فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب النوم قبل العشاء لمن غلب

( بابُ النَّوْمِ قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم النّوم قبل صَلَاة الْعشَاء، لمن غُلب، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: لمن غلب عَلَيْهِ النّوم، وَتَمام الْكَلَام مُقَدّر، يَعْنِي: لَا بَأْس بِهِ، والْحَدِيث الثَّانِي فِي هَذَا الْبَاب يدل على هَذَا..
[ قــ :554 ... غــ :569]
حدَّثنا أيُّوبُ بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدَّثني أبُو بَكْرٍ عنْ سُلَيْمَانَ قَالَ صالِحُ بنُ كَيْسَانَ أَخْبرنِي ابنُ شِهَابٍ عَن عُرْوَةَ أنَّ عَائِشَةَ قالَتْ أعْتَمَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالعِشَاءِ حَتَّى نادَاهُ عُمَرُ الصَّلاَةَ نامَ النِّساءُ والصِّبْيَانُ فَخَرَجَ فقالَ مَا يَنْتَظِرُهَا أحَدٌ مِنْ أهْلِ الأرْضِ غَيْرُكُمُ قَالَ ولاَ تُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إلاَّ بِالمَدِينَةِ قَالَ وكانُوا يُصَلُّونَ العِشَاءَ فِيما بَيْنَ أنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلِثِ اللَّيْلِ الأوَّلِ.
( انْظُر الحَدِيث 566 وطرفييه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( نَام النِّسَاء وَالصبيان) فَإِنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يُنكر على من نَام من الَّذين كَانُوا ينتظرون خُرُوجه لصَلَاة الْعشَاء، وَلم يكن نومهم إِلَّا حِين غلب النّوم عَلَيْهِم.
ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: أَيُّوب ابْن سُلَيْمَان بن بِلَال، مولى عبد الله بن أبي عَتيق، واسْمه: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: أَبُو بكر، هُوَ عبد الحميد بن أبي أويس، واسْمه: عبد الله أَخُو إِسْمَاعِيل شيخ البُخَارِيّ، وَيعرف بالأعشى.
الثَّالِث: سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب، وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد الْقرشِي التَّيْمِيّ، مولى عبد الله بن أبي عَتيق الْمَذْكُور آنِفا.
الرَّابِع: صَالح ابْن كيسَان أَبُو مُحَمَّد، وَيُقَال: أَبُو الْحَارِث الْغِفَارِيّ مَوْلَاهُم.
الْخَامِس: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
السَّادِس: عُرْوَة ابْن الزبير.
السَّابِع: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع وبصيغة الْإِخْبَار المفردة من الْمَاضِي.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: شيخ البُخَارِيّ من الْأَفْرَاد.
وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَمَّن روى عَن أَبِيه.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابَة.
وَفِيه: القَوْل، فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أعتم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قد مر مَعْنَاهُ فِي بَاب فضل الْعشَاء لِأَن الحَدِيث قد تقدم فِيهِ، رَوَاهُ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب.
قَوْله: ( الصَّلَاة) ، نصب على الإغراء.
قَوْله: ( نَام النِّسَاء) من تَتِمَّة كَلَام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( وَلَا تصلَّى) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
أَي: لَا تصل الصَّلَاة بالهيئة الْمَخْصُوصَة بِالْجَمَاعَة إلاَّ بِالْمَدِينَةِ، وَبِه صرح الدَّاودِيّ، لِأَن من كَانَ بِمَكَّة من الْمُسْتَضْعَفِينَ لم يَكُونُوا يصلونَ إلاَّ سرّا، وَأما غير مَكَّة وَالْمَدينَة من الْبِلَاد فَلم يكن الْإِسْلَام دَخلهَا.
قَوْله: ( قَالَ) ، أَي: الرَّاوِي، وَلم يقل: قَالَت، نظرا إِلَى الرَّاوِي سَوَاء كَانَ الْقَائِل بِهِ عَائِشَة أَو غَيرهَا.
قَوْله: ( بَين أَن يغيب) لَا بُد من تَقْدِير أَجزَاء المغيب حَتَّى يَصح دُخُول: بَين، عَلَيْهِ.
و: ( الشَّفق) الْبيَاض دون الْحمرَة عِنْد أبي حنيفَة، وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ هُوَ: الْحمرَة.
قَوْله: ( الأول) بِالْجَرِّ صفة: الثُّلُث، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب زِيَادَة فِي هَذَا الحَدِيث، وَهِي: قَالَ ابْن شهَاب: ( وَذكر لي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَمَا كَانَ لَكِن أَن تنزروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، للصَّلَاة، وَذَلِكَ حِين صَاح عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) قَوْله: ( تنزروا) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون النُّون وَضم الزَّاي بعْدهَا رَاء أَي: تلحوا عَلَيْهِ، وَرُوِيَ بِضَم أَوله بعْدهَا بَاء مُوَحدَة ثمَّ رَاء مَكْسُورَة ثمَّ زَاي أَي: تحرجوا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: مَا ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث الأول فِي بَاب فضل الْعشَاء.
وَفِيه: تذكير الإِمَام.
وَفِيه: أَنه إِذا تَأَخّر عَن أَصْحَابه، أَو جرى مِنْهُ مَا يظنّ أَنه يشق عَلَيْهِم، يعْتَذر إِلَيْهِم وَيَقُول لَهُم: لكم فِيهِ مصلحَة من جِهَة كَذَا، أَو: كَانَ لي عذر، وَنَحْوه.


