فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله تعالى {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} [الكهف: 54]

( بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَاذَا الْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَىءٍ جَدَلاً} وقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَلاَ تُجَادِلُو اْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُو اْءَامَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَاهُنَا وَإِلَاهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَوْله تَعَالَى: { وَلاَ تُجَادِلُو اْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُو اْءَامَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَاهُنَا وَإِلَاهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} وَفِي التَّفْسِير بيّن سَبَب نُزُولهَا.
قَوْله.
وَقَوله تَعَالَى: ل م ... الْآيَة اخْتلف الْعلمَاء فِي تَأْوِيل هَذِه الْآيَة، فَقَالَت طَائِفَة: هِيَ محكمَة وَيجوز مجادلة أهل الْكتاب بِالَّتِي هِيَ أحسن على معنى الدُّعَاء لَهُم إِلَى الله والتنبيه على حججه وآياته رَجَاء إجابتهم إِلَى الْإِيمَان، هَذَا قَول مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير.
.

     وَقَالَ  ابْن زيد: مَعْنَاهُ { وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب} يَعْنِي إِذا أَسْلمُوا وأخبروكم بِمَا فِي كتبهمْ وى ييً فِي المخاطبة { إِلَّا الَّذين ظلمُوا} بإقامتهم على الْكفْر، فخاطبوهم بِالسَّيْفِ.
.

     وَقَالَ  قَتَادَة: هِيَ مَنْسُوخَة بِآيَة الْقِتَال.



[ قــ :6954 ... غــ :7347 ]
- حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ.
ح وحدّثني مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ، أخبرنَا عَتَّابُ بنُ بَشِيرٍ عنْ إسْحاقَ عنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبرنِي عليُّ بنُ حُسَيْنٍ أنَّ حُسَيْنَ بنَ عَلِيَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أخْبَرَهُ أنَّ علِيَّ بنَ أبي طالِبٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: إنَّ رسولَ الله طَرَقَهُ وفاطِمَةَ عَلَيْها السّلاَمُ، بِنْتَ رسولِ الله فَقَالَ، لَهُمْ: أَلا تُصَلُّونَ؟ فَقَالَ عليٌّ: فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله إنّما أنْفُسُنا بِيَدِ الله فإذَا شاءَ أنْ يَبْعَثَنا بَعَثَنا، فانْصَرَفَ رسولُ الله حِينَ قَالَ لهُ ذَلِكَ: وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ شَيْئاً، ثُمَّ سَمِعَهُ وهْوَ مُدبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وهْوَ يَقُولُ: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَاذَا الْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَىءٍ جَدَلاً} .


مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن.
وَالْآخر: عَن مُحَمَّد بن سَلام بِالتَّخْفِيفِ وَوَقع عِنْد النَّسَفِيّ غير مَنْسُوب عَن عتاب بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالباء الْمُوَحدَة ابْن بشير بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الشين الْمُعْجَمَة والجزري بِالْجِيم وَالزَّاي وَالرَّاء عَن إِسْحَاق بن رَاشد الْجَزرِي أَيْضا وَوَقع إِسْحَاق عِنْد النَّسَفِيّ وَأبي ذَر غير مَنْسُوب وَنسب عِنْد البَاقِينَ، وسَاق الْمَتْن على لَفظه عَن الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب عَن أَبِيه الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة عَن أبي الْيَمَان أَيْضا وَفِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن عبد الله.

قَوْله: طرقه أَي: طرق عليّاً وَفَاطِمَة، مَنْصُوب لِأَنَّهُ عطف على الضَّمِير الْمَنْصُوب بِطرقِهِ، وَمَعْنَاهُ: أَتَاهُ لَيْلًا وَسَيَأْتِي مزِيد الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: فَقَالَ لَهُم: أَلا تصلونَ؟ أَي: لعَلي وَفَاطِمَة وَمن عِنْدهمَا.
أَو إِن أقل الْجمع اثْنَان، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب أَلا تصليان؟ بالتثنية على الأَصْل.
قَوْله: بعثنَا أَي من النّوم للصَّلَاة.
قَوْله: حِين قَالَ لَهُ ذَلِك فِيهِ الْتِفَات، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: حِين قلت لَهُ ذَلِك.
قَوْله: وَهُوَ مُدبر بِضَم أَوله وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: مول ظَهره بتَشْديد اللَّام، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَهُوَ منصرف.
قَوْله: يضْرب فَخذه جملَة وَقعت حَالا، وَكَذَلِكَ قَوْله: وَهُوَ يَقُول وَكَأن رَسُول الله حرضهم على الصَّلَاة بِاعْتِبَار الْكسْب وَالْقُدْرَة، وأجابه عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِاعْتِبَار الْقَضَاء وَالْقدر.
قَالُوا: وَكَانَ يضْرب فَخذه تَعَجبا من سرعَة جَوَابه وَالِاعْتِبَار بذلك أَو تَسْلِيمًا لقَوْله.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: لم يكن لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن يدْفع مَا دَعَاهُ النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم إِلَيْهِ من الصَّلَاة بقوله بل كَانَ عَلَيْهِ الِاعْتِصَام بقبوله، وَلَا حجَّة لأحد فِي ترك الْمَأْمُور بِهِ بِمثل مَا احْتج بِهِ عَليّ: قيل لَهُ: مَا فَائِدَة قَوْله: رفع الْقَلَم عَن النَّائِم؟ .

قَالَ أبُو عَبْدِ الله: يُقالُ: مَا أتاكَ لَيْلاً فَهُوَ طارِقٌ، ويُقالُ: الطّارِقُ النَّجْمُ، والثّاقِبُ المُضِيءُ، يُقالُ: أثْقِبْ نارَكَ لِلْمُوقِدِ.

أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ قَوْله: يُقَال مَا أَتَاك لَيْلًا فَهُوَ طَارق كَذَا لأبي ذَر، وَسقط من رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَثَبت للباقين لَكِن بِدُونِ لفظ: يُقَال، وَقيل: معنى طرقه جَاءَهُ لَيْلًا،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: حكى بَعضهم أَن ذَلِك قد يُقَال فِي النَّهَار أَيْضا، وَقيل: أصل الطروق من الطّرق وَهُوَ الدق، وَسمي الْآتِي بِاللَّيْلِ طَارِقًا لِحَاجَتِهِ إِلَى دق الْبابُُ.
قَوْله: وَيُقَال الطارق النَّجْم، والثاقب المضيء.
قَالَ تَعَالَى: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ} كَأَنَّهُ يثقب الظلام بضوئه فَينفذ فِيهِ، وَوصف بالطارق لِأَنَّهُ يَبْدُو بِاللَّيْلِ.
قَوْله: أثقب أَمر من الثقب وَهُوَ مُتَعَدٍّ، يُقَال: ثقبت الشَّيْء ثقباً وَهُوَ من بابُُ نصر ينصر وَالْأَمر مِنْهُ: أثقب بِضَم الْهمزَة.
قَوْله: للموقد، بِكَسْر الْقَاف وَهُوَ الَّذِي يُوقد النَّار.


حدّثنا قُتَيْبَةُ، حَدثنَا اللّيْثُ، عنْ سَعِيدٍ عنْ أبِيهِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ خَرَجَ رسولُ الله فَقَالَ: انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ حتَّى جِئْنا بَيْتَ الْمِدْراسِ فقامَ النبيُّ فَناداهُمْ فَقَالَ: يَا معْشَرَ يَهُودَ أسْلِمُوا تَسْلَمُوا فقالُوا: قَدْ بَلّغْتَ يَا أَبَا القاسِمِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ رسولُ الله ذَلِكَ أُرِيدُ أسْلِمُوا تَسْلَمُوا فقالُوا: قَدْ بَلّغْتَ يَا أَبَا القاسِمِ، فَقَالَ لَهُمْ رسولُ الله ذَلِكَ أُرِيد ثُمَّ قالَها الثّالِثَةَ، فَقَالَ: اعْلَمُوا أنَّما الأرْضُ لله ورسولِهِ وأنِّي أُرِيدُ أنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هاذِهِ الأرْضِ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكمْ بِمالِهِ شَيْئاً فَلْيَبِعْهُ، وإلاّ فاعْلَمُوا أنَّما الأرْضُ لله ورسُولِهِ
انْظُر الحَدِيث 3167 وطرفه
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه بلغ الْيَهُود ودعاهم إِلَى الْإِسْلَام فَقَالُوا: بلغت وَلم يذعنوا لطاعته فَبَالغ فِي تبليغهم وكرره، وَهَذِه مجادلة بِالَّتِي هِيَ أحسن.

وَسَعِيد هُوَ المَقْبُري يروي عَن أَبِيه كيسَان.

والْحَدِيث مضى فِي الْجِزْيَة عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي الْإِكْرَاه عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله.
وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ كلهم عَن قُتَيْبَة، فَمُسلم فِي الْمَغَازِي، وَأَبُو دَاوُد فِي الْخراج، وَالنَّسَائِيّ فِي السّير.

قَوْله: بَيت الْمِدْرَاس بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الَّذِي يقْرَأ فِيهِ التَّوْرَاة، وَقيل: هُوَ الْموضع الَّذِي كَانُوا يقرأون فِيهِ، وَإِضَافَة الْبَيْت إِلَيْهِ إِضَافَة الْعَام إِلَى الْخَاص، ويروى: الْمدَارِس بِضَم الْمِيم، قَالَه الْكرْمَانِي: قَوْله: أَسْلمُوا بِفَتْح الْهمزَة من الْإِسْلَام وتسلموا من السَّلامَة.
قَوْله: ذَلِك أُرِيد بِضَم الْهمزَة وَكسر الرَّاء أَي: التَّبْلِيغ هُوَ مقصودي { إِنِّى أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ} ، وَغَيرهَا وَفِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي فِيمَا ذكره الْقَابِسِيّ بِفَتْح الْهمزَة وبزاي من الزِّيَادَة وأطبقوا على أَنه تَصْحِيف، وَوَجهه بَعضهم بِأَن مَعْنَاهُ: أكرر مَقَالَتي مُبَالغَة فِي التَّبْلِيغ.
قَوْله: أَن أجليكم أَي: أطردكم من تِلْكَ الأَرْض وَكَانَ خُرُوجهمْ إِلَى الشَّام.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: جلوا عَن أوطانهم وجلوتهم أَنا يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى، وأجلوا عَن الْبَلَد وأجليتهم أَنا كِلَاهُمَا بِالْألف، وَزَاد فِي الغريبين وجلى عَن وَطنه بِالتَّشْدِيدِ.
قَوْله: بِمَالِه الْبَاء للمقابلة نَحْو: بِعته بِذَاكَ.