فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة


[ قــ :1156 ... غــ :1199]
- ( حَدثنَا ابْن نمير قَالَ حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور قَالَ حَدثنَا هريم بن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَحوه) هَذَا طَرِيق آخر للْحَدِيث الْمَذْكُور وَابْن نمير هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير الْمَذْكُور فِي الحَدِيث الأول وَإِسْحَاق بن مَنْصُور السَّلُولي بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَضم اللَّام الأولى نِسْبَة إِلَى سلول قَبيلَة من هوَازن وهريم بِضَم الْهَاء وَفتح الرَّاء مصغر هرم بن سُفْيَان البَجلِيّ أَبُو مُحَمَّد وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان بن مهْرَان وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ وعلقمة بن قيس وَرِجَال الْإِسْنَاد كلهم كوفيون قَوْله " نَحوه " أَي نَحْو طَرِيق مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره وَأخرجه مُسلم أَيْضا بالطريقين أَحدهمَا من طَرِيق ابْن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش وَالْآخر عَن ابْن نمير عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور السَّلُولي وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود فَقَالَ أَبُو دَاوُد حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أبان حَدثنَا عَاصِم عَن أبي وَائِل " عَن عبد الله قَالَ كُنَّا نسلم فِي الصَّلَاة ونأمر بحاجتنا فَقدمت على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُصَلِّي فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ السَّلَام فأخذني مَا قدم وَحدث فَلَمَّا قضى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِن الله تَعَالَى يحدث من أمره مَا يَشَاء وَإِن الله قد أحدث من أمره أَن لَا تكلمُوا فِي الصَّلَاة فَرد عَليّ السَّلَام " وَأخرجه الطَّحَاوِيّ وَابْن مَاجَه من طَرِيق أبي الْأَحْوَص عَنهُ فَقَالَ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا عَليّ بن شيبَة قَالَ حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى قَالَ حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْأَحْوَص " عَن عبد الله قَالَ خرجت فِي حَاجَة وَنحن يسلم بَعْضنَا على بعض فِي الصَّلَاة فَلَمَّا رجعت فَسلمت فَلم يرد عَليّ.

     وَقَالَ  إِن فِي الصَّلَاة شغلا ".

     وَقَالَ  ابْن مَاجَه حَدثنَا أَحْمد بن سعيد الدَّارمِيّ حَدثنَا النَّضر بن شُمَيْل حَدثنَا يُونُس بن أبي إِسْحَاق عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْأَحْوَص " عَن عبد الله قَالَ كُنَّا نسلم فِي الصَّلَاة فَقيل لنا إِن فِي الصَّلَاة شغلا " وَأَبُو وَائِل شَقِيق ابْن سَلمَة وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي وَأَبُو الْأَحْوَص عَوْف بن مَالك



[ قــ :1157 ... غــ :100]
- ( حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى قَالَ أخبرنَا عِيسَى هُوَ ابْن يُونُس عَن إِسْمَاعِيل عَن الْحَارِث بن شبيل عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ قَالَ لي زيد بن أَرقم إِن كُنَّا لنتكلم فِي الصَّلَاة على عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يكلم أَحَدنَا صَاحبه بحاجته حَتَّى نزلت { حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ " وَالْأَمر بِالسُّكُوتِ نهي عَن الْكَلَام.
( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة.
الأول إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد بن زادان التَّمِيمِي الْفراء أَبُو إِسْحَق مر فِي الْحيض.
الثَّانِي عِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي مر فِي بابُُ من صلى بِالنَّاسِ وَذكر حَاجَة.
الثَّالِث إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ وَاسم أبي خَالِد سعد وَيُقَال هُرْمُز مر فِي الْإِيمَان.
الرَّابِع الْحَارِث بن شبيل بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وباللام البَجلِيّ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الحَدِيث.
الْخَامِس أَبُو عَمْرو بِفَتْح الْعين الشَّيْبَانِيّ واسْمه سعيد بن إِيَاس مر فِي بابُُ فضل الصَّلَاة لوَقْتهَا.
السَّادِس زيد بن أَرقم بِفَتْح الْهمزَة وَالْقَاف وَسُكُون الرَّاء الْأنْصَارِيّ الخزرجي مَاتَ سنة ثَمَان وَسِتِّينَ ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه رازي والبقية كوفيون وَفِيه أحد الروَاة مُفَسّر بنسبته إِلَى أَبِيه وَالْآخر مَذْكُور بِلَا نِسْبَة وَالْآخر مَذْكُور بِالْكِتَابَةِ.
( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عِيسَى وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع وَفِي التَّفْسِير أَيْضا كَذَلِك وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَفِي التَّفْسِير عَن سُوَيْد بن نصر ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ " لَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن زيد بن أَرقم غير هَذَا الحَدِيث قَوْله " إِن كُنَّا لنتكلم " كلمة إِن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَاللَّام فِي " لنتكلم " للتَّأْكِيد قَوْله " يكلم أَحَدنَا " جملَة استئنافية كَأَنَّهَا جَوَاب عَن قَول الْقَائِل كَيفَ كُنْتُم تتكلمون فَقَالَ يكلم أَحَدنَا صَاحبه بحاجته وَفِي لفظ " وَيسلم بَعْضنَا على بعض " وَعند مُسلم " ونهينا عَن الْكَلَام " وَلَفظ التِّرْمِذِيّ " كُنَّا نتكلم خلف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة يكلم الرجل منا صَاحبه إِلَى جنبه حَتَّى نزلت { وَقومُوا لله قَانِتِينَ} قَالَ فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ ونهينا عَن الْكَلَام " قَوْله { حَافظُوا} أَي واظبوا وداوموا قَوْله { الْوُسْطَى} أَي الفضلى من قَوْلهم الْأَفْضَل الْأَوْسَط وَلذَلِك أفردت وعطفت على الصَّلَوَات لانفرادها بِالْفَضْلِ فالصفة بالوسطى أَي الفضلى وَارِدَة للإشعار بعلية الحكم قَوْله { قَانِتِينَ} نصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي { قومُوا} واشتقاقه من الْقُنُوت وَهُوَ يرد لمعان كَثِيرَة بِمَعْنى الطَّاعَة والخشوع وَالصَّلَاة وَالدُّعَاء وَالْعِبَادَة وَالْقِيَام وَطول الْقيام.

     وَقَالَ  ابْن بطال الْقُنُوت فِي هَذِه الْآيَة بِمَعْنى الطَّاعَة والخشوع لله تَعَالَى وَلَفظ الرَّاوِي يشْعر بِأَن المُرَاد بِهِ السُّكُوت لِأَن حمله على مَا يشْعر بِهِ كَلَام الرَّاوِي أولى وأرجح لِأَن المشاهدين للوحي والتنزيل يعلمُونَ سَبَب النُّزُول وَقَول الصَّحَابِيّ فِي الْآيَة نزلت فِي كَذَا يتنزل منزلَة الْمسند.

     وَقَالَ  عِكْرِمَة كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فنهوا عَنْهَا قَوْله " فَأمرنَا " على صِيغَة الْمَجْهُول وَالْفَاء فِيهِ تشعر بتعليل مَا سبق وَأَيْضًا كلمة حَتَّى الَّتِي فِي قَوْله " حَتَّى نزلت " تشعر بذلك لِأَنَّهَا للغاية ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) وَهُوَ على وُجُوه.
فِيهِ الدّلَالَة على أَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة كَانَ مُبَاحا فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نسخ لِأَن الْمُصَلِّي مُنَاد لرَبه عز وَجل فَالْوَاجِب عَلَيْهِ أَن لَا يقطع مناجاته بِكَلَام مَخْلُوق وَأَن يقبل على ربه ويلتزم الْخُشُوع ويعرض عَمَّا سوى ذَلِك وَقد ذكرنَا عَن قريب أَنه مَتى حرم وَالْحُرْمَة بقوله { وَقومُوا لله قَانِتِينَ} أَي ساكنين على مَا ذكرنَا وَأَرَادَ بقوله " فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ " أَي عَن جَمِيع أَنْوَاع كَلَام الْآدَمِيّين.
وَأجْمع الْعلمَاء على أَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة عَامِدًا عَالما بِتَحْرِيمِهِ لغير مصلحتها أَو لغير إنقاذ هَالك أَو شبهه مُبْطل للصَّلَاة وَأما الْكَلَام لمصلحتها فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأحمد تبطل الصَّلَاة وَجوزهُ الْأَوْزَاعِيّ وَبَعض أَصْحَاب مَالك وَطَائِفَة قَليلَة واعتبرت الشَّافِعِيَّة ظُهُور حرفين وَإِن لم يَكُونَا مفهمين وَأما النَّاسِي فَلَا تبطل صلَاته بالْكلَام الْقَلِيل عِنْد الشَّافِعِي وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَالْجُمْهُور وَعند أَصْحَابنَا تبطل.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ دليلنا حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ فَإِن كثر كَلَام النَّاسِي فَفِيهِ وَجْهَان مشهوران لِأَصْحَابِنَا أصَحهمَا تبطل صلَاته لِأَنَّهُ نَادِر وَأما كَلَام الْجَاهِل إِذا كَانَ قريب عهد بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ ككلام النَّاسِي فَلَا تبطل صلَاته بقليله وَأجَاب بعض أَصْحَابنَا أَن حَدِيث قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخ بِحَدِيث ابْن مَسْعُود وَزيد بن أَرقم لِأَن ذَا الْيَدَيْنِ قتل يَوْم بدر كَذَا رُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ وَإِن قصَّته فِي الصَّلَاة كَانَت قبل بدر وَلَا يمْنَع من هَذَا كَون أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ وَهُوَ مُتَأَخّر الْإِسْلَام عَن بدر لِأَن الصَّحَابِيّ قد يروي مَا لَا يحضرهُ بِأَن يسمعهُ من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو من صَحَابِيّ آخر ( فَإِن قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي بابُُ مَا يسْتَدلّ بِهِ على أَنه لَا يجوز أَن يكون حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي تَحْرِيم الْكَلَام نَاسِخا لحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَغَيره وَذَلِكَ لتقدم حَدِيث عبد الله وَتَأَخر حَدِيث أبي هُرَيْرَة ( قلت) ذكر أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد أَن الصَّحِيح فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه لم يكن إِلَّا بِالْمَدِينَةِ وَبهَا نهى عَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة وَقد روى حَدِيثه بِمَا يُوَافق حَدِيث زيد بن أَرقم وصحبة زيد لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَت بِالْمَدِينَةِ وَسورَة الْبَقَرَة مَدَنِيَّة ( فَإِن قلت) فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس مَسْعُود الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَاصِم بن بَهْدَلَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ صاحبا الصَّحِيح توقيا رِوَايَته لسوء حفظه ( قلت) رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنه وَلَيْسَ فِي حَدِيث عَاصِم فَلَمَّا رَجعْنَا من أَرض الْحَبَشَة إِلَى مَكَّة بل يحْتَمل أَن يُرِيد فَلَمَّا رَجعْنَا من أَرض الْحَبَشَة إِلَى الْمَدِينَة ليتفق حَدِيثه مَعَ حَدِيث زيد بن أَرقم.