[ قــ :555 ... غــ :570]
حدَّثنا مَحْمُودُ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبرنِي نافِعٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً فَأخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي المَسْجِدِ ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثمَّ رَقَدْنَا ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَاثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ قَالَ لَيْسَ أحَدٌ مِنْ أهْلِ الأرْضِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ غَيْرُكُمْ وكانَ ابنُ عُمَرَ لَا يُبَالِي أقَدَّمَهَا أم أخَّرَهَا إذَا كانَ لاَ يَخْشَى أنْ يَغْلِبَهُ النوْمُ عنْ وَقْتِهَا وكانَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا قَالَ ابنُ جُرَيْجٍ.

قُلْتُ لِعَطَاءٍ فقَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ أعْتَمَ رسولُ الله لَيْلَةً بِالعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ واسْتَيْقَظُوا وَرَقَدُوا واسْتَيْقَظُوا فقامَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فَقَالَ الصَّلاَةَ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابنُ عبَّاسٍ فِخَرَجَ نَبِيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كأنِّي أنْظُرُ إلَيْهِ الآنَ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاء واضِعا يَدَهُ عَلَى رَأسِهِ فَقَالَ لَوْلاَ أنْ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أنْ يُصَلُّوها هَكَذَا فاسْتَثْبَتُّ عَطَاءً كَيْفَ وضعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَهُ عَلَى رَأسِهِ كَمَا أنْبَأَهُ ابنُ عبَّاسٍ فَبَدَّدَ لِي عَطَاءٌ بَيْنَ أصَابِعِهِ شَيْئَا مِنْ تَبْدِيدٍ ثمَّ وَضَعَ أطْرَافَ أصَابِعِه على قَرْنِ الرَّأْسِ ثُمَّ ضَمَّهَا يُمِرُّهَا عَلى الرَّأْسِ حَتَّى مَسَّت إبهَامُهُ طَرَفَ الأُذُنِ مِمَّا يَلِي الوَجْهَ عَلى الصُّدْغِ وناحِيَةَ اللِّحْيَةِ لاَ يُقَصِّرُ ولاَ يَبْطُشُ إِلَّا كَذَلِكَ.

     وَقَالَ  لَوْلاَ أنْ أشقَّ عَلى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَن يُصَلّوا هَكذَا.
(الحَدِيث 571 طرفه فِي: 739) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حَتَّى رقدنا فِي الْمَسْجِد) وَفِي قَوْله: (رقد النَّاس) ، وَفِي قَوْله: (وَكَانَ يرقد قبلهَا) ، أَي: كَانَ ابْن عمر يرقد قبل الْعشَاء، وَحمله البُخَارِيّ على مَا إِذا غَلبه النّوم، وَهُوَ اللَّائِق بِحَال ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مَحْمُود بن غيلَان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: الْحَافِظ الْمروزِي، تقدم.
الثَّانِي: عبد الرَّزَّاق الْيَمَانِيّ، تقدم.
الثَّالِث: عبد الْملك بن جريج.
الرَّابِع: نَافِع مولى ابْن عمر.
الْخَامِس: عبد الله بن عمر.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي ويماني ومكي ومدني.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن رَافع.
وَأخرجه: أَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَة عَن أَحْمد ابْن حَنْبَل إِلَى قَوْله: (لَيْسَ أحد ينْتَظر الصَّلَاة غَيْركُمْ) .
وَأخرجه مُسلم عَن عَطاء مُفردا مَفْصُولًا من حَدِيث نَافِع بِلَفْظ: (قلت لعطاء: أَي: حِين أحب إِلَيْك أَن أُصَلِّي الْعشَاء؟ فَقَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس) الحَدِيث.
قلت: لعطاء: كم ذكر لَك أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَخّرهَا ليلتئذ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي.
قَالَ عَطاء: وَأحب إِلَيّ أَن تصليها إِمَامًا وخلوا مؤخرة، كَمَا صلاهَا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليلتئذ، فَإِن شقّ ذَلِك عَلَيْك خلوا.
أَو على النَّاس فِي الْجَمَاعَة وَأَنت إمَامهمْ فصلها وسطا لَا مُعجلَة وَلَا مؤخرة.
وَعند النَّسَائِيّ: عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، وَعَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: (أخر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء ذَات لَيْلَة حَتَّى ذهب اللَّيْل، فَقَامَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَنَادَى: الصَّلَاة يَا رَسُول الله، رقد النِّسَاء والولدان.
فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمَاء يقطر من رَأسه، فَقَالَ: إِنَّه للْوَقْت، لَوْلَا أشق على أمتِي لصليت بهم هَذِه السَّاعَة) .

ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (شغل) ، بِلَفْظ الْمَجْهُول، قَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال: شغلت عَنْك بِكَذَا، على مَا لم يسم فَاعله.
قَوْله: ((عَنْهَا) أَي: عَن وَقتهَا، أَي: متجاوزا عَنهُ.
قَوْله: (وَكَانَ ابْن عمر لَا يُبَالِي) أَي: لَا يكترث أقدَّم الْعشَاء أم أَخّرهَا عِنْد عدم خَوفه من غَلَبَة النّوم عَن وَقت الْعشَاء، وَقد (كَانَ يرقد قبلهَا) أَي: قبل الْعشَاء.
قَوْله: (قَالَ ابْن جريج) أَي: قَالَ عبد الْملك بن جريج بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قبله، وَهُوَ: مَحْمُود بن غيلَان عَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج، وَلَيْسَ هُوَ بتعليق، وَقد أخرجه عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) بالإسنادين، وَأخرجه من طَرِيقه الطَّبَرَانِيّ وَعنهُ أَبُو نعيم فِي (مستخرجه) .
قَوْله: (فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: الصَّلَاة)) وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: زَاد: (رقد النِّسَاء وَالصبيان) ، كَمَا فِي حَدِيث عَائِشَة، و: الصَّلَاة، مَنْصُوبَة على الإغراء.
قَوْله: (يقطر رَأسه مَاء) جملَة فعلية مضارعية وَقت حَالا بِدُونِ: الْوَاو، وَالْمعْنَى: يقطر مَاء رَأسه، لِأَن التَّمْيِيز فِي حكم الْفَاعِل.
قَوْله: (وَاضِعا يَده على رَأسه) ، أَيْضا حَال.
وَكَانَ قد اغْتسل قبل أَن يخرج.
وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: (على رَأْسِي) ، وَهَذَا وهم.
قَوْله: (فاستثبت) .
مقول ابْن جريج بِلَفْظ الْمُتَكَلّم، والاستثبات: طلب التثبيت، وَهُوَ التَّأْكِيد فِي سُؤَاله.
قَوْله: (عَطاء) مَنْصُوب بقوله: فاستثبت) وَهُوَ عَطاء ابْن أبي رَبَاح، وَقد تردد فِيهِ الْكرْمَانِي بَين عَطاء بن يسَار وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَالْحَامِل عَلَيْهِ كَون كل مِنْهُمَا يروي عَن ابْن عَبَّاس.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَوهم من زعم أَنه ابْن يسَار.
قلت: أَرَادَ بِهِ الْكرْمَانِي: وَلكنه مَا جزم بِأَنَّهُ ابْن يسَار، بل قَالَ: الظَّاهِر أَنه عَطاء بن يسَار، وَيحْتَمل عَطاء بن أبي رَبَاح.
قَوْله: (كَمَا أنبأه) أَي: مثل مَا أخبرهُ ابْن عَبَّاس.
قَوْله: (فبدد) أَي: فرق، التبديد: التَّفْرِيق.
قَوْله: (على قرن الرَّأْس) ، الْقرن، بِسُكُون الرَّاء: جَانب الرَّأْس.
قَوْله: (ثمَّ ضمهَا) أَي: ثمَّ ضم أَصَابِعه، وَهُوَ بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْمِيم.
وَفِي رِوَايَة مُسلم: (وصبها) ، بالصَّاد الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة،.

