فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: أداء الخمس من الإيمان

(بابُُ أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإيمانِ)

الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع.
الأول: أَن لفظ: بابُُ، مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، مُضَاف إِلَى مَا بعده، وَالتَّقْدِير: هَذَا بابُُ أَدَاء الْخمس.
أَي: بابُُ فِي بَيَان أَن أَدَاء الْخمس شُعْبَة من شعب الْإِيمَان.
وَيجوز أَن يقطع عَن الْإِضَافَة، فَحِينَئِذٍ: أَدَاء الْخمس، كَلَام إضافي مُبْتَدأ.
وَقَوله: من الايمان، خَبره.
الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبابُُ الأول هُوَ الْحَلَال الَّذِي هُوَ الْمَأْمُور بِهِ، وَالْحرَام الَّذِي هُوَ الْمنْهِي عَنهُ، فَكَذَلِك فِي هَذَا الْبابُُ، الْمَذْكُور هُوَ الْمَأْمُور بِهِ، والمنهي عَنهُ.
أما الْمَأْمُور بِهِ فَهُوَ: الايمان بِاللَّه وَرَسُوله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصِيَام رَمَضَان وَإِعْطَاء الْخمس، وَأما الْمنْهِي عَنهُ فَهُوَ: الحنتم وَأَخَوَاتهَا، وَبِهَذَا الْبابُُ ختمت الْأَبْوَاب الَّتِي يذكر فِيهَا شعب الْإِيمَان وأموره.
الثَّالِث: قَوْله: (الْخمس) ، بِضَم الْخَاء، من: خمست الْقَوْم اخمسهم، بِالضَّمِّ، إِذا أخذت مِنْهُم خُمس أَمْوَالهم، وَأما: خمستهم أخمسهم، بِالْكَسْرِ، فَمَعْنَاه: إِذا كنت خامسهم، أَو كملتهم خَمْسَة بِنَفْسِك، وَهُوَ المُرَاد من قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَإِن لله خمسه} (الْأَنْفَال: 41) وَقد قيل: إِنَّه رُوِيَ هُنَا بِفَتْح الْخَاء، وَهِي الْخمس من الْأَعْدَاد، وَأَرَادَ بهَا قَوَاعِد الْإِسْلَام الْخمس الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث: (بني الاسلام على خمس) ، فَهَذَا، وَإِن كَانَ لَهُ وَجه، وَلَكِن فِيهِ بعد، لِأَن الْحَج لم يذكر هَهُنَا، وَلِأَن غَيره من الْقَوَاعِد قد تقدم ذكره، وَهَهُنَا إِنَّمَا ترْجم الْبابُُ على أَن أَدَاء خمس الْغَنِيمَة من الْإِيمَان.
فَإِن قلت: مَا وَجه كَونه من الْإِيمَان؟ قلت: لما سَأَلَ الْوَفْد عَن الْأَعْمَال الَّتِي إِذا عملوها يدْخلُونَ بهَا الْجنَّة.
فأجيبوا بأَشْيَاء من جُمْلَتهَا أَدَاء الْخمس، فأداء الْخمس من الْأَعْمَال الَّتِي يدْخل بهَا الْجنَّة، وكل عمل يدْخل بِهِ الْجنَّة فَهُوَ من الْإِيمَان، فأداء الْخمس من الْإِيمَان.
فَافْهَم.


[ قــ :53 ... غــ :53 ]
- حَدثنَا عَليّ بن الْجَعْد قَالَ أخبرنَا شُعْبَة عَن أبي جَمْرَة قَالَ كنت اقعد مَعَ ابْن عَبَّاس يجلسني على سَرِيره فَقَالَ أقِم عِنْدِي حَتَّى أجعَل لَك سَهْما من مَالِي فاقمت مَعَه شَهْرَيْن ثمَّ قَالَ إِن وَفد عبد الْقَيْس لما أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من الْقَوْم أَو من الْوَفْد قَالُوا ربيعَة قَالَ مرْحَبًا بالقوم أَو بالوفد غير حزايا وَلَا ندامى فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّا لَا نستطيع أَن نَأْتِيك إِلَّا فِي شهر الْحَرَام وبيننا وَبَيْنك هَذَا الْحَيّ من كفار مُضر فمرنا بِأَمْر فصل نخبر بِهِ من رواءنا وندخل بِهِ الْجنَّة وسألوه عَن الاشربة فَأَمرهمْ بِأَرْبَع ونهاهم عَن أَربع أَمرهم بِالْإِيمَان بِاللَّه وَحده قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَان بِاللَّه وَحده قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصِيَام رَمَضَان وَأَن تعطوا من الْمغنم الْخمس ونهاهم عَن أَربع عَن الحنتم والدباء والنقير والمزفت وَرُبمَا قَالَ المقير.

     وَقَالَ  احفظوهن وأخبروا بِهن من وراءكم.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ عقد الْبابُُ على جُزْء مِنْهُ وَهُوَ قَوْله " وَإِن تعطوا من الْمغنم خمْسا " فَإِن قلت لم عين هَذَا للتَّرْجَمَة دون غَيره من الَّذِي ذكره مَعَه قلت عقد لكل وَاحِد غَيره بابُُا على مَا تقدم (بَيَان رِجَاله) وهم أَرْبَعَة الأول أَبُو الْحسن على بن الْجَعْد بِفَتْح الْجِيم ابْن عبيد الْجَوْهَرِي الْهَاشِمِي مَوْلَاهُم الْبَغْدَادِيّ سمع الثَّوْريّ ومالكا وَغَيرهمَا من الاعلام وَعنهُ أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَآخَرُونَ.

     وَقَالَ  مُوسَى بن دَاوُد مَا رَأَيْت احفظ مِنْهُ وَكَانَ أَحْمد يحض على الْكِتَابَة مِنْهُ.

     وَقَالَ  يحيى بن معِين هُوَ رباني الْعلم ثِقَة فَقيل لَهُ هَذَا الَّذِي كَانَ مِنْهُ أَنه كَانَ يتهم بالجهم فَقَالَ ثِقَة صَدُوق وَقيل أَن الَّذِي كَانَ يَقُول بالجهم وَلَده الْحسن قَاضِي بَغْدَاد وَبَقِي سِتِّينَ سنة أَو سبعين سنة يَصُوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا ولد سنة سِتّ وَثَلَاثُونَ وَمِائَة وَمَات سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَدفن بمقبرة بابُُ حَرْب بِبَغْدَاد.
الثَّانِي شُعْبَة بن الْحجَّاج وَقد تقدم.
الثَّالِث أَو جَمْرَة بِالْجِيم وَالرَّاء واسْمه نصر بن عمرَان بن عِصَام وَقيل عَاصِم بن وَاسع الضبعِي الْبَصْرِيّ سمع ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وخلقا من التَّابِعين وَعنهُ أَيُّوب وَغَيره من التَّابِعين وَغَيرهم كَانَ مُقيما بنيسابور ثمَّ خرج إِلَى مرو ثمَّ إِلَى سرخس وَبهَا توفّي سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة وثقته مُتَّفق عَلَيْهَا.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة مَاتَ بِالْبَصْرَةِ وَكَانَ أَبوهُ عمرَان رجلا جَلِيلًا قَاضِي الْبَصْرَة وَاخْتلف فِي أَنه صَحَابِيّ لَا وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من يكنى بِهَذِهِ الكنية غَيره وَلَا من اسْمه جَمْرَة بل وَلَا فِي بَاقِي الْكتب السِّتَّة أَيْضا وَلَا فِي الْمُوَطَّأ وَفِي كتاب الحياني أَنه وَقع فِي نُسْخَة أبي ذَر عَن أبي الْهَيْثَم حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي وَذَلِكَ وهم وَمَا عداهُ أَبُو حَمْزَة بِالْحَاء والزاء وَقد روى مُسلم عَن أبي حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة عَن أبي عَطاء القصاب بياع الْقصب الوَاسِطِيّ حَدِيثا وَاحِدًا عَن ابْن عَبَّاس فِيهِ ذكر مُعَاوِيَة وإرسال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن عَبَّاس خَلفه.

     وَقَالَ  بعض الْحفاظ يروي شُعْبَة عَن سَبْعَة يروون عَن ابْن عَبَّاس كلهم أَبُو حَمْزَة بِالْحَاء وَالزَّاي إِلَّا هَذَا وَيعرف هَذَا من غَيره مِنْهُم أَنه إِذا أطلق عَن ابْن عَبَّاس أَبُو حَمْزَة فَهُوَ هَذَا وَإِذا أَرَادوا غَيره مِمَّن هُوَ بِالْحَاء قيدوه بِالِاسْمِ وَالنّسب وَالْوَصْف كابني حَمْزَة القصاب.
والضبعي بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة من بني ضبيعة بِضَم أَوله مصغر أَو هُوَ بطن من عبد الْقَيْس كَمَا جزم الشاطى وَفِي بكر بن وَائِل بطن يُقَال لَهُم بَنو ضبيعة أَيْضا وَقد وهم من نسب أَبَا جَمْرَة إِلَيْهِم من شرَّاح البُخَارِيّ فقد روى الطَّبَرَانِيّ وَابْن مَنْدَه فِي تَرْجَمَة نوح بن مخلد جد أبي جَمْرَة أَنه قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ مِمَّن أَنْت قَالَ من ضبيعة ربيعَة فَقَالَ خير ربيعَة عبد الْقَيْس ثمَّ الْحَيّ الَّذِي أَنْت مِنْهُم.
الرَّابِع عبد الله ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا (بَيَان لطائف إِسْنَاده) .
مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث وَالْأَخْبَار والعنعنة وَالْأَخْبَار فِي أخبرنَا شُعْبَة وَفِي كثير من النّسخ حَدثنَا شُعْبَة.
وَمِنْهَا أَن رِجَاله مَا بَين بغدادي وواسطي وَبصرى.
وَمِنْهَا أَن فيهم من هُوَ من الْأَفْرَاد وَهُوَ أَبُو جَمْرَة وَكَذَا عَليّ بن الْجَعْد انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد عَن بَقِيَّة السِّتَّة (بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ فِي عشرَة مَوَاضِع هُنَا كَمَا ترى وَفِي الْخمس عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد وَفِي خبر الْوَاحِد عَن عَليّ بن الْجَعْد عَن شُعْبَة وَعَن إِسْحَق عَن النَّضر عَن شُعْبَة وَفِي كتاب الْعلم عَن بنْدَار عَن غنْدر عَن شُعْبَة وَفِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن عباد بن عباد وَفِي الزَّكَاة عَن حجاج بن الْمنْهَال عَن حَمَّاد وَفِي الْخمس عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد وَفِي مَنَاقِب قُرَيْش عَن مُسَدّد عَن حَمَّاد وَفِي الْمَغَازِي عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد وَعَن إِسْحَاق عَن أبي عَامر الْعَقدي عَن قُرَّة وَفِي الْأَدَب عَن عمرَان بن ميسرَة عَن عبد الْوَارِث عَن أبي التياح وَفِي التَّوْحِيد عَن عَمْرو بن عَليّ عَن أبي عَاصِم عَن قُرَّة وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي مُوسَى وَبُنْدَار ثَلَاثَتهمْ عَن عبد ربه وَعَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه وَعَن نصر بن عَليّ عَن أَبِيه كِلَاهُمَا عَن قُرَّة بِهِ وَفِيه وَفِي الاشربة عَن خلف ابْن هِشَام عَن حَمَّاد بن زيد وَعَن يحيى بن يحيى عَن عباد بن عباد بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الاشربة عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَمُحَمّد ابْن عبيد بن حِسَاب كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بن زيد بِهِ وَعَن مُسَدّد عَن عباد بن عباد وَفِي السّنة عَن أَحْمد بن حَنْبَل عَن يحيى بن سعيد عَن شُعْبَة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي السّير عَن قُتَيْبَة عَن عباد بن عباد وَعَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد بِهِ مُخْتَصرا وَفِي الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة عَنْهُمَا بِطُولِهِ.

     وَقَالَ  حسن صَحِيح وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن بنْدَار بِهِ وَفِي الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة عَن عباد بن عباد بِهِ وَفِي الاشربة عَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي عَن أبي عتاب بن سهل بن حَمَّاد عَن قُرَّة بِهِ وَفِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد عَن شُعْبَة بِهِ وَمعنى حَدِيثهمْ وَاحِد وَلم يذكر البُخَارِيّ فِي طرقه قصَّة الْأَشَج وَذكرهَا مُسلم فِي الحَدِيث فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام للأشج اشج عبد الْقَيْس " أَن فِيك لخصلتين يحبهما الله الأناة والحلم " (بَيَان اللُّغَات) قَوْله " على سَرِيره " وَفِي الْعبابُ السرير مَعْرُوف وَجمعه أسرة وسرر قَالَ الله تَعَالَى (على سرر مُتَقَابلين) إِلَّا أَن بَعضهم يستثقل اجْتِمَاع الضمتين مَعَ التَّضْعِيف فَيرد الأولى مِنْهُمَا إِلَى الْفَتْح لخفته فَيَقُول سرر وَكَذَلِكَ مَا اشبهه من الْجمع مثل ذليل وَذَلِكَ وَنَحْوه انْتهى وَقيل أَنه مَأْخُوذ من السرر لِأَنَّهُ مجْلِس السرُور قلت السرير أَيْضا مُسْتَقر الرَّأْس والعنق وَقد يعبر بالسرير عَن الْملك وَالنعْمَة وخفض الْعَيْش.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت السرير مَوضِع بِأَرْض بني كنَانَة قَوْله " سَهْما " أَي نَصِيبا وَالْجمع سَهْمَان بِالضَّمِّ قَوْله " أَن وَفد عبد الْقَيْس " قَالَ ابْن سَيّده يُقَال وَفد عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ وَفْدًا ووفودا ووفادة وافادة على الْبَدَل قدم ووافادة وإفادة على الْبَدَل قدم واوفده عَلَيْهِ وهم الْوَفْد والوفود فَأَما الْوَفْد فاسم جمع وَقيل جمع وَأما الْوُفُود فَجمع وَافد وَقد أوفده إِلَيْهِ وَفِي الْجَامِع للقزاز ووفودة وَالْقَوْم يفدون وأوفدتهم أَنا أَيْضا وَوَاحِد الْوَفْد وَافد وَفِي الصِّحَاح وَفد فلَان على الْأَمِير رَسُولا وَالْجمع وَفد وَجمع الْوَافِد أوفاد وَالِاسْم الْوِفَادَة واوفدته أَنا إِلَى الْأَمِير إِي أَرْسلتهُ وَفِي المغيث الْوَفْد قوم يَجْتَمعُونَ فيردون الْبِلَاد وَكَذَا ذكره الْفَارِسِي فِي مجمع الغرائب.
.

     وَقَالَ  صَاحب التَّحْرِير والوفد الْجَمَاعَة المختارة من الْقَوْم ليتقدموهم إِلَى لقى العظماء والمصير إِلَيْهِم فِي الْمُهِمَّات.

     وَقَالَ  القَاضِي هم الْقَوْم يأْتونَ الْملك ركابا وَيُؤَيّد مَا ذكره أَن ابْن عَبَّاس فسر قَوْله تَعَالَى {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا} قَالَ ركبانا وَعبد الْقَيْس أَبُو قَبيلَة وَهُوَ ابْن افصى بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْفَاء وبالصاد الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة ابْن دعمى بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبياء النِّسْبَة ابْن جديلة بِفَتْح الْجِيم بن أَسد بن ربيعَة بن نزار كَانُوا ينزلون الْبَحْرين وحوالي القطيف والأحساء وَمَا بَين هجر إِلَى الديار المصرية قَوْله " ربيعَة " هُوَ ابْن نزار بن معد بن عدنان وَإِنَّمَا قَالُوا ربيعَة لِأَن عبد الْقَيْس من أَوْلَاده قَوْله " مرْحَبًا " أَي صادفت مرْحَبًا أَي سَعَة فاستأنس وَلَا تستوحش قَوْله " خزايا " جمع خزيان من الخزي وَهُوَ الاستحياء من خزى يخزي من بابُُ علم يعلم خزاية أَي استحيى فَهُوَ خزيان وَقوم خزايا وَامْرَأَة خزيا وَكَذَلِكَ خزى يخزي من هَذَا الْبابُُ بِمَعْنى ذل وَهَان ومصدره خزى.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت وَقع فِي بلية وأخزاه الله وَالْمعْنَى هَهُنَا على هَذَا يَعْنِي غير أذلاء مهانين فَافْهَم.
قَوْله " وَلَا ندامى " جمع ندمان بِمَعْنى النادم وَقيل جمع نادم قَوْله " فِي الشَّهْر الْحَرَام " المُرَاد بِهِ الْجِنْس فَيتَنَاوَل الْأَشْهر الْحرم الْأَرْبَعَة رَجَب وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَيعرف الْمحرم دون رَجَب وسمى الشَّهْر بالشهر لشهرته وَطهُوره وبالحرم لحرمه الْقِتَال فِيهِ قَوْله " وَهَذَا الْحَيّ " قَالَ ابْن سَيّده أَنه بطن من بطُون الْعَرَب وَفِي الْمطَالع هُوَ اسْم لمنزلة الْقَبِيلَة ثمَّ سميت الْقَبِيلَة بِهِ وَذكر الجواني فِي الفاضلة أَن الْعَرَب على طَبَقَات عشر اعلاها الجذم ثمَّ الْجُمْهُور ثمَّ الشعوب وَاحِدهَا شعب ثمَّ الْقَبِيلَة ثمَّ الْعِمَارَة ثمَّ الْبَطن ثمَّ الْفَخْذ ثمَّ الْعَشِيرَة ثمَّ الفصيلة ثمَّ الرَّهْط.

     وَقَالَ  الْكَلْبِيّ وَأول الْعَرَب شعوب ثمَّ قبائل ثمَّ عمائر ثمَّ بطُون ثمَّ أفخاذ ثمَّ فصائل ثمَّ عشاءر وَقدم الْأَزْهَرِي العشائر على الْفَضَائِل قَالَ وهم الْأَحْيَاء.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد الشّعب الْحَيّ الْعَظِيم من النَّاس قلت: الجذم بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة أصل الشَّيْء والشعب بِالْفَتْح مَا تشعب من قبائل الْعَرَب والعجم والعمارة بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف الْمِيم وَجوز الْخَلِيل فتح عينهَا قَالَ فِي الْعبابُ وَهِي الْقَبِيلَة وَالْعشيرَة وَقيل هِيَ الْحَيّ ينْفَرد بظعنه قَوْله " مُضر " بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة غير منصرف وَهُوَ مُضر بن نزار بن معد بن عدنان وَيُقَال لَهَا مُضر الْحَمْرَاء ولأخيه ربيعَة الْفرس لِأَنَّهُمَا لما اقْتَسمَا الْمِيرَاث أعْطى مُضر الذَّهَب وَرَبِيعَة الْخَيل وكفار مُضر كَانُوا بَين ربيعَة وَالْمَدينَة وَلَا يُمكنهُم الْوُصُول إِلَى الْمَدِينَة إِلَّا عَلَيْهِم وَكَانُوا يخَافُونَ مِنْهُم إِلَّا فِي الْأَشْهر الْحرم لامتناعهم من الْقِتَال فِيهَا قَوْله " بِأَمْر فصل " بِلَفْظ الصّفة لَا بِالْإِضَافَة وَالْأَمر أما وَاحِد الْأُمُور أَي الشَّأْن وَأما وَاحِد الْأَوَامِر أَي القَوْل الطَّالِب للْفِعْل وَفصل بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة أما بِمَعْنى الْفَاصِل كالعدل أَي يفصل بَين الْحق وَالْبَاطِل وَأما بِمَعْنى الْمفصل أَي وَاضح بِحَيْثُ ينْفَصل بِهِ المُرَاد عَن غَيره قَوْله " من الْمغنم " أَي الْغَنِيمَة قَالَ الْجَوْهَرِي الْمغنم وَالْغنيمَة بِمَعْنى قَوْله " الحنتم " بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق قَالَ أَبُو هُرَيْرَة هِيَ الجرار الْخضر.

     وَقَالَ  ابْن عمر هِيَ الجرار كلهَا.

     وَقَالَ  أنس بن مَالك جرار يُؤْتى بهَا من مُضر مقيرات الأجواف.

     وَقَالَ ت عَائِشَة جرار حمر اعناقها فِي جنوبها يجلب فِيهَا الْخمر من مُضر.

     وَقَالَ  ابْن أبي ليلى افواهها فِي جنوبها يجلب فِيهَا الْخمر من الطَّائِف وَكَانُوا ينبذون فِيهَا.

     وَقَالَ  عَطاء هِيَ جرار تعْمل من طين وَدم وَشعر وَفِي الْمُحكم الحنتم جرار خضر تضرب إِلَى الْحمرَة وَفِي مجمع الغرائب حمر.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ هِيَ جرة مطلية بِمَا يسد مسام الخزف وَلها التَّأْثِير فِي الانتباذ لِأَنَّهَا كالمزفت.

     وَقَالَ  أبي حبيب الحنتم الجرو وكل مَا كَانَ من فخار أَبيض وأخضر.

     وَقَالَ  الْمَازرِيّ قَالَ بعض أهل الْعلم لَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا الحنتم مَا طلى من الفخار بالحنتم الْمَعْمُول بالزجاج وَغَيره قَوْله " والدباء " بِضَم الدَّال وَتَشْديد الْبَاء وبالمد وَقد يقصر وَقد تكسر الدَّال وَهُوَ اليقطين الْيَابِس أَي الْوِعَاء مِنْهُ وَهُوَ القرع وَهُوَ جمع والواحدة باءة وَمن قصر قَالَ دباة قَالَ عِيَاض وَلم يحك أَبُو عَليّ والجوهري غير الْمَدّ قَوْله " والنقير " بِفَتْح النُّون وَكسر الْقَاف وَجَاء تَفْسِيره فِي صَحِيح مُسلم " أَنه جذع ينقرون وَسطه وينبذون فِيهِ " قَوْله " والمزفت " بتَشْديد الْفَاء أَي المطلي بالزفت أَي القار بِالْقَافِ وَرُبمَا قَالَ ابْن عَبَّاس المقير بدل المزفت وَيُقَال الزفت نوع من القار.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده هُوَ شَيْء أسود يطلى بِهِ الْإِبِل والسفن.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة أَنه شجر مر والقار يُقَال لَهُ القير بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف قيل هُوَ نبت يحرق إِذا يبس يطلى بِهِ السفن وَغَيرهَا كَمَا يطلى بالزفت وَفِي مُسْند أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ بِإِسْنَاد حسن عَن أبي بكرَة قَالَ أما الدُّبَّاء فَإِن أهل الطَّائِف كَانُوا يَأْخُذُونَ القرع فيخرطون فِيهِ الْعِنَب ثمَّ يدفنونه حَتَّى يهدر ثمَّ يَمُوت وَأما النقير فَإِن أهل الْيَمَامَة كَانُوا ينقرون أصل النَّخْلَة ثمَّ ينتبذون الرطب واليسر ثمَّ يَدعُونَهُ حَتَّى يهدر ثمَّ يَمُوت وَأما الحنتم فجرار كَانَت تحمل إِلَيْنَا فِيهَا الْخمر وَأما المزفت فَهَذِهِ الأوعية الَّتِي فِيهَا الزفت (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله " كنت اقعد " التَّاء فِي كنت اسْم كَانَ وَالْجُمْلَة اعني اقعد فِي مَحل النصب خَبره قَوْله " مَعَ ابْن عَبَّاس " أَي مصاحبا مَعَه أَو هُوَ بِمَعْنى عِنْد أَي عِنْد ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَوْله " فيجلسني " عطف على قَوْله " اقعد " فَإِن قلت الاجلاس قبل الْقعُود فَكيف جَاءَ بِالْفَاءِ قلت الاجلاس على السرير بعد الْقعُود وَمَا الدَّلِيل على امْتِنَاعه قَوْله " اجْعَل " بِالنّصب بِأَن الْمقدرَة بعد حَتَّى وَسَهْما مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول اجْعَل وَكلمَة من فِي من مَالِي بَيَانِيَّة مَعَ دلَالَته على التَّبْعِيض قَوْله " فاقمت مَعَه " أَي مصاحبا لَهُ وَإِنَّمَا قَالَ مَعَه وَلم يقل عِنْده مُطَابقَة لقَوْله اقم عِنْدِي لأجل الْمُبَالغَة لِأَن المصاحبة بلغ من العندية قَوْله " شَهْرَيْن " نصب على الظّرْف وَالتَّقْدِير مُدَّة شَهْرَيْن قَوْله " من الْقَوْم " جملَة اسمية وَكلمَة من للاستفهام قَوْله " أَو من الْوَفْد " شكّ من الرَّاوِي وَالظَّاهِر أَنه شُعْبَة وَيحْتَمل أَن يكون أَبَا جَمْرَة وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْكرْمَانِي وَالظَّاهِر أَنه من ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَوْله " ربيعَة " خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره نَحن ربيعَة وَالْجُمْلَة مقول الْقُوَّة قَوْله " قَالَ مرْحَبًا " أَي قَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرْحَبًا وَهُوَ اسْم وضع مَوضِع الترحيب وانتصابه على المصدرية من رَحبَتْ الأَرْض ترحب من بابُُ كرم يكرم رحبا بِضَم الرَّاء إِذا اتسعت قَالَ سِيبَوَيْهٍ هُوَ من المصادر النائية عَن أفعالها تَقْدِيره رَحبَتْ.

     وَقَالَ  غَيره هُوَ من المفاعيل المنصوبة بعامل مُضْمر لَازم اضماره تستعمله الْعَرَب كثيرا وَمَعْنَاهُ صادفت رحبا أَي سَعَة فاستأنس وَلَا تستوحش وَفِي الْعبابُ وَالْعرب تَقول أَيْضا مرحبك الله ومسهلك ومرحبابُك الله ومسهلا.

     وَقَالَ  العسكري أول من قَالَ مرْحَبًا سيف ذُو يزن فَإِن قلت أَنه بِالْإِضَافَة صَار معرفَة وَشرط الْحَال أَن تكون نكرَة قلت شَرط تعرفه أَن يكون الْمُضَاف ضدا للمضاف إِلَيْهِ وَنَحْوه وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِك ويروى غير بِكَسْر الرَّاء على أَنه صفة للْقَوْم فَإِن قلت أَنه نكرَة كَيفَ وَقعت صفة للمعرفة قلت للمعرف بِلَا جنس قرب الْمسَافَة بَينه وَبَين النكرَة فَحكمه حكم النكرَة إِذْ لَا تَوْقِيت فِيهِ وَلَا تعْيين وَفِي رِوَايَة مُسلم " غير خزايا وَلَا ندامى " بِاللَّامِ فِي الندامى وَفِي بعض الرِّوَايَات " غير الخزايا وَلَا الندامى " بِاللَّامِ فيهمَا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْأَدَب من طَرِيق أبي التياح عَن أبي جَمْرَة " مرْحَبًا بالوفد الَّذين جاؤا غير خزايا وَلَا ندامى " وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق قُرَّة " فَقَالَ مرْحَبًا بالوفد لَيْسَ خزايا وَلَا النادمين " وَهَذَا يشْهد لمن قَالَ كَانَ الأَصْل فِي وَلَا ندامى نادمين وَلكنه اتبع خزايا تحسينا للْكَلَام كَمَا يُقَال لَا دَريت وَلَا تليت وَالْقِيَاس لَا تَلَوت والغدايا والعشايا وَالْقِيَاس بالغدوات فَجعل تَابعا لما يقارنه وَإِذا افردت لم يجز إِلَّا الغدوات وَكَذَلِكَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام " ارْجِعْنَ مَأْزُورَات غير مَأْجُورَات " وَلَو افردت لقيل موزورات بِالْوَاو لِأَنَّهُ من الْوزر وَمِنْه قَول الشَّاعِر هُنَاكَ اخبية ولاج ابوية فَجمع الْبابُُ على ابوبة اتبَاعا لاخبية وَلَو أفرد لم يجز.

     وَقَالَ  الْقَزاز والجوهري وَيُقَال فِي نادم ندمان فعلى هَذَا يكون الْجمع على الأَصْل وَلَا يكون من بابُُ الِاتِّبَاع قَوْله " أَن نَأْتِيك " فِي مَحل النصب على المفعولية وَأَن مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير أَن لَا نستطيع الاتيان إِلَيْك قَوْله " الْحَرَام " بِالْجَرِّ صفة للشهر وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة إِلَّا فِي شهر الْحَرَام وَهِي رِوَايَة مُسلم أَيْضا وَهُوَ من إِضَافَة الِاسْم إِلَى صفته بِحَسب الظَّاهِر كمسجد الْجَامِع وَنسَاء الْمُؤْمِنَات وَلكنه مؤول تَقْدِيره إِلَّا فِي شهر الْأَوْقَات الْحَرَام وَمَسْجِد الْوَقْت الْجَامِع.

     وَقَالَ  بَعضهم هَذَا من إِضَافَة الشَّيْء قلت إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه لَا تجوز كَمَا عرف فِي مَوْضِعه وَفِي رِوَايَة قُرَّة أخرجهَا البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي " إِلَّا فِي أشهر الْحرم " وَتَقْدِير فِي أشهر الْأَوْقَات الْحرم وَالْحرم بِضَمَّتَيْنِ جمع حرَام وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد أخرجهَا البُخَارِيّ فِي المناقب (غلا فِي كل شهر حرَام " قَوْله " وبيننا وَبَيْنك " الْوَاو فِيهِ للْحَال وَكلمَة من فِي قَوْله " من كفار " مُضر للْبَيَان وَمُضر مُضَاف إِلَيْهِ وَلَكِن جَرّه بِالْفَتْح لِأَن الصّرْف منع مِنْهَا للعملية والتأنيث قَوْله " فمرنا " جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَهُوَ الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي مر وَالْمَفْعُول وَهُوَ نَا وأصل مر اؤمر بهمزتين لِأَنَّهُ من أَمر يَأْمر فحذفت الْهمزَة الْأَصْلِيَّة للاستثقال فَصَارَ امْر فاستغنى عَن همزَة الْوَصْل فحذفت فبقى مر على وزن عل لِأَن الْمَحْذُوف فَاء الْفِعْل قَوْله " بِأَمْر فصل " كِلَاهُمَا بِالتَّنْوِينِ على الوصفية لَا الْإِضَافَة قَوْله " نخبر بِهِ " روى بِالرَّفْع وبالجزم أما الرّفْع فعلى أَنه صفة لامر وَأما الْجَزْم فعلى أَنه جَوَاب الامر قَوْله " من وَرَاءَنَا " كلمة من بِفَتْح الْمِيم مَوْصُولَة فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء وَقَوله وَرَاءَنَا خَبره وَالْجُمْلَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا مفعول نخبر وَالْخَبَر فِي الْحَقِيقَة مَحْذُوف تَقْدِيره من استقروا وَرَاءَنَا أَي خلفنا وَالْمرَاد قَومهمْ الَّذين خلفوهم فِي بِلَادهمْ وَقد علم أَن نَحْو خلف ووراء إِذا وَقع خَبرا فَإِن كَانَ بَدَلا عَن عَامله الْمَحْذُوف نَحْو زيد خَلفك أَو وَرَاءَك بَقِي على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْإِعْرَاب وَإِن لم يكن بَدَلا نَحْو ظهرك خَلفك ورجلاك أسفلك جَازَ فِيهِ الْوَجْهَانِ النصب على الظَّرْفِيَّة وَالرَّفْع على الخبرية.
ثمَّ اعْلَم أَن لَفْظَة وَرَاء من الاضداد لِأَنَّهُ يَأْتِي بِمَعْنى خلف وَبِمَعْنى قُدَّام وَهِي مُؤَنّثَة.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت يذكر وَيُؤَنث وَهُوَ مَهْمُوز اللَّام ذكره الصغاني فِي بابُُ مَا يكون فِي آخِره همزَة وَذكر الْجَوْهَرِي فِي بابُُ مَا يكون فِي آخِره يَاء وَهُوَ غلط فَكَأَنَّهُ ظن أَن همزته لَيست بأصلية وَلَيْسَ كَذَلِك بِدَلِيل وجودهَا فِي تصغيره.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَفِي بعض الرِّوَايَات من وَرَائِنَا بِكَسْر الْمِيم قلت قَالَ الشَّيْخ قطب الدّين فِي شَرحه وَلَا خلاف أَن قَوْله نحبر بِهِ من وَرَاءَنَا بِفَتْح الْمِيم والهمزة فَإِن قلت أَن صَحَّ مَا قَالَه الْكرْمَانِي فَمَا تكون من بِالْكَسْرِ قلت إِن صحت هَذِه الرِّوَايَة يحْتَمل أَن تكون من للغاية بِمَعْنى أَو قَومهمْ يكونُونَ غَايَة لأخبارهم قَوْله " وندخل بِهِ الْجنَّة " بِرَفْع اللَّام وجزمها عطفا على قَوْله نخبر الموجه بِوَجْهَيْنِ وَفِي بعض الرِّوَايَات ندخل بِدُونِ الْوَاو وَكَذَا وَقع فِي مُسلم بِلَا وَاو وعَلى هَذِه الرِّوَايَة يتَعَيَّن رَفعه وَهِي جملَة مستأنفة لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب قَوْله " وسألوه " أَي النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن الاشربة أَي عَن ظرف الْأَشْرِبَة فالمضاف مَحْذُوف وَالتَّقْدِير سَأَلُوهُ عَن الاشربة الَّتِي تكون فِي الْأَوَانِي الْمُخْتَلفَة فعلى هَذَا يكون مَحْذُوف الصّفة فَافْهَم قَوْله " فَأَمرهمْ بِأَرْبَع " الْفَاء للتعقيب أَي بِأَرْبَع خِصَال أَو بِأَرْبَع جمل لقَوْله حَدثنَا بجمل من الْأَمر وَهِي رِوَايَة قُرَّة عِنْد البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي وَقَوله ونهاهم عطف على فَأمر قَوْله " أَمرهم بِالْإِيمَان " تَفْسِير لقَوْله " فَأَمرهمْ بِأَرْبَع " وَلِهَذَا ترك العاطف فَإِن قلت كَيفَ يكون تَفْسِيرا وَالْمَذْكُور خمس قلت قَالَ النَّوَوِيّ عد جمَاعَة الحَدِيث من المشكلات حَيْثُ قَالَ أَمرهم بِأَرْبَع وَالْمَذْكُور خمس وَاخْتلفُوا فِي الْجَواب عَنهُ فَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ الظَّاهِر أَن الْأُمُور الْخَمْسَة تَفْسِير للْإيمَان وَهُوَ أحد الْأَرْبَعَة الْمَأْمُور بهَا وَالثَّلَاثَة الْبَاقِيَة حذفهَا الرَّاوِي نِسْيَانا واختصارا.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ من عَادَة البلغاء أَن الْكَلَام إِذا كَانَ منصبا لغَرَض من الْأَغْرَاض جعلُوا سِيَاقه لَهُ وتوجهه إِلَيْهِ كَأَن مَا سواهُ مرفوض مطرح فههنا لم يكن الغر ض فِي إِيرَاد ذكر الشَّهَادَتَيْنِ لِأَن الْقَوْم كَانُوا مقرين بهما بِدَلِيل قَوْلهم الله وَرَسُوله أعلم وَلَكِن كَانُوا يظنون أَن الْإِيمَان مَقْصُور عَلَيْهِمَا وأنهما كافيتان لَهُم وَكَانَ الْأَمر فِي أول الْإِسْلَام كَذَلِك لم يَجعله الرَّاوِي من الْأَوَامِر وَجعل الاعطاء مِنْهَا لِأَنَّهُ هُوَ الْغَرَض من الْكَلَام لأَنهم كَانُوا أَصْحَاب غزوات مَعَ مَا فِيهِ من بَيَان أَن الْإِيمَان غير مَقْصُور على ذكر الشَّهَادَتَيْنِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ قيل أَن أول الْأَرْبَع الْمَأْمُور بهَا أَقَامَ الصَّلَاة وَإِنَّمَا ذكر الشَّهَادَتَيْنِ تبركا بهما كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا إِنَّمَا غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه} وَهَذَا نَحْو كَلَام الطَّيِّبِيّ فَإِن قلت قَوْله " وَأقَام الصَّلَاة " مَرْفُوع عطفا على قَوْله " شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله " وَهَذَا يرد مَا قَالَه الطَّيِّبِيّ والقرطبي وَأجِيب بِأَنَّهُ يجوز أَن يقْرَأ وَأقَام الصَّلَاة بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله " أَمرهم بِالْإِيمَان " وَالتَّقْدِير أَمرهم بِالْإِيمَان مصدرا بِهِ وبشرطه فِي الشَّهَادَتَيْنِ وَأمرهمْ بأقام الصَّلَاة إِلَى آخِره ويعضد هَذَا رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْأَدَب من طَرِيق أبي التياح عَن أبي جَمْرَة وَلَفظه " أَربع وَأَرْبع أقِيمُوا " إِلَى آخِره فَإِن قيل ظَاهر مَا ترْجم بِهِ المُصَنّف من أَن أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان يَقْتَضِي إِدْخَاله مَعَ الْخِصَال فِي تَفْسِير الْإِيمَان وَالتَّقْدِير الْمَذْكُور يُخَالِفهُ فَأجَاب ابْن رشد بِأَن الْمُطَابقَة تحصل من جِهَة أُخْرَى وَهِي أَنهم سَأَلُوا عَن الْأَعْمَال الَّتِي يدْخلُونَ بهَا الْجنَّة فأجيبوا بأَشْيَاء من أَدَاء الْخمس والأعمال الَّتِي يدْخل بهَا الْجنَّة هِيَ أَعمال الْإِيمَان فَيكون أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان بِهَذَا التَّقْرِير (فَإِن قلت) قد قَالَ فِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد عَن أبي جَمْرَة " أَمركُم بِأَرْبَع الْإِيمَان بِاللَّه شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وعقدة وَاحِدَة " أخرجهَا البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي وَأخرج فِي فرض الْخمس وَعقد بِيَدِهِ الْحجَّاج بن منهال فَدلَّ على أَن الشَّهَادَة إِحْدَى الْأَرْبَع وَكَذَا فِي رِوَايَة عباد بن عباد فِي أَوَائِل الْمَوَاقِيت وَلَفظه " أَمركُم بِأَرْبَع ونهاكم عَن أَربع الْإِيمَان بِاللَّه ثمَّ فَسرهَا لَهُم شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله " الحَدِيث وَهَذَا أَيْضا يدل على أَنه عد الشَّهَادَتَيْنِ من الْأَرْبَع لِأَنَّهُ أعَاد الضَّمِير فِي قَوْله ثمَّ فَسرهَا مؤنثا فَيَعُود على الْأَرْبَع وَلَو أَرَادَ تَفْسِير لأعاده مذكرا قلت أجَاب عَنهُ القَاضِي وَابْن بطال بِأَنَّهُ عد الْأَرْبَع الَّتِي وعدهم ثمَّ زادهم خَامِسَة وَهِي أَدَاء الْخمس لأَنهم كَانُوا مجاورين لكفار مُضر وَكَانُوا أهل جِهَاد وَغَنَائِم قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ الصَّحِيح.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي لَيْسَ الصَّحِيح ذَلِك هَهُنَا لِأَن البُخَارِيّ عقد الْبابُُ على أَن أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان فَلَا بُد أَن يكون دَاخِلا تَحت أَجزَاء الْإِيمَان كَمَا أَن ظَاهر الْعَطف يَقْتَضِي ذَلِك بل الصَّحِيح مَا قيل أَنه لم يَجْعَل الشَّهَادَة بِالتَّوْحِيدِ وبالرسالة من الْأَرْبَع لعلمهم بذلك وَإِنَّمَا أَمرهم بِأَرْبَع لم يكن فِي علمهمْ أَنَّهَا دعائم الْإِيمَان قلت لَو اطلع الْكرْمَانِي على رِوَايَة حَمَّاد بن زيد عَن أبي جَمْرَة وَرِوَايَة عباد لما نفى الصَّحِيح وَأثبت غير الصَّحِيح وَالتَّعْلِيل الَّذِي علله هُوَ السُّؤَال الَّذِي أجَاب عَنهُ ابْن رشد فَإِن قلت قد وَقع فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الزَّكَاة " وَشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله " بواو الْعَطف قلت هَذِه زِيَادَة شَاذَّة لم يُتَابع عَلَيْهَا قَوْله " وَأَن تعطوا " عطف على قَوْله " بِأَرْبَع " أَي أَمركُم بِأَرْبَع وَبِأَن تعطوا وَأَن مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير وبإعطاء الْخمس من الْمغنم قَوْله " ونهاهم " عطف على قَوْله أَمرهم قَوْله " عَن الحنتم " بدل من قَوْله عَن أَربع وَمَا بعده عطف وَفِيه الْمُضَاف مَحْذُوف تَقْدِيره ونهاهم عَن نَبِيذ الحنتم والدباء قَوْله " وَرُبمَا " كلمة رب هَهُنَا للتقيل وَإِذا زيدت عَلَيْهَا مَا فالغالب أَن تكفها عَن الْعَمَل وَأَن تهيئها للدخول على الْجمل الفعلية وَأَن يكون الْفِعْل مَاضِيا لفظا وَمعنى فَإِن قلت مَا تَقول فِي قَوْله تَعَالَى {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا} قلت هُوَ مؤول بالماضي على حد قَوْله تَعَالَى 0 وَنفخ فِي الصُّور} قَوْله " وأخبروا بِهن " بِفَتْح الْهمزَة قَوْله " من وَرَائِكُمْ " مفعول ثَان لَا خبروا وَمن بِفَتْح الْمِيم مَوْصُولَة مُبْتَدأ وَقَوله وراءكم خَبره والتقدبر أخبروا الَّذين كَانُوا وراءكم واستقروا وَرِوَايَة البُخَارِيّ بِفَتْح من كَمَا ذكرنَا وَكَذَا رِوَايَة مُسلم من طَرِيق ابْن المثني وَغَيره وَوَقع لَهُ من طَرِيق ابْن أبي شيبَة من وَرَائِكُمْ بِكَسْر الْمِيم والهمزة (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله " كنت اقعد مَعَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا " يَعْنِي زمن ولَايَته الْبَصْرَة من قبل عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ.
وَوَقع فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْعلم بَيَان السَّبَب فِي إكرام ابْن عَبَّاس لأبي جَمْرَة وَهُوَ " كنت أترجم بَين ابْن عَبَّاس وَبَين النَّاس " وَفِي مُسلم " كنت بَين يَدي ابْن عَبَّاس وَبَين النَّاس " فَقيل أَن لَفظه يَدي زَائِدَة وَقيل بَينه مُرَاده مقدرَة أبي بَيِّنَة وَبَين النَّاس قَوْله " أترجم " من التَّرْجَمَة وَهِي التَّعْبِير بلغَة عَن لُغَة لمن لَا يفهم فَقيل كَانَ يتَكَلَّم بِالْفَارِسِيَّةِ وَكَانَ يترجم لِابْنِ عَبَّاس عَمَّن تكلم بهَا.

     وَقَالَ  ابْن الصّلاح وَعِنْدِي أَنه كَانَ يبلغ كَلَام ابْن عَبَّاس إِلَى من خَفِي عَلَيْهِ من النَّاس أما الزحام أَو لاختصار يمْنَع من فهمه وَلَيْسَت التَّرْجَمَة مَخْصُوصَة بتفسير لُغَة بلغَة أُخْرَى فقد أطْلقُوا على قَوْلهم بابُُ كَذَا اسْم التَّرْجَمَة لكَونه يعبر عَمَّا يذكرهُ بعد قَالَ النَّوَوِيّ وَالظَّاهِر أَنه يفهمهم عَنهُ ويفهمه عَنْهُم.

     وَقَالَ  القَاضِي فِيهِ جَوَاز التَّرْجَمَة وَالْعَمَل بهَا وَجَوَاز المترجم الْوَاحِد لِأَنَّهُ من بابُُ الْخَبَر لَا من بابُُ الشَّهَادَة على الْمَشْهُور قلت قَالَ أَصْحَابنَا وَالْوَاحد يَكْفِي للتزكية والرسالة والترجمة لِأَنَّهَا خبر وَلَيْسَت بِشَهَادَة حَقِيقَة وَلِهَذَا لَا يشْتَرط لَفْظَة الشَّهَادَة قَوْله " أَن وَفد عبد الْقَيْس " قَالَ النَّوَوِيّ كَانُوا أَرْبَعَة عشر رَاكِبًا كَبِيرهمْ الْأَشَج وسمى مِنْهُم صَاحب التَّحْرِير وَصَاحب مَنْهَج الراغبين شارحا مُسلم ثَمَانِيَة أنفس الأول رئيسهم وَكَبِيرهمْ الْأَشَج واسْمه المندر بن عَائِذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة بن الْمُنْذر بن الْحَارِث بن النُّعْمَان بن زِيَاد بن عصر كَذَا نسبه أَبُو عمر.

     وَقَالَ  ابْن الْكَلْبِيّ المندر بن عَوْف بن عَمْرو بن زِيَاد بن عصر وَكَانَ سيد قومه قلت عصر بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف بن بكر بن عَوْف بن أَنْمَار بن عَمْرو بن وَدِيعَة بن لكيز بِضَم اللَّام وَفِي آخِره زَاي مُعْجمَة بن افصى بِالْفَاءِ بن عبد الْقَيْس بن دعمى بن جديلة بن أَسد بن ربيعَة بن نزار وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَشَج لأثر كَانَ فِي وَجهه الثَّانِي عَمْرو بن المرجوم بِالْجِيم وَاسم المرجوم عَامر بن عَمْرو بن عدي بن عَمْرو بن قيس بن شهَاب بن زيد بن عبد الله بن زِيَاد بن عصر كَانَ من أَشْرَاف الْعَرَب وساداتها الثَّالِث عبيد بن همام بن مَالك بن همام الرَّابِع الْحَارِث بن شُعَيْب الْخَامِس مزيدة بن مَالك السَّادِس منقذ بن حبَان السَّابِع الْحَارِث بن حبيب العايشي بِالْمُعْجَمَةِ الثَّامِن صحار بِضَم الصَّاد وَتَخْفِيف الْحَاء وَفِي آخِره رَاء كلهَا مهملات.

     وَقَالَ  صَاحب التَّحْرِير لم أظفر بعد طول التتبع لأسماء البَاقِينَ قلت السِّتَّة الْبَاقِيَة على مَا ذكرُوا هم عتبَة بن حروة والجهيم بن قثم والرسيم الْعَدْوى وجويرة الْكِنْدِيّ والزارع بن عَائِد الْعَبْدي وَقيس بن النُّعْمَان.

     وَقَالَ  الْبَغَوِيّ فِي مُعْجمَة حَدثنِي زِيَاد بن أَيُّوب ثَنَا إِسْحَاق بن يُوسُف انبأنا عَوْف عَن أبي القموس زيد بن عَليّ حَدِيث الْوَفْد الَّذين وفدوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عبد الْقَيْس وَفِيه قَالَ النُّعْمَان بن قيس " سألناه عَن أَشْيَاء حَتَّى سألناه عَن الشَّرَاب فَقَالَ لَا تشْربُوا من دباء وَلَا حنتم وَلَا فِي نقير وَاشْرَبُوا فِي الْحَلَال الموكي عَلَيْهِ فَإِن اشْتَدَّ عَلَيْكُم فاكسروا بِالْمَاءِ فَإِن أعياكم فاهريقوه " الحَدِيث فَإِن قلت روى ابْن مَنْدَه ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق هود العصري عَن جده لِأَنَّهُ مزيدة قَالَ " بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدث أَصْحَابه إِذا قَالَ لَهُم سيطلع لكم من هَذَا الْوَجْه ركب هُوَ خير أهل الْمشرق فَقَامَ عمر رَضِي الله عَنهُ فلقي ثَلَاثَة عشر رَاكِبًا فَرَحَّبَ وَقرب من الْقَوْم.

     وَقَالَ  من الْقَوْم قَالُوا وَفد عبد الْقَيْس وروى الدولابي وَغَيره من طَرِيق أبي خيرة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعدهَا الرَّاء الصباحي بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف حاء مُهْملَة نِسْبَة إِلَى الصَّباح بن لكيز بن افصى بن عبد الْقَيْس قَالَ " كنت فِي الْوَفْد الَّذين اتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكُنَّا أَرْبَعِينَ رجلا فنهانا عَن الدُّبَّاء والنقير " الحَدِيث قلت أجَاب بَعضهم عَن الأول بِأَنَّهُ يُمكن أَن يكون أحد الْمَذْكُورين غير رَاكب وَعَن الثَّانِي بِأَن الثَّلَاثَة عشر كَانُوا رُؤُوس الْوَفْد قلت هَذَا عَجِيب مِنْهُ لِأَنَّهُ لم يسلم التَّنْصِيص على الْعدَد الْمَذْكُور فَكيف يوفق بَينه وَبَين ثَلَاثَة عشر وَأَرْبَعين حَتَّى قَالَ وَقد وَقع فِي جملَة من الْأَخْبَار ذكر جمَاعَة من عبد الْقَيْس فعد مِنْهُم أَخا الزَّارِع وَابْن مطر وَابْن أَخِيه وشمرخا السَّعْدِيّ.

     وَقَالَ  روى حَدِيثه ابْن السكن وَأَنه قدم مَعَ وَفد عبد الْقَيْس وجذيمة بن عَمْرو وَجَارِيَة بِالْجِيم ابْن جاب وَهَمَّام بن ربيعَة.

     وَقَالَ  ذكرهم ابْن شاهين ونوح بن مخلد جد أبي جَمْرَة الصباحي قلت وَمن الَّذين كَانُوا فِي الْوَفْد الْأَعْوَر بن مَالك بن عمر ابْن عَوْف بن عَامر بن ذبيان بن الديل بن صباح وَكَانَ من أَشْرَاف عبد الْقَيْس وشجعانهم فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ وَكَانَ مِمَّن وَفد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسلم مَعَ الْأَشَج ذكره الرشاطي وَمِنْهُم الْقَائِف وَإيَاس ابْنا عِيسَى بن أُميَّة بن ربيعَة بن عَامر بن دبيان بن الديل بن صباح وَكَانَا من سَادَات بني صباح وَمِنْهُم شريك بن عبد الرَّحْمَن والْحَارث بن عِيسَى وَعبد الله بن قيس والذراع بن عَامر وَعِيسَى بن عبد الله كَانُوا مَعَ الَّذين وفدوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ الْأَشَج ذكرهم كلهم أَبُو عُبَيْدَة وَمِنْهُم ربيعَة بن خرَاش ذكره الْمَدَائِنِي.

     وَقَالَ  أَنه وَفد وَمِنْهُم محَارب بن مرْثَد وفدوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ وَفد عبد الْقَيْس ذكره ابْن الْكَلْبِيّ وَمِنْهُم عباد بن نَوْفَل بن خِدَاش وَابْنه عبد الرَّحْمَن بن عباد وَعبد الرَّحْمَن بن حَيَّان وَأَخُوهُ الحكم بن حَيَّان وَعبد الرَّحْمَن بن أَرقم وفضالة بن سعد وَحسان ابْن يزِيد وَعبد الله بن همام وَسعد بن عمر وَعبد الرَّحْمَن بن همام وَحَكِيم بن عَامر وَأَبُو عَمْرو بن شييم كلهم وفدوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانُوا من سَادَات عبد الْقَيْس وأشرافها وفرسانها ذكرهم أَبُو عُبَيْدَة فَهَؤُلَاءِ اثْنَان وَعِشْرُونَ رجلا زِيَادَة على مَا ذكره هَذَا الْقَائِل فجملة الْجمع تكون خَمْسَة وَأَرْبَعين نفسا فَعلمنَا أَن التَّنْصِيص على عدد معِين لم يَصح وَلِهَذَا لم يُخرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم بِالْعدَدِ الْمعِين وَكَانَ سَبَب قدومهم أَن منقذ بن حبَان أحد بن غنم بن وَدِيعَة كَانَ يتجر إِلَى يثرب بملاحف وتمر من هجر بعد الْهِجْرَة فَمر بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَهَضَ منقذ إِلَيْهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " يَا منقذ ابْن حبَان كَيفَ جمع قَوْمك ثمَّ سَأَلَهُ عَن أَشْرَافهم يسميهم فَأسلم منقذ وَتعلم الْفَاتِحَة وَأقر أَثم رَحل إِلَى هجر فَكتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جمَاعَة عبد الْقَيْس فكتمه ثمَّ اطَّلَعت عَلَيْهِ امْرَأَته وَهِي بنت الْمُنْذر بن عَائِد وَهُوَ الْأَشَج الْمَذْكُور وَكَانَ منقذ يُصَلِّي وَيقْرَأ فَذكرت لأَبِيهَا فتلاقيا فَوَقع الْإِسْلَام فِي قلبه ثمَّ سَار الْأَشَج إِلَى قومه عصر ومحارب بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ عَلَيْهِم فَوَقع الْإِسْلَام فِي قُلُوبهم وَأَجْمعُوا على الْمسير إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَار الْوَفْد فَلَمَّا دنوا من الْمَدِينَة قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " أَتَاكُم وَفد عبد الْقَيْس خير أهل الْمشرق وَفِيهِمْ الْأَشَج العصري غير ناكبين وَلَا مبدلين وَلَا مرتابين إِذا لم يسلم قوم حَتَّى وتروا قَالَ القَاضِي كَانَ وفودهم عَام الْفَتْح قبل خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَكَّة قَوْله " قَالُوا ربيعَة " فِيهِ التَّعْبِير بِالْبَعْضِ عَن الْكل لأَنهم بعض ربيعَة وَيدل عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى وَهِي طَرِيق عباد بن عباد عَن أبي جَمْرَة فَقَالُوا " أَنا هَذَا الْحَيّ من ربيعَة " أخرجهَا البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضا والحي مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص قَوْله " غير خزايا وَلَا ندامى " مَعْنَاهُ لم يكن مِنْكُم تَأَخّر الْإِسْلَام وَلَا أَصَابَكُم قتال وَلَا سبي وَلَا أسر وَمَا أشبهه مِمَّا تستحيون مِنْهُ أَو تذلون أَو تفضحون بِسَبَبِهِ أَو تَنْدمُونَ عَلَيْهِ وَهَذَا يدل على أَنهم أَسْلمُوا قبل وفودهم إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا قَوْلهم يَا رَسُول الله وَيدل أَيْضا على تقدم إسْلَامهمْ على قبائل مُضر الَّذين كَانُوا بَينهم وَبَين الْمَدِينَة وَكَانَت مساكنهم بِالْبَحْرَيْنِ وَمَا والاها من أَطْرَاف الْعرَاق وَلِهَذَا قَالُوا فِي رِوَايَة شُعْبَة عِنْد البُخَارِيّ فِي الْعلم " أَنا نَأْتِيك من شقة بعيدَة " أَن أول جُمُعَة جمعت بعد جُمُعَة مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجِد عبد الْقَيْس بجواثي من الْبَحْرين " وَهِي بِضَم الْجِيم وَبعد الْألف ثاء مُثَلّثَة مَفْتُوحَة وَهِي قَرْيَة مَشْهُورَة لَهُم فِي الْمطَالع جواثي بواو ومخففة وَمِنْهُم من يهمزها وَهِي مَدِينَة وَإِنَّمَا جمعت بعد رُجُوع وفدهم إِلَيْهِم فَدلَّ على أَنهم سبقوا جَمِيع المدن إِلَى الْإِسْلَام وَجَاء فِي هَذَا الْخَبَر " أَن وَفد عبد الْقَيْس لما وصلوا إِلَى الْمَدِينَة بَادرُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ الْأَشَج فَجمع رِجَالهمْ وعقل نَاقَته وَلبس ثيابًا جددا ثمَّ أقبل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَجْلسهُ إِلَى جَانِبه ثمَّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُم تُبَايِعُونِي على أَنفسكُم وقومكم فَقَالَ الْقَوْم نعم فَقَالَ الْأَشَج يَا رَسُول الله إِنَّك لن تزايل الرجل عَن شَيْء أَشد عَلَيْهِ من دينه نُبَايِعك على أَنْفُسنَا وَترسل مَعنا من يَدعُوهُم فَمن اتبع كَانَ منا وَمن أبي قَاتَلْنَاهُ قَالَ صدقت إِن فِيك لخصلتين يحبهما الله الْحلم والإناة " وَجَاء فِي مُسْند أبي يعلى الْموصل " أكانا فِي أم حَدثا قَالَ بل قديم قلت الْحَمد لله الَّذِي جعلني على خلقين يحبهما الله تَعَالَى " والأناة بِفَتْح الْهمزَة مَقْصُورَة قَالَ الْجَوْهَرِي الأناة على وزن قناة يُقَال تأنى فِي الْأَمر أَن توقف وانتطر وَرجل آن على وزن فَاعل أَي كثير الأناة.

     وَقَالَ  القَاضِي آنيت ممدودا وأنيت وتأنيت وَزَاد غَيره اسْتَأْنَيْت وَاصل الْحلم بِالْكَسْرِ الْعقل (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) وَهُوَ على وُجُوه الأول فِيهِ وفادة الرؤساء إِلَى الْأَئِمَّة عِنْد الْأُمُور المهمة الثَّانِي قَالَ ابْن التِّين يستنبط من وقله " اجْعَل لَك سَهْما من مَالِي " على جَوَاز أَخذ الْأُجْرَة على التَّعْلِيم الثَّالِث فِيهِ استعانة الْعَالم فِي تفهيم الْحَاضِرين والفهم عَنْهُم كَمَا فعله ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا الرَّابِع فِيهِ اسْتِحْبابُُ قَول مرْحَبًا للزوار الْخَامِس فِيهِ أَنه يَنْبَغِي أَن يحث النَّاس على تَبْلِيغ الْعلم.
السَّادِس فِيهِ الْأَمر بِالشَّهَادَتَيْنِ.
السَّابِع فِيهِ الْأَمر بِالصَّلَاةِ.
الثَّامِن فِيهِ الْأَمر بأَدَاء الزَّكَاة.
التَّاسِع فِيهِ الْأَمر بصيام شهر رَمَضَان.
الْعَاشِر فِيهِ وجوب الْخمس فِي الْغَنِيمَة قلت أم كثرت وَإِن لم يكن الإِمَام فِي السّريَّة الغازية.
الْحَادِي عشر النَّهْي عَن الانتباذ فِي الْأَوَانِي الْأَرْبَع وَهِي أَن تجْعَل فِي المَاء حبا من تمر أَو زبيب أَو نَحْوهمَا ليحلو وَيشْرب لِأَنَّهُ يسْرع فِيهَا الاسكار فَيصير حَرَامًا وَلم ينْه عَن الانتباذ فِي أسقية الْأدم بل أذن فِيهَا لِأَنَّهَا لرقتها لَا يبْقى فِيهَا الْمُسكر بل إِذا صَار مُسكر أشقها غَالِبا ثمَّ إِن هَذَا النَّهْي كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام ثمَّ نسخ فَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث بُرَيْدَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ " كنت نَهَيْتُكُمْ عَن الانتباذ إِلَّا فِي الأسقية فانتبذوا فِي كل وعَاء وَلَا تشْربُوا مُسكرا " وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَن النَّهْي بَاقٍ مِنْهُم مَالك وَأحمد وَإِسْحَاق حَكَاهُ الْخطابِيّ عَنْهُم قَالَ وَهُوَ مروى عَن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم وَذكر ابْن عَبَّاس هَذَا الحَدِيث لما استفتى دَلِيل على أَنه يعْتَقد النَّهْي وَلم يبلغهُ النَّاسِخ وَالصَّوَاب الْجَزْم بِالْإِبَاحَةِ لتصريح النّسخ.
الثَّانِي عشر فِيهِ دَلِيل على عدم كَرَاهَة قَول رَمَضَان من غير تَقْيِيد بالشهر.
الثَّالِث عشر فِيهِ أَنه لَا عيب عل الطَّالِب للعلوم أَو المستفتي أَن يَقُول للْعَالم أوضح لي الْجَواب وَنَحْو هَذِه الْعبارَة الرَّابِع عشر فِيهِ ندب الْعَالم إِلَى إكرام الْفَاضِل الْخَامِس عشر فِيهِ أَن الثَّنَاء على الْإِنْسَان فِي وَجهه لَا يكره إِذا لم يخف فِيهِ بإعجاب وَنَحْوه السَّادِس عشر فِيهِ دَلِيل على أَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام بِمَعْنى وَاحِد لِأَنَّهُ فسر الْإِسْلَام فِيمَا مضى بِمَا فسر الْإِيمَان هَهُنَا السَّابِع عشر فِيهِ أَن الْأَعْمَال الصَّالِحَة إِذا قبلت تدخل صَاحبهَا الْجنَّة الثَّامِن عشر أَنه يبْدَأ بالسؤال عَن الأهم التَّاسِع عشر فِيهِ دَلِيل على الْعذر عِنْد الْعَجز عَن تَوْفِيَة الْحق وَاجِبا أَو مَنْدُوبًا قَالَه ابْن أبي جَمْرَة الْعشْرُونَ فِيهِ الِاعْتِمَاد على أَخْبَار الْآحَاد كَمَا ذَكرْنَاهُ (الأسئلة والأجوبة) مِنْهَا مَا قيل أَن قَوْله كنت فعل ماضي وَقَوله اقعد للْحَال أَو للاستقبال فَمَا وَجه الْجمع بَينهمَا أُجِيب بِأَن أقعد حِكَايَة عَن الْحَال الْمَاضِيَة فَهُوَ مَاض وَذكر بِلَفْظ الْحَال استحضار لتِلْك الصُّورَة للحاضرين وَمِنْهَا مَا قيل كَيفَ قَالَ أَمرهم بِأَرْبَع ثمَّ قَالَ أَمرهم بِالْإِيمَان أُجِيب بِأَن الْإِيمَان بِاعْتِبَار الْأَجْزَاء الْأَرْبَعَة صَحَّ إِطْلَاق الْأَرْبَع عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا قيل لم لم يذكر الْحَج وَهُوَ أَيْضا من أَرْكَان الدّين أُجِيب بأجوبة.
الأول إِنَّمَا ترك ذكره لكَونه على التَّرَاخِي وَهَذَا لَيْسَ بجيد لِأَن كَونه على التَّرَاخِي لَا يمْنَع من الْأَمر بِهِ وَفِيه خلاف بَين الْفُقَهَاء فَعِنْدَ أبي يُوسُف وُجُوبه على الْفَوْر وَهُوَ مَذْهَب مَالك أَيْضا وَمذهب أَحْمد أَنه على التَّرَاخِي وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي لِأَن فرض الْحَج كَانَ بعد الْهِجْرَة وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قَادر على الْحَج فِي سنة ثَمَان وَفِي سنة تسع وَلم يحجّ إِلَّا فِي عشر وَأجِيب بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ عَالما بإدراكه فَلذَلِك أَخّرهُ بِخِلَاف غَيره مَعَ وُرُود الْوَعيد فِي تَأْخِيره بعد الْوُجُوب.
الثَّانِي إِنَّمَا تَركه لشهرته عِنْدهم وَهَذَا أَيْضا لَيْسَ بجيد لِأَنَّهُ عِنْد غَيرهم أشهر مِنْهُ عِنْدهم.
الثَّالِث إِنَّمَا تَركه لِأَنَّهُ لم يكن لَهُم سَبِيل إِلَيْهِ من أجل كفار مُضر وَهَذَا أَيْضا لَيْسَ بجيد لِأَنَّهُ لَا يلْزم من عدم الِاسْتِطَاعَة ترك الْأَخْبَار بِهِ ليعْمَل بِهِ عِنْد الْإِمْكَان على أَن الدَّعْوَى أَنهم كَانُوا إِلَّا سَبِيل لَهُم إِلَى الْحَج بَاطِلَة لِأَن الْحَج يقه فِي الْأَشْهر الْحرم وَقد ذكرُوا أَنهم كَانُوا يأمنون فِيهَا لَكِن يُمكن أَن يُقَال إِنَّمَا أخْبرهُم بِبَعْض الْأَوَامِر لكَوْنهم سَأَلُوهُ أَن يُخْبِرهُمْ بِمَا يدْخلُونَ بِهِ الْجنَّة فاقتصر فِي المناهى عَن الانتباذ فِي الأوعية لِكَثْرَة تعاطيهم لَهَا.
الرَّابِع وَهُوَ الْمُتَعَمد عَلَيْهِ مَا أجَاب بِهِ القَاضِي عِيَاض من أَن السَّبَب فِي كَونه لم يذكر الجح لِأَنَّهُ لم يكن فرض لِأَن قدومهم كَانَ فِي سنة ثَمَان قبل فتح مَكَّة وَالْحج فرض فِي سنة تسع فَإِن قلت الْأَصَح أَن الْحَج فرض سنة سِتّ وقدومهم فِي سنة ثَمَان أَو عَام الْفَتْح كَمَا نقل عَنهُ وَقد ذَكرْنَاهُ قلت اعْتِمَاد القَاضِي على أَنه فرض فِي سنة تسع فَإِن قلت أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن الْكَبِير من طَرِيق أبي قلَابَة عَن أبي زيد الْهَرَوِيّ عَن قُرَّة فِي هَذَا الحَدِيث وَفِيه ذكر الْحَج وَلَفظه " وتحجوا الْبَيْت الْحَرَام " وَلم يتَعَرَّض لعدد قلت هَذِه رِوَايَة شَاذَّة وَقد أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَمن استخرج عَلَيْهِمَا وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة من طَرِيق قُرَّة وَلم يذكر أحد مِنْهُم الْحَج.
وَمِنْهَا مَا قيل لم عدل عَن لفظ الْمصدر الصَّرِيح فِي قَوْله " وَأَن تعطوا من الْمغنم " إِلَى مَا فِي معنى الْمصدر وَهِي أَن مَعَ الْفِعْل أُجِيب بِأَنَّهُ للإشعار بِمَعْنى التجدد الَّذِي للْفِعْل لِأَن سَائِر الْأَركان كَانَت ثَابِتَة قبل ذَلِك بِخِلَاف إِعْطَاء الْخمس فَإِن فرضيته كَانَت متجددة وَمِنْهَا مَا قيل لم خصصت الأوعية الْمَذْكُورَة بالنهى أُجِيب بِأَنَّهُ يسْرع إِلَيْهِ الاسكار فِيهَا فَرُبمَا شربه بعد إسكاره من لم يطلع عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا قيل مَا الْحِكْمَة فِي الْإِجْمَال بِالْعدَدِ قبل التَّفْسِير فِي قَوْله بِأَرْبَع وَعَن أَربع أُجِيب لأجل تشويق النَّفس إِلَى التَّفْصِيل لتسكن إِلَيْهِ ولتحصيل حفظهَا للسامع حَتَّى إِذا نسي شَيْئا من تفاصيل مَا أجمل طلبته نَفسه بِالْعدَدِ فَإِذا لم يسْتَوْف الْعدَد الَّذِي حفظه علم أَنه قد فَاتَهُ بعض مَا سمع فَافْهَم وَالله أعلم بِالصَّوَابِ