فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من أجاب بلبيك وسعديك

( بابُُ مَنْ أجابَ: بِلَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من أجَاب لمن يسْأَله بقوله: لبيْك، وَمَعْنَاهُ أَنا مُقيم على طَاعَتك، من قَوْلهم: لب فلَان بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ، وَقيل: مَعْنَاهُ إِجَابَة بعد إِجَابَة، وَهَذَا من المصادر الَّتِي حذف فعلهَا لكَونه وَقع مثنى، وَذَلِكَ يُوجب حذف فعله قِيَاسا لأَنهم لما ثنوه صَار كَأَنَّهُمْ ذَكرُوهُ مرَّتَيْنِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لبالباً.
وَلَا يسْتَعْمل إلاَّ مُضَافا، وَمعنى: لبيْك، الدَّوَام والملازمة فَكَأَنَّهُ إِذا قَالَ: لبيْك، قَالَ: أدوم على طَاعَتك وأقيمها مرّة بعد أُخْرَى أَي: شأني الْإِقَامَة والملازمة، وَأما: سعديك، فَمَعْنَاه فِي الْعِبَادَة: أَنا مُتبع أَمرك غير مُخَالف لَك فأسعدني على متابعتك إسعاداً، وَأما فِي إِجَابَة الْمَخْلُوق فَمَعْنَاه: أسعدك إسعاداً بعد إسعاد، أَي: مرّة بعد أُخْرَى.



[ قــ :5937 ... غــ :6267 ]
- حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا هَمامٌ عَنْ قَتادة عَنْ أنَسٍ عَنْ مُعاذٍ قَالَ: أَنا رَدِيفُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا مُعاذُ { قلتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ قَالَ مِثْلَهُ ثَلاثاً: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الله عَلى العبادِ؟ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: حقُّ الله عَلى العِبادِ أنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، ثُمَّ سارَ ساعَةً فَقَالَ: يَا مُعاذُ}
قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ العِبادِ عَلى الله إِذا فَعَلُوا ذالِكَ؟ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: حَقُّ العِبادِ عَلى الله إِذا فَعَلُوا ذالِكَ أنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ.
ابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لبيْك وَسَعْديك) وَهَمَّام بِالتَّشْدِيدِ هُوَ ابْن يحيى الْبَصْرِيّ، ومعاذ هُوَ ابْن جبل رَضِي الله عَنهُ.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب اللبَاس فِي: بابُُ إرداف الرجل خلف الرجل فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن هدبة بن خَالِد عَن همام عَن قَتَادَة عَن أنس عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ إِلَى آخِره نَحوه، وَقَرِيب مِنْهُ مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ من خص بِالْعلمِ قوما بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( أَن يعبدوه) إِشَارَة إِلَى العمليات.
وَقَوله: ( وَلَا يشركوا بِهِ) إِلَى الاعتقاديات لِأَن التَّوْحِيد أَصْلهَا.
قَوْله: ( لَا يعذبهم) أَي: هُوَ أَن لَا يعذبهم قيل: لَا يجب على الله تَعَالَى شَيْء.
وَأجِيب بِأَن الْحق بِمَعْنى الثَّابِت أَو هُوَ وَاجِب بإيجابه على ذَاته أَو هُوَ كالواجب نَحْو زيد أَسد،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: فَإِن اعْترض المرجئة بِهِ فجواب أهل السّنة لَهُم أَن هَذَا اللَّفْظ خرج على المزاوجة والمقابلة نَحْو { وَجَزَاء سَيِّئَة مثلهَا} ( الشورى: 40) .

حدّثنا هُدْبَةُ حَدثنَا هَمَّامٌ حَدثنَا قَتادة عَنْ أنَسٍ عَنْ مُعاذٍ بِهاذا
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث معَاذ أخرجه عَن هدبة بن خَالِد عَن همام بن يحيى وَمضى هَذَا الطَّرِيق بِعَيْنِه فِي كتاب اللبَاس كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.





[ قــ :5938 ... غــ :668 ]
- حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا أبِي حَدثنَا الأعْمَشُ حَدثنَا زَيْدُ بنُ وَهْبٍ حدّثنا وَالله أبُو ذَرّ بالرَّبْذَةِ، قَالَ: كُنْتُ أمْشِي مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حَرَّةِ المَدِينَةِ عِشاءً اسْتَقْبَلَنا أُحُدٌ فَقَالَ: يابا ذَرّ { مَا أُحِبُّ أنَّ أُحُداً لِي ذَهَباً تَأْتِي عَلَيَّ لَيْلَةٌ أوْ ثَلاثٌ عِنْدِي مِنْهُ دِينارٌ لَا أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ إلاَّ أنْ أقُولَ بِهِ فِي عِبادِ الله هاكَذا وهاكذا وهاكذا أَو أرانا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرّ} قُلْتُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ يَا رسولَ الله.
قَالَ: الأكْثَرُونَ هم الأقَلُّونَ إلاَّ مَنْ قَالَ هاكَذا وهاكَذا، ثُمَّ قَالَ لي: مَكانَكَ لَا تَبْرَحْ يَا أَبَا ذَرّ حَتَّى أرْجِعَ، فانْطَلَقَ حَتَّى غابَ عَنِّي، فَسَمِعْتُ صَوْتاً فَخَشِيتُ أنْ يَكُونَ عُرِضَ لِرَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأرَدْتُ أنْ أذْهَبَ ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَبْرَحْ.
فَمَكَثْتُ.
قُلْتُ: يَا رسولَ الله { سَمِعْتُ صَوْتاً خَشِيتُ أنْ يَكُونَ عُرِضَ لع، ثُمَّ ذكرْتُ قَوْلَكَ فَقُمْتُ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذاكَ جِبْرِيلُ أتانِي فأخْبَرَنِي أنهُ مَنْ ماتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ.
قُلْتُ: يَا رسولَ الله}
وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ.