     وَقَالَ  صَاحب الْكَمَال وَغَيره هَاجر ابْن مَسْعُود إِلَى الْحَبَشَة ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة وَلِهَذَا قَالَ الْخطابِيّ إِنَّمَا نسخ الْكَلَام بعد الْهِجْرَة بِمدَّة يسيرَة وَهَذَا يدل على اتِّفَاق حَدِيث ابْن مَسْعُود وَزيد بن أَرقم على أَن التَّحْرِيم كَانَ بِالْمَدِينَةِ ( فَإِن قلت) قد ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْمعرفَة عَن الشَّافِعِي أَن فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه مر على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَكَّة قَالَ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي فِي فنَاء الْكَعْبَة الحَدِيث ( قلت) لم يذكر ذَلِك أحد من أهل الحَدِيث غير الشَّافِعِي وَلم يذكر سَنَده لينْظر فِيهِ وَلم يجد لَهُ الْبَيْهَقِيّ سندا مَعَ كَثْرَة تتبعه وانتصاره لمَذْهَب الشَّافِعِي وَذكر الطَّحَاوِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن أَن مهاجرة الْحَبَشَة لم يرجِعوا إِلَّا إِلَى الْمَدِينَة وَأنكر رجوعهم إِلَى دَار قد هَاجرُوا مِنْهَا لأَنهم منعُوا من ذَلِك وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَدِيث سعد " وَلَا تردهم على أَعْقَابهم " ( فَإِن قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ الَّذِي قتل ببدر هُوَ ذُو الشمالين وَأما ذُو الْيَدَيْنِ الَّذِي أخبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بسهوه فَإِنَّهُ بَقِي بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَذَا ذكره شَيخنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ ثمَّ خرج عَنهُ بِسَنَدِهِ إِلَى معدي بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنِي شُعَيْب بن مطير عَن أَبِيه ومطير حَاضر فَصدقهُ قَالَ شُعَيْب يَا أبتاه أَخْبَرتنِي أَن ذَا الْيَدَيْنِ لقيك بِذِي خشب فأخبرك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحَدِيث ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ.

     وَقَالَ  بعض الروَاة فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة " فَقَالَ ذُو الشمالين يَا رَسُول الله أقصرت الصَّلَاة " وَكَانَ شَيخنَا أَبُو عبد الله يَقُول كل من قَالَ ذَلِك فقد أَخطَأ فَإِن ذَا الشمالين تقدم مَوته وَلم يعقب وَلَيْسَ لَهُ راو ( قلت) قَالَ السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب ذُو الْيَدَيْنِ وَيُقَال لَهُ ذُو الشمالين لِأَنَّهُ كَانَ يعْمل بيدَيْهِ جَمِيعًا وَفِي الْفَاصِل للرامهرمزي ذُو الْيَدَيْنِ وَذُو الشمالين قد قيل أَنَّهُمَا وَاحِد.

     وَقَالَ  ابْن حبَان فِي الثِّقَات ذُو الْيَدَيْنِ وَيُقَال لَهُ أَيْضا ذُو الشمالين ابْن عبد عَمْرو بن نَضْلَة الْخُزَاعِيّ حَلِيف بن زهرَة والْحَدِيث الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ على بَقَاء ذِي الْيَدَيْنِ بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضَعِيف لِأَن معدي بن سُلَيْمَان مُتَكَلم فِيهِ قَالَ أَبُو زرْعَة واهي الحَدِيث.

     وَقَالَ  ابْن حبَان يروي المقلوبات عَن الثِّقَات والملزوقات عَن الْأَثْبَات لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد وَشُعَيْب مَا عرفنَا حَاله ووالده مطير لم يكْتب حَدِيثه.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ لم يَصح حَدِيثه وَفِيه الْأَمر بالمحافظة على الصَّلَوَات وَالْأَمر للْوُجُوب وروى التِّرْمِذِيّ.

     وَقَالَ  حَدثنَا مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الْكُوفِي حَدثنَا زيد بن أَرقم الْحبابُ أخبرنَا مُعَاوِيَة بن صَالح حَدثنِي سليم بن عَامر قَالَ سَمِعت أَبَا أُمَامَة يَقُول سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب فِي حجَّة الْوَدَاع فَقَالَ اتَّقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زَكَاة أَمْوَالكُم وَأَطيعُوا إِذا أَمركُم تدْخلُوا جنَّة ربكُم وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول إِن أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة من عمله صلَاته " الحَدِيث.
وَفِيه الْأَمر بالمحافظة على الصَّلَاة الْوُسْطَى وَذكر الْعلمَاء فِيهِ عشْرين قولا الأول أَن الصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْر وَهُوَ قَول أبي هُرَيْرَة وَعلي بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس وَأبي بن كَعْب وَأبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عَمْرو فِي رِوَايَة وَسمرَة بن جُنْدُب وَأم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

     وَقَالَ  ابْن حزم وَلَا يَصح عَن عَليّ وَلَا عَن عَائِشَة غير هَذَا أصلا وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَالزهْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَسَعِيد بن جُبَير وَأبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر وَيُونُس وَقَتَادَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَالضَّحَّاك بن مُزَاحم وَعبيد بن مَرْيَم وذر بن حُبَيْش وَمُحَمّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ وَآخَرين.

     وَقَالَ  أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ هُوَ مَذْهَب جُمْهُور التَّابِعين.

     وَقَالَ  أَبُو عمر هُوَ قَول أَكثر أهل الْأَثر.

     وَقَالَ  ابْن عَطِيَّة عَلَيْهِ جُمْهُور النَّاس.

     وَقَالَ  أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ الصَّوَاب من ذَلِك مَا تظاهرت بِهِ الْأَخْبَار من أَنَّهَا الْعَصْر.

     وَقَالَ  أَبُو عمر وَإِلَيْهِ ذهب عبد الْملك بن حبيب.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ هُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء من الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي لصِحَّة الْأَحَادِيث فِيهِ ( قلت) من الْأَحَادِيث فِي ذَلِك حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْد مُسلم عَنهُ أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الخَنْدَق " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر " وَحَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْد مُسلم أَيْضا عَنهُ " حبس الْمُشْركُونَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن صَلَاة الْعَصْر حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس فَقَالَ حبسونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى " وَحَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عِنْد مُسلم أَيْضا " عَن أبي يُونُس مولى عَائِشَة أَمرتنِي عَائِشَة أَن أكتب لَهَا مُصحفا.

     وَقَالَ ت إِذا بلغت هَذِه الْآيَة فَآذِنِّي حَافظُوا على الصَّلَوَات قَالَ فَلَمَّا بلغتهَا آذَنتهَا فَأَمْلَتْ على حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر.

     وَقَالَ ت سَمعتهَا من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " ( قلت) كَذَا وَقع عِنْد مُسلم " وَصَلَاة الْعَصْر " بواو الْعَطف وَوَقع فِي رِوَايَة أبي بكر عبد الله بن أبي دَاوُد سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث السجسْتانِي من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب قَالَ فِي مصحف عَائِشَة حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر يَعْنِي بِلَا وَاو وَفِي كتاب ابْن حزم روينَا من طَرِيق ابْن مهْدي عَن أبي سهل مُحَمَّد بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ عَن الْقَاسِم عَنْهَا فَذَكرته بِغَيْر وَاو قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَهَذِهِ أصح رِوَايَة عَن عَائِشَة وَأَبُو سهل ثِقَة ( قلت) وَفِيه رد لما قَالَه أَبُو عمر لم يخْتَلف فِي حَدِيث عَائِشَة فِي ثُبُوت الْوَاو قَالَ وعَلى تَقْدِير صِحَّته يُجَاب عَنهُ بأَشْيَاء.
مِنْهَا أَنه من أَفْرَاد مُسلم وَحَدِيث عَليّ مُتَّفق عَلَيْهِ.
الثَّانِي أَن من أثبت الْوَاو امْرَأَة ومسقطها جمَاعَة كَثِيرَة.
الثَّالِث مُوَافقَة مذهبها لسُقُوط الْوَاو.
الرَّابِع مُخَالفَة الْوَاو للتلاوة وَحَدِيث عَليّ مُوَافق.
الْخَامِس حَدِيث عَليّ يُمكن فِيهِ الْجمع وحديثها لَا يُمكن فِيهِ الْجمع إِلَّا بترك غَيره.
السَّادِس مُعَارضَة رِوَايَتهَا بِرِوَايَة الْبَراء بن عَازِب عِنْد مُسلم " نزلت هَذِه الْآيَة ( حَافظُوا على الصَّلَوَات وَصَلَاة الْعَصْر) فقرأناها مَا شَاءَ الله ثمَّ نسخهَا الله فَنزلت { حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَقَالَ رجل هِيَ إِذا صَلَاة الْعَصْر فَقَالَ الْبَراء قد أَخْبَرتك كَيفَ نزلت وَكَيف نسخت ".
السَّابِع تكون الْوَاو زَائِدَة كَمَا زيدت عِنْد بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى { وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وليكون من القانتين} وَقَوله تَعَالَى { وَكَذَلِكَ نصرف الْآيَات وليقولوا درست} .

     وَقَالَ  الْأَخْفَش فِي قَوْله تَعَالَى { حَتَّى إِذا جاؤها وَفتحت أَبْوَابهَا} لِأَن الْجَواب فتحت وَقيل أَن الْعَطف فِيهِ من بابُُ التَّخْصِيص والتفضيل والتنبيه كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { قل من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال} { فَإِن قلت} قد حصل مَا ذكرت من التَّخْصِيص فِي الْعَطف وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَوَجَبَ أَن يكون الْعَطف الثَّانِي وَهُوَ قَوْله ( وَصَلَاة الْعَصْر) مغايرا لَهُ ( قلت) لما اخْتلف اللفظان كَانَ الثَّانِي للتَّأْكِيد وَالْبَيَان كَمَا تَقول جَاءَنِي زيد الْكَرِيم والعاقل فتعطف إِحْدَى الصفتين على الْأُخْرَى وَمِنْهَا حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب عِنْد التِّرْمِذِيّ عَنهُ " عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر " وَعند أَحْمد " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئِلَ عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى قَالَ هِيَ صَلَاة الْعَصْر " وَفِي لفظ قَالَ " { حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} وسماها لنا أَنَّهَا هِيَ الْعَصْر " وَعند الْحَاكِم محسنا من حَدِيث خبيب بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن سَمُرَة عَن سَمُرَة يرفعهُ " وأمرنا أَن نحافظ على الصَّلَوَات كُلهنَّ وأوصانا بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ونبأنا أَنَّهَا صَلَاة الْعَصْر " وَحَدِيث حَفْصَة عِنْد أبي عمر فِي التَّمْهِيد بِسَنَد صَحِيح وَفِي الاستذكار اخْتلف فِي رَفعه وَفِي ثُبُوت الْوَاو فِيهِ أَنَّهَا أمرت كاتبها بكتب مصحف فَإِذا بلغ هَذِه الْآيَة يستأذنها فَلَمَّا بلغَهَا أَمرته بكتب حَافظُوا على الصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر ورفعته إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَوَاهُ هِشَام عَن جَعْفَر بن إِيَاس عَن رجل حَدثهُ عَن سَالم عَنْهَا وَلم يثبت الْوَاو قَالَ وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر وَحَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن أبي ليلى عَن الحكم عَن مقسم وَسَعِيد بن جُبَير عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الخَنْدَق " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى مَلأ الله قُبُورهم وأجوافهم نَارا " وَفِي كتاب الْمَصَاحِف لِابْنِ أبي دَاوُد من حَدِيث أبي إِسْحَق عَن عبيد بن مَرْيَم سمع ابْن عَبَّاس قَرَأَ هَذِه الْحُرُوف " حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر " وَفِي كتاب ابْن حزم من هَذِه الطَّرِيق صَلَاة الْعَصْر أبغير وَاو ثمَّ قَالَ كَذَا قَالَه وَكِيع وَحَدِيث ابْن عمر عِنْد أبي عبيد الله مُحَمَّد بن يحيى بن مَنْدَه الْأَصْبَهَانِيّ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عَامر بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا أبي حَدثنَا يَعْقُوب القمي عَن عَنْبَسَة بن سعيد الرَّازِيّ عَن ابْن أبي ليلى وَلَيْث عَن نَافِع عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " الموتور أَهله وَمَاله من وتر صَلَاة الْوُسْطَى فِي جمَاعَة وَهِي صَلَاة الْعَصْر " وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر " وَحَدِيث أبي هِشَام بن عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس عِنْد ابْن جَعْفَر الطَّبَرِيّ من حَدِيث كهيل بن حَرْمَلَة سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَة عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ اخْتَلَفْنَا فِيهَا كَمَا اختلفتم فِيهَا وَنحن بِفنَاء بَيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفينَا الرجل الصَّالح أَبُو هَاشم بن عتبَة فَقَالَ أَنا أعلم ذَلِك فَقَامَ فَاسْتَأْذن على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَدخل عَلَيْهِ ثمَّ خرج إِلَيْنَا فَقَالَ أخبرنَا أَنَّهَا صَلَاة الْعَصْر قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب الصَّحَابَة أَبُو هَاشم هَذَا لَهُ حديثان حسنان.
.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ أَبُو هَاشم بن عتبَة بن ربيعَة العبشمي أَخُو أبي حُذَيْفَة وأخو مُصعب بن عُمَيْر لأمه أسلم يَوْم الْفَتْح وَسكن الشَّام وَكَانَ صَالحا توفّي فِي زمن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره وَحَدِيث أم حَبِيبَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عِنْد الطَّبَرِيّ أَيْضا من رِوَايَة شُتَيْر بن شكيل عَنْهَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ يَوْم الخَنْدَق " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر حَتَّى غربت الشَّمْس " وَحَدِيث رجل من الصَّحَابَة عِنْده أَيْضا قَالَ " أَرْسلنِي أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَأَنا غُلَام صَغِير إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أسأله عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَأخذ أُصْبُعِي الصَّغِير فَقَالَ هَذِه الْفجْر وَقبض الَّتِي تَلِيهَا فَقَالَ هَذِه الظّهْر ثمَّ قبض الْإِبْهَام فَقَالَ هَذِه الْمغرب ثمَّ قبض الَّتِي تَلِيهَا فَقَالَ هَذِه الْعشَاء ثمَّ قَالَ أَي أصابعك بقيت فَقلت الْوُسْطَى فَقَالَ أَي الصَّلَاة بقيت فَقلت الْعَصْر قَالَ هِيَ الْعَصْر " وَرَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَن أَحْمد بن إِسْحَاق حَدثنَا أَبُو أَحْمد حَدثنَا عبد السَّلَام مولى أبي مَنْصُور حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن يزِيد الدِّمَشْقِي قَالَ " كنت جَالِسا عِنْد عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان فَقَالَ يَا فلَان اذْهَبْ إِلَى فلَان فَقل لَهُ أيش سَمِعت من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ رجل جَالس أَرْسلنِي " فَذكره وَحَدِيث أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فِي كتاب الْمَصَاحِف لِابْنِ أبي دَاوُد أَنَّهَا " قَالَت لكاتب يكْتب لَهَا مُصحفا إِذا كتبت حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى فاكتبها الْعَصْر " وَرَوَاهُ ابْن حزم من طَرِيق وَكِيع عَن دَاوُد بن قيس عَن عبد الله بن رَافع عَن أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَحَدِيث أنس بن مَالك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " شغلونا عَن صَلَاة الْعَصْر الَّتِي غفل عَنْهَا سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب " ذكره إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد الشَّامي فِي تَفْسِيره عَن أبان عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ( القَوْل الثَّانِي) إِن الصَّلَاة الْوُسْطَى الْمغرب وَهُوَ قَول قبيصَة بن ذِئْب قَالَ أَبُو عمر هَذَا لَا أعلم قَالَه غير قبيصَة قَالَ أَلا ترى أَنَّهَا لَيست بِأَقَلِّهَا وَلَا أَكْثَرهَا وَلَا تقصر فِي السّفر وَأَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يؤخرها عَن وَقتهَا وَلم يعجلها قَالَ أَبُو جَعْفَر وَجه قَوْله أَنه يُرِيد التَّوَسُّط الَّذِي هُوَ يكون صفة للشَّيْء الَّذِي يكون عدلا بَين الْأَمريْنِ كَالرّجلِ المعتدل الْقَامَة.
( الثَّالِث) أَنَّهَا الْعشَاء الْأَخِيرَة وَهُوَ قَول الْمَازرِيّ وَزعم الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة أَن السّلف لم ينْقل عَن أحد مِنْهُم هَذَا القَوْل قَالَ وَقد ذكره بعض الْمُتَأَخِّرين ( الرَّابِع) أَنَّهَا الصُّبْح وَهُوَ قَول جَابر بن عبد الله ومعاذ بن جبل وَابْن عَبَّاس فِي قَول وَابْن عمر فِي قَول وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَعِكْرِمَة وَمُجاهد وَالربيع بن أنس وَمَالك بن أنس وَالشَّافِعِيّ فِي قَول.

     وَقَالَ  أَبُو عمر وَمِمَّنْ قَالَ الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الصُّبْح عبد الله بن عَبَّاس وَهُوَ أصح مَا رُوِيَ عَنهُ فِي ذَلِك وَهُوَ قَول طَاوس وَمَالك وَأَصْحَابه وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث جَابر بن زيد " عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أدْلج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ عرس فَلم يَسْتَيْقِظ حَتَّى طلعت الشَّمْس أَو بَعْضهَا فَلم يصل حَتَّى ارْتَفَعت الشَّمْس وَهِي الصَّلَاة الْوُسْطَى " وَفِي حَدِيث صَالح أبي الْخَلِيل عَن جَابر بن زيد " عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ صَلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْفجْر " وَعَن أبي رَجَاء قَالَ " صليت مَعَ ابْن عَبَّاس صَلَاة الْغَدَاة فِي مَسْجِد الْبَصْرَة فقنت بِنَا قبل الرُّكُوع.

     وَقَالَ  هَذِه الصَّلَاة صَلَاة الْوُسْطَى الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى { وَقومُوا لله قَانِتِينَ} " قَالَ الطَّحَاوِيّ وَقد خُولِفَ ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة فيمَ نزلت ثمَّ روى حَدِيث زيد بن أَرقم الْمَذْكُور فِيمَا مضى ( قلت) المخالفون لِابْنِ عَبَّاس فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة زيد بن أَرقم من الصَّحَابَة وَمن التَّابِعين مُجَاهِد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَجَابِر بن زيد فَإِنَّهُم أخبروا أَن الْقُنُوت الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى { وَقومُوا لله قَانِتِينَ} بِصُورَة الْأَمر هُوَ السُّكُوت عَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة لأَنهم كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِيهَا وَلَيْسَ هُوَ الْقُنُوت الَّذِي كَانَ يفعل فِي صَلَاة الصُّبْح فَلَا يُسمى حِينَئِذٍ بِسَبَب ذَلِك لصَلَاة الصُّبْح الصَّلَاة الْوُسْطَى على أَن عَمْرو بن مَيْمُون وَالْأسود وَسَعِيد بن جُبَير وَعمْرَان بن الْحَارِث قَالُوا لم يقنت ابْن عَبَّاس فِي الْفجْر.

     وَقَالَ  أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه حَدثنَا وَكِيع قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن وَاقد مولى زيد بن خليدة عَن سعيد بن جُبَير " عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا لَا يقنتان فِي الْفجْر " حَدثنَا هشيم قَالَ أخبرنَا حُصَيْن عَن عمرَان بن الْحَارِث قَالَ " صليت مَعَ ابْن عَبَّاس فِي دَاره صَلَاة الصُّبْح فَلم يقنت قبل الرُّكُوع وَلَا بعده ".
( الْخَامِس) أَنَّهَا إِحْدَى الصَّلَوَات الْخمس وَلَا تعرف بِعَينهَا رُوِيَ عَن ابْن عمر من طَرِيق صَحِيحَة قَالَ نَافِع سَأَلَ رجل ابْن عمر عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ هِيَ مِنْهُنَّ فحافظوا عَلَيْهِنَّ كُلهنَّ وبنحوه قَالَ الرّبيع بن خَيْثَم وَزيد بن ثَابت فِي رِوَايَة وَشُرَيْح القَاضِي وَنَافِع.