     وَقَالَ  عِيَاض، رَحمَه الله: هُوَ الصَّوَاب، لِأَنَّهُ يصف عصر المَاء من الشّعْر بِالْيَدِ.
قَوْله: (حَتَّى مست إبهامه طرف الْأذن) ، فإبهامه مَرْفُوع بالفاعلية، وطرف الْأذن مَنْصُوب على المفعولية.
وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني بإفراد الْإِبْهَام، وَفِي رِوَايَة غَيره إبهاميه بالتثنية وَالنّصب، ووجهها أَن يكون قَوْله: (إبهاميه) مَنْصُوبًا على المفعولية.
و: (طرف الْأذن) مَرْفُوعا بالفاعلية، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن حجاج عَن ابْن جريج: (حَتَّى مست إبهاماه طرف الْأذن) .
فَإِن قلت: فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: كَيفَ أنث الْفِعْل الْمسند إِلَى الطّرف وَهُوَ مُذَكّر؟ قلت: لِأَن الْمُضَاف اكْتسب التَّأْنِيث من الْمُضَاف إِلَيْهِ لشدَّة الِاتِّصَال بَينهمَا، فأنث كَذَلِك.
قَوْله: (لَا يقصر) ، بِالْقَافِ من التَّقْصِير، وَمَعْنَاهُ لَا يبطىء.
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا يعصر، بِالْعينِ.
قَوْله: (وَلَا يبطش) أَي: لَا يستعجل.
قَوْله: (لأمرتهم) أَي: انْتِفَاء الْأَمر لوُجُود الْمَشَقَّة.
قَوْله: (وَهَكَذَا) أَي: فِي هَذَا الْوَقْت بَين ذَلِك فِي رِوَايَة أُخْرَى بقوله: (إِنَّه للْوَقْت) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: إِبَاحَة النّوم قبل الْعشَاء لمن يغلب عَلَيْهِ النّوم وَلمن تعرض لَهُ ضَرُورَة لَازِمَة.
وَفِيه: الدّلَالَة على فَضِيلَة صَلَاة الْعشَاء.
وَفِيه: تذكير الإِمَام والإعلام بِالصَّلَاةِ.
وَفِيه: اسْتِحْبابُُ حُضُور النِّسَاء وَالصبيان الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة.
وَفِيه: أَن النّوم من الْقَاعِد لَا ينْقض الْوضُوء إِذا كَانَ مَقْعَده مُمكنا، وَهَذَا هُوَ محمل الحَدِيث، وَهُوَ مَذْهَب الْأَكْثَرين، وَالصَّحِيح من مَذْهَب الشَّافِعِي، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه لم يذكر أحد من الروَاة أَنهم توضأوا من ذَلِك النّوم، وَلَا يدل لفظ: (ثمَّ استيقظوا) ، على النّوم الْمُسْتَغْرق الَّذِي يزِيل الْعقل، لِأَن الْعَرَب تَقول: اسْتَيْقَظَ من سنته وغفلته.
وَفِيه: رد على الْمُزنِيّ حَيْثُ يَقُول: قَلِيل النّوم وَكَثِيره حدث ينْقض الْوضُوء.
لِأَنَّهُ محَال أَن يذهب على أَصْحَابه أَن النّوم حدث فيصلون بِهِ.

ثمَّ إعلم أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي النّوم، فمذهب الْبَعْض إِلَى أَن النّوم لَا ينْقض الْوضُوء على أَي حَالَة كَانَ، وَهَذَا محكي عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَسَعِيد بن الْمسيب وَأبي مجلز وَحميد الْأَعْرَج وَشعْبَة.
وَمذهب الْبَعْض أَنه ينْقض بِكُل حَال، وَهُوَ مَذْهَب الْحسن الْبَصْرِيّ والمزني وَأبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَهُوَ قَول غَرِيب للشَّافِعِيّ.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: وَبِه أَقُول.
قَالَ: وَقد رُوِيَ مَعْنَاهُ عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة.
وَمذهب الْبَعْض أَن كَثِيره ينقص بِكُل حَال وقليله لَا ينْقض بِكُل حَال، وَهُوَ مَذْهَب الزُّهْرِيّ وَرَبِيعَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَأحمد فِي رِوَايَة.
وَمذهب الْبَعْض أَنه إِذا نَام على هَيْئَة من هيئات الْمُصَلِّين: كالراكع والساجد والقائم والقاعد، لَا ينْتَقض وضوؤه، سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو لم يكن، وَإِن نَام مضطجعآ أَو مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ انْتقض، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَدَاوُد وَقَول غَرِيب للشَّافِعِيّ، وَمذهب الْبَعْض أَنه لَا ينْقض إِلَّا نوم الرَّاكِع والساجد، وَرُوِيَ هَذَا عَن أَحْمد أَيْضا.
وَمذهب الْبَعْض: لَا ينْقض النّوم فِي الصَّلَاة بِكُل حَال، وينقض خَارج الصَّلَاة.
وَهُوَ قَول ضَعِيف للشَّافِعِيّ.
وَمذهب الْبَعْض أَنه إِذا نَام جَالِسا مُمكنا مقعدته من الأَرْض لم ينْتَقض، وإلاَّ انْتقض، سَوَاء قل أَو كثر، وَسَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو خَارِجهَا، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي.