فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: المعاريض مندوحة عن الكذب

( بابٌُ المَعارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الكَذِبِ)

قَالَ بَعضهم: بابُُ منوناً.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَن شَرط الْإِعْرَاب التَّرْكِيب وَإِنَّمَا يكون معرباً إِذا قُلْنَا: هَذَا بابُُ فِيهِ المعاريض مندوحة كَذَا وَقع فِي الْأُصُول: المعاريض، بِالْيَاءِ وَكَذَا أوردهُ ابْن بطال، وَأوردهُ ابْن التِّين بِلَفْظ: الْمعَارض، بِدُونِ الْيَاء، ثمَّ قَالَ: كَذَا التَّبْوِيب وَالصَّوَاب المعاريض كَمَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، والمعاريض جمع معراض من التَّعْرِيض وَهُوَ خلاف التَّصْرِيح من القَوْل، وَهُوَ التورية بالشَّيْء عَن الشَّيْء، وَمعنى مندوحة: متسعة، يُقَال مِنْهُ انتدح فلَان بِكَذَا ينتدح بِهِ انتداحاً إِذا اتَّسع بِهِ،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي: يُقَال: ندحت الشَّيْء وسعته، قَالَ الطَّبَرِيّ: يُقَال انتدحت الْغنم فِي مرابضها إِذا تبددت واتسعت من البطنة، وانتدح بطن فلَان إِذا استرخى واتسع، وَحَاصِل الْمَعْنى: المعاريض يسْتَغْنى بهَا الرجل عَن الِاضْطِرَار إِلَى الْكَذِب، وَهَذِه التَّرْجَمَة ذكرهَا الطَّبَرِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِن فِي المعاريض لمندوحة عَن الْكَذِب، وَأخرجه ابْن أبي عدي عَن قَتَادَة مَرْفُوعا ووهاه.

وَقَالَ إسْحاقُ: سَمِعْتُ أنَساً: ماتَ ابنٌ لأبِي طَلْحَةَ فَقَالَ: كَيْفَ الغُلامُ؟ قالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هَدَأ نَفْسُهُ وأرْجُو أنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَراحَ، وظَنَّ أنَّها صادِقَةٌ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( هدأ نَفسه وَأَرْجُو أَن يكون قد استراح) فَإِن أم سليم ورت بكلامها هَذَا أَن الْغُلَام انْقَطع بِالْكُلِّيَّةِ بِالْمَوْتِ وَأَبُو طَلْحَة فهم من ذَلِك أَنه تعافى.
وَإِسْحَاق هَذَا ابْن عبد الله بن أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو طَلْحَة اسْمه زيد وَهُوَ زوج أم سليم أم أنس، وَهَذَا التَّعْلِيق سقط من رِوَايَة النَّسَفِيّ وَهُوَ طرف من حَدِيث مطول أخرجه البُخَارِيّ فِي الْجَنَائِز فِي: بابُُ من لم يظْهر حزنه عِنْد الْمُصِيبَة، قَالَ: حَدثنِي بشر بن الحكم قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة أَنه سمع أنس بن مَالك، يَقُول ... الحَدِيث.
قَوْله: ( هدأ نَفسه) من هدأ بِالْهَمْز هدوءاً إِذا سكن، وَنَفسه بِفَتْح الْفَاء مُفْرد الأنفاس وبسكونها مُفْرد النُّفُوس، أَرَادَت بِهِ سُكُون النَّفس لَا يُسمى كذبا بِالْمَوْتِ والاستراحة من بلَاء الدُّنْيَا وَلم تكن صَادِقَة فِيمَا ظَنّه أَبُو طَلْحَة وفهمه من ظَاهر كَلَامهَا، وَمثل هَذَا لَا يُسمى كذبا على الْحَقِيقَة بل يُسمى مندوحة عَن الْكَذِب.



[ قــ :5880 ... غــ :6209 ]
- حدَّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ عَنْ ثابِتٍ البُنانِيِّ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: كانَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي مَسير لَهُ فَحَدا الحادِي فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ارْفُقْ يَا أنْجَشَةُ وَيْحَكَ بِالقَوارِيرِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( إرفق يَا أَنْجَشَة بِالْقَوَارِيرِ) فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ورى بذلك عَن النِّسَاء، وَمضى الحَدِيث عَن قريب فِي: بابُُ مَا يجوز من الشّعْر.





[ قــ :588 ... غــ :610 ]
- حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا حَمَّادٌ عَنْ ثابِتٍ عَنْ أنَسٍ وأيُّوبَ عَنْ أبي قِلابَةَ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ فِي سَفَرٍ وَكَانَ غُلامٌ يَحْدُو بِهِنَّ.
يُقالُ لَهُ أنْجَشَهُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رُوَيْدَكَ يَا أنْجِشَةُ سَوْقَكَ بِالقَوارِيرِ، قَالَ أبُو قِلابَةَ: يَعْنِي النِّساء.

مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق.
وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس.
وَالْآخر: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن أبي قلَابَة عبد الله بن زيد عَن أنس وَقد مر فِي: بابُُ مَا يجوز من الشّعْر.
قَوْله: ( بِالْقَوَارِيرِ) ، مُتَعَلق بقوله: رويدك.





[ قــ :588 ... غــ :611 ]
- حدَّثنا إسْحاقُ أخبرنَا حَبَّانُ حدّثنا هَمَّامٌ حدّثنا قَتادَةُ حَدثنَا أنَسُ بنُ مالِكٍ، قَالَ: كَانَ ل لنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حاد يُقالُ لَهُ: أنجَشَهُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَقَالَ لَهُ النبيُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رُوَيْدَكَ يَا أنْجَشَةُ لَا تَكْسِرِ القَوارِيرَ، قَالَ قَتادَةُ: يَعْنِي ضَعَفَةَ النِّساءِ.

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن إِسْحَاق، قَالَ الغساني: لَعَلَّه ابْن مَنْصُور عَن حبَان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى بن دِينَار.
قَوْله: ( لَا تكسر) بِالْجَزْمِ وَالرَّفْع شبه ضعفه النِّسَاء بِالْقَوَارِيرِ لسرعة التَّأْثِير فِيهِنَّ.





[ قــ :5883 ... غــ :61 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْياى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حدّثني قَتادَةُ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: كَانَ بِالمَدِينَةِ فَزَعٌ فَرَكِبَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَساً لأبِي طَلْحَةَ فَقَالَ: مَا رَأيْنا مِنْ شَيء وإنْ وَجَدْناهُ لَبَحْراً.

قيل: لَيْسَ حَدِيث الْفرس من المعاريض، وَكَذَلِكَ حَدِيث الْقَوَارِير بل هما من بابُُ الْمجَاز.
قلت: نعم كَذَلِك وَلَكِن تعسف من قَالَ: لَعَلَّ البُخَارِيّ لما رأى ذَلِك جَائِزا، قَالَ: والمعاريض الَّتِي هِيَ حَقِيقَة أولى بِالْجَوَازِ.

وَيحيى فِي السَّنَد هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن بنْدَار عَن غنْدر وَعَن أَحْمد بن مُحَمَّد عَن ابْن الْمُبَارك.

قَوْله: ( فزع) بِفتْحَتَيْنِ وَالْأَصْل فِي الْفَزع الْخَوْف فَوضع مَوضِع الإغاثة والنصر، وَالْمعْنَى هُنَا: أَن أهل الْمَدِينَة اسْتَغَاثُوا فَركب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فرسا اسْمه مَنْدُوب كَانَت لأبي طَلْحَة زيد بن سهل زوج أم أنس.
قَوْله: ( وَإِن وَجَدْنَاهُ) كلمة: إِن، مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة قَوْله: ( لبحراً) أَي: لواسع الجري شبه جريه بالبحر لسعته وَعدم انْقِطَاعه، وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد.