فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب غيرة النساء ووجدهن

( بابُُ غَيْرَةِ النِّساءِ ووَجْدِهِنَّ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان غيرَة النِّسَاء، وَقد مر تَفْسِيرهَا.
قَوْله: ( ووجدهن) بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْجِيم قَالَ الْكرْمَانِي: أَي غضبهن وحزنهن،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: وجد عَلَيْهِ فِي الْغَصْب موجدة، وَوجد فِي الْحزن وجدا بِالْفَتْح،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: يُقَال: وجدت بفلانة إِذا أحببتها حبا شَدِيدا، وَلم يبين حكم الْبابُُ لاخْتِلَاف ذَلِك بختلاف الْأَحْوَال والأشخاص.



[ قــ :4950 ... غــ :5228 ]
- ( حَدثنَا عبيد بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنِّي لأعْلم إِذا كنت عني راضية وَإِذا كنت عَليّ غَضبى قَالَت فَقلت من أَيْن تعرف ذَلِك فَقَالَ أما إِذا كنت عني راضية فَإنَّك تَقُولِينَ لَا وَرب مُحَمَّد وَإِذا كنت عَليّ غَضبى قلت لَا وَرب إِبْرَاهِيم قَالَت قلت أجل وَالله يَا رَسُول الله مَا أَهجر إِلَّا اسْمك) مطابقته للشطر الثَّانِي من التَّرْجَمَة وَعبيد بن إِسْمَاعِيل الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي واسْمه فِي الأَصْل عبد الله وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد ابْن أُسَامَة يروي عَن هِشَام عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فضل عَائِشَة عَن أبي كريب عَن أُسَامَة قَوْله حَدثنَا عبيد وَفِي رِوَايَة أبي ذَر حَدثنِي بِالْإِفْرَادِ قَوْله إِنِّي لأعْلم إِلَى آخِره فِيهِ أَنه يعلم أَن الْمَرْأَة هَل هِيَ راضية على زَوجهَا أَو غَضبى عَلَيْهَا بِحَالِهَا من فعلهَا وَقَوْلها قَوْله وَرب إِبْرَاهِيم إِنَّمَا ذكرت إِبْرَاهِيم دون غَيره من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلِأَنَّهُ أولى النَّاس بِهِ كَمَا نَص عَلَيْهِ الْقُرْآن وَفِيه دلَالَة على فطنة عَائِشَة وَقُوَّة ذكائها قَوْله " أجل " أَي نعم قَوْله مَا أَهجر إِلَّا اسْمك قَالَ الطَّيِّبِيّ رَحمَه الله هَذَا الْحصْر فِي غَايَة من اللطف لِأَنَّهَا أخْبرت إِذا كَانَت فِي غَايَة الْغَضَب الَّذِي يسلب الْعَاقِل اخْتِيَاره لَا يغيرها عَن كَمَال الْمحبَّة المستغرقة ظَاهرهَا وباطنها الممتزجة بروحها وَإِنَّمَا عبرت عَن التّرْك بالهجران لتدل بِهِ على أَنَّهَا تتألم من هَذَا التّرْك الَّذِي لَا اخْتِيَار لَهَا فِيهِ قَالَ الشَّاعِر
( إِنِّي لأمنحك الصدود وإنني ... قسما إِلَيْك مَعَ الصدود لأميل)
وَقَالَ الْمُهلب قَوْلهَا مَا أَهجر إِلَّا اسْمك يدل على أَن الِاسْم من المخلوقين غير الْمُسَمّى وَلَو كَانَ عين الْمُسَمّى وهجرت اسْمه لهجرته بِعَيْنِه وَيدل على ذَلِك أَن من قَالَ أكلت اسْم الْعَسَل لَا يفهم مِنْهُ أَنه أكل الْعَسَل وَإِذا قلت لقِيت اسْم زيد لَا يدل على أَنه لَقِي زيدا وَإِنَّمَا الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى فِي الله عز وَجل وَحده لَا فِيمَا سواهُ من المخلوقين لمباينته عز وَجل وأسمائه وَصِفَاته حكم أَسمَاء المخلوقين وصفاتهم انْتهى وَالتَّحْقِيق فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن قَوْلهم الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى على معَان ثَلَاثَة.
الأول مَا يجْرِي مجْرى الْمجَاز وَالثَّانِي مَا يجْرِي مجْرى الْحَقِيقَة.
وَالثَّالِث مَا يجْرِي مجْرى الْمَعْنى فَالْأول نَحْو قَوْلك رَأَيْت جملا يتَصَوَّر من هَذَا الِاسْم فِي نفس السَّامع مَا يتَصَوَّر من الْمُسَمّى الْوَاقِع تَحْتَهُ لَو شَاهده فَلَمَّا نَاب الِاسْم من هَذَا الْوَجْه مناب الْمُسَمّى فِي التَّصَوُّر وَكَانَ التَّصَوُّر فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا شَيْئا وَاحِدًا صَحَّ أَن يُقَال أَن الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى على ضرب من التَّأْوِيل وَإِن كُنَّا لَا نشك فِي أَن الْعبارَة غير الْمعبر عَنهُ وَالثَّانِي أَكثر مَا يتَبَيَّن فِي الْأَسْمَاء الَّتِي تشتق للمسمى من معَان مَوْجُودَة فِيهِ قَائِمَة بِهِ كَقَوْلِنَا لمن وجدت مِنْهُ الْحَيَاة حَيّ وَلمن وجدت مِنْهُ الْحَرَكَة متحرك فالاسم فِي هَذَا النَّوْع لَازم للمسمى يرْتَفع بارتفاعه وَيُوجد بِوُجُودِهِ الثَّالِث الْعَرَب تذْهب بِالِاسْمِ إِلَى الْمَعْنى الْوَاقِع تَحت التَّسْمِيَة فَيَقُولُونَ هَذَا مُسَمّى زيد أَي اسْم هَذَا الْمُسَمّى بِهَذِهِ اللَّفْظَة الَّتِي هِيَ الزَّاي وَالْيَاء وَالدَّال وَيَقُولُونَ فِي الْمَعْنى هَذَا اسْم زيد فيجعلون الِاسْم والمسمى فِي هَذَا الْبابُُ مترادفين على الْمَعْنى الْوَاقِع تَحت التَّسْمِيَة كَمَا جعلُوا الِاسْم وَالتَّسْمِيَة مترادفين على الْعبارَة



[ قــ :4951 ... غــ :59 ]
- حدّثني أحْمَدُ بنُ أبي رَجَاء حَدثنَا النَّضْرُ عنْ هِشامٍ، قَالَ: أَخْبرنِي أبي عنْ عائِشَةَ أَنَّهَا قالَتْ: مَا غرْتُ علَى امْرَأةٍ لِرسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَما غِرْتُ علَى خدِيجَة لِكَثْرَةُ ذِكْرِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاها وثَنائِهِ عَلَيْها، وقَدْ أُوحِيَ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يُبَشِّرَها بِبَيْتٍ لَها فِي الجنّةِ مِنْ قَصَبٍ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأحمد بن أبي رَجَاء ضد الْخَوْف وَاسم أبي رَجَاء عبد الله بن أَيُّوب الْحَنَفِيّ الْهَرَوِيّ، وَالنضْر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: هُوَ ابْن شُمَيْل، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.

والْحَدِيث قد مر بطرق كَثِيرَة فِي: بابُُ تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَدِيجَة، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( من قصب) وَهُوَ أنابيب من جَوْهَر.