     وَقَالَ  النقاش قَالَت طَائِفَة هِيَ الْخمس وَلم تميز أَي صَلَاة هِيَ قَالَ أَبُو عمر كل وَاحِدَة من الْخمس وسطى لِأَن قبل كل وَاحِدَة صَلَاتَيْنِ وَبعدهَا صَلَاتَيْنِ.
( السَّادِس) أَنَّهَا هِيَ الْخمس إِذْ هِيَ الْوُسْطَى من الدّين كَمَا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " بني الْإِسْلَام على خمس " قَالُوا فَهِيَ الْوُسْطَى من الْخمس رُوِيَ ذَلِك عَن مُعَاوِيَة بن جبل وَعبد الرَّحْمَن بن غنم فِيمَا ذكر النقاش وَفِي كتاب الْحَافِظ أبي الْحسن عَليّ بن الْمفضل قيل ذَلِك لِأَنَّهَا وسط الْإِسْلَام أَي خِيَاره وَكَذَلِكَ قَالَه عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ( السَّابِع) أَنَّهَا هِيَ الْمُحَافظَة على وَقتهَا قَالَه ابْن أبي حَاتِم فِي كتاب التَّفْسِير حَدثنَا أَبُو سعيد الْأَشَج حَدثنَا الْمحَاربي وَابْن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق أَنه قَالَ ذَلِك.
( الثَّامِن) أَنَّهَا مواقيتها وَشَرطهَا وأركانها وتلاوة الْقُرْآن فِيهَا وَالتَّكْبِير وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وَالتَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَمن فعل ذَلِك فقد أتمهَا وحافظ عَلَيْهَا قَالَه مقَاتل بن حبَان قَالَ ابْن أبي حَاتِم أَنبأَنَا بِهِ مُحَمَّد بن الْفضل حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن شَقِيق أخبرنَا مُحَمَّد بن مُزَاحم عَن بكر بن مَعْرُوف عَنهُ وَذكر أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي فِي تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس نَحوه ( التَّاسِع) أَنَّهَا الْجُمُعَة خَاصَّة حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره لما اخْتصّت بِهِ دون غَيرهَا.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده فِي الْمُحكم لِأَنَّهَا أفضل الصَّلَوَات وَمن قَالَ خلاف هَذَا فقد أَخطَأ إِلَّا أَن يَقُوله بِرِوَايَة يسندها إِلَى سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
( الْعَاشِر) أَنَّهَا الْجُمُعَة يَوْم الْجُمُعَة وَفِي سَائِر الْأَيَّام الظّهْر حَكَاهُ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن مقسم فِي تَفْسِيره.
( الْحَادِي عشر) أَنَّهَا صلاتان الصُّبْح وَالْعشَاء وَعَزاهُ ابْن مقسم فِي تَفْسِيره لأبي الدَّرْدَاء لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَو يعلمُونَ مَا فِي الْعَتَمَة وَالصُّبْح " الحَدِيث.
( الثَّانِي عشر) أَنَّهَا الْعَصْر وَالصُّبْح وَهُوَ قَول أبي بكر الْمَالِكِي الْأَبْهَرِيّ ( الثَّالِث عشر) أَنَّهَا الْجَمَاعَة فِي جَمِيع الصَّلَوَات حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ.
( الرَّابِع عشر) أَنَّهَا الْوتر.
( الْخَامِس عشر) أَنَّهَا صَلَاة الضُّحَى.
( السَّادِس عش) أَنَّهَا صَلَاة الْعِيدَيْنِ.
( السَّابِع عشر) أَنَّهَا صَلَاة عيد الْفطر.
( الثَّامِن عشر) أَنَّهَا صَلَاة الْخَوْف.
( التَّاسِع عشر) أَنَّهَا صَلَاة عيد الْأَضْحَى.
( الْعشْرُونَ) أَنَّهَا المتوسطة بَين الطول وَالْقصر وأصحها الْعَصْر للأحاديث الصَّحِيحَة الَّتِي ذَكرنَاهَا وَالْبَاقِي بَعْضهَا ضَعِيف وَبَعضهَا مَرْدُود وَقد أمرنَا بِالسُّكُوتِ وَفِي مُسلم ونهينا عَن الْكَلَام قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يُعْطي أَن الْأَمر بالشَّيْء منهى عَن ضِدّه وَقد اخْتلف الأصوليون فِيهِ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن الْأَمر إِذا اقْتضى فعلا فالنهي عَن تَركه لَا يُعْطِيهِ الْأَمر بِذَاتِهِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِيهِ أَن الِامْتِثَال لَا يَأْتِي إِلَّا بترك الضِّدّ.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين الْأَمر بِالسُّكُوتِ منَاف لعدم السُّكُوت بِالذَّاتِ وَهُوَ الْمُسَمّى بالنقيض فَلَا نزاع فِي دلَالَة الْأَمر عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جزؤه وَأما الْكَلَام فَهُوَ ضِدّه وَهُوَ مَحل النزاع بَيْننَا وَبَين الْمُعْتَزلَة فَأكْثر أَصْحَابنَا على أَن الْأَمر بالشَّيْء يدل على النَّهْي عَن ضِدّه وَذهب جُمْهُور الْمُعْتَزلَة وَكثير من أَصْحَابنَا إِلَى عدم دلَالَته عَلَيْهِ كَمَا حَكَاهُ صَاحب المحصل وَأما مَا حَكَاهُ صَاحب الْحَاصِل وَتَبعهُ الْبَيْضَاوِيّ من مُوَافقَة أَكثر أَصْحَابنَا لجمهور الْمُعْتَزلَة فَلَيْسَ بجيد ودلالته عَلَيْهِ بالالتزام فَإِن دلَالَة الِالْتِزَام دلَالَته على خَارج عَنهُ ( قلت) ذهب بعض الشَّافِعِيَّة وَالْقَاضِي أَبُو بكر أَولا إِلَى أَن الْأَمر بالشَّيْء عين النَّهْي عَن ضِدّه.

