فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الشرب بنفسين أو ثلاثة

( بابُُ الشُّرْبِ بِنَفَسَيْنِ أوْ ثَلاَثَةٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الشّرْب بنفسين أَو ثَلَاثَة أنفاس قيل: بَين الترجمتين مَعَ حديثيهما تعَارض، لِأَن التَّرْجَمَة الأولى فِي النَّهْي عَن التنفس فِي الْإِنَاء، وَهَذِه فِي ثُبُوت التنفس.
وَأجِيب بأجوبة مُخْتَلفَة، وأحسنها أَن البُخَارِيّ جعل الْإِنَاء فِي التَّرْجَمَة الأولى ظرفا للتنفس، وَالنَّهْي عَنهُ لاستقذاره،.

     وَقَالَ  فِي هَذِه التَّرْجَمَة: الشّرْب بنفسين فَجعل التنفس للشُّرْب أَن لَا يقْتَصر على نفس وَاحِد بل يفصل بَين الشربين بنفسين أَو ثَلَاثَة خَارج الْإِنَاء، فَبِهَذَا يَنْتَفِي التَّعَارُض.



[ قــ :5332 ... غــ :5631 ]
- حدّثناأبُو عاصِمٍ وأبُو نُعَيْمٍ قَالَا: حَدثنَا عَزْرَةُ بنُ ثابِتٍ قَالَ: أَخْبرنِي ثُمامَةُ بنُ عبْدِ الله قَالَ: كانَ أنَسٌ يَتَنَفَّسُ فِي الإناءٍ مرَّتَيْنِ أوْ ثَلاَثاً، وزَعَم أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَتَنَفَّسُ ثَلاَثاً.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وعزرة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي بعْدهَا رَاء ابْن ثَابت بالثاء الْمُثَلَّثَة فِي أَوله الْأنْصَارِيّ التَّابِعِيّ أَصله من الْمَدِينَة نزل الْبَصْرَة، وَقد سمع من جده لأمه عبد الله بن يزِيد الخطمي، وَعبد الله بن أبي أوفى وَغَيرهمَا، وثمامة بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم ابْن عبد الله بن أنس رَضِي الله عَنهُ يروي عَن جده.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَشْرِبَة عَن أبي بكر وقتيبة.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن ابراهيم بن مَسْعُود وَغَيره.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَشْرِبَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

قَوْله: ( أَو ثَلَاثًا) يحْتَمل أَن يكون أَو للتنويع أَي: ثَلَاث مَرَّات، وَيحْتَمل أَن يكون للشَّكّ، وَقد أخرج إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه الحَدِيث عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن عزْرَة بِلَفْظ: كَانَ يتنفس ثَلَاثًا، وَلم يقل: أَو، وروى التِّرْمِذِيّ قَالَ: حَدثنَا أَبُو كريب حَدثنَا وَكِيع عَن يزِيد بن سِنَان الْجَزرِي عَن ابْن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تشْربُوا وَاحِدًا كشرب الْبَعِير، وَلَكِن اشربوا مثنى وَثَلَاث وَسموا إِذا أَنْتُم شربتم، واحمدوا إِذا أَنْتُم رفعتم.
.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب،.

     وَقَالَ  بَعضهم: سَنَده ضَعِيف، فَإِن كَانَ مَحْفُوظًا.
فَهُوَ يقوى مَا تقدم من التنويع.
قلت: قَالَ شَيخنَا: حسّن التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَفِيه: من لم يسم، وَهُوَ ابْن عَطاء بن أبي رَبَاح، وَكَانَ لَهُ ولدان روى كل وَاحِد مِنْهُمَا عَنهُ وهما: خَلاد وَيَعْقُوب، وَيَعْقُوب روى لَهُ النَّسَائِيّ باسمه، وَضَعفه أَحْمد وَابْن معِين وَأَبُو زرْعَة وَالنَّسَائِيّ، وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات.
وَأما خَلاد فَلَيْسَ لَهُ رِوَايَة فِي الْكتب السِّتَّة.
قَالَ البُخَارِيّ فِيهِ: مُنكر الحَدِيث،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ وَيزِيد بن سِنَان: هُوَ أَبُو فَرْوَة الرهاوي،.

     وَقَالَ  شَيخنَا: ضعفه أَحْمد وَابْن معِين وَابْن الْمَدِينِيّ، وَتَركه النَّسَائِيّ،.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ: مقارب الحَدِيث، وَإِنَّمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ وَيزِيد بن سِنَان هُوَ أَبُو فَرْوَة الرهاوي لِأَن لَهُم يزِيد بن سِنَان المقرىء الْبَصْرِيّ ثِقَة، روى عَنهُ النَّسَائِيّ، مُتَأَخّر الطَّبَقَة عَن هَذَا.
قَوْله: ( وَزعم) أَي: قَالَ: ( أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتنفس ثَلَاثًا) أَي: ثَلَاث مَرَّات.
وَأخرج التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا شرب تنفس مرَّتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيث حسن غَرِيب فَإِن قلت: مَا التَّوْفِيق بَينهمَا؟ قلت: هَذَا لَيْسَ بِنَصّ على الْمَرَّتَيْنِ بل هُوَ من بابُُ الِاكْتِفَاء، وَالْأَصْل أَن الْمُسْتَحبّ الشّرْب فِي ثَلَاثَة أنفاس.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور عَن قريب، وَهُوَ قَوْله اشربوا مثنى وَثَلَاث، وَفِيه الِاقْتِصَار على الشّرْب مرَّتَيْنِ إِذا حصل الِاكْتِفَاء بذلك، وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يزِيد ثَالِثَة، وَإِن اكْتفى بمرتين.

وَاخْتلفُوا: هَل يجوز الشّرْب بِنَفس وَاحِد؟ فَروِيَ عَن ابْن الْمسيب وَعَطَاء بن أبي رَبَاح أَنَّهُمَا أجازاه بِنَفس وَاحِد، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وطاووس وَعِكْرِمَة كَرَاهَة الشّرْب بِنَفس وَاحِد،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: هُوَ شرب الشَّيْطَان،.

     وَقَالَ  الْأَثْرَم: هَذِه الْأَحَادِيث فِي ظَاهرهَا مُخْتَلفَة وَالْوَجْه فِيهَا عندنَا أَنه يجوز الشّرْب بِنَفس وباثنين وبثلاثة وبأكثر مِنْهَا، لِأَن اخْتِلَاف الرِّوَايَة فِي ذَلِك يدل على التسهيل فِيهِ، وَإِن اخْتَار الثَّلَاث فَحسن.