فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب في العتق وفضله

(كتابُ العِتْقِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْعتْق، ذَا هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَلكنه ذكره قبل الْبَسْمَلَة، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين هَكَذَا: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي الْعتْق وفضله، وَفِي رِوَايَة ابْن شبويه: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، بَاب فِي الْعتْق، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: كتاب الْعتْق: بَاب مَا جَاءَ فِي الْعتْق وفضله.
الْعتْق لُغَة: الْقُوَّة، من عتق الطَّائِر إِذا قوي على جناحيه، وَفِي الشَّرْع: عبارَة عَن قُوَّة شَرْعِيَّة فِي مَمْلُوك، وَهِي إِزَالَة الْملك عَنهُ، وَالرّق ضعف شَرْعِي يثبت فِي الْمحل فيعجزه عَن التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة، ويسلبه أَهْلِيَّة الْقَضَاء وَالشَّهَادَة والسلطنة والتزوج، وَغير ذَلِك، وَالْعتاق اسْم لِلْعِتْقِ، يُقَال: أعتقت العَبْد أعْتقهُ إعتاقا وعتاقة، وَالْإِعْتَاق إِثْبَات الْعتْق عِنْد أبي يُوسُف، وَمُحَمّد، وَعند أبي حنيفَة: إِثْبَات الْفِعْل المفضي إِلَى حُصُول الْعتْق.


(بابُُ مَا جاءَ فِي العتقِ وفَضْلِهِ وقَوْلِ الله عزَّ وَجلَّ {فَكُّ رَقَبَةٍ أوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ} (الْبَلَد: 31 51)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي أَمر الْعتْق، وَفِي بَيَان فَضله.
قَوْله: (وَقَول الله عز وَجل) ، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: فِي الْعتْق.
قَوْله: {فك رَقَبَة} (الْبَلَد: 31 51) .
أَولهَا قَوْله: {فَلَا اقتحم الْعقبَة وَمَا ادراك مَا الْعقبَة فك رَقَبَة} (الْبَلَد: 11 31) .
الضَّمِير فِي: فَلَا اقتحم، يرجع إِلَى الْإِنْسَان فِي قَوْله: {لقد خلقنَا الْإِنْسَان} (الْبَلَد: 4) .
المُرَاد مِنْهُ: الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول: أهلكت مَالا كثيرا فِي عَدَاوَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ الله عز وَجل: {أيحسب} أَي: أيظن هَذَا {أَن لم يره} أَي: أَن لم ير مَا أنفقهُ {أحد} (الْبَلَد: 7) .
من النَّاس؟ ثمَّ ذكر الله النعم ليعتبر.
فَقَالَ: {ألم نجْعَل لَهُ عينين وَلِسَانًا وشفتين وهديناه النجدين} (الْبَلَد: 8 01) .
أَي: سَبِيل الْخَيْر وَالشَّر، قَالَه أَكثر الْمُفَسّرين، وَقيل: الْحق وَالْبَاطِل، وَقيل الْهدى والضلالة، وَقيل: الشقاوة والسعادة.
والنجد: الْمُرْتَفع من الأَرْض.
ثمَّ قَالَ: {فَلَا أقتحم الْعقبَة} (الْبَلَد: 7) .
أَي: فَلَا دخل هَذَا الْإِنْسَان الْعقبَة، والاقتحام: الدُّخُول فِي الْأَمر الشَّديد، والعقبة: جبل فِي جَهَنَّم، وَقيل: هِيَ عقبَة دون الْحَشْر، وَقيل: سَبْعُونَ دركة من جَهَنَّم، وَقيل: الصِّرَاط، وَقيل: نَار دون الْحَشْر.
.

     وَقَالَ  الْحسن: عقبَة وَالله شَدِيدَة.
قَوْله: {وَمَا أَدْرَاك مَا الْعقبَة} (الْبَلَد: 31 51) .
أَي: مَا اقتحام الْعقبَة؟ قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: كل شَيْء قَالَ: {وَمَا أَدْرَاك} فَإِنَّهُ أخبرهُ بِهِ، وَمَا قَالَ: {وَمَا يدْريك} فَإِنَّهُ لم يُخبرهُ بِهِ.
قَوْله: {فك رَقَبَة} قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ: فك، بِفَتْح الْكَاف، وَأطْعم بِفَتْح الْمِيم على الْفِعْل، وَالْبَاقُونَ بِالْإِضَافَة على الإسم، لِأَنَّهُ تَفْسِير.
قَوْله: {وَمَا أَدْرَاك} مَعْنَاهُ: خلص رقبته من الْأسر على قِرَاءَة ابْن كثير، وعَلى قِرَاءَة غَيره: خلاص الرَّقَبَة، أَي: الفك هُوَ خلاص الرَّقَبَة، وَإِنَّمَا ذكر لفظ: الرَّقَبَة، دون سَائِر الْأَعْضَاء، مَعَ أَن الْعتْق يتَنَاوَل الْجَمِيع، لِأَن حكم السَّيِّد عَلَيْهِ كحبل فِي رَقَبَة العَبْد، وكالغل الْمَانِع لَهُ من الْخُرُوج، فَإِذا أعتق فَكَأَنَّهُ أطلقت رقبته من ذَلِك قَوْله: {أَو إطْعَام فِي يَوْم} (الْبَلَد: 41) .
وَالْمرَاد من الْيَوْم هُنَا مُطلق الزَّمَان لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا.
قَوْله: ذِي مسغبة} (الْبَلَد: 51) .
أَي: مجاعَة، يُقَال: سغب يسغب سغوباً: إِذا جَاع.
قَوْله: {يَتِيما} (الْبَلَد: 41) .
مَنْصُوب بقوله: أطْعم، أَو بإطعام، والمصدر أَيْضا يعْمل عمل فعله.
قَوْله: {ذَا مقربة} (الْبَلَد: 51) .
صفة: ليتيماً، أَي: ذَا قرَابَة، يُقَال: زيد قَرَابَتي أَو ذُو مقربتي، وَزيد قَرَابَتي قَبِيح لِأَن الْقَرَابَة مصدر.
قَوْله: {أَو مِسْكينا} (الْبَلَد: 61) .
عطف على يَتِيما {وَذَا مَتْرَبَة} (الْبَلَد: 61) .
صفته أَي: ذَا فقر، قد لصق بِالتُّرَابِ من الْفقر، وَقيل: المتربة من التربة هُنَا، وَهِي شدَّة الْحَال.



[ قــ :2408 ... غــ :2517 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يونُسَ قَالَ حَدثنَا عاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثني واقِدُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثني سعيدُ بنُ مَرْجانَةَ صاحِبُ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ قَالَ قَالَ لي أبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيُّما رَجُلٍ أعْتَقَ امْرَءًا مسْلِماً اسْتَنْقَذَ الله بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنْهُ مِنَ النَّارِ قَالَ سَعِيدُ بنُ مَرْجَانَةَ فانْطَلَقْتُ بِهِ إلاى عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ فعَمَدَ عَلِيُّ بنُ حُسَيْنٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ إِلَى عَبْدٍ لَهُ قَدْ أعْطَاهُ بِهِ عَبْدُ الله بنُ جَعْفَرٍ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ أوْ ألْفِ دِينَارٍ فأعْتَقَهُ.

(الحَدِيث 7152 طرفه فِي: 5176) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَنَّهُ يخبر عَن فضل عَظِيم فِي الْعتْق.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَحْمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد ابْن عبد الله بن يُونُس بن عبد الله التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي.
الثَّانِي: عَاصِم بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب الْعَدوي الْقرشِي.
الثَّالِث: وَاقد، بِكَسْر الْقَاف: ابْن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، أَخُو عَاصِم الْمَذْكُور، الرَّابِع: سعيد ب مرْجَانَة وَهُوَ سعيد بن عبد الله مولى بني عَامر، ومرجانة أمه وَهِي أُخْت اللؤلؤة أم سعيد، مَاتَ سنة سبع وَتِسْعين.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، أَي: رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه ذكر مَنْسُوبا إِلَى جده وَأَنه كُوفِي وَأَن سعيداً حجازي وَعَاصِم وَأَخُوهُ مدنيان.
وَفِيه: رِوَايَة الْأَخ عَن الْأَخ.
وَفِيه: أَن سعيد بن مرْجَانَة لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث، وَقد ذكره ابْن حبَان فِي التَّابِعين، وَأثبت رِوَايَته عَن أبي هُرَيْرَة، ثمَّ ذهل فَذكره فِي اتِّبَاع التَّابِعين،.

     وَقَالَ : لم يسمع عَن أبي هُرَيْرَة، وَيرد مَا ذكره رِوَايَة البُخَارِيّ، بقوله: قَالَ لي أَبُو هُرَيْرَة: وَوَقع التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ مِنْهُ عِنْد مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي كَفَّارَات الْأَيْمَان عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم.
وَأخرجه مُسلم فِي الْعتْق عَن دَاوُد بن رشيد وَعَن حميد بن مسْعدَة وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن قُتَيْبَة عَن لَيْث.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْأَيْمَان عَن قُتَيْبَة بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعتْق عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن عَمْرو بن عَليّ وَعَن مُجَاهِد بن مُوسَى، وَلما أخرجه التِّرْمِذِيّ قَالَ: وَفِي الْبابُُ عَن عَائِشَة وَعَمْرو بن عَنْبَسَة وَابْن عَبَّاس وواثلة بن الْأَسْقَع وَأبي أُمَامَة وَعقبَة بن عَامر وَكَعب بن مرّة قلت.
أما حَدِيث عَائِشَة فَأخْرجهُ ابْن زَنْجوَيْه بِإِسْنَادِهِ عَنْهَا مَرْفُوعا: من أعتق عضوا من مَمْلُوك أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا.
وَأما حَدِيث عَمْرو بن عَنْبَسَة فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث شُرَحْبِيل بن السمط أَنه قَالَ لعَمْرو بن عَنْبَسَة: حَدثنَا حَدِيثا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: من أعتق رَقَبَة مُؤمنَة كَانَت فدَاه من النَّار.
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ أَبُو الشَّيْخ ابْن حبَان فِي (كتاب الثَّوَاب وفضائل الْأَعْمَال) عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيّمَا مُؤمن أعتق مُؤمنا فِي الدُّنْيَا أعْتقهُ الله عضوا بعضو من النَّار.
وَأما حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة الغريف الديلمي، قَالَ: أَتَيْنَا وَاثِلَة بن الْأَسْقَع، فَقُلْنَا لَهُ: حَدثنَا حَدِيثا فَذكره، وَفِيه قَالَ: أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي صَاحب لنا أوجب يَعْنِي: النَّار بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: أعتقوا عَنهُ يعْتق الله بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا مِنْهُ من النَّار.
وَأخرجه الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك).

     وَقَالَ : إِن غريف لقب عبد الله الديلمي.
وَأما حَدِيث أبي أُمَامَة فَأخْرجهُ التِّرْمِذِيّ عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَيّمَا امرىء مُسلم أعتق امْرأ مُسلما كَانَ فكاكه من النَّار، يجزى كل عُضْو مِنْهُ عضوا وَأَيّمَا امرىء مُسلم أعتق امْرَأتَيْنِ مسلمتين كَانَتَا فكاكه من النَّار، يجزى كل عُضْو مِنْهُمَا عضوا مِنْهُ، وَأَيّمَا امْرَأَة مسلمة أعتقت امْرَأَة مسلمة كَانَت فكاكها من النَّار يجزى كل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهَا) .
.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح غَرِيب.
وَأما حَدِيث عقبَة فَأخْرجهُ أَحْمد من رِوَايَة قَتَادَة عَن قيس الجذامي عَن عقبَة بن عَامر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من أعتق رَقَبَة مُؤمنَة فَهِيَ فكاكه من النَّار) .
وَرَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْحَاكِم،.

     وَقَالَ : حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
وَأما حَدِيث كَعْب بن مرّة فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة شُرَحْبِيل بن السمط، قَالَ: قلت لكعب: يَا كَعْب بن مرّة أَو مرّة بن كَعْب حدِّثنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاحْذَرْ.
قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (من أعتق امْرأ مُسلما كَانَ فكاكه من النَّار يجزى بِكُل عظم مِنْهُ عظم مِنْهُ، وَمن أعتق امْرَأتَيْنِ مسلمتين كَانَتَا فكاكه من النَّار يجزى بِكُل عظمين مِنْهُمَا عظم مِنْهُ) .
لفظ ابْن مَاجَه، وَأخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) .

قلت: وَفِي الْبابُُ عَن معَاذ بن جبل وَمَالك بن عَمْرو الْقشيرِي وَسَهل بن سعد وَأبي مَالك وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأبي ذَر.
وَأما حَدِيث معَاذ فَأخْرجهُ أَحْمد من رِوَايَة قَتَادَة عَن قيس عَن معَاذ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: من أعتق رَقَبَة مُؤمنَة فَهِيَ فداؤه من النَّار.
وَأما حَدِيث مَالك بن عَمْرو فَأخْرجهُ أَحْمد أَيْضا من رِوَايَة عَليّ ابْن زيد عَن زُرَارَة بن أبي أوفى عَن مَالك بن عَمْرو الْقشيرِي، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (من أعتق رَقَبَة مسلمة فَهِيَ فداؤه من النَّار) .
وَأما حَدِيث سهل بن سعد فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه الصَّغِير) من رِوَايَة زَكَرِيَّاء بن مَنْظُور عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (من أعتق رَقَبَة مسلمة أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا من النَّار) ، وَأخرجه ابْن عدي فِي (الْكَامِل) وَضَعفه بزكرياء الْمَذْكُور.
وَأما حَدِيث أبي مَالك فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) عَن شُعْبَة بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم فِي حَدِيث مَالك بن عَمْرو.
وَأما حَدِيث أبي مُوسَى فَأخْرجهُ النَّسَائِيّ فِي (الْكُبْرَى) وَالْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عَن شُعْبَة شيخ من أهل الْكُوفَة عَن أبي بردة عَن أَبِيه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (من أعتق رَقَبَة أَو عبدا كَانَت فكاكه من النَّار) .
وَأما حَدِيث أبي ذَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأخْرجهُ الْبَزَّار فِي (مُسْنده) من رِوَايَة أبي جرير عَن الْحسن عَن صعصعة عَن أبي ذَر، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (من أعتق رَقَبَة مُؤمنَة فَإِنَّهُ يَجْزِي من كل عضوا، وَيجوز: من كل عُضْو مِنْهُ عضوا مِنْهُ من النَّار) .

