فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا أسلم على يديه

( بابٌُ إذَا أسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ)

أَي: هَذَا بابُُ تَرْجَمته إِذا أسلم على يَدَيْهِ، كَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، أَي: إِذا أسلم رجل على يَدي رجل، وَفِي رِوَايَة الْفربرِي: إِذا أسلم على يَدي رجل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِذا أسلم على يَدي الرجل، بِالْألف وَاللَّام، وبدونهما أولى.

وَاخْتلف الْعلمَاء فِيمَن أسلم على يَدي رجل من الْمُسلمين، فَقَالَ الْحسن وَالشعْبِيّ: لَا مِيرَاث للَّذي أسلم على يَدَيْهِ وَوَلَاؤُهُ للْمُسلمين إِذا لم يدع وَارِثا، وَلَا ولاءه للَّذي أسلم على يَدَيْهِ وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وحجتهم حَدِيث الْبابُُ، وَذكر ابْن وهب عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لَا وَلَاء للَّذي أسلم على يَدَيْهِ، وَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَزِيَاد بن أبي سُفْيَان، وَرُوِيَ عَن النَّخعِيّ وَأَيوب: أَن ولاءه للَّذي أسلم على يَدَيْهِ وَإنَّهُ يَرِثهُ وَيعْقل عَنهُ وَله أَن يحول عَنهُ إِلَى غَيره مَا لم يعقل عَنهُ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وصاحبيه.

وكَانَ الحَسَنَ لَا يَرَى لهُ ولايَةً
أَي: وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ لَا يرى للَّذي أسلم على يَدَيْهِ رجل ولَايَة ويروى: وَلَاء عَن الْكشميهني، وَوصل سُفْيَان الثَّوْريّ أثر الْحسن هَذَا فِي ( جَامعه) : عَن مطرف عَن الشّعبِيّ وَعَن يُونُس هُوَ ابْن عبيد عَن الْحسن قَالَ فِي الرجل يوالي الرجل، قَالَا: هُوَ بَين الْمُسلمين.
قَالَ سُفْيَان: وَبِذَلِك أَقُول.

وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( الولاءُ لِمَنْ أعْتَقَ)
احْتج بِهِ الْحسن.

     وَقَالَ : قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( الْوَلَاء لمن أعتق) يَعْنِي: أَن الْوَلَاء لَا يكون إلاَّ للْمُعْتق.

ويُذْكَرُ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَفَعَهُ قَالَ: هُوَ أوْلَى النَّاسِ بِمَحْياهُ ومَماتِهِ
يذكر على صِيغَة الْمَجْهُول إِشَارَة إِلَى تمريضه.
قَوْله: عَن تَمِيم، هُوَ ابْن أَوْس الدَّارِيّ بِالدَّال الْمُهْملَة وبالراء نِسْبَة إِلَى بني الدَّار بطن من لحم.
قَوْله: ( رَفعه) الضَّمِير الْمَنْصُوب يرجع إِلَى حَدِيث: إِذا أسلم على يَدَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي ذكره بعده، وَهُوَ قَوْله: أولى النَّاس بمحياه ومماته، وَمعنى: رَفعه، مثل معنى قَوْله: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسَنذكر الحَدِيث وَمن أخرجه.
قَوْله: ( بمحياه) ، أَي: فِي حَيَاته بالنصرة ( ومماته) أَي: فِي مَوته بِالْغسْلِ والتكفين وَالصَّلَاة عَلَيْهِ لَا فِي مِيرَاثه، لِأَن الْوَلَاء لمن أعتق، والمحيا وَالْمَمَات مصدران ميميان.

واخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ هَذَا الخَبَرِ
أَي: فِي خبر تَمِيم الدَّارِيّ الْمَذْكُور، فَقَالَ البُخَارِيّ: قَالَ بَعضهم: عَن ابْن موهب سمع تميماً، وَلَا يَصح لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( الْوَلَاء لمن أعتق) .
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِثَابِت إِنَّمَا يرويهِ عبد الْعَزِيز بن عمر عَن ابْن موهب، وَابْن موهب لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا نعلمهُ لَقِي تميماً، وَمثل هَذَا لَا يثبت.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: ضعف هَذَا الحَدِيث أَحْمد،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ إِسْنَاده بِمُتَّصِل قَالَ: وَأدْخل بَعضهم بَين ابْن موهب وَبَين تَمِيم قبيصَة رَوَاهُ يحيى بن حَمْزَة، وَقيل: إِنَّه تفرد فِيهِ بِذكر قبيصَة، وَقد رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي عَن ابْن موهب بِدُونِ ذكر تَمِيم، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: هَذَا الحَدِيث مُضْطَرب، هَل هُوَ عَن ابْن موهب عَن تَمِيم أَو بَينهمَا قبيصَة؟.

     وَقَالَ  بعض الروَاة فِيهِ: عَن عبد الله بن موهب، وَبَعْضهمْ: ابْن موهب، وَعبد الْعَزِيز رَاوِيه لَيْسَ بِالْحَافِظِ.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: ابْن موهب لم يدْرك تميماً، وَقد أَشَارَ النَّسَائِيّ إِلَى أَن الرِّوَايَة الَّتِي وَقع التَّصْرِيح فِيهَا بِسَمَاعِهِ من تَمِيم خطأ، وَلَكِن وَثَّقَهُ بَعضهم، وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ولاَّه الْقَضَاء بفلسطين.
وَنقل أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي فِي ( تَارِيخه) : بِسَنَد لَهُ صَحِيح عَن الْأَوْزَاعِيّ: أَنه كَانَ يدْفع هَذَا الحَدِيث وَلَا يرى لَهُ وَجها.
انْتهى كَلَامه.

قلت: صحّح هَذَا الحَدِيث أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن الْمخْرج مُتَّصِل، ورد على الْأَوْزَاعِيّ فَقَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِك وَلم أر أحدا من أهل الْعلم يرفعهُ، وَأخرجه الْحَاكِم من طَرِيق ابْن موهب عَن تَمِيم، ثمَّ قَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم.
وَأخرجه الْأَرْبَعَة فِي الْفَرَائِض: فَأَبُو دَاوُد رَوَاهُ عَن يزِيد بن خَالِد بن موهب الرَّمْلِيّ وَهِشَام بن عمار الدِّمَشْقِي قَالَا: حَدثنَا يحيى هُوَ ابْن حَمْزَة عَن عبد الْعَزِيز بن عمر قَالَ: سَمِعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد الْعَزِيز عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب،.

     وَقَالَ  هِشَام: عَن تَمِيم الدَّارِيّ أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله { وَقَالَ يزِيد: إِن تميماً قَالَ: يَا رَسُول الله} مَا السّنة فِي الرجل يسلم على يَدي الرجل من الْمُسلمين؟ فَقَالَ: هُوَ أولى النَّاس بمحياه ومماته.
انْتهى.
وَقد علم من عَادَة أبي دَاوُد أَنه إِذا روى حَدِيثا وَسكت عَنهُ فَإِنَّهُ يدل على صِحَة عِنْده، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب قَالَ: حَدثنَا أَبُو أُسَامَة وَابْن نمير ووكيع عَن عبد الْعَزِيز عَن عبد الله بن موهب،.

     وَقَالَ  بَعضهم: عبد الله بن موهب عَن تَمِيم الدَّارِيّ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا السّنة؟ ... الحَدِيث، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ: أخبرنَا عَمْرو بن عَليّ بن حَفْص قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن دَاوُد عَن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الْعَزِيز عَن عبد الله بن موهب عَن تَمِيم الدَّارِيّ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرجل من الْمُشْركين أسلم على يَدي الرجل من الْمُسلمين، قَالَ: هُوَ أولى النَّاس بِهِ حَيَاته وَمَوته، وَأخرجه من طَرِيقين آخَرين وَلم يتَعَرَّض إِلَى شَيْء مِمَّا قيل فِيهِ.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة قَالَ: حَدثنَا وَكِيع عَن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الْعَزِيز عَن عبد الله بن موهب قَالَ: سَمِعت تميماً الدَّارِيّ يَقُول: قلت: يَا رَسُول الله { مَا السّنة فِي الرجل من أهل الْكتاب يسلم على يَدي الرجل؟ قَالَ: هُوَ أولى النَّاس بمحياه ومماته.

وَمِمَّا يُؤَيّد صِحَة حَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَا رَوَاهُ ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي ( التَّهْذِيب) : وروى خصيف عَن مُجَاهِد قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: إِن رجلا أسلم على يَدي وَمَات وَترك ألف دِرْهَم فَلِمَنْ مِيرَاثه؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَو جنى جِنَايَة من كَانَ يعقل عَنهُ؟ قَالَ: أَنا.
قَالَ: فميراثه لَك.
وَرَوَاهُ مَسْرُوق عَن ابْن مَسْعُود،.

