فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب

( بابُُ ضَرْبِ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ والوَلِيمَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان إِبَاحَة ضرف الدُّف فِي النِّكَاح، والأفصح فِي الدُّف ضم ادال وَقد تفتح، وَهُوَ الَّذِي بِوَجْه وَاحِد، وَقد اخْتلف فِي الضَّرْب بِالْوَجْهِ من الْوَجْهَيْنِ.
قَوْله: ( والوليمة) أَي: ضرب الدُّف فِي الْوَلِيمَة، وَهُوَ من عطف الْعَام على الْخَاص، قيل: يحْتَمل أَن يُرِيد وَلِيمَة النِّكَاح خَاصَّة، وَأَن ضرب الدُّف يشرع فِي النِّكَاح عِنْد العقد وَعند الخول مثلاٍ وَعند الْوَلِيمَة كَذَلِك، وَالْأول أقرب.



[ قــ :4869 ... غــ :5147 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ حَدثنَا خالِدُ بنُ ذَكْوانَ قَالَ: قالَتِ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ بنِ غَفْرَاءَ: جاءَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَدَخَلَ حِينَ بُنْيَ علَيَّ، فَجَلسَ علَى فِرَاشِس كمَجْلَسِكَ مِنِّي، فَجَعَلتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنا يَضْرِبْنَ بالدُّفِّ ويَنْذُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبائِي يَوْمَ بَدْرٍ إذْ قالَتْ إحْدَاهُنَّ: وَفينَا نَبيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ: دَعي هاذِهِ وقُولِي بالَّذِي كُنْتِ نَقُولِينَ.

( انْظُر الحَدِيث 1004) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَبشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن الْمفضل من التَّفْضِيل على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول ابْن لَاحق الْبَصْرِيّ، وخَالِد بن ذكْوَان أَبُو الْحسن الْمدنِي، وَالربيع، بِضَم الرَّاء، مصغر الرّبيع.
ضد الخريف: بنت معوذ بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من التعويذ بِالْعينِ الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة، والعفراء مؤنث الأعفر بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالْفَاء وَالرَّاء من العفرة، وَهُوَ بَيَاض لَيْسَ بالناصع.

والْحَدِيث قد مر فِي الْمَغَازِي فِي بابُُ مُجَرّد بعد: بابُُ شهودالملائكة بَدْرًا، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ عَن بشر بن الْمفضل إِلَى آخِره.

قَوْله: ( حِين بني عَليّ) أَرَادَت بِهِ لَيْلَة دخل عَلَيْهَا زَوجهَا وَبني، على صِيغَة الْمَجْهُول: وعليَّ بتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: ( كمجلسك) بِفَتْح اللَّام مصدر ميمي أَي: كجلوسك، ويروي بِكَسْر اللَّام.
قَوْله: ( يندبن) بِضَم الدَّال من النّدب وَهُوَ تعديد محَاسِن الْمَيِّت والبكاء عَلَيْهِ.
قَوْله: ( من آبَائِي) وَفِي رِوَايَة مرت فِي الْمَغَازِي: وَفِي آبائهن.
قَوْله: ( إِذْ قَالَت إِحْدَاهُنَّ) أَي: إِحْدَى الجويريات، وَهُوَ جمع جوَيْرِية مصغر جَارِيَة.
قَوْله: ( قَالَ: دعِي) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتِلْك الْجَارِيَة الَّتِي قَالَت: وَفينَا نَبِي يعلم ام فِي غَد، دعِي أَي: اتركي هَذَا القَوْل، لِأَن مفاتح الْغَيْب عِنْد الله لَا يعلمهَا إلاَّ هُوَ.
قَوْله: ( وَقَوْلِي بِالَّذِي كنت تَقُولِينَ) يَعْنِي: اشتغلي بالأشعار الَّتِي تتَعَلَّق بالمغازي والشجاعة وَنَحْوهَا.

وَفِي الحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا: تشريف الرّبيع بِدُخُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهَا وجلوسه أمامها حَيْثُ يجلس الرَّأْس،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ صَحَّ هَذَا؟ قلت: أما أَنه جلس من وَرَاء الْحجاب أَو كَانَ قبل نزُول آيَة الْحجاب أَو جَازَ النّظر لحَاجَة أَو عِنْد الْأَمْن من الْفِتْنَة، وَاسْتحْسن بَعضهم الْجَواب الْأَخير قلت: كل هَذَا دوران لطلب شَيْء لَا يظفر بِهِ، وَالْجَوَاب الصَّحِيح أَن من خَصَائِص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَوَاز الْخلْوَة بالأجنبية وَالنَّظَر إِلَيْهَا كَمَا ذكرنَا فِي قصَّة أم حرَام بنت ملْحَان.
فِي دُخُوله عَلَيْهَا، ونومه عِنْدهَا وتفليها رَأسه وَلم يكن بَينهمَا محرمية وَلَا زوجية.
وَمِنْهَا: الضَّرْب بالدف فِي الْعرس بِحَضْرَة شَارِع الْملَّة ومبين الْحل من الْحُرْمَة وإعلان النِّكَاح بالدف والغناء الْمُبَاح، فرقا بَينه وَبَين مَا يسْتَتر بِهِ من السفاح.
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع حَدثنَا هشيم حَدثنَا أَبُو بلج عَن مُحَمَّد بن حَاطِب الجُمَحِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فصل مَا بَين الْحَلَال وَالْحرَام الدُّف وَالصَّوْت،.

     وَقَالَ : حَدِيث حسن وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم،.

     وَقَالَ  ابْن طَاهِر: ألزم الدَّارَقُطْنِيّ مُسلما إِخْرَاجه: قَالَ وَهُوَ صَحِيح،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ وَأَبُو بلج: اسْمه يحيى بن أبي سليم وَيُقَال: ابْن سليم أَيْضا.
وَمُحَمّد بن حَاطِب قد رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ غُلَام صَغِير.
قلت: هَذَا أخرجه النَّسَائِيّ عَن مُجَاهِد بن مُوسَى، وَابْن مَاجَه عَن عَمْرو بن رَافع كِلَاهُمَا عَن هشيم وَأَبُو بلج هَذَا بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون اللَّام وبالجيم،.

     وَقَالَ  شيحنا زين الدّين: وَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَمُحَمّد بن سعد وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَأما البُخَارِيّ فَقَالَ: فِيهِ نظر،.

     وَقَالَ  شَيخنَا: أَبُو بلج هَذَا هُوَ الْكَبِير، وَأما أَبُو بلج الصَّغِير فاسمه جَارِيَة بن بلج الوَاسِطِيّ، وَذكر ابْن مَاكُولَا ثَالِثا وَهُوَ: أَبُو بلج مولى عُثْمَان بن عَفَّان، رُوِيَ عَن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَرُوِيَ التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: أعْلنُوا هَذَا النِّكَاح واجعلوه فِي الْمَسَاجِد واضربوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ،.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَأخرجه ابْن مَاجَه وَلَيْسَ فِي لَفظه: واجعلوه فِي الْمَسَاجِد،.

     وَقَالَ : واضربوا عَلَيْهِ بالغربال، وَرُوِيَ النَّسَائِيّ من حَدِيث عَامر بن سعد عَن قرظة بن كَعْب وَأبي مَسْعُود، قَالَا: رخص لنا فِي اللَّهْو عِنْد الْعرس، وَرُوِيَ الطَّبَرَانِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد: لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جواري يغنين وَيَقُلْنَ: حيونا نحييكم، قَالَ: لَا تَقولُوا هَكَذَا، وَلَكِن قُولُوا: حيانا وحياكم، فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله ترخص للنَّاس فِي هَذَا { قَالَ: نعم} إِنَّه نِكَاح لَا سفاح.
وَرُوِيَ ابْن مَاجَه من حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا أنكحت ذَات قربَة لَهَا من الْأَنْصَار، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أهديتم الفتاة؟ قَالُوا: نعم قَالَ: أرسلتم مَعهَا من يُغني؟ قَالَت: قلت: لَا فَقَالَ: إِن الْأَنْصَار قوم فيهم غزل، فَلَو بعثتم مَعهَا من يَقُول: أَتَيْنَاكُم أَتَيْنَاكُم فحيانا وحياكم هَذَا حَدِيث ضَعِيف،.

     وَقَالَ  أَحْمد: حَدِيث مُنكر، وَمِنْهَا: إقبال الإِمَام والعالم إِلَى الْعرس، وَإِن كَانَ لَهو وَلعب مُبَاح فَإِنَّهُ يُورث الألفة والانشراح، وَلَيْسَ الِامْتِنَاع من ذَلِك من الْحيَاء الممدوح، بل فعله هُوَ الممدوح الْمَشْرُوع.
وَمِنْهَا: جَوَاز مدح الرجل فِي وَجهه بِمَا فِيهِ، وَالْمَكْرُوه من ذَلِك مدحه بِمَا لَيْسَ فِيهِ.