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (صَاحب عَليّ بن حُسَيْن) ، وَهُوَ زين العابدين بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَكَانَ سعيد بن مرْجَانَة مُنْقَطِعًا إِلَيْهِ فَعرف بِصُحْبَتِهِ.
قَوْله: (أَيّمَا رجل) ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عَاصِم بن عَليّ عَن عَاصِم بن مُحَمَّد: أَيّمَا مُسلم، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن أبي حَكِيم عَن سعيد بن مرْجَانَة، وَكلمَة: أَي، للشّرط دخلت عَلَيْهِ كلمة: مَا،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: (أَيّمَا رجل) ، بِالْجَرِّ وبالرفع على الْبَدَلِيَّة.
قَوْله: (استنقذ الله) أَي: نجى الله وخلص بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا مِنْهُ من النَّار، وَسَيَأْتِي فِي كَفَّارَات الْأَيْمَان: أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا من أَعْضَائِهِ من النَّار، حَتَّى فرجه بفرجه، وَعند أبي الْفضل الْجُورِي: حَتَّى أَنه ليعتق الْيَد بِالْيَدِ وَالرجل بِالرجلِ والفم بالفم، فَقَالَ لَهُ عَليّ بن حُسَيْن أَنْت سَمِعت هَذَا من أبي هُرَيْرَة؟ قَالَ: نعم.
قَالَ: ادعوا لي أفرد غلماني مطوفاً فَأعْتقهُ.
قَوْله: (قَالَ: سعيد بن مرْجَانَة) هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
قَوْله: (فَانْطَلَقت بِهِ) ، أَي: بِالْحَدِيثِ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَانْطَلَقت حَتَّى سَمِعت الحَدِيث من أبي هُرَيْرَة، فَذَكرته لعَلي، وَزَاد أَحْمد وَأَبُو عوَانَة فِي روايتيهما من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن أبي حَكِيم عَن سعيد بن مرْجَانَة، فَقَالَ عَليّ بن الْحُسَيْن: أَنْت سَمِعت هَذَا من أبي هُرَيْرَة، قَالَ: نعم قَوْله: (فَعمد عَليّ) أَي: عَليّ بن الْحُسَيْن، أَي: قصد إِلَى عبد لَهُ واسْمه مطرف ... كَمَا ذكر الْآن فِي حَدِيث الْجُورِي.
قَوْله: (قد أعطَاهُ) أَي: قد أعْطى عَليّ بن الْحُسَيْن بِهِ أَي: بِمُقَابلَة عَبده (عبد الله بن جَعْفَر) وَهُوَ مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: أعطَاهُ، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ مَفْعُوله الأول، وَقَوله: (عشرَة آلَاف دِرْهَم) مَفْعُوله الثَّانِي، وَعبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب وَهُوَ ابْن عَم وَالِد عَليّ بن الْحُسَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَهُوَ أول من ولد للمهاجرين بِالْحَبَشَةِ، وَكَانَ آيَة فِي الْكَرم وَيُسمى ببحر الْجُود وَله صُحْبَة، مَاتَ سنة ثَمَانِينَ من الْهِجْرَة.
قَوْله: (أَو ألف دِينَار) ، شكّ من الرَّاوِي.
قَوْله: (فَأعْتقهُ) ، وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي حَكِيم، فَقَالَ: إذهب أَنْت حر لوجه الله تَعَالَى.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ: يَنْبَغِي أَن يكون الْمُعْتق كَامِل الْأَعْضَاء، وَلَا يَنْبَغِي أَن يكون نَاقص الْأَعْضَاء بعور أَو شلل وشبههما، وَلَا معيبا بِعَيْب يضر بِالْعَمَلِ ويخل بالسعي والاكتساب، وَرُبمَا كَانَ نقص الْأَعْضَاء زِيَادَة فِي الثّمن كالخصي إِذْ يصلح لما يصلح لَهُ غَيره من حفظ الْحَرِيم وَنَحْوه، فَلَا يكره على أَنه لَا يخل بِالْعَمَلِ.
.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: اخْتلف الْعلمَاء أَيّمَا أفضل: عتق الْإِنَاث أَو الذُّكُور؟ فَقَالَ بَعضهم: الْإِنَاث أفضل،.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: الذُّكُور أفضل، لحَدِيث أبي أُمَامَة وَلما فِي الذّكر من الْمعَانِي الْعَامَّة الَّتِي لَا تُوجد فِي الْإِنَاث، وَلِأَن من الْإِمَاء من لَا ترغب فِي الْعتْق وتضيع بِهِ بِخِلَاف العَبْد، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَاسْتحبَّ بعض الْعلمَاء أَن يعْتق الذّكر وَالْأُنْثَى، مثلهَا ذكره الفرغاني فِي (الْهِدَايَة) ليتَحَقَّق مُقَابلَة الْأَعْضَاء بالأعضاء،.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: الزِّنَا كَبِيرَة لَا يكفر إلاَّ بِالتَّوْبَةِ، فَيحمل هَذَا الحَدِيث على أَنه أَرَادَ مس الْأَعْضَاء بَعْضهَا بَعْضًا من غير إيلاج، وَيحْتَمل أَن يُرِيد: أَن لعتق الْفرج حظاً فِي الموازنة فيكفر.
وَفِيه: فضل الْعتْق، وَأَنه من أرفع الْأَعْمَال وَرُبمَا يُنجي الله بِهِ من النَّار.
وَفِيه: أَن المجازاة قد تكون من جنس الْأَعْمَال فجوزي الْمُعْتق للْعَبد بِالْعِتْقِ من النَّار.
وَفِيه: أَن تَقْوِيم بَاقِي العَبْد لمن أعتق شِقْصا مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ لاستعمال عتق نَفسه بِتَمَامِهَا من النَّار، وَصَارَت حُرْمَة الْعتْق تتعدى إِلَى الْأَمْوَال لفضل النجَاة بِهِ من النَّار، قيل: وَهَذَا أولى من قَول من قَالَ: إِنَّمَا ألزم عتق بَاقِيه لتكميل حريَّة العَبْد.
وَفِيه: أَن عتق الْمُسلم أفضل من عتق الْكَافِر، وَهُوَ قَول كَافَّة الْعلمَاء، وَحكي عَن مَالك وَبَعض أَصْحَابه أَن الْأَفْضَل عتق الرَّقَبَة النفيسة وَإِن كَانَ كَافِرًا.