     وَقَالَ هُ إِبْرَاهِيم وَابْن الْمسيب وَمَكْحُول وَعمر بن عبد الْعَزِيز، وَفِي ( الاستذكار) : هُوَ قَول أبي حنيفَة وصاحبيه وَرَبِيعَة، قَالَه يحيى بن سعيد فِي الْكَافِر الْحَرْبِيّ إِذا أسلم على يَد مُسلم.
وَرُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود أَنهم أَجَازُوا الْمُوَالَاة وورثوا،.

     وَقَالَ  اللَّيْث عَن عَطاء وَالزهْرِيّ وَمَكْحُول نَحوه.

وَالْجَوَاب عَمَّا قَالَه الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِثَابِت يردهُ كَلَام أبي زرْعَة الدِّمَشْقِي الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَحكم الْحَاكِم بِصِحَّتِهِ على شَرط مُسلم، وَرِوَايَة الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة فِي كتبهمْ أَلا يرى أَن البُخَارِيّ لما ذكره مُعَلّقا لم يجْزم بضعفه؟ وَكَيف يَقُول: وَابْن موهب لَيْسَ بِمَعْرُوف.
وَقد روى عَنهُ عبد الْعَزِيز بن عمر وَالزهْرِيّ وَابْنه زيد بن عبد الله وَعبد الْملك بن أبي جميلَة وَعمر بن مهَاجر؟.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْكَمَال) : ابْن موهب ولاه عمر بن عبد الْعَزِيز قَضَاء فلسطين، وَهَذَا كُله يدل على أَنه لَيْسَ بِمَجْهُول لَا عينا وَلَا حَالا، وَكَفاهُ شهرة وثقة تَوْلِيَة عمر بن عبد الْعَزِيز إِيَّاه.

وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان: حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عمر وَهُوَ ثِقَة عَن ابْن موهب الْهَمدَانِي وَهُوَ ثِقَة قَالَ: سَمِعت تميماً.
.
وَكَذَا ذكر الصريفيني فِي كِتَابه بِخَطِّهِ.

وَكَيف يَقُول: وَلَا نعلمهُ لَقِي تميماً وَقد قَالَ فِي رِوَايَة يَعْقُوب بن سُفْيَان الْمَذْكُور: سَمِعت تميماً، وَقد صرح بِالسَّمَاعِ عَنهُ، وَهل يتَصَوَّر السماع إلاَّ باللقى؟ وَعدم علمه بلقيه تميماً لَا يسْتَلْزم نفي علم غَيره بلقيه، وَعبد الْعَزِيز بن عمر ثِقَة من رجال الْجَمَاعَة،.

     وَقَالَ  يحيى وَأَبُو دَاوُد: ثِقَة، وَعَن يحيى: ثَبت،.

     وَقَالَ  بَعضهم: عبد الْعَزِيز لَيْسَ بِالْحَافِظِ كَلَام سَاقِط، لِأَن الِاعْتِبَار كَونه ثِقَة وَهُوَ مَوْجُود.
.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن عمار: الْمُشبه فِي الْحِفْظ بِالْإِمَامِ أَحْمد ثِقَة لَيْسَ بَين النَّاس فِيهِ اخْتِلَاف، وَقَول الْخطابِيّ: ضعف أَحْمد هَذَا الحَدِيث، لَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ لم يبين وَجه ضعفه.
وَقَول التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ إِسْنَاده بِمُتَّصِل، يردهُ أَنه سمع من تَمِيم بِوَاسِطَة وَبلا وَاسِطَة، وَلَئِن سلمنَا أَنه لم يسمع مِنْهُ وَلَا لحقه فالواسطة هُوَ قبيصَة وَهُوَ ثِقَة أدْرك زمَان تَمِيم بِلَا شكّ، فعنعنته مَحْمُولَة على الِاتِّصَال.
وَقَول ابْن الْمُنْذر: هَذَا الحَدِيث مُضْطَرب، كَلَام مُضْطَرب لِأَن رُوَاته كلهم ثقاة فَلَا يضر هَل هُوَ عَن ابْن موهب عَن تَمِيم أَو بَينهمَا قبيصَة؟ وَالِاضْطِرَاب لَا يضر الحَدِيث إِذا كَانَت رِجَاله ثقاة.

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه حَدِيث غَرِيب من حَدِيث أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن ابْن موهب، تفرد بِهِ عَنهُ ابْنه يُونُس، وَتفرد بِهِ أَبُو بكر الْحَنَفِيّ عَنهُ فَأفَاد الدَّارَقُطْنِيّ مُتَابعًا لعبد الْعَزِيز وَهُوَ أَبُو إِسْحَاق، والغرابة لَا تدل على الضعْف، فقد تكون فِي الصَّحِيح والإسناد الَّذِي ذكره صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَفِيه رد لقَوْل ابْن الْمُنْذر أَيْضا: وَكَيف يُشِير النَّسَائِيّ إِلَى أَن الرِّوَايَة الَّتِي وَقع فِيهَا التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ من تَمِيم خطأ؟ ثمَّ يَقُول: وَلكنه وَثَّقَهُ بَعضهم فآخر كَلَامه ينْقض أَوله، وَكَيف يحكم بالْخَطَأ وَقد ذكرنَا عَن ثقتين جليلين أَنَّهُمَا صرحا بِسَمَاع ابْن موهب عَن تَمِيم؟ وروى ابْن بنت منيع عَن جمَاعَة عَن عبد الْعَزِيز بِلَفْظ: سَمِعت تميماً، فَيجوز أَن تكون رِوَايَته عَن قبيصَة عَن تَمِيم، وَعَن تَمِيم بِلَا وَاسِطَة؟}
.



[ قــ :6405 ... غــ :6757 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعْدٍ عنْ مالِكٍ عنْ نافعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أُمَّ المُؤْمِنِينَ أرادَتْ أنْ تَشْتَرِيَ جارِيَةً تُعْتِقُها، فَقَالَ أهْلُها: نبِيعُكِها على أنَّ ولاءَها لنا، فَذَكَرَتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ( لَا يَمْنعُكِ ذالِكِ فإنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة مَا قَالَه الْكرْمَانِي: اللَّام للاختصاص يَعْنِي الْوَلَاء مُخْتَصّ بِمن أعْتقهُ وبذل المَال فِي إِعْتَاقه.

قلت: حَاصِل كَلَامه أَن من أسلم على يَده رجل لَيْسَ لَهُ وَلَاء لِأَنَّهُ مُخْتَصّ بِمن أعْتقهُ واختصاصه بِهِ بِاللَّامِ وَلَكِن كَون اللَّام فِيهِ للاختصاص فِيهِ نظر لَا يخفى لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون للاستحقاق، وَهِي الْوَاقِعَة بَين معنى وَذَات كاللام فِي نَحْو: { ويل لِلْمُطَفِّفِينَ} ( المطففين: 1) وَاسْتِحْقَاق الْمُعْتق الْوَلَاء لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاق غَيره، وَيجوز أَن تكون للصيرورة، لِأَن صيرورة الْوَلَاء للْمُعْتق لَا تنَافِي صَيْرُورَته لغيره، وَقد ذكرنَا أَن هَذَا الحَدِيث قد مر غير مرّة.

قَوْله: ( تعتقها) أَصله: لِأَن تعتقها.
قَوْله: ( فَذكرت ذَلِك) أَي: ذكرت عَائِشَة قَوْلهم: ( نبيعكها على أَن ولاءها لنا) قَوْله: ( لَا يمنعك ذَلِك) أَي: قَوْلهم هَذَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا يمنعنك، بنُون التوكيد.





[ قــ :6406 ... غــ :6758 ]
- حدّثنا مُحَمَّدٌ أخبرنَا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهِيمَ عنِ الأسْودِ عنْ عائشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتِ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ فاشْتَرَطَ أهْلُها ولاءَها فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ( أعْتِقِيها، فإنَّ الوَلاءَ لِمَنْ أعْطَى الوَرِقَ) قَالَتْ: فاعْتَقْتُها.
قالَتْ: فَدَعاها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فخَيَّرَها مَنْ زَوْجِها، فقالَتْ: لَوْ أعْطانِي كَذَا وكَذَا مَا بتُّ عِنْدَهُ، فاخْتارَتْ نَفْسَها.


الْكَلَام فِي مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث السَّابِق.
وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ قَالَ الغساني: هُوَ مُحَمَّد بن سَلام وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: مُحَمَّد بن يُوسُف البيكندي، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَوَقع فِي الاستقراض: حَدثنَا مُحَمَّد، حَدثنَا جرير، وَلَيْسَ فِي الْكتاب مُحَمَّد عَن جرير سوى هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد خَال إِبْرَاهِيم.

قَوْله: ( الْوَرق) بِفَتْح الْوَاو وَكسر الرَّاء هُوَ الْفضة، وَالْبَاقِي ظَاهر، وَفِي بعض النّسخ فِي آخر الحَدِيث قَالَ: وَكَانَ زَوجهَا حرا.