فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} [البقرة: 221]

(بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن وَلأمة مؤمونة خير من مُشركَة وَلَو أَعجبتكُم} )

قَالَ: فحجز النَّاس عَنْهُن حَتَّى نزلت الْآيَة الَّتِي بعْدهَا:؛ وَالْمُحصنَات الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَول الله تَعَالَى: { وَلَا تنْكِحُوا المشركات} وَهَذَا الْمِقْدَار فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة إِلَى قَوْله: { وَلَو أَعجبتكُم} وَإِنَّمَا ذكر هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة تَوْطِئَة للأحاديث الَّتِي ذكرهَا فِي هَذَا الْبابُُ وَفِي الْبابَُُيْنِ اللَّذين بعده، وَإِنَّمَا لم يُنَبه على الْمَقْصُود من إيرادها للِاخْتِلَاف الْقَائِم فِيهَا، وَقد أَخذ ابْن عمر بِعُمُوم قَوْله تَعَالَى: { وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} حَتَّى كره نِكَاح أهل الْكتاب، وَأَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيّ بإيراد حَدِيثه فِي هَذَا الْبابُُ: وَعَن ابْن عَبَّاس: أَن الله تَعَالَى اسْتثْنى من ذَلِك نسَاء أهل الْكتاب فخصت هَذِه الْآيَة بِالْآيَةِ الَّتِي فِي الْمَائِدَة، وَهِي قَوْله عز وَجل: { وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} (الْمَائِدَة: 5) وروى ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة: { وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} (الْبَقَرَة: 122) فنكح النَّاس نسَاء أهل الْكتاب، ونكح جمَاعَة من الصَّحَابَة نسَاء نصرانيات، وَلم يرَوا بذلك بَأْسا،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: وَبِه جَاءَت الْآثَار، وَعَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأهل الْعلم بعدهمْ: أَن نِكَاح الكتابيات حَلَال، وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري والكوفيون وَالشَّافِعِيّ وَعَامة الْعلمَاء،.

     وَقَالَ  غَيره: وَلَا يرْوى خلاف ذَلِك إلاَّ عَن ابْن عمر، فَإِنَّهُ شَذَّ عَن جمَاعَة الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَلم يجز نِكَاح الْيَهُودِيَّة والنصرانية وَخَالف ظَاهر قَوْله وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب وَلم يلْتَفت أحد من الْعلمَاء إِلَى قَوْله: (وَقد تزوج) عُثْمَان بن عَفَّان نائلة بنت الفرافضة الْكَلْبِيَّة، وَهِي نَصْرَانِيَّة تزَوجهَا على نِسَائِهِ، وَتزَوج طَلْحَة بن عبيد الله يَهُودِيَّة، وَتزَوج حُذَيْفَة يَهُودِيَّة وَعِنْده حرتان مسلمتان، وَعنهُ إِبَاحَة نِكَاح الْمَجُوسِيَّة، وَتَأَول قَوْله تَعَالَى: { وَلأمة مُؤمنَة خير من مُشركَة} (الْبَقَرَة: 122) على أَن هَذَا لَيْسَ بِلَفْظ التَّحْرِيم، وَقيل: بني على أَن لَهُم كتابا.
فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن إِدْرِيس عَن الصَّلْت عَن شَقِيق بن سَلمَة، قَالَ: تزوج حُذَيْفَة يَهُودِيَّة، وَمن طَرِيق أُخْرَى: وَعِنْده عربيتان، فَكتب إِلَيْهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَنه خل سَبِيلهَا.
قلت: أرسل حُذَيْفَة إِلَيْهِ: أحرام هِيَ؟ فَكتب إِلَيْهِ عمر: لَا، وَلَكِن أَخَاف أَن يتواقع الْمُؤْمِنَات مِنْهُنَّ؟ يَعْنِي الزواني مِنْهُنَّ،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: والمسلمون الْيَوْم على الرُّخْصَة فِي نسَاء أهل الْكتاب، ويرون أَن التَّحْلِيل نَاسخ للتَّحْرِيم، قلت: فَدلَّ هَذَا على أَن قَوْله تَعَالَى: { وَلَا تنْكِحُوا المشركات} (الْبَقَرَة: 122) مَنْسُوخ بقوله تَعَالَى: { وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب} (الْمَائِدَة: 5) وروى أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: إِن آيَة الْبَقَرَة مَنْسُوخَة بِآيَة الْمَائِدَة، وَقيل: المُرَاد بقوله: { وَلَا تنْكِحُوا المشركات} (الْبَقَرَة: 122) يَعْنِي من عَبدة الْأَوْثَان.
.

     وَقَالَ  ابْن كثير فِي (تَفْسِيره) { وَالْمُحصنَات من الْمُؤْمِنَات} (الْمَائِدَة: 5) قيل: الْحَرَائِر دون الْإِمَاء؟ وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بالمحصنات العفائف عَن الزِّنَا، كَمَا قَالَ فِي آيَة أُخْرَى: { محصنات غير مسافحات وَلَا متخذات أخدان} (النِّسَاء: 52) ثمَّ اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ أَنه: هَل يعم كل كِتَابِيَّة عفيفة سَوَاء كَانَت حرَّة أَو أمة؟ فَقيل: الْحَرَائِر العفيفات، وَقيل: المُرَاد بِأَهْل الْكتاب هَهُنَا الْإسْرَائِيلِيات، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، وَقيل: المُرَاد بذلك الذميات دون الحربيات، وَالله أعلم.



[ قــ :5000 ... غــ :5285 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا لَ يْثٌ عنْ نافِعٍ أنَّ ابنَ عمَرَ كانَ إذَا سئِلَ عنْ نِكاحِ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيّةِ قَالَ: إنَّ الله حَرَّمَ المُشْرِكاتِ على المُؤْمِنِينَ، وَلَا أعْلَمُ مِنَ الإشْرَاكِ شَيْئاً أكْبَرَ مِنْ أنْ تَقُولَ المَرْأَةُ: رَبُّها عِيسَى، وهْوَ عبدٌ مِنْ عِبادِ الله.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن ابْن عمر قد عمل بِعُمُوم الْآيَة الَّتِي هِيَ التَّرْجَمَة وَلم يرهَا مَخْصُوصَة وَلَا مَنْسُوخَة.

وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: (أكبر) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وبالمثلثة، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى مَا قَالَت النَّصَارَى: الْمَسِيح ابْن الله، وَالْيَهُود قَالُوا: عُزَيْر ابْن الله قَوْله: (وَهُوَ) أَي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام عبد من عباد الله.