قُلْتُ لِزَيْدٍ: إنَّهُ بَلَغَنِي أنَّهُ أبُو الدَّرْداءِ، فَقَالَ: أشْهَدُ لَحَدَّثَنِيهِ أبُو ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ.

قَالَ الأعْمَشُ: وحَدثني أبُو صالِحٍ عَنْ أبي الدَّرْداءِ نَحْوَهُ.

وَقَالَ أبُو شِهابٍ عَن الأعْمَشِ: يَمْكُثُ عِنْدِي فَوْقَ ثَلاثٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب أبي سُلَيْمَان الْهَمدَانِي الْجُهَنِيّ الْكُوفِي من قضاعة، خرج إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ فِي الطَّرِيق، مَاتَ سنة سِتّ وَتِسْعين، وَأَبُو ذَر اسْمه جُنْدُب بن جُنَادَة مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ بالربذة، وَأَبُو الدَّرْدَاء اسْمه عُوَيْمِر بن زيد مَاتَ بِدِمَشْق سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَيْضا، شهد فتح مصر.

والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الاستقراض فِي: بابُُ أَدَاء الدُّيُون فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أَحْمد بن يُونُس عَن أبي شهَاب عَن الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب عَن أبي ذَر ... إِلَى آخِره.

قَوْله: ( وَالله) ذكر الْقسم تَأْكِيدًا أَو مُبَالغَة دفعا لما قيل لَهُ: إِن الرَّاوِي أَبُو الدَّرْدَاء لَا أَبُو ذَر، يشْعر بِهِ آخر الحَدِيث.
قَوْله: ( فِي حرَّة الْمَدِينَة) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء هِيَ الأَرْض ذَات الْحِجَارَة السود وَهِي أَرض بِظَاهِر الْمَدِينَة فِيهَا حِجَارَة سود كَثِيرَة.
قَوْله: ( استقبلنا) بِفَتْح اللَّام فعل ومفعول وَاحِد بِالرَّفْع فَاعله.
قَوْله: ( يَا با ذَر) حذفت الْهمزَة للتَّخْفِيف.
قَوْله: ( ذَهَبا) مَنْصُوب على التَّمْيِيز.
قَوْله: ( لَا أرصدة) أَي: لَا أعده وَهُوَ صفة للدينار، ويروى: إلاَّ أرصدة، بِكَلِمَة الِاسْتِثْنَاء.
قَوْله: ( إلاَّ أَن أَقُول) اسْتثِْنَاء من أول الْكَلَام استثنار مفرغاً وَالْقَوْل فِي عباد الله الصّرْف فيهم والإنفاق عَلَيْهِم.
قَوْله: ( هَكَذَا، ثَلَاث مَرَّات) أَي: يَمِينا وَشمَالًا وقداماً.
قَوْله: ( الْأَكْثَرُونَ) أَي: من جِهَة المَال ( هم الأقلون) ثَوابًا.
قَوْله: ( مَكَانك) بِالنّصب أَي: إلزم مَكَانك، قَوْله: ( عرض) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: ظهر عَلَيْهِ أحد أَو أَصَابَهُ آفَة.
قَوْله: ( فَقُمْت) أَي: فوقفت، وَقيل: مَعْنَاهُ فأقمت فِي موضعي وَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى: { وَإِذا أظلم عَلَيْهِم قَامُوا} ( الْبَقَرَة: 0) [/ ح.

قَوْله: ( قلت لزيد) الْقَائِل هُوَ الْأَعْمَش، وَزيد هُوَ ابْن وهب الْمَذْكُور.
قَوْله: ( لحدثنيه) إِنَّمَا دخلت اللَّام عَلَيْهِ لِأَن الشَّهَادَة فِي حكم الْقسم.
قَوْله: ( بالربذة) بِفَتْح الرَّاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة والذال الْمُعْجَمَة مَوضِع على ثَلَاث مراحل من الْمَدِينَة قريب من ذَات عرق.

قَوْله: ( أَبُو صَالح) هُوَ ذكْوَان السمان.

قَوْله: ( أَبُو شهَاب) اسْمه عبد ربه الحناط بالمهملتين وَالنُّون الْمُشَدّدَة الْمَدَائِنِي.