     وَقَالَ  القَاضِي آخرا وَكثير من الشَّافِعِيَّة وَبَعض الْمُعْتَزلَة إِلَى أَن الْأَمر بالشَّيْء يسْتَلْزم النَّهْي عَن ضِدّه لِأَنَّهُ عينه إِذْ اللَّازِم غير الْمَلْزُوم وَذهب إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وَبَاقِي الْمُعْتَزلَة إِلَى أَنه لَا حكم لكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي ضِدّه أصلا بل هُوَ مسكوت عَنهُ.

     وَقَالَ  أَبُو بكر الْجَصَّاص وَهُوَ مَذْهَب عَامَّة الْعلمَاء من أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب الشَّافِعِي وَأهل الحَدِيث أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه إِذا كَانَ لَهُ ضد وَاحِد كالأمر بِالْإِيمَان نهي عَن الْكفْر وَإِن كَانَ لَهُ أضداد كالأمر بِالْقيامِ لَهُ أضداد من الْقعُود وَالرُّكُوع وَالسُّجُود والاضطجاع يكون الْأَمر بِهِ نهيا عَن جَمِيع أضداده كلهَا.

     وَقَالَ  بَعضهم يكون نهيا عَن وَاحِد مِنْهَا غير معِين وَفصل بَعضهم بَين الْأَمر للْإِيجَاب فَقَالَ أَمر الْإِيجَاب يكون نهيا عَن ضد الْمَأْمُور بِهِ وَعَن أضداده لكَونه مَانِعا من فعل الْوَاجِب وَأمر النّدب لَا يكون كَذَلِك فَكَانَت أضداد الْمَنْدُوب غير مَنْهِيّ عَنْهَا لَا نهي تَحْرِيم وَلَا نهي تَنْزِيه وَمن لم يفصل جعل أَمر النّدب نهيا عَن ضِدّه فَهِيَ ندب حَتَّى يكون الِامْتِنَاع عَن ضد الْمَنْدُوب مَنْدُوبًا كَمَا يكون فعله وَأما النَّهْي عَن الشَّيْء فَأمر بضده إِن كَانَ لَهُ ضد وَاحِد باتفاقهم كالنهي عَن الْكفْر أَمر بِالْإِيمَان وَإِن كَانَ لَهُ أضداد فَعِنْدَ بعض أَصْحَابنَا وَبَعض أَصْحَاب الحَدِيث يكون أمرا بالأضداد كلهَا كَمَا فِي جَانب الْأَمر وَعند عَامَّة أَصْحَابنَا وَعَامة أَصْحَاب الحَدِيث يكون أمرا بِوَاحِد من الأضداد غير معِين وَذهب بَعضهم إِلَى أَنه يُوجب حُرْمَة ضِدّه.

     وَقَالَ  بَعضهم يدل على حُرْمَة ضِدّه.

     وَقَالَ  بعض الْفُقَهَاء يدل على كَرَاهَة ضِدّه.

     وَقَالَ  بَعضهم يُوجب كَرَاهَة ضِدّه ومختار القَاضِي الإِمَام أبي زيد وشمس الْأَئِمَّة وفخر الْإِسْلَام وَمن تَابعهمْ أَنه يَقْتَضِي كَرَاهَة ضِدّه وَالنَّهْي عَن الشَّيْء يَنْبَغِي أَن يكون ضِدّه فِي معنى سنة مُؤَكدَة فَافْهَم ( فَإِن قلت) فَإِذا كَانَ قَوْله أمرنَا بِالسُّكُوتِ دَالا على النَّهْي عَن الْكَلَام فَمَا فَائِدَة ذكر النَّهْي عَن الْكَلَام فِي قَوْله " فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ ونهينا عَن الْكَلَام " ( قلت) التَّصْرِيح أبلغ من دلَالَة الِالْتِزَام فَاقْتضى التَّصْرِيح بِهِ نفي الْخلاف الْمَعْرُوف فِيهِ ( فَإِن قلت) الْألف وَاللَّام فِي قَوْله " أمرنَا بِالسُّكُوتِ " لماذا ( قلت) للْعهد لَا للْعُمُوم وَهِي رَاجِعَة إِلَى قَوْله " يكلم الرجل صَاحبه إِلَى جنبه " أَي فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ من ذَلِك وَكَذَلِكَ الْألف وَاللَّام فِي قَوْله " ونهينا عَن الْكَلَام " أَي عَن مُخَاطبَة الْآدَمِيّين وَحمل ابْن دَقِيق الْعِيد الْألف وَاللَّام فِي الْكَلَام على الْعُمُوم وَفِيه نظر لِأَن النَّهْي عَن الْكَلَام مَخْصُوص بمخاطبة الْآدَمِيّين بِدَلِيل حَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عَطاء بن يسَار عَنهُ قَالَ " بَينا أَنا أُصَلِّي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ عطس رجل من الْقَوْم فَقلت لَهُ يَرْحَمك الله فَرَمَانِي الْقَوْم بِأَبْصَارِهِمْ " الحَدِيث وَفِيه أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن "