فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يستر من العورة

( بابُُ مَا يَسْتُرُ مِنَ الْعَوْرَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان ستر الْعَوْرَة، وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة، وَيجوز أَن تكون مَوْصُولَة، وَالتَّقْدِير: بابُُ فِي بَيَان الشَّيْء الَّذِي يستر، أَي: الَّذِي يجب ستره، وَكلمَة؛ من، بَيَانِيَّة فِي الْوَجْهَيْنِ، ثمَّ هَذَا أَعم من أَن يكون فِي الصَّلَاة أَو خَارِجهَا، وَقيد بَعضهم قَوْله: أَي خَارج الصَّلَاة فَكَأَنَّهُ أَخذ ذَلِك من لفظ الأحتباء الَّذِي فِي حَدِيث الْبابُُ، فَإِنَّهُ قيد النَّهْي فِيهِ بقوله: لَيْسَ على فرجه مِنْهُ شَيْء، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيص بِخَارِج الصَّلَاة، بل النَّهْي أَعم من أَن يكون فِي الصَّلَاة أَو خَارج الصَّلَاة، ثمَّ قَول هَذَا الْقَائِل: وَالظَّاهِر من تصرف المُصَنّف أَنه يرى أَن الْوَاجِب ستر السوءتين لَيْسَ بِشَيْء، لِأَن الَّذِي، يدل على ذَلِك، أَي: تصرف مِنْهُ هَهُنَا.
وَإِن كَانَ مذْهبه ذَلِك، والعورة: سوءة الْإِنْسَان وكل مَا يستحى مِنْهُ.



[ قــ :363 ... غــ :367]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قالَ حدّثنا لَ يْثٌ عنِ ابْن شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُتْبةَ عنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أنَّهُ قَالَ نَهَى رسولُ الله عنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأنْ يَحْتَبِيَ الرجلُ فِي ثَوْبٍ واحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ.
( الحَدِيث 763 أَطْرَافه فِي: 1991، 4412، 7412، 0285، 2285، 4826) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لَيْسَ على فرجه مِنْهُ شَيْء) فَإِن النَّهْي فِيهِ أَن يكون الْفرج مكشوفاً، فَهُوَ يدل على أَن ستر الْعَوْرَة وَاجِب، وَالْبابُُ فِي ستر الْعَوْرَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد ذكرُوا غير مرّة، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَأَبُو سعيد اسْمه سعيد بن مَالك.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: قَول الصَّحَابِيّ عَن نهي النَّبِي.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بلخي وبصري ومدني.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن مُحَمَّد عَن مخلد عَن ابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ، وَأخرجه فِي الْبيُوع عَن سعد بن عفير عَن اللَّيْث، وَفِي اللبَاس أَيْضا عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث، وَأخرجه أَيْضا فِي الْبيُوع عَن عَبَّاس عَن عبد الْأَعْلَى عَن معمر، وَفِي الاسْتِئْذَان عَن عَليّ بن عبد اعن سُفْيَان.
وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث، وَفِي اللبَاس عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث، وَعَن عَمْرو النَّاقِد عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع عَن أَحْمد بن صَالح وَعَن قُتَيْبَة وَأبي الطَّاهِر بن السَّرْح، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْبيُوع عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، وَعَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي، وَعَن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب، وَأخرجه فِي الزِّينَة أَيْضا عَن قُتَيْبَة بِهِ، وَأخرجه فِي الْبيُوع أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق بِهِ، وَعَن الْحُسَيْن بن حُرَيْث عَن سُفْيَان بِالنَّهْي عَن البيعتين فِيهِ، وبالنهي عَن اللبستين فِي الزِّينَة.
وَأخرجه ابْن ماجة فِي التِّجَارَات عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَسَهل بن أبي سهل الرَّازِيّ كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان.

ذكر مَعْنَاهُ.
قَوْله: ( عَن اشْتِمَال الصماء) بالصَّاد الْمُهْملَة وَالْمدّ، وَاخْتلف فِي تَفْسِيره، فَفِي ( الصِّحَاح) : هُوَ أَن يُجَلل جسده كُله بالإزار أَو بالكساء، فَيردهُ من قبل يَمِينه على يَده الْيُسْرَى.
وعاتقه الْأَيْسَر، ثمَّ يردهُ ثَانِيًا من خَلفه على يَده الْيُمْنَى وعاتقه الْأَيْمن فيغطيهما جَمِيعًا.
وَفِي ( النِّهَايَة) لِابْنِ الْأَثِير: هُوَ التجلل بِالثَّوْبِ وإرساله من غير أَن يرفع جَانِبه، وَفِي كتاب ( اللبَاس) : هُوَ أَن يَجْعَل ثَوْبه على أحد عَاتِقيهِ فيبدو أحد شقيه لَيْسَ عَلَيْهِ ثوب، وَعَن الْأَصْمَعِي: هُوَ أَن يشْتَمل بِالثَّوْبِ حَتَّى يُجَلل بِهِ جسده لَا يرفع مِنْهُ جانباً فَلَا يبْقى مَا يخرج مِنْهُ يَده، وَعَن أبي عبيد: إِن الْفُقَهَاء يَقُولُونَ: هُوَ أَن يشْتَمل بِثَوْب وَاحِد لَيْسَ عَلَيْهِ غَيره ثمَّ يرفعهُ من أحد جانبيه فيضعه على أحد مَنْكِبَيْه فيبدو مِنْهُ فرجه.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِذا قلت اشْتَمَل فلَان الصماء كَأَنَّك قلت: اشْتَمَل الشملة الَّتِي تعرف بِهَذَا الِاسْم، لِأَن الصماء ضرب من الاشتمال.
انْتهى.

قلت: تَحْقِيق هَذِه الكملة أَن الاشتمال مُضَاف إِلَى الصماء، والصماء فِي الأَصْل صفة، يُقَال: صَخْرَة صماء إِذا لم يكن فِيهَا خرق وَلَا منفذ، وَمعنى النَّهْي عَن اشْتِمَال الصماء نهي عَن اشْتِمَال الثَّوْب كاشتمال الصَّخْرَة الصماء، واشتمالها كَون عدم الْخرق والمنافذ فِيهَا، وتشبيه الاشتمال الْمنْهِي بهَا كَونه يسد المنافذ كلهَا، وَالَّذِي ذكره الْكرْمَانِي لَيْسَ تَفْسِير مَا فِي لفظ الحَدِيث على مَا لَا يخفى.
قَوْله: ( وَأَن يحتبي الرجل) أَي: وَنهي أَيْضا عَن أَن يحتبي الرجل، وَكلمَة: إِن مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير: وَعَن احتباء الرجل فِي ثوب وَاحِد، والاحتباء أَن يقْعد الْإِنْسَان على إليتيه وَينصب سَاقيه ويحتبي عَلَيْهِمَا بِثَوْب أَو نَحوه أَو بِيَدِهِ، وَاسم هَذِه الْقعدَة تسمى: الحبوة، بِضَم الْحَاء وَكسرهَا، وَكَانَ هَذَا الاحتباء عَادَة الْعَرَب فِي أَنْدِيَتهمْ ومجالسهم، وَإِن انْكَشَفَ مَعَه شَيْء من عَوْرَته فَهُوَ حرَام.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: الاحتباء هُوَ أَن يحتبي الرجل بِالثَّوْبِ وَرجلَاهُ متجافيتان عَن بَطْنه، فَيبقى هُنَاكَ، إِذا لم يكن الثَّوْب وَاسِعًا قد أسبل شَيْئا مِنْهُ على فرجه، فُرْجَة تبدو مِنْهَا عَوْرَته.
قَالَ: وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ إِذا كَانَ كاشفاً عَن فرجه.
.

     وَقَالَ  فِي مَوضِع آخر: الاحتباء أَن يجمع ظَهره وَرجلَيْهِ بِثَوْب.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ وَهُوَ حكمان: الأول: اشْتِمَال الصماء، وَقد نهى عَنهُ رَسُول ا، قَالُوا: على تَفْسِير أهل اللُّغَة: اشْتِمَال الصماء إِنَّمَا يكره لِئَلَّا تعرض لَهُ حَاجَة من دفع بعض الْهَوَام وَنَحْوهَا أَو غير ذَلِك، فيعسر أَو يتَعَذَّر عَلَيْهِ إِخْرَاج يَده، فيلحقه الضَّرَر.
وعَلى تَفْسِير الْفُقَهَاء: يحرم الاشتمال الْمَذْكُور إِن انْكَشَفَ بِهِ بعض الْعَوْرَة، وَإِلَّا فَيكْرَه.
وَالثَّانِي: النَّهْي عَن الاحتباء الَّذِي فِيهِ كشف الْعَوْرَة، وَهُوَ حرَام مُطلقًا، سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو خَارِجهَا.





[ قــ :364 ... غــ :368]
- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بن عُقْبَةَ قالَ حدّثنا سُفْيَانُ عنْ أبي الزّنَادِ عنِ الأَعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ نَهَى النبيُّ عنْ بَيْعَتَيْنِ عَن اللّمَاسِ والنّبَاذِ وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ وأنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحدٍ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: قبيصَة، بِفَتْح الْقَاف: بن عقبَة، بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف.
الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ.
الثَّالِث: أَبُو الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي وبالنون: عبد ابْن ذكْوَان.
الرَّابِع: عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل بالحكاية.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وَأَبُو الزِّنَاد راوية الْأَعْرَج، وَعَن البُخَارِيّ أصح الْأَسَانِيد كلهَا: مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَأَصَح أَسَانِيد أبي هُرَيْرَة: أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومدني.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع: هُنَا عَن قبيصَة، وَفِي الصَّلَاة عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة وَعَن مُحَمَّد عَن عَبدة بن سُلَيْمَان، وَفِي اللبَاس عَن مُحَمَّد بن بشار عَن عبد الرَّحْمَن الثَّقَفِيّ، ثَلَاثَتهمْ عَن عبيد ابْن عمر عَن حبيب بن عبد الرَّحْمَن عَن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب عَن أبي هُرَيْرَة.
وَأخرجه مُسلم بِهَذَا الطَّرِيق عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عبد ابْن نمير وَأبي أُسَامَة، وَعَن مُحَمَّد بن عبد ابْن نمير عَن أَبِيه، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، ثَلَاثَتهمْ عَن عبيد ابْن عمر، وَأخرجه أَيْضا فِي الْبيُوع عَن أبي كريب وَابْن أبي عمر، كِلَاهُمَا عَن وَكِيع عَن سُفْيَان بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أبي كريب ومحمود بن غيلَان.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِيهِ من طَرِيق حَفْص بن عَاصِم.
وَأخرجه ابْن ماجة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ مُنْقَطِعًا فِي الصَّلَاة وَفِي التِّجَارَات وَفِي اللبَاس.

ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: ( عَن بيعَتَيْنِ) تَثْنِيَة: بيعَة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسرهَا، وَالْفرق بَينهمَا أَن؛ الفعلة، بِالْفَتْح، للمرة وبالكسر للحالة والهيئة.
قَوْله: ( عَن اللماس) بِكَسْر اللَّام، وَهُوَ مصدر من: لامس، من بابُُ: فَاعل.
وَقد علم أَن مصدره يَأْتِي على: مفاعلة، مثل: ملامسة.
وعَلى: فعال، مثل: لماس.
وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي ( النباذ) ، بِكَسْر النُّون وبالذال الْمُعْجَمَة، يَأْتِي من بابُُه: فعال، مثل: نباذ، و: مفاعلة، مثل: منابذة.
وَفسّر: اللماس، فِي كتاب البيع بِأَنَّهُ لمس الثَّوْب بِلَا نظر إِلَيْهِ، والنباذ: بِأَن الرجل يطْرَح ثَوْبه بِالْبيعِ قبل أَن يقلبه أَو ينظر إِلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: إِن لِأَصْحَابِنَا فِي الْمُلَامسَة تأويلات.
أَحدهَا: أَن يَأْتِي بِثَوْب مطوي أَو فِي ظلمَة، فيلمسه المستام، فَيَقُول صَاحبه: بعتكه بِكَذَا بِشَرْط أَن يقوم لمسك مقَام نظرك، وَلَا خِيَار لَك إِذا رَأَيْته.
الثَّانِي: أَن يجعلا نفس اللَّمْس بيعا، فَيَقُول إِذا لمسته فَهُوَ مَبِيع لَك.
الثَّالِث: أَن يَبِيعهُ شَيْئا على أَنه مَتى لمسه انْقَطع خِيَار الْمجْلس.
وَفِي الْمُنَابذَة أَيْضا ثَلَاثَة أوجه، أَن يَجْعَل نفس.
النبذ بيعا، وَأَن يَقُول: إِذا نَبَذته إِلَيْك انْقَطع الْخِيَار.
وَإِن يُرَاد بِهِ نبذ الْحَصَا، وَله أَيْضا تأويلات أَن يَقُول: بِعْتُك من هَذِه الأثواب مَا وَقعت عَلَيْهِ الْحَصَاة الَّتِي أرميها، وَأَن يَقُول: لَك الْخِيَار إِلَى أَن أرمي بِهَذِهِ الْحَصَاة، وَأَن يجعلا نفس الرَّمْي بالحصاة بيعا، فَيَقُول: إِذْ رميت هَذَا الثَّوْب بالحصاة فَهُوَ مَبِيع بِكَذَا.
.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: الْمُلَامسَة والمنابذة وإلقاء الْحجر كَانَت بيوعاً فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ الرّجلَانِ يتساومان الْمَبِيع، وَإِذا ألْقى المُشْتَرِي عَلَيْهِ حَصَاة، أَو نبذه البَائِع إِلَى المُشْتَرِي، أَو لمسه المُشْتَرِي: لزم البيع، وَقد نهى الشَّارِع عَن ذَلِك.
قَوْله: ( وَأَن يشْتَمل) عطف على قَوْله: ( عَن بيعَتَيْنِ) أَي: وَنهى أَيْضا أَن يشْتَمل.
و: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي؛ وَعَن اشْتِمَال الصماء، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي: ( أَن يحتبي) وتفسيرهما قد مر، وَالْمُطلق فِي الاحتباء هُنَا مَحْمُول على الْمُقَيد فِي الحَدِيث الَّذِي قبله.





[ قــ :365 ... غــ :369]
- حَدَّثَنَا إسْحَاقُ قالَ حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ قالَ حدّثنا ابنُ أخِي ابنِ شِهابٍ عنْ عَمِّهِ قَالَ أخبرَني حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قالَ بَعَثَني أبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الحجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ نُؤَذِّنُ بِمنىً أَلاَّ يُحُجَّ بَعْدَ العامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفُ بالْبَيْتِ عُرْيانٌ قالَ حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ أرْدَفَ رسولُ اللَّهِ عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَن يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةٌ.
قالَ أبُو هُرَيْرَةَ فأذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أهْلِ مِنىً يَوْمَ النَّحْرِ لاَ يَحُج بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفُ بِالبَيْتِ عُرْيانٌ.
(الحَدِيث 963 أَطْرَافه فِي: 61، 7713، 3634، 5564، 6564، 7564) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان) .
فَإِن منع الطّواف عَارِيا يدل على وجوب ستر الْعَوْرَة، وَقد تقدم الْكَلَام فِي هَذَا الْجُزْء من هَذَا الحَدِيث فِي بابُُ وجوب الصَّلَاة فِي الثِّيَاب.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة.
الأول: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين إِسْحَاق مُجَردا غير مَنْسُوب، فَلذَلِك تردد فِيهِ الْحفاظ، فَمنهمْ من قَالَ: إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَمِنْهُم من قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمَشْهُور بِابْن رَاهَوَيْه، لِأَن كلاَ مِنْهُمَا يروي عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، وَالنُّسْخَة الَّتِي فِيهَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هِيَ الْأَصَح.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَوْله: إِسْحَاق، أَي ابْن إِبْرَاهِيم الْمَشْهُور بِابْن رَاهَوَيْه فِي آخر بابُُ فضل من علم.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَوَقع فِي نُسْخَتي من طَرِيق أبي ذَر: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، فَتعين أَنه ابْن رَاهَوَيْه، إِذْ لم يرو البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل واسْمه إِبْرَاهِيم شَيْئا قلت: وُقُوع إِسْحَاق مَنْسُوبا فِي نسخته إِنَّمَا علم أَنه ابْن رَاهَوَيْه من جِهَة أبي ذَر لَا من جِهَة نسخته، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: أَولا وردده الْحفاظ بَين ابْن مَنْصُور وَبَين ابْن رَاهَوَيْه، فَكيف يُعلل بعد هَذَا بقوله: إِذْ لم يرو البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل؟ الثَّانِي: يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد، سبط عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
الثَّالِث: ابْن أخي بن شهَاب، هُوَ: مُحَمَّد بن عبد اابن أخي الزُّهْرِيّ، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب.
الرَّابِع: عَمه، وَهُوَ الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: حميد، بِضَم الْحَاء؛ ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي اتعالى عَنهُ.
السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد.
وَفِيه: أَرْبَعَة زهريون، وهم: يَعْقُوب إِلَى أبي هُرَيْرَة.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِزْيَة عَن أبي الْيَمَان، وَفِي الْمَغَازِي عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي، وَفِي الْحَج عَن يحيى بن بكير، وَفِي التَّفْسِير عَن سعيد بن عفير وَعَن عبد ابْن يُوسُف، وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن صَالح بن كيسَان.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن هَارُون بن سعيد، وَعَن حَرْمَلَة بن يحيى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن يحيى بن فَارس.
وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي.

ذكر مَعَانِيه قَوْله: (فِي تِلْكَ الْحجَّة) ، أَي الَّتِي أمَّر رَسُول الله الصّديق على الْحَاج، وَهِي قبل حجَّة الْوَدَاع بِسنة، وَهِي السّنة التَّاسِعَة كَمَا ذكر فِي (الْمَغَازِي) .
قَوْله: (فِي مؤذنين) أَي: فِي رَهْط يُؤذنُونَ فِي النَّاس يَوْم النَّحْر، كَأَنَّهُ مقتبس مِمَّا قَالَ اتعالى: { وأذان من اورسوله إِلَى النَّاس يَوْم الْحَج الْأَكْبَر} (التَّوْبَة: 3) وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد، يَوْم الْحَج الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر، وَالْحج الْأَكْبَر: قلت: الْحَج الْأَصْغَر الْعمرَة.
قَوْله: (أَلاَّ يحجّ) ، أَصله: أَن لَا يحجّ، فادغمت النُّون فِي: لَا، فَصَارَ: ألاَّ، بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد اللَّام وَهَذِه رِوَايَة الْأَكْثَرين.
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (أَلا لَا يحجّ) ، بأداة الاستفتاح قبل حرف النَّفْي.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: بِحرف النَّهْي، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ حرف النَّفْي.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هَل يكون ذَلِك الْعَام دَاخِلا فِي ذَلِك الحكم أم لَا؟ قلت: الظَّاهِر أَن المُرَاد بعد خُرُوج هَذَا الْعَام لَا بعد دُخُوله.
يَنْبَغِي أَن يدْخل هَذَا الْعَام أَيْضا بِالنّظرِ إِلَى التَّعْلِيل.

قَوْله: (قَالَ حميد بن عبد الرَّحْمَن ثمَّ أرْدف رَسُول ا) هَذَا مُرْسل من قبيل مَرَاسِيل التَّابِعين، لِأَن حميدا لَيْسَ بصحابي حَتَّى يُقَال: إِنَّه شَاهده بِنَفسِهِ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَلَفظ: قَالَ حميد،.

     وَقَالَ  أَبُو هُرَيْرَة، يحْتَمل أَن يكون كل مِنْهُمَا تَعْلِيقا من البُخَارِيّ، وَأَن يَكُونَا داخلين تَحت الْإِسْنَاد لَكِن ظَاهر أَن مَسْأَلَة الإرداف لم يسندها حميد، وَفِي (التَّوْضِيح) : وَقَول حميد: ثمَّ أرْدف رَسُول ا ... إِلَى آخِره، يحْتَمل أَن يكون تَلقاهُ من أبي هُرَيْرَة وَأَن يكون الزُّهْرِيّ رَوَاهُ عَنهُ مَوْصُولا عِنْد البُخَارِيّ، قلت: الْوَجْه هُوَ الَّذِي ذكرته، كَمَا نَص عَلَيْهِ الْمزي وَغَيره.
قَوْله: (ثمَّ أرْدف رَسُول الله عليا) أَي: ثمَّ أرسل رَسُول الله عَليّ بن طَالب وَرَاء أبي بكر، فَأمره أَن يُؤذن بِبَرَاءَة.
قَالَ ابْن عبد الْبر: أَمر رَسُول ا، أَبَا بكر بِالْخرُوجِ إِلَى الْحَج وإقامته للنَّاس، فَخرج أَبُو بكر وَنزل صدر بَرَاءَة بعده، فَقيل: يَا رَسُول الو بعثت بهَا إِلَى أبي بكر يقْرؤهَا على النَّاس فِي الْمَوْسِم؟ فَقَالَ: إِنَّه لَا يُؤَدِّيهَا عني إلاَّ رجل من أهل بَيْتِي، ثمَّ دَعَا عليا فَقَالَ: أخرج بِهَذِهِ الْقِصَّة من صدر بَرَاءَة، وَأذن بهَا فِي النَّاس يَوْم النَّحْر إِذا اجْتَمعُوا فِي منى، فَخرج على نَاقَة رَسُول ا، العضباء، حَتَّى أدْرك أَبَا بكر الصّديق فَقيل: بِذِي الْخَلِيفَة، وَقيل: بالعرج فوصل بِالسحرِ، فَسمع أَبَا بكر رُغَاء نَاقَة رَسُول الله فَإِذا عَليّ، فَقَالَ أَبُو بكر: استعملك رَسُول الله على الْحَج؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن بَعَثَنِي أَن أَقرَأ بَرَاءَة على النَّاس.
فَقَالَ أَبُو بكر: أَمِير أَو مَأْمُور؟ فَقَالَ: بل مَأْمُور.
.

     وَقَالَ : لَا يذهب بهَا إلاَّ رجل من أهل بَيْتِي) .
وَفِي لفظ: (فَرجع أَبُو بكر، فَقَالَ: يَا رَسُول انْزِلْ فِي شَيْء؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، جَاءَنِي فَقَالَ: لن يُؤَدِّي عَنْك إلاَّ أَنْت أَو رجل مِنْك) .
فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي إِعْطَاء عَليّ بَرَاءَة؟ قلت: لِأَن بَرَاءَة تضمن نقض الْعَهْد، وَكَانَت سيرة الْعَرَب أَن لَا يحل العقد إلاَّ الَّذِي عقده أَو رجل من أهل بَيته، فَأَرَادَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَن يقطع أَلْسِنَة الْعَرَب بالجحد، وَأرْسل ابْن عَمه الْهَاشِمِي، حَتَّى لَا يبْقى لَهُم مُتَكَلم.
وَقيل: إِن فِي سُورَة بَرَاءَة ذكر الصّديق يَعْنِي قَوْله تَعَالَى: { ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار} (التَّوْبَة: 04) فَأَرَادَ أَن غَيره يقْرؤهَا فَإِن قلت: عَليّ كَانَ مَأْمُورا بِالتَّأْذِينِ بِبَرَاءَة، فيكف قَالَ؛ فَأذن مَعْنَاهُ بِأَنَّهُ لَا يحجّ؟ قلت: إِمَّا لِأَن ذَلِك دَاخل فِي سُورَة بَرَاءَة، وَإِمَّا أَن مَعْنَاهُ أَنه أذن فِيهِ أَيْضا مَعْنَاهُ بعد تأذينه بِبَرَاءَة.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ هُوَ أَنه أبطل مَا كَانَت الْجَاهِلِيَّة عَلَيْهِ من الطّواف عُرَاة، وَاسْتدلَّ بِهِ على أَن ستر الْعَوْرَة وَاجِب، وَهُوَ الْمُوَافق لترجمة الْبابُُ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَاسْتدلَّ بِهِ على أَن الطّواف يشْتَرط لَهُ ستر الْعَوْرَة.
قلت: إِذا طَاف الْحَج عُريَانا فَلَا يعْتد بِهِ عِنْدهم، وَعِنْدنَا يعْتد، وَلَكِن يكره.