فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله} [يوسف: 51] "

(بابُُ قَوْلِهِ: { فَلمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْألْهُ مَا بالُ النِّسْوَةِ الَّلاتِي قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ إنَّ بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ قَالَ مَا خطْبُكُنَّ إذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ} (يُوسُف: 50 51)
(
أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُول} إِلَى آخِره، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بابُُ، والترجمة بِطُولِهَا عِنْد غير أبي ذَر وَعِنْده إِلَى قَوْله: (رَبك) .
قَوْله: (فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُول) أَي: فَلَمَّا جَاءَ يُوسُف رَسُول الْملك،.

     وَقَالَ : أجب الْملك فَأبى أَن يخرج مَعَه حَتَّى يظْهر عذره وبراءته عِنْد الْملك وَيعرف صِحَة أمره من قبل النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ، وقصته مَشْهُورَة قَوْله: (إِن رَبِّي بكيدهن عليم) أَي: إِن الله تَعَالَى عَالم بكيد النِّسَاء، وَقيل: إِن سَيِّدي الْملك قطفير عَالم بِمَا فتنتني بِهِ الْمَرْأَة.
قَوْله: (مَا خطبكن) فِيهِ حذف تَقْدِيره، فَرجع الرَّسُول إِلَى الْملك من عِنْد يُوسُف برسالته فَدَعَا الْملك النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ وَامْرَأَة الْعَزِيز، فَقَالَ لَهُنَّ: (مَا خطبكن) أَي: مَا شأنكن وأمركن، (إذراودتن يُوسُف) فأجبنه بقلن: (حاش لله) أَي: معَاذ الله (مَا علمنَا عَلَيْهِ من سوء) أَي: من فَاحِشَة وَبَقِيَّة الْقِصَّة مَشْهُورَة.

وحاشَ وحاشَى تَنْزِيهٌ واسْتِثْناءٌ
إعلم إِن: حاش على ثَلَاثَة أوجه (أَحدهَا) أَن تكون فعلا مُتَعَدِّيا متصرفا، تَقول: حَاشِيَته بِمَعْنى استثنيته (وَالثَّانِي) أَن تكون للتنزيه، نَحْو: حاش لله وَهِي عِنْد الْمبرد وَابْن جنى والكوفيين فعل لتصرفهم فِيهَا بالحذف.
وَالصَّحِيح أَنَّهَا اسْم مرادف للتنزيه بِدَلِيل قِرَاءَة بَعضهم: حاشا لله، بِالتَّنْوِينِ كَمَا يُقَال بَرَاءَة لله من كَذَا وَزعم بَعضهم أَنَّهَا اسْم فعل وَمَعْنَاهَا: أَتَبرأ أَو تبرأت.
(الثَّالِث) أَن تكون للاستثناء، فَذهب سِيبَوَيْهٍ وَأكْثر الْبَصرِيين إِلَى أَنَّهَا حرف دَائِما بِمَنْزِلَة إِلَّا لَكِنَّهَا تجر الْمُسْتَثْنى وَذهب الْجرْمِي والمازني والمبرد والزجاج والأخفش وَأَبُو زيد وَالْفراء وَأَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ إِلَى أَنَّهَا تسْتَعْمل كثيرا حرفا جارا، وقليلاً فعلا مُتَعَدِّيا جَامِدا لتضمنها معنى إلاَّ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة الشين فِي حاش فِي قَوْله حاش لله، مَفْتُوحَة بِغَيْر يَاء، وَبَعْضهمْ يدخلهَا فِي آخرهَا، كَقَوْل الشَّاعِر.

حاشى أبي ثَوْبَان إِن بِهِ ضمنا
وَمَعْنَاهَا التَّنْزِيه وَالِاسْتِثْنَاء عَن الشَّرّ تَقول: حَاشِيَته أَي: استثنيته، وَقد قَرَأَ الْجُمْهُور بِحَذْف الْألف بعد الشين، وَأَبُو عَمْرو بإثباتها فِي الأَصْل، وَفِي حذف الْألف بعد الْحَاء لُغَة، وَقَرَأَ بهَا الْأَعْمَش قَوْله: (تَنْزِيه) من نزه ينزه تَنْزِيها بالزاي كَذَا هُوَ فِي وَرَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة حَكَاهَا عِيَاض: تبرية من التبرى بِمَعْنى الْبَرَاءَة بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء الْمُهْملَة.

حَصْحَصَ وضَحَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: { الْآن حصحص الْحق} (يُوسُف: 51) الْآيَة وفشر: حصحص، بقوله: وضح، وَقيل: ذهب الْبَاطِل وَالْكذب فَانْقَطع وَتبين الْحق وَظهر، وَالْأَصْل فِيهِ: حص.
فَقيل: حصحص.
كَمَا يُقَال فِي: كف كفكف، وَفِي رد ردد وأصل الحص استئصال الشَّيْء، يُقَال: حص شعره إِذا استأصله جزا.

[ قــ :4439 ... غــ :4694 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ تَلِيدٍ حَدثنَا عبْدُ الرحْمانِ بنُ القاسِمِ عنْ بَكْرِ بنِ مُضَرَ عنْ عمْرِو بنِ الحارِثِ عنْ يُونُسَ بنِ يَزِيدَ عَن ابنِ شهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ وَأبي سلَمَةَ بنِ عبْدِ الرحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْحَمُ الله لُوطا لَقَدْ كانَ يأوي إِلَى رُكْنٍ شَديدٍ ولوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأجَبْتُ الدَّاعِي وَنحنُ أَحَقُّ مِنْ إبْراهِيمَ إذْ قَالَ لهُ أوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلى ولاكِنْ لِيَطْمَئنَّ قَلْبِي.


يُمكن أَن يَأْخُذ وَجه الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث من قَوْله: (وَلَو لَبِثت فِي السجْن مَا لبث يُوسُف لَأَجَبْت الدَّاعِي) على مَا لَا يخفي على المتأمل الفطن.

وَسَعِيد بن تليد: بِفَتْح التار الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة، وَهُوَ سعيد بن عِيسَى بن تليد الْمصْرِيّ.
مر فِي كتاب بَدْء الْخلق، وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم العتقي، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَبعدهَا قَاف الْمصْرِيّ الْفَقِيه صَاحب الإِمَام مَالك وراوي الْمُدَوَّنَة من علمه، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع.

وَهَذَا الْإِسْنَاد من أَوله إِلَى قَوْله: عَن ابْن شهَاب، مصريون، وَمن ابْن شهَاب إِلَى آخِره مدنيون، وَفِيه رِوَايَة الأقران لِأَن عَمْرو بن الْحَارِث الْمصْرِيّ الْفَقِيه الْمَشْهُور من أَقْرَان يُونُس بن يزِيد.

قَوْله: (يرحم الله لوطا لقد كَانَ يأوي إِلَى ركن شَدِيد) قد مر فِي بابُُ { ولوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} (الْأَعْرَاف: 80) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج.
والْحَدِيث من قَوْله: (وَلَو ثَبت فِي السجْن مَا لبث يُوسُف لَأَجَبْت الدَّاعِي) قد مر فِي: بابُُ قَول الله تَعَالَى: { لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات للسائلين} (يُوسُف: 7) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء إِلَى آخِره وَقَوله: (وَنحن أَحَق من إِبْرَاهِيم) إِلَى آخِره قد مر فِي سُورَة الْبَقَرَة فِي بابُُ { إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم رب أَرِنِي كَيفَ تحي الْمَوْتَى} (الْبَقَرَة: 260) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أَحْمد بن صَالح، وَقد مر الْكَلَام فِي الْكل مستقصىً.

<