فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الحكم في البئر ونحوها

( بابُُ الحُكْمِ فِي البِئرِ ونَحْوِها)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الحكم فِي الْبِئْر وَنَحْوهَا مثل الْحَوْض وَالشرب، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة.



[ قــ :6799 ... غــ :7183 ]
- حدّثنا إسْحاقُ بنُ نَصْرٍ، حدّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أخبرنَا سُفْيانُ، عنْ مَنْصُورٍ والأعْمَشِ عنْ أبي وائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَحْلِفُ عَلى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ مَالا، وهْوَ فِيها فاجِرٌ إلاّ لَقِيَ الله وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ فأنْزَلَ الله: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَائِكَ لاَ خَلَاقَ لَهُمْ فِى الاَْخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الآيَةَ.
فَجاءَ الأشْعَثُ وعَبْدُ الله يحَدِّثُهُمْ فَقَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ وَفِي رَجُلٍ خاصَمْتُهُ فِي بِئرٍ، فَقَالَ النبيُّ ألَكَ بَيِّنَةٌ.

قُلْتُ لَا.
قَالَ: فَلْيَحْلِفْ.

قُلْتُ إذَاً يَحْلِفَ فَنَزَلَتْ { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَائِكَ لاَ خَلَاقَ لَهُمْ فِى الاَْخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الآيَةَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَقيل: وَجه دُخُول هَذِه التَّرْجَمَة فِي الْقِصَّة مَعَ أَنه لَا فرق بَين الْبِئْر وَالدَّار وَالْعَبْد حَتَّى ترْجم على الْبِئْر وَحدهَا، أَنه أَرَادَ الرَّد على من زعم أَن المَاء لَا يملك فحقق بالترجمة أَنه يملك لوُقُوع الحكم بَين المتخاصمين فِيهَا.
انْتهى.
قلت: فِي أول كَلَامه نظر لِأَنَّهُ لم يقْتَصر فِي التَّرْجَمَة على الْبِئْر وَحدهَا، بل قَالَ: وَنَحْوهَا، وَفِي آخر كَلَامه أَيْضا نظر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَر تَصْرِيح بِذكر المَاء، فَكيف يَصح الرَّد؟ .

وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ البُخَارِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ، فَتَارَة يَقُول: حَدثنَا إِسْحَاق بن نصر، وَتارَة يَقُول: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر، وَعبد الرَّزَّاق بن همام بِالتَّشْدِيدِ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث مضى فِي الشّرْب.
قَوْله: على يَمِين صَبر أَي: يَمِين على حبس الشَّخْص عِنْدهَا.
قَوْله: يقتطع أَي: يكْتَسب قِطْعَة من المَال لنَفسِهِ.
قَوْله: وَهُوَ فِيهَا فَاجر أَي: كَاذِب.
وَالْجُمْلَة حَالية.
قَوْله: غَضْبَان المُرَاد من الْغَضَب لَازمه وَهُوَ الْعَذَاب لِأَن الْغَضَب لَا يَصح على الله لِأَنَّهُ غليان دم الْقلب لإِرَادَة الانتقام.

قَوْله: الْأَشْعَث بالشين الْمُعْجَمَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن قيس الْكِنْدِيّ.
قَوْله: وَعبد الله يُحَدِّثهُمْ الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: فِي بتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: وَفِي رجل اسْمه الجفشيش الْكِنْدِيّ، وَيُقَال الْحَضْرَمِيّ، قَالَ أَبُو عمر: يُقَال فِيهِ بِالْجِيم وَبِالْحَاءِ وبالخاء، يكنى أَبَا الْخَيْر، وَيُقَال: اسْمه جرير بن معدان قدم على النَّبِي فِي وَفد كِنْدَة.
قَوْله: يحلف بِالنّصب.



( بابُُ القَضاءِ فِي كَثِيرِ المَال وقَليلِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْقَضَاء أَي الحكم فِي كثير المَال وقليله، يَعْنِي: لَا فرق فِي الحكم بَين الْكثير والقليل، لِأَن كل ذَلِك مَال، وَلَكِن الْأَقَل من دِرْهَم لَا يعد مَالا فِي الْعرف حَتَّى إِنَّه لَو قَالَ: لفُلَان عليّ مَال، فَإِنَّهُ لَا يصدق فِي أقل من دِرْهَم، وَالْكثير مَا لَهُ حد، وَالْمَال الْكثير نِصَاب الزَّكَاة، وَقيل: نِصَاب السّرقَة عشرَة دَرَاهِم، ثمَّ قَوْله: بابُُ، مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر، وَقَوله: الْقَضَاء، مُبْتَدأ أَو قَوْله: فِي كثير المَال، خَبره تَقْدِيره: الْقَضَاء وَاقع أَو ثَابت أَو سَوَاء فِي كثير المَال وقليله، وَفِي بعض النّسخ: بابُُ الْقَضَاء فِي كثير المَال وقليله، سَوَاء بالْخبر البارز،.

     وَقَالَ  بَعضهم: بابُُ، بِالتَّنْوِينِ.
قلت: لَا يُقَال بِالتَّنْوِينِ إلاَّ إِذا قدر مُبْتَدأ قبله نَحْو: هَذَا بابُُ، كَمَا ذَكرْنَاهُ لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ فِي الْمركب.

وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ عنِ ابنِ شُبْرُمَةَ: القَضاءُ فِي قَلِيلِ المَال وكَثِيرهِ سَوَاءٌ.

أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الله بن شبْرمَة قَاضِي الْكُوفَة، وَهَكَذَا ذكر سُفْيَان فِي جَامعه عَن ابْن شبْرمَة.



[ قــ :6799 ... غــ :7185 ]
- حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ: أنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أبي سَلَمَةَ أخْبَرَتْهُ عنْ أُمِّها أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: سَمِعَ النبيُّ جَلَبَةَ خِصامٍ عِنْدَ بابُِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُمْ: إنَّما أَنا بَشَرٌ وإنهُ يأتِيني الخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضاً أنْ يَكُونُ أبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، أقْضِي لهُ بِذَلِكَ، وأحْسِبُ أنَّهُ صادِقٌ، فَمَنْ قَضَيْتُ لهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فإنّما هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيأخُذْها أوْ لِيَدعْها
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: بِحَق مُسلم لِأَن الْحق يتَنَاوَل الْقَلِيل وَالْكثير.
والْحَدِيث مضى قبل هَذَا الْبابُُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.