ سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة.
الرَّابِع: أَبُو بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه عَامر.
الْخَامِس: أَبوهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ابْن عبد الله بن قيس، وَقد تقدم ذكرهمَا فِي بابُُ: أَي الْإِسْلَام أفضل.

بَيَان لطائف إِسْنَاده فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والعنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي، وَأَبُو بردة الْكُوفِي القَاضِي بكوفة، وَقيل: اسْمه الْحَارِث.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره.
أخرجه البُخَارِيّ هُنَا، وَقَوله: ( أعْ أُعْ) من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن يحيى بن حبيب، وَأَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد وَأبي الرّبيع وَالنَّسَائِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن عَبدة، خمستهم عَن حَمَّاد بن زيد.

بَيَان لغته وَإِعْرَابه وَتَفْسِير: الاستنان، قد مر قَوْله: ( أَعْ أُعْ) ، بِضَم الْهمزَة وبالعين الْمُهْملَة، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَذكر ابْن التِّين أَن غَيره رَوَاهُ بِفَتْح الْهمزَة، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة عَن أَحْمد بن عَبدة عَن حَمَّاد بِتَقْدِيم الْعين على الْهمزَة، وَكَذَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِسْمَاعِيل القَاضِي عَن عَارِم شيخ البُخَارِيّ فِيهِ، وَعَن أبي دَاوُد ( أَهْ أُهْ) ، بِضَم الْهمزَة وَقيل: بِفَتْحِهَا وَالْهَاء سَاكِنة وَعند ابْن خُزَيْمَة ( عاعا) وَفِي ( صَحِيح الجوزقي) ( أَحْ أُحْ) بِكَسْر الْهمزَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة، وَفِي ( مُسْند أَحْمد) ( وَاضع طرف السِّوَاك على لِسَانه يستن إِلَى فَوق) فوصفه حَمَّاد ( كَانَ يرفع لِسَانه) ووضفه غيلَان ( كَانَ يستن طولا) وَكلهَا عبارَة عَن إبلاغ السِّوَاك إِلَى أقْصَى الْحلق، اع فِي الأَصْل حِكَايَة الصَّوْت، وَفِي بعض النّسخ: بالغين الْمُعْجَمَة، قَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: ( يتهواع) أَي: يتقيأ، وَهُوَ من بابُُ التفعل الَّذِي للتكلف، يُقَال: هاع يهوع إِذا قاء من غير تكلّف، فَإِذا تكلّف يُقَال تهوع.
وَفِي ( الموعب) هاع الرجل يهوع هوعاً وهواعاً، جَاءَ القييء من غير تكلّف، وَأنْشد:
( مَا هاعَ عمروٌ حِين أَدخل حلقه ... يَا صَاح، ريش حمامة، بل قاءَ) وَالَّذِي يخرج من الْحلق يُسمى هواعةٍ، وهوعت مَا أَكلته إِذا استخرجته من حلقك.
وَعَن إِسْمَاعِيل: الهوعاء، مثل.
عشراء، من التهوع.
وَعَن قطرب: الهيعوعة من الهواع.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: الهيعوعة من بَنَات، الْوَاو، وَلَا يتَوَجَّه اللَّهُمَّ إلاَّ أَن يكون محذوفاً قَوْله: ( يستن) جملَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا مفعول ثَان، لوحدته، ووحد من أَفعَال الْقُلُوب، لِأَن مَعْنَاهُ قَائِم بِالْقَلْبِ، وَيَأْتِي: وجد بِمَعْنى أصَاب أَيْضا، فَإِن جعل وجدته من هَذَا الْمَعْنى تكون الْجُمْلَة مَنْصُوبَة على الْحَال من الضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي فِي وجدته، قَوْله: ( بِيَدِهِ) الْيَاء فِيهِ تتَعَلَّق بِمَحْذُوف تَقْدِيره، بسواك كَائِن بِيَدِهِ، وَنَحْو ذَلِك.
قَوْله: ( يَقُول) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل فِي مَحل النصب على الْحَال.
وَقَوله: ( أَعْ أُعْ) فِي مَحل النصب على مقول القَوْل.
وَقَوله: ( والسواك فِي فِيهِ) أَي: فِي فَمه، وَمحل هَذِه الْجُمْلَة النصب على الْحَال.

