فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب حفظ اللسان

( بابُُ حِفْظِ اللِّسانِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان وجوب حفظ اللِّسَان عَن التَّكَلُّم بِمَا لَا يسوغ فِي الشَّرْع،.

     وَقَالَ  صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( وَهل يكب النَّاس فِي النَّار على مناخرهم إلاَّ حصائد ألسنتهم) وَأما القَوْل بِالْحَقِّ فَوَاجِب، والصمت فِيهِ غير وَاسع.

ومَنْ كَانَ يُؤْمنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ
يَأْتِي هَذَا مَوْصُولا فِي الْبابُُ، وَذكره هَكَذَا تَرْجَمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( وَمن كَانَ)
إِلَى آخِره.

وقَوْلِ الله تَعَالَى: { مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد} ( ق: 81) [/ ح.

كَذَا لأبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره وَقَوله: { مَا يلفظ من قَول} ... إِلَى آخِره، وَلابْن بطال: وَقد أنزل الله تَعَالَى: { مَا يلفظ} ... الْآيَة.
قَوْله: { إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيب} أَي: حَافظ { والعتيد} هُوَ الْحَاضِر المهيأ، وَأَرَادَ بِهِ الْملكَيْنِ اللَّذين يكتبان جَمِيع الْأَشْيَاء، كَذَا قَالَه الْحسن وَقَتَادَة، وَخَصه عِكْرِمَة بِالْخَيرِ وَالشَّر.
وَيُقَوِّي الأول تَفْسِير أبي صَالح فِي قَوْله: { ( 13) يمحوا الله مَا يَشَاء وَيثبت} ( الرَّعْد: 93) إِن الْمَلَائِكَة تكْتب كل مَا يتَكَلَّم بِهِ الْمَرْء فيمحوا لله تَعَالَى مِنْهُ مَا لَيْسَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَيثبت مَا مَاله وَمَا عَلَيْهِ.

[ قــ :6136 ... غــ :6474 ]
-
حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ حدَّثنا عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ سَمِعَ أَبَا حازِمٍ عنْ سَهْلِ ابنِ سَعْدٍ عنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أضْمَنْ لَهُ الجَنَّة) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( من يضمن لي مَا بَين لحييْهِ) لِأَن المُرَاد بِهَذَا، حفظ اللِّسَان، كَمَا يَجِيء.

قَوْله: ( حَدثنَا) بنُون الْجمع رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنِي، بنُون الْإِفْرَاد.

والمقدمي، بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول من التَّقْدِيم هَذِه نِسْبَة إِلَى أحد أجداد مُحَمَّد الْمَذْكُور وَهُوَ مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بالمقدمي الْبَصْرِيّ، وَعمر بن عَليّ هُوَ عَم مُحَمَّد الْمَذْكُور وَهُوَ مُدَلّس وَلكنه صرح بِالسَّمَاعِ، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمُحَاربين عَن خَليفَة بن خياط.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى،.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح غَرِيب.

قَوْله: ( من يضمن لي) إِطْلَاق الضَّمَان عَلَيْهِ مجَاز إِذْ المُرَاد لَازم الضَّمَان وَهُوَ أَدَاء الْحق الَّذِي عَلَيْهِ.
قَوْله: ( مَا بَين لحييْهِ) بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة تَثْنِيَة لحي وهما العظمان فِي جَانِبي الْفَم، وَالْمرَاد بِمَا بَينهمَا اللِّسَان، وَبِمَا ( بَين رجلَيْهِ) : الْفرج.
قَوْله: ( أضمن لَهُ) بِالْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط.
وَوَقع فِي رِوَايَة الْحسن.
تكفلت لَهُ.

وَفِيه: أَن أعظم الْبلَاء على العَبْد فِي الدُّنْيَا اللِّسَان والفرج، فَمن وقِي من شرهما فقد وقِي أعظم الشَّرّ.





[ قــ :6137 ... غــ :6475 ]
- حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عبْدِ الله حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي سَلَمَة عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِر فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ، ومَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جارَهُ، ومنْ كانَ يؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ورحاله قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: (بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر) إِنَّمَا خصهما بِالذكر إِشَارَة إِلَى المبدأ والمعاد، وخصص الْأُمُور الثَّلَاثَة مُلَاحظَة لحَال الشَّخْص قولا وفعلاً، وَذَلِكَ إِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُقِيم أَو الْمُسَافِر، أَو الأول تحلية وَالثَّانِي تخلية.





[ قــ :6138 ... غــ :6476 ]
- حدّثنا أبُو الوَلِيدِ حدّثنا لَ يْثٌ حَدثنَا سَعيدٌ المقْبُرِيُّ عنْ أبي شُرَيْحِ الخُزَاعِيِّ قَالَ: سَمِعَ أُذُنايَ ووَعاهُ قَلْبِي النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: ( الضِّيافَةُ ثَلاَثَةُ أيّامٍ جائِزَتَهُ) قِيلَ: وَمَا جائِزَتُهُ؟ قَالَ: ( يَوْمٌ ولَيْلَةٌ، ومَنْ كانَ يُؤْمِن بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَسْكُتْ) .
( انْظُر الحَدِيث 9106 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث.
وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، وَأَبُو شُرَيْح اسْمه خويلد الْخُزَاعِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَدَب فِي: بابُُ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر، فَلَا يؤذ جَاره، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله ( جائزته) بِالنّصب أَي: أعْطوا جائزته، وَلَو صحت الرِّوَايَة بِالرَّفْع كَانَ تَقْدِيره: المتوجه عَلَيْكُم جائزته.
قَوْله ( يَوْم وَلَيْلَة) أَي: جائزته يَوْم وَلَيْلَة.
وَقيل: الْجَائِزَة جنَّة، وَالْيَوْم ظرف، فَكيف يَقع خَبرا عَنْهَا؟ وَأجِيب: بِأَن فِيهِ مُضَافا مُقَدرا، أَي: زمَان جائزته يَوْم وَلَيْلَة.





[ قــ :6139 ... غــ :6477 ]
- حدّثني إبْرَاهِيمُ بنُ حَمْزَةَ حدّثني ابنُ أبي حازِمٍ عنْ يَزِيدَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْراهِيمَ عنْ عِيساى بنِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ الله التيْمِيِّ عنْ أبي هُرَيرَةَ، سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: ( إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيها يَزِلُّ بِها فِي النَّارِ ابْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِشَارَة إِلَى حفظ اللِّسَان من حَيْثُ الْمَفْهُوم.

وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْأَسدي، وَابْن أبي حَازِم عبد الْعَزِيز، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْهَاد، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، وَعِيسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ، وَطَلْحَة هُوَ أحد الْعشْرَة.
وَرِجَال هَذَا الْإِسْنَاد كلهم مدنيون.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن قُتَيْبَة وَغَيره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عِنْد مُحَمَّد بن بشار،.

     وَقَالَ : حسن غَرِيب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّقَائِق عَن قُتَيْبَة وَغَيره بِهِ.

قَوْله: ( حَدثنِي) بِالْإِفْرَادِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا، بنُون الْجمع.
قَوْله: ( ليَتَكَلَّم) بِاللَّامِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: يتَكَلَّم، بِدُونِ اللَّام.
قَوْله: ( مَا يتَبَيَّن فِيهَا) أَي: لَا يتدبر فِيهَا وَلَا يتفكر فِي قبحها وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا، وَتطلق الْكَلِمَة وَيُرَاد بهَا الْكَلَام كَقَوْلِهِم: كلمة الشَّهَادَة، ويروى: وليتكلم بِالْكَلِمَةِ مَا يتقى فِيهَا.
قَوْله: ( يزل بهَا) أَي: بِتِلْكَ الْكَلِمَة، وَهَذَا كِنَايَة عَن دُخُول النَّار.
قَوْله: ( أبعد مِمَّا بَين الْمشرق) كِنَايَة عَن عظمها ووسعها، قيل: لفظ: بَين، يَقْتَضِي دُخُوله على مُتَعَدد، وَأجِيب بِأَن الْمشرق مُتَعَدد معنى إِذْ مشرق الصَّيف غير مشرق الشتَاء، وَبَينهمَا بعد عَظِيم وَهُوَ نصف كرة الْفلك، أَو اكْتفى بِأحد الضدين عَن الآخر كَقَوْلِه تَعَالَى: { سرابيل تقيكم الْحر} ( النَّحْل: 18) وَفِي بعض الرِّوَايَات جَاءَ صَرِيحًا.
وَالْمغْرب.

وَفِيه: أَن من أَرَادَ النُّطْق بِكَلِمَة أَن يتدبرها بِنَفسِهِ قبل نطقه فَإِن ظَهرت مصلحَة تكلم بهَا وإلاَّ أمسك.





[ قــ :6140 ... غــ :6478 ]
- حدّثني عَبْدُ الله بنُ مُنِير سَمِعَ أَبَا النضرِ حَدثنَا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله يَعْنِي: ابنَ دينارٍ، عنْ أبِيهِ عنْ أبي صالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رُضْوانِ الله لَا يُلْقي لَها بَالا يَرْفَعُ الله بِها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدُ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ الله لَا يُلْقِى لَها بَالا يَهْوِي بِها فِي جَهَنَّمَ) .
( انْظُر الحَدِيث 7746) [/ ح.


هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عبد الله بن مُنِير على وزن اسْم الْفَاعِل من الإنارة المروزيِو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة هَاشم بن الْقَاسِم التَّيْمِيّ الْخُرَاسَانِي، مر فِي الْوضُوء، وَعبد الرَّحْمَن يروي عَن أَبِيه عبد الله بن دِينَار مولى ابْن عمر، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات، وَفِي الْإِسْنَاد ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق.

قَوْله: ( من رضوَان الله) أَي: مِمَّا يُرْضِي الله بِهِ قَوْله: ( لَا يلقِي) بِضَم الْيَاء من الْإِلْقَاء أَي: لَا يلْتَفت إِلَيْهَا خاطره وَلَا يعْتد بهَا وَلَا يُبَالِي بهَا، وَمعنى البال هُنَا الْقلب.
قَوْله: ( يرفع الله بهَا) كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين والنسفي: يرفع الله لَهُ بهَا دَرَجَات، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يرفعهُ الله بهَا دَرَجَات.
قَوْله: ( من سخط الله) يَعْنِي: مِمَّا لَا يرضى بِهِ.
قَوْله: ( يهوي) بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْهَاء وَكسر الْوَاو،.

     وَقَالَ  عِيَاض: ينزل فِيهَا سَاقِطا، وَقد جَاءَ بِلَفْظ: يزل بهَا فِي النَّار، لِأَن دركات النَّار إِلَى أَسْفَل فَهُوَ نزُول سُقُوط، وَقيل: أَهْوى من قريب، وَهوى من بعيد.