فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إثم من لا يفي بالنذر

( بابُُ إثْمِ مَنْ لَا يَفِي بالنَّذْرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان إِثْم من لَا يَفِي بنذره، وَفِي رِوَايَة غير أبي ذَر: بابُُ من لَا يَفِي بِالنذرِ، بِدُونِ لفظ: إِثْم.



[ قــ :6345 ... غــ :6695 ]
- حدّثنا مُسَدَّدٌ عنْ يَحْيَاى عنْ شُعبةَ قَالَ: حَدثنِي أبُو جَمْرَةَ حَدثنَا زَهْدَمُ بنُ مُضَرِّبِ قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ) .
قَالَ عِمْرانُ: لَا أدْرِي ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا بَعْدَ قَرْنِهِ ( ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَنْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ، ويَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، ويَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، ويَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( ينذرون وَلَا يفون) وَيحيى هُوَ الْقطَّان، ويروى عَن يحيى بن سعيد بنسبته إِلَى أَبِيه، وَأَبُو جَمْرَة بِالْجِيم وبالراء واسْمه نصر بن عمرَان، وزهدم بِفَتْح الزَّاي وَالدَّال بَينهمَا هَاء سَاكِنة ابْن مضرب على صِيغَة اسْم الْفَاعِل وَاسم الْمَفْعُول أَيْضا من التضريب بالضاد الْمُعْجَمَة.

والْحَدِيث مضى فِي الشَّهَادَات وَفِي فَضَائِل الصَّحَابَة وَفِي كتاب الرقَاق فِي: بابُُ مَا يحذر من زِينَة الدُّنْيَا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن أبي جَمْرَة عَن زَهْدَم عَن عمرَان ابْن حُصَيْن.

قَوْله: ( قَرْني) أَي: أهل قَرْني الَّذين أَنا فيهم، وهم الصَّحَابَة.
قَوْله: ( ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ) أَي: ثمَّ قرن الَّذين يلون قَرْني وهم التابعون.
قَوْله: ( ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ) وهم أَتبَاع التَّابِعين.
قَوْله: ( ينذرون) بِكَسْر الذَّال وَضمّهَا.
قَوْله: ( وَلَا يفون) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَلَا يُوفونَ، وَأَصله.
يوفيون، لِأَنَّهُ من أوفي إِيفَاء استثقلت الضمة على الْيَاء فنقلت إِلَى مَا قبلهَا فَاجْتمع ساكنان وهم الْيَاء وَالْوَاو فحذفت الْيَاء فَصَارَ: يُوفونَ، على وزن يفعون وَلم تحدف الْوَاو لِأَنَّهَا عَلامَة الْجمع، وَكَذَا الْكَلَام فِي: لَا يفون.
قَوْله: ( ويخونون) أَي خِيَانَة ظَاهِرَة حَتَّى لَا يؤتمنون أَي: لَا يعتقدونهم أُمَنَاء.
قَوْله: ( وَيشْهدُونَ) أَي: يتحملون الشَّهَادَة بِدُونِ التحميل، أَو يؤدونها بِدُونِ الطّلب، وَشَهَادَة الْحِسْبَة فِي التَّحَمُّل خَارِجَة عَنهُ بِدَلِيل آخر.
قَوْله: ( وَيظْهر فيهم السّمن) بِكَسْر السِّين وَفتح الْمِيم أَي: يتكثرون بِمَا لَيْسَ فيهم من الشّرف، أَو يجمعُونَ الْأَمْوَال أَو يغفلون عَن أَمر الدّين، لِأَن الْغَالِب على السمين أَن لَا يهتم بالرياضة، وَالظَّاهِر أَنه حَقِيقَة فِي مَعْنَاهُ لَكِن إِذا كَانَ مكتسباً لَا خلقياً، وَيُقَال معنى: ( وَيظْهر فيهم السّمن) أَنه كِنَايَة عَن رغبتهم فِي الدُّنْيَا وإيثارهم شهواتها على الْآخِرَة وَمَا أعد الله فِيهَا لأوليائه من الشَّهَوَات الَّتِي لَا تنفد وَالنَّعِيم الَّذِي لَا يبيد يَأْكُلُون فِي الدُّنْيَا كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام وَلَا يقتدون بِمن كَانَ قبلهم من السّلف الَّذين كَانَت همتهم من الدُّنْيَا فِي أَخذ الْقُوت وَالْبُلغَة وَتَأْخِير شهواتهم إِلَى الْآخِرَة.