بَيَان استنباط الحكم وَهُوَ: أَنه يدل على أَن السِّوَاك سنة مؤكذة لمواظبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ لَيْلًا نَهَارا أَو قَامَ الْإِجْمَاع كَونه مَنْدُوبًا حَتَّى قَالَ الْأَوْزَاعِيّ: هُوَ شطر الْوضُوء، وَقد جَاءَ أَحَادِيث كَثِيرَة تدل على مواظبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ، وَلَكِن أَكْثَرهَا فِيهِ كَلَام، وَأقوى مَا يدل على الْمُوَاظبَة وأصحه محافظته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ حَتَّى عِنْد وَفَاته، كَمَا جَاءَ فِي البُخَارِيّ من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
قَالَت: ( دخل عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، رَضِي الله عَنْهُمَا، على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مسندته إِلَى صَدْرِي، وَمَعَ عبد الرَّحْمَن سواك رطب يستن بِهِ فأمده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ببصره، فَأخذت السِّوَاك فقضمته وطيبته ثمَّ دَفعته إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاستن) .
الحَدِيث وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ فَقَالَ بَعضهم: إِنَّه من سنة الْوضُوء.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: إِنَّه من سنة الصَّلَاة،.

     وَقَالَ  آخَرُونَ إِنَّه من سنة الدّين، وَهُوَ الْأَقْوَى، نقل ذَلِك عَن أبي حنيفَة.
وَفِي ( الْهِدَايَة) أَن الصَّحِيح اسْتِحْبابُُه، وَكَذَا هُوَ عِنْد الشَّافِعِي،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: هُوَ سنة وَلَو أمكن لكل صَلَاة لَكَانَ أفضل، وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة فرض لَازم وَحكى أَبُو حَامِد الإسفرائيني وَالْمَاوَرْدِيّ عَن أهل الظَّاهِر وُجُوبه، وَعَن إِسْحَاق أَنه وَاجِب إِنَّه تَركه عمدا بطلت صلَاته، وَزعم النَّوَوِيّ أَن هَذَا لم يَصح عَن إِسْحَاق وكيفيته عندنَا أَن يستاك عرضا لَا طولا عِنْد مضمضة الْوضُوء وَأخرج أَبُو نعيم من حَدِيث عَائِشَة قَالَت: ( كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستاك عرضا لَا طولا) وَفِي ( الْمُغنِي) ويستاك على أَسْنَانه وَلسَانه، وَلَا تَقْدِير فِيهِ، يستاك إِلَى أَن يطمئن قلبه بِزَوَال النكهة واصفرار السن، وَيَأْخُذ السِّوَاك باليمنى، وَالْمُسْتَحب فِيهِ ثَلَاث مياه، وَيكون فِي غلط الْخِنْصر وَطول الشبر وَالْمُسْتَحب أَن شَاك بِعُود من أَرَاك وبيابس قد ندى بِالْمَاءِ وَيكون لينًا محرما وَفِي ( الْمُحِيط) العلك للْمَرْأَة يقوم مقَام السِّوَاك، وَإِذا لم يجد السِّوَاك يعالج بإصبعه فِي حَدِيث أنس، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يجزىء من السِّوَاك الْأَصَابِع، وَضَعفه وفضائلة كَثِيرَة، وَقد ذكرنَا فِي ( شرحنا لمعاني الْآثَار) للطحاوي مَا ورد فِيهِ عَن أَكثر من خمسين صحابياً.





[ قــ :4 ... غــ :45 ]
- حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أبي شَيْبَةَ قَالَ جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورِ عنْ أبي وَائِلٍ عنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قامِ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فاهُ بالِسِّوَاكِ..
هَذَا أَيْضا مُطَابق للتَّرْجَمَة.

بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: عُثْمَان: بن أبي شيبَة أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة، وَجَرِير بن عبد الحميد، وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق الْحَضْرَمِيّ، تقدمُوا فِي بابُُ: من جعل لأهل الْعلم أَيَّامًا، وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان صَاحب سر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

بَيَان لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين: وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كوفيون.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ هَاهُنَا عَن عُثْمَان، وَفِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن كثير، وَفِي صَلَاة اللَّيْل عَن حَفْص بن عمر.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن ابْن نمير عَن أَبِيه وَأبي مُعَاوِيَة كِلَاهُمَا عَن الْأَعْمَش وَعَن أبي مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى وَبُنْدَار كِلَاهُمَا عَن ابْن مهْدي عَن سُفْيَان.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن كثير بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم وقتيبة، كِلَاهُمَا عَن جرير بِهِ وَفِي الصَّلَاة عَن عَمْرو بن عَليّ وَمُحَمّد بن الْمثنى، كِلَاهُمَا عَن ابْن مهْدي بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، وَعَن مُحَمَّد بن سعيد وَعَن أَحْمد بن سُلَيْمَان وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّهَارَة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير بِهِ، وَعَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع.

بَيَان لغته قَوْله: ( يشوص) بالشين الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة: قَالَ ابْن سَيّده: شاص الشَّيْء مشوصاً غسله، وشاص فَاه بِالسِّوَاكِ شوصاً غسله وَقيل: امْرَهْ على أَسْنَانه من سفل إِلَى علو.
وَقيل: هُوَ أَن يطعن بِهِ فِيهَا وَقد شاصه شوصاً وشوصاناً وشاص الشَّيْء شوصاً دلكه وشاص الشَّيْء زعزعه وَفِي ( الْجَامِع) كل شَيْء غسلته فقدت شصته.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: شصته نقيته وَفِي ( الغريبين) كل شَيْء غسلته فقد شصته ومصته.
.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر هُوَ الحك.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: الشوص ذَلِك الْأَسْنَان عرضا وَقيل: الشوص غسل الشَّيْء فِي لين ورفق.

وَمِمَّا يستنبط من هَذَا مَا قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: فِيهِ: اسْتِحْبابُُ السِّوَاك عِنْد الْقيام من النّوم، لِأَن النّوم مُقْتَض لتغير الْفَم لما يتصاعد إِلَيْهِ من أبخرة الْمعدة، والسواك آلَة تنظيفه فَيُسْتَحَب عِنْد مُقْتَضَاهُ،.

     وَقَالَ : ظَاهر قَوْله: ( من اللَّيْل) عَام فِي كل حَالَة، وَيحْتَمل أَن يخص بِمَا إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة انْتهى وَيدل على هَذَا الِاحْتِمَال رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة بِلَفْظ ( إِذا قَامَ للتهجد) وَلمُسلم نَحوه وَحَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يشْهد لَهُ.




( بابُُ دَفْعُ السَّوَاكِ إِلَى الأكْبَرَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان دفع السِّوَاك إِلَى الْأَكْبَر.
والمناسبة بِي الْبابَُُيْنِ ظَاهِرَة.



[ قــ :4 ... غــ :46 ]
- وقالَ عَفَّانُ حدّثنا صَخْرُ بنُ جُرَيْرِيَةَ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمْرَ أَنَّ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ أَرَاني أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكِ فَجَاءَنِي رَجُلاَنِ أَحَدَهُمًّ أَكْبَرِ مِنَ الآخَرِ مِنَ الآخَرِ فَناوَلَتُ السِّوَاكَ الأصْغَرَ مِنْهُمَا فَقِيلَ لِيَ كَبِّرْ فَدَفَعْتْهُ إِلَيّ الأكْبَرَ مِنْهُمَا قَالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ اخْتَصَرَهُ نُعَيْمٌ عنِ ابنِ المُبَارَكِ عنْ أُسَامَةِ عنْ نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالَى عَنْهُمَا.

أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث بِلَا رِوَايَة، وَلَكِن وَصله غَيره مِنْهُم: أَبُو عوَانَة فِي ( صَحِيحه) عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصفاني، وَغَيره عَن عَفَّان وَأخرجه أَيْضا أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ عَن أبي أَحْمد، حَدثنَا مُوسَى بن الْعَبَّاس الْجُوَيْنِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى حَدثنَا عَفَّان، وَحدثنَا أَبُو إِسْحَاق حَدثنَا عبد الله بن فحطية حَدثنَا نصر بن عَليّ حَدثنَا أبي، قَالَا: حَدثنَا صَخْر بن جوَيْرِية.

     وَقَالَ  مُسلم فِي ( صَحِيحه) حَدثنَا نصر بن عَليّ عَن أَبِيه عَن صَخْر والإسماعيلي من طَرِيق وهب بن جرير وَسَعِيد بن حَرْب، قَالَا: حَدثنَا صَخْر بن جوَيْرِية فَذكره.

بَيَان رِجَاله وهم ثَمَانِيَة: الأول: عَفَّان بن مُسلم الصفار الْبَصْرِيّ الْأنْصَارِيّ، أَبُو عُثْمَان، سُئِلَ عَن الْقُرْآن زمن المحنة فَأبى أَن يَقُول: الْقُرْآن مَخْلُوق، وَكَانَ من حكام الْجرْح وَالتَّعْدِيل، جعل لَهُ عشرَة آلَاف دِينَار على أَن يقف عَن تَعْدِيل رجل، وَلَا يَقُول: عدل أَو غير عدل، قَالُوا: قف فِيهِ وَلَا تقل شَيْئا، فَقَالَ: لَا أبطل حَقًا من الْحُقُوق، وَلم يَأْخُذهَا.
مَاتَ بِبَغْدَاد سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: صَخْر بن جوَيْرِية، تَصْغِير الْجَارِيَة بِالْجِيم، الْبَصْرِيّ أَبُو نَافِع التَّمِيمِي الثِّقَة.
الثَّالِث: نَافِع مولى ابْن عمر الْقرشِي الْعَدوي، تقدم فِي آخر كتاب الْعلم.
الرَّابِع: عبد الله بن عمر بن الْخطاب الْخَامِس: أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه.
السَّادِس: نعيم، بِضَم النُّون بن حَمَّاد الْمروزِي الْخُزَاعِيّ الْأَعْوَر، سكن مصر.
قَالَ أَحْمد: كُنَّا نُسَمِّيه الفارض، كَانَ من أعلم النَّاس بالفرائض، وَسُئِلَ عَن الْقُرْآن فَلم يجب بِمَا أرادوه مِنْهُ، فحبس بسامرا حَتَّى مَاتَ فِي السجْن سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ زمن خلَافَة أبي إِسْحَاق بن هَارُون الرشيد.
السَّابِع: عبد الله بن الْمُبَارك.
تقدم فِي كتاب الْوَحْي.
الثَّامِن: أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ، بِالْمُثَلثَةِ الْمدنِي.
وَقد تكلم فِيهِ، وَلِهَذَا ذكره البُخَارِيّ، رَحمَه الله اسْتِشْهَادًا، مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ.

بَيَان لطائف الإسنادين وَفِي الْإِسْنَاد الأول: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِي الثَّانِي: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي وبصري ومدني.

ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: ( أَرَانِي) بِفَتْح الْهمزَة أَي: أرى نفس فالفاعل وَالْمَفْعُول عبارتان عَن معبر وَاحِد، وَهَذَا من خَصَائِص أَفعَال الْقُلُوب.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض النّسخ بِضَم الْهمزَة، فَمَعْنَاه أَظن نَفسِي.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَوهم من ضمهَا.
قلت: لَيْسَ بوهم، والعبارتان تستعملان وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: ( رَآنِي) بِتَقْدِيم الرَّاء، وَالْأول أشهر، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق عَليّ ابْن نصر الْجَهْضَمِي عَن صَخْر: ( أَرَانِي فِي الْمَنَام) ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ( رَأَيْت فِي الْمَنَام) ، فعلى هَذَا فَهُوَ من الرُّؤْيَا قَوْله: ( فَقيل لي) الْقَائِل لَهُ.
جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام قَوْله: ( كبر) أَي؛ قدم الْأَكْبَر فِي السن قَوْله: ( قَالَ أَبُو عبد الله) أَي: البُخَارِيّ قَوْله: ( اخْتَصَرَهُ نعيم) أَي: اختصر الْمَتْن نعيم، وَمعنى الِاخْتِصَار هَاهُنَا أَنه ذكر مُحَصل الحَدِيث وَحذف بعض مقدماته، وَرِوَايَة نعيم هَذِه وَصلهَا الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) عَن بكر بن سهل عَنهُ بِلَفْظ ( أَمرنِي جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، أَن أكبر) وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا حَدثنَا الْحسن بن عِيسَى حَدثنَا ابْن الْمُبَارك أَنبأَنَا أُسَامَة، وَحدثنَا الْحسن حَدثنَا حبَان أَنبأَنَا ابْن الْمُبَارك فَذكره وَفِيه قَالَ: ( إِن جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، أَمرنِي أَن أدفَع إِلَى أكبرهم) وَأخرجه أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: ( رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستن فَأعْطَاهُ أكبر الْقَوْم، ثمَّ قَالَ: إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، أَمرنِي أَن أكبره) فَإِن قلت هَذَا: يَقْتَضِي أَن تكون الْقَضِيَّة وَقعت فِي الْيَقَظَة، وَتلك الرِّوَايَة صَرِيحَة أَنَّهَا كَانَت فِي الْمَنَام فَكيف التَّوْفِيق؟ قلت: التَّوْفِيق بَينهمَا أَن رِوَايَة الْيَقَظَة لما وَقعت أخْبرهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا رَآهُ فِي النمد فحفط بعض الروَاة مَا لم يحفظ آخَرُونَ، وَمِمَّا يشْهد لَهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد حَدثنَا مُحَمَّد بن عِيسَى حَدثنَا عَنْبَسَة بن عبد الْوَاحِد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
قَالَت: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستن وَعِنْده رجلَانِ أَحدهمَا أكبر من الآخر فَأوحى إِلَيْهِ فِي فضل السِّوَاك أَن كبر، أعْط السِّوَاك أكبرهما) وَإِسْنَاده صَحِيح.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام فِيهِ: تَقْدِيم حق الأكابر من جمَاعَة الْحُضُور وتبديته على من هُوَ أَصْغَر مِنْهُ، وَهُوَ السّنة أَيْضا فِي السَّلَام والتحية وَالشرَاب وَالطّيب وَنَحْو ذَلِك من الْأُمُور، وَفِي هَذَا الْمَعْنى تَقْدِيم ذِي السن بالركوب وَشبهه من الأرقاق.
وَفِيه: أَن اسْتِعْمَال سواك الْغَيْر مَكْرُوه إلاَّ أَن السّنة فِيهِ أَن يغسلهُ ثمَّ يَسْتَعْمِلهُ.
وَفِيه: مَا يدل على فَضِيلَة السِّوَاك.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: تَقْدِيم ذِي السن أولى فِي كل شَيْء مَا لم يَتَرَتَّب الْقَوْم فِي الْجُلُوس، فَإِذا ترتبوا فَالسنة تَقْدِيم ذِي الْأَيْمن فالأيمن.