فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} [يس: 38]


[ قــ :45453 ... غــ :45454 ]
- ( سُورَةُ: { ي س} )

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة ي س وَلم يثبت هَذَا هُنَا لأبي ذَر، وَقد مر أَن فِي رِوَايَته سُورَة الْمَلَائِكَة وي س، وَالصَّوَاب إثْبَاته هَاهُنَا.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَبَّاس: هِيَ مَكِّيَّة بِلَا خلاف نزلت قبل سُورَة الْفرْقَان وَبعد سُورَة الْجِنّ، وَهِي ثَلَاثَة آلَاف حرف، وَسَبْعمائة وتسع وَعِشْرُونَ كلمة، وَثَلَاث وَثَمَانُونَ آيَة.

بِسم الله الرحمان الرَّحِيم
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ لأبي ذَر خَاصَّة.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَعزَّرْنا: شَدَدْنا

أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله: ( فعززنا بثالث) ، ( ي س: 41) أَي: شددنا، وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم عَن حجاج بن حَمْزَة.
حَدثنَا شَبابَُة حَدثنَا وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وَلَفظه فِي تَفْسِير عبد بن حميد شددنا بثالث، وَكَانَت رسل عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، الَّذين أرسلهم إِلَى صَاحب أنطاكية ثَلَاثَة، صَادِق وصدوق وشلوم، وَالثَّالِث هُوَ شلوم، وَقيل: الثَّالِث شَمْعُون.

يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ كَانَ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسَلِ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { يَا حسرة على الْعباد يَأْتِيهم رَسُول إلاَّ كَانُوا بِهِ يستهزئون} ( ي س: 03) وَفسّر الْحَسْرَة بقوله: ( استهزآؤهم بالرسل) فِي الدُّنْيَا،.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَالِيَة لما عاينوا الْعَذَاب، قَالُوا: يَا حسرة على الْعباد، يَعْنِي: الرُّسُل الثَّلَاثَة حِين لم يُؤمنُوا بهم وآمنوا حِين لم يَنْفَعهُمْ الْإِيمَان.

أنْ تُدْرِكَ القَمَرَ لَا يَسْتُرُضَوْءُ أحَدِهِمَا ضَوْءً الآخَرِ وَلا يَنْبَغِي لَهُمَا ذالِكَ سَابِقُ النَّهَارِ يَتَطالَبان حَثيثيْنِ.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: ( لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار وكل فِي فلك يسبحون) ، ( ي س: 04) وَفسّر: أَن تدْرك الْقَمَر، بقوله: لَا يستر ضوء أَحدهمَا ضوء الآخر.
قَوْله: وَلَا يَنْبَغِي لَهما ذَلِك أَي: ستر أَحدهمَا الآخر لِأَن لكل مِنْهُمَا حدا لَا يعدوه وَلَا يقصر دونه فَإِذا اجْتمعَا وَأدْركَ كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه.
قَامَت الْقِيَامَة وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: { وَجمع الشَّمْس وَالْقَمَر} قَوْله: سَابق النَّهَار أَي: وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار.
قَوْله: يتطالبان أَي: الشَّمْس وَالْقَمَر كل مِنْهُمَا يطْلب صَاحبه حثيثين، أَي: حَال كَونهمَا حثيثين.
أَي: مجدين فِي الطّلب فَلَا يَجْتَمِعَانِ إلاَّ فِي الْوَقْت الَّذِي حَده الله لَهما وَهُوَ يَوْم قيام السَّاعَة.

نَسْلَخُ نُخْرِجُ أحَدَهُما مِن الآخَرِ وَيَجْرِي كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُما
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَآيَة لَهُم اللَّيْل نسلخ مِنْهُ النَّهَار فَإِذا هم مظلمون} وَفسّر قَوْله: ( نسلخ) بقوله: ( يخرج أَحدهمَا من الآخر) وَفِي التَّفْسِير: تنْزع وَتخرج مِنْهُ النَّهَار، وَهَذَا وَمَا قبله من قَوْله: ( أَن تدْرك الْقَمَر) لم يثبت فِي رِوَايَة أبي ذَر.

مِنْ مِثْلِهِ مِنَ الأنْعَامِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: { وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} ( ي س: 24) أَي: من مثل الْفلك من الْأَنْعَام مَا يركبون، وَعَن ابْن عَبَّاس: الْإِبِل سفن الْبر، وَعَن أبي مَالك وَهِي السفن الصغار.

فَكِهُونَ: مُعْجَبُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أَن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون} ( ي س: 55) وَفَسرهُ: بقوله: ( معجبون) هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: فاكهون، وَهِي الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة،.

     وَقَالَ  الْكسَائي: الْفَاكِه ذُو الْفَاكِه ذُو الْفَاكِهَة مثل تامر وَلابْن، وَعَن السّديّ: ناعمون، وَعَن ابْن عَبَّاس: فَرِحُونَ.

جُنْدٌ مُحْضَرُونَ عِنْدَ الحِسابِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لَا يسطيعون نَصرهم وهم لَهُم جند محضرون} ( ي س: 57) يَعْنِي: الْكفَّار والجند الشِّيعَة والأعوان محضرون كلهم عِنْد الْحساب فَلَا يدْفع بَعضهم عَن بعض، وَلم يثبت هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر.

وَيُذْكَرُ عَنْ عِكْرَمَةَ: المَسْجُونِ: المُوقَرُ
أَي: وَيذكر عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: { فِي الْفلك المشحون} ( ي س: 14) أَن مَعْنَاهُ: الموقر، وَفِي التَّفْسِير: المشحون الموقر المملوء أَيْضا.
وَهِي سفينة نوح عَلَيْهِ السَّلَام، حمل الْآبَاء فِي السَّفِينَة وَالْأَبْنَاء فِي الأصلاب، وَهَذَا لم يثبت فِي رِوَايَة أبي ذَر.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: طَائِرُكُمْ مَصَائِبُكُمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { قَالُوا طائركم مَعكُمْ} ( ي س: 91) وَفَسرهُ بقوله: ( مصائبكم) وَعَن قَتَادَة: أَعمالكُم،.

     وَقَالَ  الْحسن والأعرج: طيركم.

يَنسِلُونَ: يَخْرُجُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَنفخ فِي الصُّور فَإِذا هم من الأجداث إِلَى رَبهم يَنْسلونَ} ( ي س: 15) وَفَسرهُ بقوله: ( يخرجُون) وَمِنْه قيل للْوَلَد: تسيل لِأَنَّهُ يخرج من بطن أمه.

مَرْقدِنا مَخْرَجِنا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { قَالُوا يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا هَذَا} ( ي س: 25) الْآيَة.
وَفسّر المرقد بالمخرج، وَفِي التَّفْسِير: أَي: من منامنا، وَعَن ابْن عَبَّاس وَأبي بن كَعْب وَقَتَادَة: إِنَّمَا يَقُولُونَ هَذَا لِأَن الله تَعَالَى رفع عَنْهُم الْعَذَاب فِيمَا بَين النفختين فيرقدون، وَقيل: أَن الْكفَّار لما عاينوا جَهَنَّم وأنواع عَذَابهَا صَار مَا عذبُوا بِهِ فِي الْقُبُور فِي جنبها كالنوم فَقَالُوا: يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا.

أحْصَيْنَاهُ: حَفِظْناهُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وكل شَيْء أحصيناه فِي إِمَام مُبين} ( ي س: 21) وَفسّر ( أحصيناه) بقوله: ( حفظناه) وَفِي التَّفْسِير: أَي: علمناه وعددناه وثبتناه فِي إِمَام مُبين أَي: فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ.

مَكَانَتُهُمْ وَمَكَانَهُمْ وَاحِدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَلَو نشَاء لمسخناهم على مكانتهم} ( ي س: 76) .

     وَقَالَ : إِن المكانة وَالْمَكَان بِمَعْنى وَاحِد، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق الْعَوْفِيّ: يَقُول لأهلكناهم فِي مساكنهم.


(بابٌُُ .

     قَوْلُهُ : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقرٍ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ} (ي س: 83)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَالشَّمْس تجْرِي} الْآيَة.
قَوْله: (ولمستقر) أَي: إِلَى مُسْتَقر لَهَا وَعَن ابْن عَبَّاس: لَا تبلغ مستقرها حَتَّى ترجع إِلَى منازلها، وَقيل: إِلَى انْتِهَاء أمرهَا عِنْد انْقِضَاء الدُّنْيَا، وَعَن أبي ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مستقرها تَحت الْعَرْش.
قَوْله: (ذَلِك) أَي: مَا ذكر من أَمر اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس تَقْدِير الْعَزِيز فِي ملكه الْعَلِيم بِمَا قدر من أمرهَا.



[ قــ :454 ... غــ :480 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا الأعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي ذَرّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المَسْجِدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَالَ يَا أبَا ذَرٍّ أتَدْرِي أيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ.

قُلْتُ الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ قَالَ فَإنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ فَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍ لَهَا ذالِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ} .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو نعيم بِالضَّمِّ الْفضل بن دُكَيْن، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن شريك التَّيْمِيّ الْكُوفِي، يروي عَن أَبِيه يزِيد عَن أبي ذَر جُنْدُب الْغِفَارِيّ، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع مِنْهَا فِي بَدْء الْخلق، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.





[ قــ :4543 ... غــ :4803 ]
- حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنا وَكِيعٌ حدَّثنا الأعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي ذَرٍّ قَالَ سَألْتُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقِرٍ لَهَا} قَالَ مُسْتَقَرُّها تَحْتَ العَرْشِ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن الْحميدِي عَن عبد الله عَن وَكِيع بن الْجراح إِلَى آخِره، غير أَن فِي الرِّوَايَة الأولى استفهمه النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بقوله: أَتَدْرِي، وَهنا أَبُو ذَر سَأَلَهُ عَن ذَلِك، وَفِي الأول إِخْبَار عَن سجودها تَحت الْعَرْش وَلَا يُنكر ذَلِك عِنْد محاذاتها للعرش فِي مسيرها وَقد ورد الْقُرْآن بسجود الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم.
فَإِن قلت: قد قَالَ الله تَعَالَى: { فِي عين حمئه} ( الْكَهْف: 68) بَينهمَا تخَالف.
قلت: لَا تخَالف فِيهِ لِأَن الْمَذْكُور فِي الْآيَة إِنَّمَا هُوَ نِهَايَة مدرك الْبَصَر إِيَّاهَا حَال الْغُرُوب ومصيرها تَحت الْعَرْش للسُّجُود إِنَّمَا هُوَ بعد الْغُرُوب، وَلَيْسَ معنى فِي عين حمئه سُقُوطهَا فِيهَا وَإِنَّمَا هُوَ خبر عَن الْغَايَة الَّتِي بلغَهَا ذُو القرنين فِي مسيره حَتَّى لم يجد وَرَاءَهَا مسلكا لَهَا فَوْقهَا أَو على سعتها كَمَا يرى غُرُوبهَا من كَانَ فِي لجة الْبَحْر لَا يبصر السَّاحِل كَأَنَّهَا تغرب فِي الْبَحْر وَهِي فِي الْحَقِيقَة تغرب وَرَاءَهَا وَالله أعلم.