فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب حسن المعاشرة مع الأهل

( بابُُ حُسْنِ المُعَاشَرَةِ مَعَ الأهْلِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حسن معاشرة الرجل مَعَ أَهله.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: المعاشرة من الْعشْرَة بِالْكَسْرِ وَهِي الصُّحْبَة وَهِي من بابُُ المفاعلة الْمَوْضُوعَة لمشاركة اثْنَيْنِ أَحدهمَا مُتَعَلق بِالْآخرِ على مَا عرف فِي مَوْضِعه.



[ قــ :4912 ... غــ :5189 ]
- حدَّثنا سُليْمانُ بنُ عبْدِ الرَّحْمانِ وعَلِيُّ بنُ حُجْرٍ قَالَا: أخبرنَا عِيسَى بنُ يُونُسَ حَدثنَا هِشامُ بنُ عُرْوةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُرْوَةَ عنْ عَائِشَةَ، قالَتْ: جَلَسَ إحْدَى عَشْرَةَ امْرَأةً فَتَعاهَدْنَ وتَعاقَدْنَ أنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أخْبارِ أزْوَاجِهِنَّ شَيْئا: قالَتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ علَى رأْسِ جبَلٍ، لَا سهْلٍ فَيُرْتَقَى وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ، قالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أبُثُّ خبَرَهُ، إنِّي أخافُ أنَّ لَا أذَرَهُ إنْ أذكُرْهُ أذْكُرْ عُجَرَهُ وبُجَرَهُ.
قالتِ الثّالثَةُ: زَوْجِي العشَنَّقُ، إنْ أنْطِقْ أُطلَّقْ وإنْ أسْكُتْ أُعَلَّقْ؛ قالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَليلِ تِهامَةَ لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سآمَةَ.
قالَتِ الخامِسَةُ: زَوْجِي إنْ دَخَلَ فَهِدَ وإنْ خَرَجَ أَسد وَلَا يَسألُ عَمَّا عَهِدَ.
قالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إنْ أكَلَ لَفَّ وإنْ شَرِبَ اشْتَفَّ وإنِ اضْطَجَعَ التَفَّ وَلَا يُولِجُ الكَف لِيَعْلَمَ البثَّ؛ قالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَياياءُ أوْ عَياياءُ طَباقاءُ كلُّ داءَ لهُ داءٌ شَجَّكِ أوْ فَلّكِ أوْ جَمَعَ كُلّا لَكِ؛ قالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي المَسُّ مَسُّ أرْنَبٍ والرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ.
قالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ العِمادِ طَوِيلُ النِّجادِ عَظِيمُ الرَّمادِ قَرِيبُ البَيْتِ مِنَ النّادِ؛ قالَتِ العاشِرَةُ: زَوْجِي مالِكٌ وَمَا مالِكٌ مالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذالِكِ، لهُ إِبلٌ كَثِيرَاتُ المَباركِ قَلِيلاَتُ المَسارحِ، وإذَا سَمِعْنَ صَوْتَ المِزْهَرِ أيْقَنَّ أنَّهُنَّ هَوَالِكُ؛ قالَتِ الحَادِيَةُ عَشْرَةَ: زَوْجِي أبُو زَرْعِ.
فَما أبُو زَرْعٍ؟ أناسَ مِنْ حُلِيٍّ أذنَيَّ ومَلأ مِنْ شَحْمِ عَضدَيَّ وبَجَّحَني فَبَجَحَتْ إليَّ نَفْسِي وجدَنِي فِي أهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ فَجَعَلَنِي فِي أهْلِ صَهِيلٍ وأطِيطٍ ودَائِسٍ ومُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ، وأرْقُدُ فأتَصَبَّحُ، وأشْرَبُ فأتَقَمَّحُ، أمُّ أبي زَرْعٍ، فَمَا أمُّ أبي زَرْعٍ؟ عُكومُها رَدَاحٌ، وبَيْتُها فَساحٌ.
ابنُ أبي زَرْعٍ، فَما ابنُ أبي زَرْعٍ؟ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطَبةٍ، ويُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الجَفْرَةِ.
بِنْتُ أبي زَرْعٍ، فَما بِنْتُ أبي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أبِيها وطَوْعُ أُمِّها وملءُ كِسائِها وغَيْظُ جارَتِها جارِيَةُ أبي زَرْعٍ، فَمَا جارِيَةُ أبي زَرْعٍ؟ لَا تَبُثُّ حَديثَنا تَبْثَيثا، ولاَ تُنَقِّثُ ميرتَنَا تَنْقيثا، وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنا تَعْشِيشا.
قالَتْ: خَرَجَ أبُو زَرْعٍ والأوطابُ تُمْخَضُ فَلَقِيَ امْرَأةً مَعَها ولَدَان لَها كالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِها بِرُمَّانَتيْنِ، فَطَلَّقَنِي ونَكَحَها، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رجُلاً سَرِيّا ركب عشريا وأخَذَ خَطِّيا وأرَاحَ عَليَّ نَعَما ثَرِيّا وأعْطانِي مِنْ كلِّ رائِحَةٍ زَوْجا،.

     وَقَالَ : كُلِي أُمَّ زَرْعٍ ومِيرِي أهْلَكِ.
قالَتْ: فَلَوْ جمَعْتُ كلَّ شَيْء أعْطانِيهِ مَا بَلغَ أصْغَرَ آنِيَةِ أبي زَرْعٍ.
قالَتْ عائِشَةُ، رَضِي الله عَنْهَا، قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كُنْتُ لكِ كَأبي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الْإِحْسَان فِي معاشرة الْأَهْل على مَالا يخفي من الحَدِيث.

وَسليمَان بن عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بِابْن بنت شُرَحْبِيل الدِّمَشْقِي، ولد سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَعلي بن حجر، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وبالراء: السَّعْدِيّ، وَعِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَوَقع كَذَا مَنْسُوبا عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَعبد الله بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة، ويروي عَنهُ أَخُوهُ هِشَام بن عُرْوَة.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ من حَدِيث عباد بن مَنْصُور عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، وَالْمَحْفُوظ حَدِيث هِشَام عَن أَخِيه، وَكَذَا رَوَاهُ مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عَليّ بن حجر وَعَن أَحْمد بن جناب، بِفَتْح الْجِيم وَالنُّون: كِلَاهُمَا عَن عِيسَى بن يُونُس عَن هِشَام: أَخْبرنِي أخي عبد الله بن عُرْوَة.
وأخره التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل، وَالنَّسَائِيّ أَيْضا فِي عشرَة النِّسَاء جَمِيعًا عَن عَليّ بن حجر، وَهَذَا من نَوَادِر مَا وَقع لهشام بن عُرْوَة فِي حَدِيث أَبِيه حَيْثُ أَدخل بَينهمَا أَخا لَهُ وَاسِطَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْفضل عِيَاض بن مُوسَى: اخْتلف فِي سَنَد هَذَا الحَدِيث وَرَفعه مَعَ أَنه لَا اخْتِلَاف فِي صِحَّته وَأَن الْأَئِمَّة قبلوه وَلَا مخرج لَهُ فِيمَا انْتهى إِلَيّ إلاَّ من رِوَايَة عُرْوَة عَن عَائِشَة، فَروِيَ من غير طَرِيق: عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة من قَول سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُله، هَكَذَا رَوَاهُ عباد بن مَنْصُور والدراوردي وَعبد الله بن مُصعب الزبيرِي وَيُونُس بن أبي إِسْحَاق كلهم عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَا رَفعه جمَاعَة آخَرُونَ،.

     وَقَالَ  عِيَاض: لَا خلاف فِي رفع قَوْله.
فِي هَذَا الحَدِيث: ( كنت ل كَأَنِّي زرع لأم زرع) وَإِنَّمَا الْخلاف فِي بَقِيَّته.
.

     وَقَالَ  الْخَطِيب: الْمَرْفُوع من هَذَا الحَدِيث قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( كنت لم كَأبي زرع لأم زرع) وَمَا عداهُ، فَمن كَلَام عَائِشَة.

قَوْله: ( حَدثنَا سُلَيْمَان) فِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنِي سُلَيْمَان.
قَوْله: ( جلس إِحْدَى عشرَة امْرَأَة) ، قَالَ ابْن التِّين: التَّقْدِير: جلس جمَاعَة إِحْدَى عشرَة، وَمثل هَذَا { وَقَالَ نسْوَة فِي الْمَدِينَة} ( يُوسُف: 03) .

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: النسْوَة اسْم مُفْرد لجمع الْمَرْأَة وتأنيثه غير حَقِيقِيّ كتأنيث اللمة، وَلذَلِك لم يلحقفعله تَاء التَّأْنِيث.
انْتهى قلت: كَذَلِك هُنَا ( إِحْدَى عشرَة امْرَأَة) نسْوَة، فَلذَلِك ذكَّر الْفِعْل، وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة: جَلَست، وَفِي رِوَايَة أبي عبيد: اجْتمعت، وَفِي رِوَايَة أبي يعلى: اجْتَمعْنَ، على لُغَة أكلوني البراغيث.
قَالَ عِيَاض: إِن فِي بعض الرِّوَايَات إِحْدَى عشرَة نسْوَة، قَالَ: فَإِن كَانَ بِالنّصب احْتَاجَ إِلَى إِضْمَار، أَعنِي: أَو بِالرَّفْع فَهُوَ بدل من إِحْدَى عشرَة، وَمِنْه قَوْله عز وَجل: { وقطعناهم اثْنَتَيْ عشرَة أسباطا} ( الْأَعْرَاف: 061) .

     وَقَالَ  الْفَارِسِي: هِيَ بدل من قطعناهم وَلَيْسَ بتمييز، وَكَانَ اجتماعهن وجلوسهن بقرية من قرى الْيمن، كَذَا وَقع رِوَايَة الزبير بن بكار، ووقَع فِي رِوَايَة الْهَيْثَم: أَنَّهُنَّ كن بِمَكَّة.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: إنَّهُنَّ كن من خثعم، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن أبي أويس عَن أَبِيه: أَنَّهُنَّ كن فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَذَا عِنْد النَّسَائِيّ فِي رِوَايَة.
قَوْله: ( فتعاهدن وتعاقدن) ، أَي: ألزمن أَنْفسهنَّ عهدا وعقدن على الصدْق من ضمائرهن عقدا.
قَوْله: ( أَن لَا يكتمن) أَي: بِأَن لَا يكتمن، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي أويس: ( أَن يتصادقن بَينهُنَّ وَلَا يكتمن) ، وَفِي رِوَايَة سعيد بن سَلمَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ: ( أَن ينعتن أَزوَاجهنَّ ويصدقن) ، وَفِي رِوَايَة الزبير: ( فتبايعن على ذَلِك) .

قَوْله: ( قَالَت الأولى) ، أَي: الْمَرْأَة الأولى، وَلم أَقف على اسْمهَا.
قَوْله: ( غث) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ: الهزيل الَّذِي يستغيث من هزاله، مَأْخُوذ من قَوْلهم: غث الْجرْح غثا وغثيثا إِذا سَأَلَ مِنْهُ الْقَيْح، واستغثه صَاحبه، وَمِنْه: أغث الحَدِيث، وَمِنْه: غث فلَان فِي حلقه، وَكَذَا اسْتِعْمَاله فِي مُقَابلَة السمين، فَيُقَال للْحَدِيث الْمُخْتَلط فِيهِ: الغث والسمين، والغث الْفَاسِد من الطَّعَام.
قَوْله: ( على رَأس جبل) قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: تصف قلَّة خَيره وَبعده مَعَ الْقلَّة كالشيء فِي قبَّة الْحَبل الصعب لَا ينَال إلاَّ بالمشقة، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: ( على رَأس جبل وعر) ، وَفِي رِوَايَة الزبير بن بكار: وغث.
وَهِي أوفق للسجع.
قَوْله: ( وعر) ، أَي: كثير الصخر شَدِيد الغلطة يعصب الرقي إِلَيْهِ، والوعث، بالثاء الْمُثَلَّثَة: الصعب المرتقي بِحَيْثُ توحل فِيهِ الْأَقْدَام فَلَا يتَخَلَّص ويشق فِيهِ المشيء، وَمِنْه: وعثاء السّفر.
قَوْله: ( لَا سهل فيرتقي) ، يجوز فِيهِ أوجه ثَلَاثَة: الأول: بِالْفَتْح بِلَا تَنْوِين، الثَّانِي: الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: لَا هُوَ سهل.
الثَّالِث: الْجَرّ على أَنه صفة جبل، وَكَذَلِكَ الْأَوْجه الثَّلَاثَة فِي قَوْله: ( وَلَا سمين) وَوَقع فِي رِوَايَة عِنْد النَّسَائِيّ بِالنّصب منونا، فيهمَا: ( لَا سهلاً وَلَا سمينا) ، وَفِي أُخْرَى عِنْده: ( لَا بالسهل وَلَا بالسمين) ،.

     وَقَالَ  عِيَاض: أحسن الْوُجُوه الرّفْع فيهمَا.
قَوْله: ( فيرتقي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: فَإِن يُرتقى أَي يصعد.
قَوْله: ( فَينْتَقل) ، بِالْفَتْح أَي: فَإِن ينْتَقل، والانتقال هَهُنَا بِمَعْنى النَّقْل أَي: لَا يَأْتِي إِلَيْهِ أحدا لصعوبة المسلك، وَلَا يُؤْتى بِهِ إِلَى أحد، أَي: لَا تنقله النَّاس إِلَى بُيُوتهم لرداءته، وَفِي رِوَايَة أبي عبيد: ( فينتقى) ، من النقى بِكَسْر النُّون وَهُوَ المخ، أَي: يسْتَخْرج نقيه، وَحَاصِله: أَنه قَلِيل الْخَيْر من جِهَة أَنه لحم جمل لَا لحم غنم، وَأَنه مهزول رَدِيء وَأَنه صَعب التَّنَاوُل لَا يُوصل إِلَيْهِ إلاَّ بِمَشَقَّة شَدِيدَة أَي: خَيره قَلِيل ذاتا وَصفَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي: لَيْسَ شَيْء أَخبث غثاثة بَين الْأَنْعَام من الْجمل لِأَنَّهُ يجمع خبث الرّيح وخبث الطّعْم حَتَّى ضرب بِهِ الْمثل، وصفت زَوجهَا بالبخل وَقلة الخيروبعده من أَن ينَال خَيره مَعَ قلته كَاللَّحْمِ الهزيل المنتن الَّذِي يزهد فِيهِ فَلَا يطْلب، فَكيف إِذا كَانَ فِي رَأس جبل صَعب وعر لَا ينَال إلاَّ بِمَشَقَّة، وَذهب الْخطابِيّ إِلَى أَن تمثيلها بِالْجَبَلِ الوعر هُنَا إِشَارَة إِلَى سوء خلقه، والذهاب بِنَفسِهِ وترفعه تيها وكبرا، تُرِيدُ أَنه: مَعَ قلَّة خَيره يتكبر على عشيرته فَيجمع إِلَى الْبُخْل سوء الْخلق، وَهُوَ تَشْبِيه الْجَلِيّ بالخفي، والمتوهم بالمحسوس والحقير بالخطير.

قَوْله: ( وَقَالَت الثَّانِيَة) أَي: الْمَرْأَة الثَّانِيَة، وَهِي عمْرَة بنت عَمْرو التَّمِيمِي.
قَوْله: ( لَا أبث) من البث بِالْبَاء الْمُوَحدَة والثاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ الْإِظْهَار والإشاعة، وَفِي رِوَايَة حَكَاهَا عِيَاض: ( لَا أنثه) .
بالنُّون بدل الْبَاء أَي: لَا أنشره وَلَا أشيعه، وَوَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: ( لَا أنم) ، بالنُّون وَالْمِيم من النميمة.
قَوْله: ( إِنِّي أَخَاف أَن لَا أذره) فِيهِ تَأْوِيلَانِ لِأَن الْهَاء إِمَّا عَائِدَة إِلَى الْخَبَر أَي: خَبره طَوِيل إِن شرعت فِي تَفْصِيله لَا أقدر على إِتْمَامه لكثرته أَو إِلَى الزَّوْج وَتَكون: لَا، زَائِدَة أَي: أَخَاف أَن يُطلقنِي فأذره، أَي: فأتركه.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: التَّأْوِيل الثَّالِث أَن يُقَال: إِن مَعْنَاهُ أَخَاف أَن أبث خَبره، إِذْ عدم التّرْك وَهُوَ الإبثاث والتبيين، وَوَقع فِي رِوَايَة الزبير: زَوجي من لَا أذكرهُ وَلَا أبث خَبره.
قَوْله: ( أذكر عُجَره وبجره) جَوَاب: إِن، والعجر، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم، والبجر بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْجِيم، وَالْمرَاد بهما: عيوبه، وَالْمَشْهُور فِي الِاسْتِعْمَال أَن يُرَاد بِهِ الْأُمُور كلهَا، وَقيل: العجرة نفخة فِي الظّهْر والبجرة نفخة فِي السُّرَّة، وَيُقَال: العجر معقد الْعُرُوق والعصب فِي الْجَسَد حَتَّى ترَاهَا ناتئة فِي الْجَسَد، والبجر كَذَلِك إلاَّ أَنَّهَا مُخْتَصَّة بالبطن فِيمَا ذكره الْأَصْمَعِي، وأحدها بجرة، وَمِنْه قيل: رجل أبجر إِذا كَانَ عَظِيم الْبَطن، وَامْرَأَة بجراء، وَيُقَال الفلان بجرة إِذا كَانَ ناتىء السُّرَّة عظيمها،.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش: العجر العقد تكون فِي سَائِر الْبدن، والبجر تكون فِي الْقلب،.

     وَقَالَ  أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي: لم يَأْتِ أَبُو عُبَيْدَة بِالْمَعْنَى فِي هَذَا، وَإِنَّمَا عنت أَن زَوجهَا كثير الْعُيُوب فِي أخلاقه مُنْعَقد النَّفس عَن المكارم،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: يُقَال فِي الْمثل: أفضيت إِلَيْهِ بعجري وبجري أَي: بأَمْري كُله وَعَن الْأَصْمَعِي: يستعلمل ذَلِك فِي المعائب، أَي: ذكر عيوبه،.

     وَقَالَ  يَعْقُوب: أسراره، وَعبارَة غَيره: عيوبه الْبَاطِنَة وأسراره الكامنة، وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي وقْعَة الْجمل: ( إِلَى الله أَشْكُو عجري وبجري) أَي: همومي وأحزاني، وَقيل: العجر ظَاهرهَا والبجر بَاطِنهَا.
قَالَ الشَّاعِر:
( لم يبْق عِنْدِي مَا يُبَاع بدرهم ... يَكْفِيك عجر حالتي عَن بجري)

( إلاَّ بقايا مَاء وَجه صنته ... لأبيعه، فَعَسَى تكون المُشْتَرِي)

قَوْله: ( قَالَت الثَّالِثَة) ، أَي: الْمَرْأَة الثَّالِثَة وَهِي: حييّ بنت كَعْب الْيَمَانِيّ.
قَوْله: ( العشنق) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة والمعجمة وَفتح النُّون الْمُشَدّدَة، وبالقاف،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة وَجَمَاعَة: هُوَ الطَّوِيل، وَزَاد الثعالبي: المذموم الطول،.

     وَقَالَ  الْخَلِيل: هُوَ طَوِيل الْعُنُق.

     وَقَالَ  ابْن حبيب: هُوَ الْمِقْدَام على مَا يُرِيد الشرس فِي أُمُوره، وَقيل: السيىء الْخلق،.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: أَرَادَت أَنه لَيْسَ عِنْده أَكثر من طوله بِلَا نفع، وَيجمع على: عشانقة، وَالْمَرْأَة عشنقة،.

     وَقَالَ  أَبُو سعيد الضَّرِير: الصَّحِيح أَن العشنق الطَّوِيل النجيب الَّذِي يملك أَمر نَفسه وَلَا يحكم النِّسَاء فِيهِ، بل يحكم فِيهِنَّ بِمَا شَاءَ، فزوجته تهابة أَن تنطق بِحَضْرَتِهِ فَهِيَ تسكن على مضض.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَهِي الشكاية البليغة.
قَوْله: ( إِن أنطق أطلق) يَعْنِي: إِن ذكرت عيوبه يُطلقنِي ( وَإِن أسكت أعلق) يَعْنِي: إِن أسكت عَنهُ أعلق يَعْنِي يتركني لَا عزبا وَلَا مُزَوّجَة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فتذروها كالمعلقة} ( النِّسَاء: 921) فَكَأَنَّهَا قَالَت: أَنا عِنْده لَا ذَات زوج فَانْتَفع بِهِ وَلَا مُطلقَة فأتفرغ لغيره.
فَهِيَ كالمعلقة بَين الْعُلُوّ والسفل لَا تَسْتَقِر بِأَحَدِهِمَا، وكل وَاحِد من قَوْلهَا: ( أطلق) و ( أعلق) على صِيغَة الْمَجْهُول مجزومان لِأَنَّهُمَا جَوَاب الشَّرْط.

قَوْله: ( قَالَت الرَّابِعَة) ، وَهِي: مهدد، بِفَتْح الْمِيم وَإِسْكَان الْهَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة الأولى، وَيُقَال: مهرَة بالراء بنت أبي هرومة بالراء المضمومة، وَيُقَال: أرومة.
قَوْله: ( كليل تهَامَة) شبهت زَوجهَا بلَيْل تهَامَة، وتمدحه أَي: كليل أهل مَكَّة أَصْحَاب الْأَمْن، أَو كليل ركدت الرِّيَاح فِيهِ، أَو كليل الرّبيع وَقت تغير الْهَوَاء من الْبُرُودَة إِلَى الْحَرَارَة وَظُهُور اعتداله، وَلَيْسَ فِيهِ أَذَى بل فِيهِ رَاحَة ولذاذة عَيْش، كليل تهَامَة لذيذ معتدل لَيْسَ فِيهِ حر مفرط وَلَا برد، وَلَا أَخَاف لَهُ غائلة لكرم أخلاقه، وَلَا يسامني وَلَا يستثقل بِي فيمل صحبتي، وتهامة، بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَهُوَ اسْم لكل مَا نزل عَن نجد من بِلَاد الْحجاز، وَهُوَ من الْمُتَّهم، بِفَتْح التَّاء وَالْهَاء: وَهُوَ ركود الرّيح، وَيُقَال: تهتم الدّهن، إِذا تغير قَوْله: ( وَلَا قر) بِالضَّمِّ وَهُوَ الْبرد.
قَوْله: ( وَلَا سآمة) أَي: وَلَا ملالة، وكل وَاحِد من هَذِه الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة بني بِغَيْر تَنْوِين، وَجَاء الرّفْع مَعَ التَّنْوِين، وَهِي رِوَايَة أبي عبيد كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { لَا بيع فِيهِ وَلَا خلة وَلَا شَفَاعَة} ( الْبَقَرَة: 452) وَوَقع فِي رِوَايَة عمر بن عبد الله عِنْد النَّسَائِيّ: وَلَا برد، بدل: وَلَا قر، وَزَاد فِي رِوَايَة الْهَيْثَم بن عدي، وَلَا وخامة، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: لَا ثقل عِنْده تصف زَوجهَا بذلك، أَنه لين الْجَانِب خَفِيف الْوَطْأَة على الصاحب، وَفِي رِوَايَة الزبير بن بكار: والغيث، غيث غمامة،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي: أَرَادَت بقولِهَا: وَلَا مَخَافَة أَن أهل تهَامَة لَا يخَافُونَ لتحصنهم بجبالها، أَو أَرَادَت أَن زَوجهَا حامي الذمار مَانع لداره وجاره وَلَا مَخَافَة عِنْد من يأوي إِلَيْهِ، ثمَّ وَصفته بالجود.

قَوْله: ( قَالَت الْخَامِسَة) أَي: الْمَرْأَة الْخَامِسَة وَهِي كَبْشَة.
قَوْله: ( إِن دخل فَهد) ، أَي: إِن دخل الْبَيْت فَهد بِكَسْر الْهَاء أَي: فعل فعل الفهد، شبهته بالفهد فِي كَثْرَة نَومه، يَعْنِي إِذا دخل الْبَيْت يكون فِي الاسْتِرَاحَة معرضًا عَمَّا تلف من أَمْوَاله وَمَا بَقِي مِنْهَا.
وَقيل: معنى فَهد أَنه إِذا دخل الْبَيْت وثب على وثوب الفهد، كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمُبَادرَة إِلَى الْجِمَاع.
قَوْله: ( وَإِن خرج أَسد) أَي: وَإِن خرج من الْبَيْت أَسد بِكَسْر السِّين يَعْنِي: فعل فعل الْأسد تصفه بالشجاعة يَعْنِي: إِذا صَار بَين النَّاس كَانَ الْأسد، يَعْنِي: سهل مَعَ الأحباء صَعب على الْأَعْدَاء كَقَوْلِه تَعَالَى: { أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم} ( الْفَتْح: 92) .

     وَقَالَ  ابْن السّكيت: تصفه بالنشاط فِي الْغَزْو،.

     وَقَالَ  عِيَاض: فِيهِ مُطَابقَة لفظية بَين دخل وَخرج، وَبَين أَسد وفهد مُطَابقَة معنوية، وَتسَمى أَيْضا الْمُقَابلَة.
قَوْله: ( وَلَا يسْأَل عَمَّا عهد) أَي: لَا يتفقد مَا ذهب من مَاله وَلَا يلْتَفت إِلَى معائب الْبَيْت وَمَا فِيهِ كَأَنَّهُ ساهٍ عَن ذَلِك.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: وَهَذَا يَقْتَضِي تفسيرين: لعهد عهد قبل فَهُوَ يرجع إِلَى تفقد المَال وعهد الْآن فَهُوَ بِمَعْنى الإغضاء عَن المعائب والاختلال.

قَوْله: ( قَالَ السَّادِسَة) : أَي الْمَرْأَة السَّادِسَة، وَاسْمهَا هِنْد قَوْله: ( إِن أكل لف) بِاللَّامِ وَالْفَاء الْمُشَدّدَة فعل مَاض من اللف وَهُوَ الْإِكْثَار من الطَّعَام مَعَ التَّخْلِيط من صنوفه حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُ شَيْئا.
قَالَ عِيَاض: حُكيَ رف، بالراء بدل اللَّام قَالَ: وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.
قَوْله: ( وَإِن شرب اشتف) من الاشتفاف بالفاءين، وَهُوَ أَن يستوعب جَمِيع مَا فِي الْإِنَاء مَأْخُوذ من الشفافة بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَهِي اسْم مَا بَقِي فِي الْإِنَاء من المَال، فَإِذا شربه قيل: اشتفه، ويروى: استف، بِالسِّين الْمُهْملَة وَهِي بمعناها.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: رُوِيَ بِالْقَافِ بدل الشين.
قَالَ الْخَلِيل: قفاف كل شَيْء جمَاعَة واستيعابه، وَمِنْه سميت الفقة لجمعها مَا وضع فِيهَا.
قَوْله: ( وَإِن اضْطجع التّلف) من الالتفاف، يَعْنِي: إِذا نَام التّلف فِي ثِيَابه فِي نَاحيَة، وَفِي رِوَايَة للنسائي: إِذا نَام بدل اضْطجع، وَزَاد: وَإِذا ذبح اغتث أَي: تحرى الغث وَهُوَ الهزيل كَمَا مضى.
قَوْله: ( وَلَا يولج الْكَفّ) أَي: لَا يدْخل كَفه مَعْنَاهُ لَا يمد يَده ليعلم مَا هِيَ عَلَيْهِ من الْحزن، وَهُوَ معنى قَوْله: ( ليعلم البث) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد يَد الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ الْحزن وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: وَلَا يدْخل، بدل وَلَا يولج، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيّ: فَيعلم، بِالْفَاءِ بدل اللَّام،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ أَنه يتلفف منتبذا عَنْهَا وَلَا يقرب مِنْهَا فيولج كَفه دَاخل ثوبها فَيكون مِنْهُ إِلَيْهَا مَا يكون من الرجل لامْرَأَته، وَمعنى البث مَا تضمر من الْحزن على عدم الحظوة مِنْهُ،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: أحسبها كَانَ بجسدها عيب أَو دَاء يحزن بِهِ، وَكَأَنَّهُ لَا يدْخل يَده فِي ثوبها لِئَلَّا يلمس ذَلِك فَيشق عَلَيْهَا، فوصفته بالمروءة وكرم الْخلق، ورد عَلَيْهِ ابْن قُتَيْبَة بِأَنَّهَا قد ذمَّته فِي صدر الْكَلَام فَكيف تمدحه فِي آخِره؟ فَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الرَّد مَرْدُود، لِأَن النسْوَة تعاقدن لَا يكتمن شَيْئا مدحا أَو ذما، فمنهن من كَانَت أَوْصَاف زَوجهَا كلهَا حَسَنَة فوصفته بهَا، ومنهن بِالْعَكْسِ، ومنهن من كَانَت أَوْصَافه مختلطة مِنْهُمَا فذكرتهما كليهمَا.

قَوْله: ( قَالَت السَّابِعَة) أَي: الْمَرْأَة السَّابِعَة وَاسْمهَا حيى بنت عَلْقَمَة قَوْله: ( زَوجي عياياء) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف يَاء أُخْرَى وبالمد وَهُوَ الَّذِي عي بِالْأَمر والمنطق وجمل عياياء إِذا لم يهتد إِلَى الضراب.
قَوْله: ( أَو غياياء) شكّ من الرَّاوِي وَهُوَ عِيسَى بن يُونُس فَإِنَّهُ شكّ هَل هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ أَو بِالْمُعْجَمَةِ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَو تنويع من الزَّوْجَة القائلة، وَالْأَكْثَرُونَ لم يشكوا، وَقَالُوا بِالْمُهْمَلَةِ وَأما غياياء، بالغين الْمُعْجَمَة فَمَعْنَاه لَا يَهْتَدِي إِلَى مَسْلَك أَو إِنَّه كالظل المتكاثف المظلم الَّذِي لَا إشراق فِيهِ.
أَو أَنه غطى عَلَيْهِ أُمُوره، أَو أَنه منهمك فِي الشَّرّ قَالَ تَعَالَى: { فَسَوف يلقون غيا} ( مَرْيَم: 95) .

     وَقَالَ  عِيَاض: قَالَ أَبُو عبيد إِن الغياياء، بالغين الْمُعْجَمَة لَيْسَ بِشَيْء.
وَلم يفسره وَتَابعه على ذَلِك سَائِر الشُّرَّاح، فقد ظهر لي فِيهِ معنى صَحِيح فَذكر مَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَذكر أَيْضا أَنه مَأْخُوذ من الغياية.
وَهِي كل مَا أظلك فَوق رَأسك من سَحَاب وَغَيره، وَمِنْه سميت الرَّايَة غَايَة، فَكَأَنَّهُ غطى عَلَيْهِ من جَهله وسترت مصالحة.
قَوْله: ( طباقاء) بِالطَّاءِ الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وبالقاف ممدودة.
وَهُوَ المطبقة عَلَيْهِ الْأُمُور حمقا، وَقيل: الَّذِي يعجز عَن الْكَلَام،.

     وَقَالَ  ابْن حبَان: الطباق من الرِّجَال الَّذِي فِيهِ رعونة وحمق كالمطبق عَلَيْهِ فِي حمقه ورعونته، وَقيل: الطباق من الرِّجَال الثقيل الصَّدْر الَّذِي لَا يطبق صَدره على صدر الْمَرْأَة.
قَوْله: ( كل دَاء لَهُ دَوَاء) أَي: كل شَيْء من أدواء النَّاس فِيهِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: تَعْنِي كل دَاء تفرق فِي النَّاس فَهُوَ فِيهِ، وَمن أدوائه أَنه قد اجْتمعت فِيهِ المعائب.
قَوْله: ( شجك أَو فلّك) كلمة: أَو للتنويع وَمعنى شجك: جرحك فِي رَأسك وجراحات الرَّأْس تسمى شجا بالشين الْمُعْجَمَة بالشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْجِيم، وَمعنى: فلك بِالْفَاءِ وَتَشْديد اللَّام: جرحك فِي جَمِيع الْجَسَد وَقيل: الفل الطعْن،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي: فلك كسرك، وَيُقَال: ذهب بِمَالك، وَيُقَال: كسرك بخصومته، وَصفته بالحمق والتناهي فِي جَمِيع النقائص والعيوب وَسُوء الْعشْرَة مَعَ الْأَهْل وعجزه عَن حَاجَتهَا مَعَ ضربهَا وأذاه لَهَا وَإِذا حدثته سبها وَإِذا مازحته شجها وَإِذا غضب إِمَّا أَن يشجها فِي رَأسهَا أَو يكسر عضوا من أعضائها.
وَزَاد ابْن السّكيت فِي رِوَايَته: بجك، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْجِيم: أَي طعنك فِي جراحتك فَشَقهَا، والبج شقّ القرحة، وَقيل: هُوَ الطعنة.
قَوْله: ( أَو جمع كلا لَك) أَي: أَو جمع كل هَذِه الْأَشْيَاء وَهِي: الضَّرْب وَالْجرْح وَكسر الْأَعْضَاء وَالْكَسْر بِالْخُصُومَةِ وَالْكَلَام الموجع وَأخذ مَالهَا.

قَوْله: ( قَالَت الثَّامِنَة) أَي: الْمَرْأَة الثَّامِنَة وأسمها يَاسر بنت أَوْس بن عبد.
قَوْله: ( الْمس مس أرنب وَالرِّيح ريح زرنب) وَصفته بِحسن الْخلق ولين الْجَانِب كمس الأرنب إِذا وضعت يدك على ظَهره، لِأَن وبره ناعم جدا، والزرنب بِوَزْن الأرنب لَكِن أَوله زَاي، وَهُوَ نبت طيب الرّيح، وَقيل: هِيَ شَجَرَة عَظِيمَة بِالشَّام على جبل لبنان لَا تثمر وَلها ورق بَين الخضرة والصفرة، وَكَذَا ذكره عِيَاض، ورده أَصْحَاب الْمُفْردَات.
وَقيل: هِيَ حشيشة طيبَة الرَّائِحَة رقيقَة، وَقيل: هُوَ الزَّعْفَرَان وَلَيْسَ بِشَيْء، وَقيل: وَهُوَ مسك، وَالْألف وَاللَّام فِي الْمس نائبة عَن الضَّمِير لِأَن أَصله زَوجي مَسّه.
وَكَذَا فِي الرّيح أَي: رِيحه وَفِيهِمَا حذف تَقْدِيره: زَوجي الْمس مِنْهُ كَمَا فِي السّمن.
منوان بدرهم، أَي مِنْهُ،.

     وَقَالَ  عِيَاض: هَذَا من التَّشْبِيه بِغَيْر أَدَاة، وَفِيه حسن الْمُنَاسبَة والموازنة والتسجيع، وَفِي رِوَايَة الزبير وَالنَّسَائِيّ فِيهِ زِيَادَة وَهِي قَوْلهَا.
وَأَنا أغلبه وَالنَّاس يغلب، فِي رِوَايَة للنسائي وَالطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: ونغلبه، بنُون الْجمع وَفِيه نوع من البديع يُسمى التتميم لِأَنَّهَا لَو اقتصرت على قَوْلهَا: وَأَنا أغلبه لظن أَنه جبان ضَعِيف، فَلَمَّا قَالَت: وَالنَّاس يغلب، دلّ على أَن غلبتها إِيَّاه إِنَّمَا هُوَ من بابُُ كرم سجاياه فتممت بِهَذِهِ الْكَلِمَة الْمُبَالغَة فِي حسن أَوْصَافه.

قَوْله: ( قَالَت التَّاسِعَة) أَي: الْمَرْأَة التَّاسِعَة: وَلم أَقف على اسْمهَا عِنْد أحد قَوْله: ( رفيع الْعِمَاد) كِنَايَة عَن وَصفه بالشرف فِي نسبه وسؤدده فِي قومه فَهُوَ رفيع فيهم.
والعماد فِي الأَصْل عماد الْبَيْت وَهُوَ العمود الَّذِي يدعم بِهِ الْبَيْت، تَعْنِي: أَن بَيته فِي حَسبه رفيع فِي قومه، وَيحْتَمل أَنَّهَا أَرَادَت أَن بَيته عالٍ لحشمته وسعادته لَا كبيوت غَيره من الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين، يَجعله مرتفعا ليراه أَرْبابُُ الْحَوَائِج والأضياف فيأتونه.
وَهَذِه صفة بيُوت الأجواد.
قَوْله: ( طَوِيل النجاد) .
بِكَسْر النُّون كِنَايَة عَن طول الْقَامَة لِأَن النجاد حمائل السَّيْف، فَمن كَانَ طَوِيل الْقَامَة كَانَت حمائل سَيْفه طَوِيلَة، فوصفته بالطول والجود.
قَوْله: ( عَظِيم الرماد) .
كِنَايَة عَن المضافية، لِأَن كَثْرَة الرماد تَسْتَلْزِم كَثْرَة النَّار وَكَثْرَة النَّار تَسْتَلْزِم كَثْرَة الطَّبْخ وَكَثْرَة الطَّبْخ تَسْتَلْزِم كَثْرَة الأضياف، وَقيل: إِن ناره لَا تطفأ فِي اللَّيْل ليهتدي بهَا الضيفان، والأجواد يعظمون النيرَان فِي ظلام اللَّيْل ويوقدونها على التلال لاهتداء الضَّيْف بهَا قَوْله: ( قريب الْبَيْت من الناد) كِنَايَة عَن الْكَرم والسؤدد، لِأَن النادي مجْلِس الْقَوْم وَلَا يقرب مِنْهُ إلاَّ من هَذِه صفته، لِأَن الضيفان يقصدون النادي، يَعْنِي: ينزل بَين ظهراني النَّاس ليعلموا مَكَانَهُ وينزلوا عِنْده، واللئام يتباعدون مِنْهُ فِرَارًا من نزُول الضَّيْف.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) فِي قَوْلهَا: ( قريب الْبَيْت من النادي) كَذَا هُوَ فِي النّسخ: النادي، بِالْيَاءِ هُوَ الفصيح فِي الْعَرَبيَّة.
وَلَكِن الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة خذفها الْيُتْم السجع، وَفِي رِوَايَة الزبير بن بكار بعد قَوْله: ( قريب الْبَيْت من الناد) لَا يشْبع لَيْلَة يُضَاف، وَلَا ينَام لَيْلَة يخَاف.

قَوْله: ( وَقَالَت الْعَاشِرَة) أَي: الْمَرْأَة الْعَاشِرَة وَاسْمهَا: كَبْشَة، مثل الْخَامِسَة بنت الأرقم بالراء وَالْقَاف.
قَوْله: ( زَوجي مَالك، وَمَا مَالك؟ مَالك خير من ذَلِك) .
أردْت بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ تَعْظِيم زَوجهَا لِأَن كلمة: مَا استفهامية وفيهَا معنى التَّعْظِيم والتهويل، وَحَقِيقَة: مَا مَالك، أَي: مَا هُوَ، أَي: أَي شَيْء هُوَ مَا أعظمه وأكبره وأكرمه مثل قَوْله عز وَجل: { الحاقة مَا الحاقة} ( الحاقة: 1) { القارعة مَا القارعة} ( القارعة: 1) أَي: أَي شَيْء هُوَ مَا أعطم أمرهَا وأهولها.
وَقَوْلها: ( مَالك خير من ذَلِك) زِيَادَة فِي التَّعْظِيم وَتَفْسِير لبَعض الْإِبْهَام وَأَنه خير مِمَّا أُشير إِلَيْهِ من ثَنَاء وَطيب ذكرا وَفَوق مَا أعتقده فِيهِ من سؤدد وفخر قَوْلهَا: ( ذَلِك) إِشَارَة إِلَى: مَالك، أَي: خير من كل مَالك، والتعميم يُسْتَفَاد من الْمقَام أَو هُوَ نَحْو: تَمْرَة خير من جرادةٍ أَي كل تَمْرَة خير من كل جَرَادَة، أَو هُوَ إِشَارَة إِلَى مَا فِي ذهن الْمُخَاطب، أَي: مَالك خير مِمَّا فِي ذهنك من مَالك الْأَمْوَال.
قَوْله: ( لَهُ إبل) أَي: لزوجي إبل ( كثيرات الْمُبَارك) وَهُوَ جمع مبرك وَهُوَ مَوضِع البروك أَرَادَت أَنه يبركها فِي مُعظم أَوْقَاتهَا بِفنَاء دَاره لَا يوجهها تسرح إِلَّا قَلِيلا قدر الضَّرُورَة حَتَّى إِذا نزل بِهِ الضَّيْف كَانَت الْإِبِل حَاضِرَة فيقريه من أَلْبَانهَا ولحومها، ويروى: عظيمات الْمُبَارك، وَهُوَ كِنَايَة عَن سمنها وَعظم جسومها فيعظم مباركها لذَلِك.
قَوْله: ( قليلات المسارح) ، وَهُوَ جمع مسرح وَهُوَ الْموضع الَّذِي تسرح إِلَيْهِ الْمَاشِيَة بِالْغَدَاةِ المرعى، يُقَال: سرحت الْمَاشِيَة تسرح فَهِيَ سارحة.
وسرحتها يَأْتِي لَازِما ومتعديا.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: نصفه بِكَثْرَة الْإِطْعَام وَسقي الألبان أَي: أَن إبِله على كثرتها لَا تغيب عَن الْحَيّ وَلَا تسرح إِلَى المراعي الْبَعِيدَة وَلكنهَا تبرك بفنائه ليقري الضيفان من لَبنهَا ولحمها خوفًا من أَن ينزل بِهِ ضيف وَهِي بعيدَة عازبة، وَقيل: إِن مَعْنَاهُ أَن إبِله كَثِيرَة فِي حَال بروكها، فَإِذا سرحت كَانَت قَليلَة لِكَثْرَة مَا تحرمنها فِي مباركها للأضياف.
وَفِي رِوَايَة الْهَيْثَم عَن هِشَام فِي آخر هَذَا الْكَلَام: وَهُوَ إِمَام الْقَوْم فِي المهالك.
قَوْله: ( وَإِذا سمعن صَوت المزهر أَيقَن أَنَّهُنَّ هوالك) ، أَي: إِذا سَمِعت الْإِبِل صَوت المزهر، بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ: الْعود الَّذِي يضْرب بِهِ أَي: إِن زَوجهَا عود الْإِبِل إِذا نزل بِهِ الضيفان أَتَاهُم بالعيدان وَالْمَعَازِف وآلات الطّرف ونحولهم مِنْهَا، فَإِذا سَمِعت الْإِبِل صَوت المزهر علمت يَقِينا أَنه قد جَاءَ الضيفان وأنهن منحورات هوالك،.

     وَقَالَ  أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي: لم تكن تعرف الْعَرَب الْعود إلاَّ الَّذين خالطوا الْحَضَر، وَالَّذِي يذهب إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ المزهر، يَعْنِي: بِضَم الْمِيم وَكسر الْهَاء وَهُوَ الَّذِي يزهر النَّار للأضياف، فَإِذا سمعن صَوت ذَلِك ومعمعان النَّار أيقنت بالعقر.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: لَا تعرف أحدا رَوَاهُ المزهر، كَمَا قَالَ النَّيْسَابُورِي: وَالَّذِي رَوَاهُ النَّاس كلهم المزهر، يَعْنِي بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الصَّوَاب.
وَالضَّمِير فِي سمعهن وأيقن برجع إِلَى الْإِبِل كَمَا ذَكرْنَاهُ، والهوالك جمع هالكة.

قَوْله: ( قَالَت الْحَادِيَة عشرَة) أَي: الْمَرْأَة الْحَادِيَة عشرَة، قَالَ النَّوَوِيّ: وَفِي بعض النسح: الْحَادِي عشرَة، وَفِي بَعْضهَا: الْحَادِيَة عشر، وَالصَّحِيح الأول، وَهِي: أم زرع بنت أكيمل بن سَاعِدَة اليمنية، وَهَذَا الحَدِيث مَشْهُور: بِحَدِيث أم زرع.
قَوْله: ( زَوجي أَبُو زرع! فَمَا أَبُو زرع؟) هُوَ كَقَوْل الْعَاشِرَة: مَالك وَمَا مَالك؟ أخْبرت أَولا أَن زَوجهَا أَبُو زرع، ثمَّ عظمت شَأْنه بقولِهَا: فَمَا أَبُو زرع؟ يَعْنِي: إنكن لَا تعرفنه لأنكن لم تعهدن مثله.
قَوْله: ( أَبُو زرع) .
فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: نكحت أَبَا زرع.
قَوْله: ( فَمَا أَبُو زرع؟) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَمَا أَبُو رزع، بِالْوَاو وَهُوَ الْمَحْفُوظ للأكثرين، وَزَاد الطَّبَرَانِيّ فِي رِوَايَة: صَاحب نعم وَزرع.
قَوْله: ( أنَاس من حلي أُذُنِي) أنَاس فعل مَاض من النوس وَهُوَ الْحَرَكَة من كل شَيْء معتدل يُقَال: نَاس ينوس نوسا، وأناسه غَيره إناسة، والحلي بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وَتَشْديد الْيَاء جمع: حلي، بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون اللَّام وَتَخْفِيف الْيَاء، وَهُوَ اسْم لكل مَا يتزين بِهِ من مصاغ الذَّهَب وَالْفِضَّة، ( وأذني) بتَشْديد الْيَاء، تَثْنِيَة أذن أَرَادَت: حلاني قرطة وشنوفا يَعْنِي مَلأ أُذُنِي بِمَا جرت بِهِ عَادَة النِّسَاء من التحلي بِهِ فِي الْأذن من القرط وَهُوَ الْحلق من ذهب وَفِضة ولؤلؤ وَنَحْو ذَلِك،.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت: معني أنَاس: أثقل أُذُنِي حَتَّى تدلى واضطرب قَوْله: ( وملأ من شَحم عضدي) بتَشْديد الْيَاء تَثْنِيَة عضد.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: لم ترد الْعظم وَحده وَإِنَّمَا أَرَادَت الْجَسَد كُله.
لِأَن العضف إِذا سمنت سمن سَائِر الْجَسَد، وخصت الْعَضُد لِأَنَّهَا أقرب مَا يَلِي بصر الْإِنْسَان من جسده.
قَوْله: ( وبجحني) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْجِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ بتَشْديد الْجِيم من التبجيح وَهُوَ التفريح،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي: مَعْنَاهُ عظمني،.

     وَقَالَ  ابْن أبي أويس: وسع عَليّ وترفني قَوْله: ( فبجحت) بِسُكُون التَّاء ( وَنَفْسِي) فَاعله وإلي بتَشْديد الْيَاء وَفَائِدَة ذكر إِلَى التَّأْكِيد، إِذْ فِيهِ التَّجْرِيد وَبَيَان الِانْتِهَاء، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَات.
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: فتبجحت من: بابُُ التفعل، وَفِي رِوَايَة للنسائي: وبجح نَفسِي فتبجحت إِلَيّ، بِالتَّشْدِيدِ وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ: فبجحت، بِضَم التَّاء على صِيغَة نفس الْمُتَكَلّم من الْمَاضِي، وإلي، بِالتَّخْفِيفِ.
قَوْله: ( غنيمَة) مصغر: غنم.
قَوْله: ( بشق) ، بالشين الْمُعْجَمَة وَالْقَاف: وَأهل الحَدِيث يَرْوُونَهُ بِكَسْر الشين،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: وَهُوَ بِالْفَتْح وَهُوَ اسْم مَوضِع.
.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ: هُوَ الصَّوَاب،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي: هُوَ اسْم مَوضِع بِالْفَتْح وَالْكَسْر،.

     وَقَالَ  ابْن أبي أويس وَابْن حبيب: بشق جبل لقلتهم، زَاد ابْن أبي أويس: لقلَّة غَنمهمْ.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: كَأَنَّهَا تريدانهم لقلتهم وَقلة غَنمهمْ حملهمْ على سُكْنى شقّ الْجَبَل: ( أَي) نَاحيَة الْجَبَل أَو بعضه، لِأَن الشق يَقع على النَّاحِيَة من الشَّيْء وَيَقَع على بعضه، والشق أَيْضا النّصْف، وَعَن نفطويه: معنى الشق بِالْكَسْرِ: الشظف من الْعَيْش والجهد مِنْهُ،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: يُقَال: هُوَ بشق وشظف من الْعَيْش أَي: بِجهْد مِنْهُ.
قَوْله: ( فِي أهل صَهِيل) ، أَي: أَصْحَاب صَهِيل وَهُوَ صَوت الْخَيل.
وَقَوله: ( وأطيط) .
وَهُوَ أصوات الْإِبِل يَعْنِي: أَنه ذهب بهَا إِلَى أَهله وهم أهل خير وإبل، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: وجامل وَهُوَ جمع جمل وَالْمرَاد اسْم فَاعل لمَالِك الْجمال كَمَا يُقَال لِابْنِ وتامر،.

     وَقَالَ  عِيَاض: وأصل الأطيط أَعْوَاد المحامل والرحال.
وَيُشبه أَن تُرِيدُ بهَا هَذَا الْمَعْنى، فَكَأَنَّهَا تُرِيدُ أَنهم أَصْحَاب محامل ورفاهية، لِأَن المحامل لَا يركبهَا إلاَّ أَصْحَاب السعَة، وَكَانَت قَدِيما من مراكب الْعَرَب.
قَوْله: ( ودائس) اسْم فَاعل من الدوس، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: ( ودياس) .
.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت: الدائس الَّذِي يدوس الطَّعَام.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: تَأَوَّلَه بَعضهم من دياس الطَّعَام وَهُوَ دراسه، وَأهل الْعرَاق يَقُولُونَ: الدياس، وَأهل الشَّام: الدراس، فَكَأَنَّهَا أَرَادَت أَنهم أَصْحَاب زرع قَوْله ( ومنق) قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ الَّذِي ينقيه من التِّبْن وَنَحْوه بالغربال،.

     وَقَالَ  بَعضهم بِكَسْر النُّون وَتَشْديد الْقَاف، قَالَ أَبُو عبيد: لَا أَدْرِي مَعْنَاهُ، وَأَظنهُ بِالْفَتْح من تنقية الطَّعَام.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : المحدثون يَقُولُونَهُ بِالْكَسْرِ،.

     وَقَالَ  ابْن أبي أويس: المنق، بِالْكَسْرِ: نقيق أصواب الْمَوَاشِي والأنعام، تصف كَثْرَة مَاله.
.

     وَقَالَ  أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي: هُوَ مَأْخُوذ من نقيقة الدَّجَاج، أَي: أَنهم أهل طير،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: لَا يُقَال لشَيْء من أصوات الْمَوَاشِي نق، وَإِنَّمَا يُقَال نق الضفدع وَالْعَقْرَب والدجاج، وَيُقَال فِي الهر: بقلة،.

     وَقَالَ  ابْن السراج: وَيجوز أَن يكون منق بالإسكان إِن كَانَ رُوِيَ، أَي: وإنعام ذَات نقي أَي سمان.
قَوْله: ( فَعنده أَقُول) أَي: عِنْد زَوجي أَقُول كلَاما فَلَا أقبح على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: فَلَا أنسب إِلَى التقبيح فِي القَوْل، بل يقبل مني، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: فَعنده أنطق، وَفِي رِوَايَة الزبير: أَتكَلّم.
قَوْله: ( وأرقد فأتصبح) أَي: أَنَام الصبيحة، وَهِي فِي أول النَّهَار، وَلَا أُوقِظ لِأَن عِنْدِي من يَكْفِينِي الْخدمَة من الْإِمَاء وَغَيرهَا.
قَوْله: ( واشرب فأتقمح) بِالْقَافِ وَتَشْديد الْمِيم أَي: أروى حَتَّى لَا أحب الشّرْب، مَأْخُوذ من النَّاقة المقامح وَهِي الَّتِي ترد الْحَوْض فَلَا تشرب وترفع رَأسهَا ريا، كَذَا قَالَه أَبُو عبيد، وكل رَافع رَأسه فَهُوَ مقامح، وَبَعض النَّاس يرويهِ.
فاتقنح، بِفَتْح النُّون،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: لَا أعرف هَذَا الْحَرْف وَلَا أرى الْمَحْفُوظ إلاَّ بِالْمِيم،.

     وَقَالَ  عِيَاض: لم نروه فِي ( صَحِيح البُخَارِيّ) ( وَمُسلم) إلاَّ بالنُّون، وَكَذَا فِي جَمِيع النّسخ.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ: قَالَ بَعضهم: فاتقمح بِالْمِيم، قَالَ: وَهُوَ الْأَصَح، وَالَّذِي بالنُّون مَعْنَاهُ: أقطع الشّرْب وأتمهل فِيهِ، وَقيل: هُوَ الشّرْب بعد الرّيّ، وَحكى أَبُو عَليّ القالي فِي ( البارع) و ( الأمالي) يُقَال: قنحت الْإِبِل، تفتح بِفَتْح النُّون فِي الْمَاضِي والمستقبل.
قنحا بِإِسْكَان النُّون.
قَالَ شمر: إِذا تكارهت الشّرْب.
وَفِي ( التَّلْوِيح) وَمن رَوَاهُ: أتفتح، بِالْفَاءِ وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق إِن لم يكن وهما فَمَعْنَاه والتكبر والزهو والتيه، وَيكون هَذَا التكبر والتيه من الشَّرَاب لنشوة سكره، وَهُوَ على كل حَال يرجع إِلَى عزتها عِنْده وكثرته الْخَيْر لَدَيْهَا.
وَقيل: معنى أتقنح كِنَايَة عَن سمن جسمها واتساعه.
قَوْله: ( أم بِي زرع فَمَا أم أبي زرع) الْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِي زَوجي أَبُو زرع، فَمَا أَبُو زرع؟ ويروى: أم زرع وَمَا أم زرع؟ بِحَذْف أَدَاة الكنية، الأول هُوَ ظَاهر الرِّوَايَة.
قَوْله: ( عكومها رداح) العكوم جمع عكم بِكَسْر الْعين وَسُكُون الْكَاف كجلود جمع جلد، وَهِي الأعدال والأحمال الَّتِي تجمع فِيهَا الْأَمْتِعَة، وَقيل: هِيَ نمط تجْعَل الْمَرْأَة فِيهَا ذخيرتها، حَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيّ، ورداح بِكَسْر الرَّاء بِفَتْحِهَا وَآخره حاء مُهْملَة أَي: عِظَام كَثِيرَة الحشو.
قَالَه أَبُو عبيد،.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ: ثقيله، وَيُقَال للكتيبة الْكَبِيرَة: رداح إِذا كَانَت بطيئة السّير لِكَثْرَة من فِيهَا، وَيُقَال للْمَرْأَة إِذا كَانَت عَظِيمَة الكفل ثَقيلَة الورك ورداح.

وَقَالَ الْكرْمَانِي: الرداح مُفْرد والعكوم جمع، يَعْنِي: كَيفَ يكون الْمُفْرد خَبرا عَن الْجمع؟ ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ أَرَادَ كل عكم رداح بِكَسْر الرَّاء لَا بِفَتْحِهَا، أَو بِكَوْن الرداح هَهُنَا مصدرا كالذهاب قلت: أجوبة أُخْرَى: الأول: أَن يكون رداح بِكَسْر الرَّاء لَا بِفَتْحِهَا جمع رداح كقائم وَقيام، ويخبر عَن الْجمع بِالْجمعِ.
الثَّانِي: أَن يكون ردا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: عكومها كلهَا رداح على أَن رداح وَاحِد جمعه ردح بِضَمَّتَيْنِ.
الثَّالِث: أَن الْخَبَر عَن الْجمع قد جَاءَ بِالْوَاحِدِ مثل: أدرع دلاص، أَي براق، وَمِنْه { أولياؤهم الطاغوت} ( الْبَقَرَة: 752) قَوْله: ( وبيتها فساخ) بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْملَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة أَي: وَاسع يُقَال: بَيت فسيح وفساح وفياح بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَمِنْهُم من يشد الْيَاء للْمُبَالَغَة، وَالْمعْنَى: أَنَّهَا وصفت وَالِدَة زَوجهَا بِأَنَّهَا كَثِيرَة الْآلَات والأثاث والقماش، وَاسِعَة المَال كَبِيرَة الْبَيْت أما حَقِيقَة فَيدل على عظم الثروة، وَأما كِنَايَة عَن كَثْرَة الْخَيْر ورغد الْعَيْش وَالْبر بِمن ينزل بهم لأَنهم يَقُولُونَ: فلَان رحيب الْمنزل، أَي: يكرم من ينزل عَلَيْهِ.
قَوْله: ( ابْن أبي زرع! فَمَا ابْن أبي زرع؟) لما وصفت أم أبي زرع بِمَا ذكر شرعت تصف ابْن أبي زرع بقولِهَا: ( مضجعه كمسل شطبة) المسل، بِفَتْح الْمِيم وَالسِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام مصدر ميمي بِمَعْنى: المسلول، أَو اسْم مَكَان وَمَعْنَاهُ: كمسلول الشطبة،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي أَرَادَت بمسل الشطبة سَيْفا سل من عمده، فمضحعه الَّذِي ينَام فِيهِ فِي الصغر كَقدْر مسل شطبة وَاحِدَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: وأصل الشطبة مَا يشطب من جريد النّخل فَيشق مِنْهُ قضبان رقاق تنسج مِنْهَا الْحصْر، وَيُقَال للْمَرْأَة الَّتِي تفعل ذَلِك: الشاطبة، أخْبرت أَنه مهفهف ضرب اللَّحْم، شبهته بِتِلْكَ الشطبة.
.

     وَقَالَ  أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي: تُرِيدُ كَأَنَّهُ سيف مسلول من غمده، وسيوف الْيمن كلهَا ذَات شطب، وَهِي الطرائق الَّتِي فِي متن السَّيْف، وَقد شبهت الْعَرَب الرِّجَال بِالسُّيُوفِ إِمَّا لخشونة الْجَانِب وَشدَّة المهابة، وَإِمَّا لجمال الرونق وَكَمَال اللألاء، وَإِمَّا لكَمَال صورتهَا فِي اعتدالها واستوائها.
قَوْله: ( ويشبعه ذِرَاع الجفرة) ويروى: ويكفيه ذِرَاع الجفرة، وَهِي بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْفَاء وبالراء: الْأُنْثَى من أَوْلَاد الضَّأْن، وَقيل: من أَوْلَاد الْمعز، وَالذكر جفر وَهِي الَّتِي مر لَهَا من عمرها أَرْبَعَة أشهر، وأرادت بِهِ أَنه قَلِيل الْأكل، وَزَاد بعد هَذَا فِي رِوَايَة لِابْنِ الْأَنْبَارِي: وترويه فيقة اليعرة.
( ويميس فِي حق النترة) .
قَوْله: ( وتروية) من الإرواء، والفيقة بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا قَاف مَا يجْتَمع فِي الضَّرع بَين الحلبتين، والفواق بِضَم الْفَاء: الزَّمَان الَّذِي بَين الحلبتين، واليعرة بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا رَاء العناق، واليعر الجدي.
قَوْله: ( ويميس) أَي يتبختر، والنترة بِفَتْح النُّون وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: الدرْع اللطيفة أَو القصيرة، وَقيل: اللينة الملمس، وَقيل: الواسعة.
وَالْحَاصِل أَنَّهَا وَصفته بهيف الْقد وَأَنه لَيْسَ ببطين وَلَا جافي قَلِيل الْأكل وَالشرب ملازم لآلة الْحر، يختال فِي مَوضِع الْحَرْب والقتال، وكل ذَلِك مِمَّا يتمادح بِهِ الْعَرَب قَوْله: ( بنت أبي زرع فَمَا بنت أبي زرع) هَذَا فِي مدح بنت أبي زرع بعد مدح ابْن أبي زرع، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَمَا بنت أبي زرع؟ بِالْوَاو.
قَوْله: ( طوع أَبِيهَا) أَي: هِيَ طوع أَبِيهَا وطوع أمهَا يَعْنِي: بارة بهما لَا تخرج عَن أَمرهمَا، وَفِي رِوَايَة الزبير.
وزين أَهلهَا ونسائها.
أَي: يتجملون بهَا، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: زين أمهَا وزين أَبِيهَا، بدل لفظ طوع، فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي رِوَايَة للطبراني: وقرة عين لأَبِيهَا وَأمّهَا وزين لأَهْلهَا، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ السّكيت: قبَاء هضيمة الحشا جائلة الوشاح عنكاء فعماء نجلاء دعجاء زجاء قنواء مؤنقة مقنعة.
قلت: قبَاء، بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمد خميصة الْبَطن، وهضيمة الحشا من الهضم بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ انضمام الجنبين، يُقَال: رجل أهضم وَامْرَأَة هضماء، والحشا بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة مَقْصُورا، وَهُوَ مَا انضمت عَلَيْهِ الضلوع، وجائلة الوشاح، بِكَسْر الْوَاو وبالشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره حاء مُهْملَة، وَهُوَ شَيْء ينسج عريضا من أَدَم، وَرُبمَا رصع بالجوهر والخرز وتشده الْمَرْأَة بَين عاتقيها وكشحيها وَيُقَال فِيهِ: إشاح، والحائلة، بِالْجِيم من الجولان يَعْنِي: يَدُور وشاحها لضمور بَطنهَا، وعكناء، بِفَتْح الْعين المعملة وَسُكُون الْكَاف وبالنون وَالْمدّ أَي: ذَات عُكَن وَهِي الطيات فِي بَطنهَا، وفعماء بفح الْفَاء وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالمد أَي: ممتلئة الْأَعْضَاء: ونجلاء بِفَتْح النُّون وَسُكُون وبالمد، أَي وَاسِعَة الْعَينَيْنِ، ودعجاء من الدعج، وَهِي شدَّة سَواد الْعين فِي شدَّة بياضها، وزجاء بالزاي وَالْجِيم الْمُشَدّدَة من الزجج وَهُوَ تقوس فِي الْحَاجِب مَعَ طول فِي أَطْرَافه وامتداده، وَقيل بالراء وَتَشْديد الْجِيم أَي: كَبِير الكفل ترتج من عظمه، وقنواء، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون النُّون من القنو، وَهُوَ طول فِي الْأنف ودقة الأرنبة مَعَ جَدب فِي وَسطه، ومؤنقة بالنُّون وَالْقَاف من الشَّيْء الأنيق وَهُوَ المعجب ومقنعة مغطاة الرَّأْس بالقناع، وَقيل: مونقة، بتَشْديد النُّون ومعنقة بوزنه أَي: مغذية بالعيش الناعم.
قَوْله: ( وملء كسائها) كِنَايَة عَن امتلاء جسمها وسمنها.
قَوْله: ( وغيظ جارتها) ، المُرَاد بالجارة الضرة أَي: يغيظها مَا ترى من حسنها وجمالها وأدبها وعفتها، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وعقر جارتها، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف أَي: دهشها أَو قَتلهَا، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وحير جارتها، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف من الْحيرَة، وَفِي أُخْرَى لَهُ: وَحين جارتها، بالنُّون عوض الرَّاء وَهُوَ الْهَلَاك، وَفِي رِوَايَة الْهَيْثَم بن عدي: وَعبر جارتها، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة من الْعبْرَة بِالْفَتْح أَي: تبْكي حسدا لما ترَاهُ مِنْهَا، أَو بِالْكَسْرِ، أَي: تعْتَبر بذلك، وَفِي رِوَايَة سعيد بن سَلمَة: وَخبر نسائها، فَاخْتلف فِي ضَبطه فَقيل بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَة من التحبير، وَقيل بِالْمُعْجَمَةِ وَالْيَاء آخر الْحُرُوف من الْخَيْرِيَّة.
قَوْله: ( جَارِيَة أبي زرع { فَمَا جَارِيَة أبي زرع) وصفت أَولا زَوجهَا، ثمَّ وصفت حماتها وَهِي أم أبي زرع، ثمَّ ابْن أبي زرع، ثمَّ بنته، ثمَّ وصفت هُنَا جَارِيَة أبي زرع بقولِهَا: ( جَارِيَة أبي زرع} فَمَا جَارِيَة أبي زرع؟) وَالْكَلَام فِيهِ كَمَا ذكرنَا عِنْد قَوْلهَا زَوجي أَبُو زرع.
قَوْله: ( لَا تبث) من بَث الحَدِيث إِذا أظهره وأفشاه.
ومادته: بَاء مُوَحدَة وثاء مُثَلّثَة.
ويروى: لَا تنث، بالنُّون مَوضِع الْبَاء وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، وَقيل: بالنُّون فِي الشَّرّ، وَفِي رِوَايَة الزبير: وَلَا تخرج حَدِيثا.
قَوْله: ( تبثيثا) مصدر من بثث على وزن فعل بِالتَّشْدِيدِ، وَهَذَا فِيهِ مَا لَيْسَ فِي بَث من الْمُبَالغَة، وَهَذَا على غير أصل فعله لِأَن مصدر بَث الْخَبَر بثا،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي بَث الْخَبَر وأبثه بِمَعْنى، أَي نشرة، وبثث الْخَبَر بِالتَّشْدِيدِ للْمُبَالَغَة.

     وَقَالَ : نث الحَدِيث فِي بابُُ النُّون ينثه نَثَا إِذا أفشاه.
قَوْله: ( وَلَا تنقث) بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح النُّون وَتَشْديد الْقَاف الْمَكْسُورَة بعْدهَا الثَّاء الْمُثَلَّثَة أَي: لَا تسرع فِي الْميرَة بالخيانة.
والميرة بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء: الزَّاد.
وَأَصله مَا يحصله البدوي من الْحَضَر ويحمله إِلَى منزله لينْتَفع بِهِ، وَضَبطه عِيَاض فِي مُسلم بِفَتْح أَوله وَسُكُون النُّون وَضم الْقَاف، وَالْمعْنَى: لَا تَأْخُذ الطَّعَام فتذهب بِهِ، تصفها بالأمانة.
قَوْله: ( تنقيثاً) مصدر على أصل الضَّبْط الأول، وعَلى ضبط عِيَاض على غير أَصله وَيَجِيء الْمصدر على غير أصل فعله نَحْو: { وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتا} ( نوح: 71) وَالْأَصْل أَن يُقَال: إنباتا، وَقد وَقع فِي رِوَايَة الْمُسلم نَحْو الضَّبْط الأول، والتنقيث إِخْرَاج مَا فِي منزل أَهلهَا إِلَى غَيرهم، قَالَه أَبُو سعيد،.

     وَقَالَ  ابْن حبيب: لَا تفسده، وَفِي رِوَايَة أبي عبيد: وَلَا تنقل، وَكَذَا للزبير عَن عَمه مُصعب، وَلأبي عوَانَة: وَلَا تنْتَقل، وَفِي رِوَايَة ابْن الْأَنْبَارِي: وَلَا تعت، بِالْعينِ الْمُهْملَة والفوقانية، أَي تفْسد، وَأَصله من العتة بِالضَّمِّ وَهِي السوسة، وَفِي رِوَايَة للنسائي: وَلَا تفش ميرتنا تفشيشا، بفاء ومعجمتين من الإفشاش وَهُوَ طلب الْأكل من هُنَا وَهنا، وَيُقَال: فش مَا على الخوان إِذا أكله أجمع، وَوَقع عِنْد الْخطابِيّ: وَلَا تفْسد ميرتنا تغشيشا، بالمعجمات،.

     وَقَالَ : مَأْخُوذ من غشيش الْخبز إِذا فسد، وَضَبطه الزَّمَخْشَرِيّ بِالْفَاءِ الثَّقِيلَة بدل الْقَاف،.

     وَقَالَ  فِي شَرحه: التفث والتفل بِمَعْنى، وأرادات الْمُبَالغَة فِي براءتها من الْخِيَانَة.
قَوْله: ( وَلَا تملأ بيتنا تعشيشا) بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالشين المعجمتين أَي: لَا ترك الكناسة وَالْقُمَامَة فِي الْبَيْت مفرقة كعش الطَّائِر، بل هِيَ مصلحَة للبيت معتنية بتنظيفه، وَقيل: مَعْنَاهُ لَا تخوننا فِي طعامنا فتخبئه فِي زَوَايَا الْبَيْت كأعشاش الطير، وَرُوِيَ بإعجام الْغَيْن من الْغِشّ فِي الطَّعَام، وَقيل: من النميمة أَي: لَا تَتَحَدَّث بهَا.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: التغشيش من قَوْلهم: غشش الْخَبَر إِذا انكدح وَفَسَد أَي: أَنَّهَا تحسن مُرَاعَاة الطَّعَام وتعهده بِأَن تطعم أَولا فأولاً لَا تغفل عَن أمره فيتكدح.
وَيفْسد فِي الْبَيْت، وَوَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: وَلَا تعش بيتنا تعشيشا، وَفِي رِوَايَة الْهَيْثَم عَن هِشَام: ضيف أبي زرع { وَمَا ضيف أبي زرع؟ فِي شبع وروى ورتع.
طهاة أبي زرع}
فَمَا طهاة أبي زرع؟ لَا تفتر وَلَا تعدى، تقدح قدر أَو تنصب أُخْرَى فتلحق الْآخِرَة بِالْأولَى، مَال أبي زرع! فَمَا مَال أبي زرع؟ على الجمم معكوس وعَلى العفاة مَحْبُوس.
قَوْله: وري بِكَسْر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: ( ورتع) بِفَتْح الرَّاء الْمُثَنَّاة أَي: تنعم قَوْله: طهاة جمع طاه وَهُوَ الطباخ من طهي الرجل إِذا طبح قَوْله: لَا تفتر، بِالْفَاءِ الساكنة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق المضمومة أَي: لَا تسكن وَلَا تضعف قَوْله: ( وَلَا تعدى) بِضَم التَّاء وَتَشْديد الدَّال أَي: لَا تتْرك ذَلِك وَلَا تتجاوز عَنهُ.
قَوْله: ( تقدح) أَي: تغرف قدرا وتنصب قدرا أُخْرَى، يُقَال: قدح الْقدر إِذا غرف مَا فِيهَا بالمقدحة، وَهِي الغرفة.
قَوْله: فتلحق الْآخِرَة، أَي: تلْحق الْقُدْرَة الْآخِرَة بِالْقُدْرَةِ الأولى الَّتِي غرف مَا فِيهَا، وَحَاصِله أَنَّهَا لم تزل فِي الطَّبْخ والغرف، وَلَا تعدى عَن ذَلِك قَوْله: ( على الجمم) بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف الْمِيم الأولى: جمع جمة، وهم الْقَوْم يسْأَلُون فِي الدِّيَة قَوْله: ( معكوس) أَي: مَرْدُود وَالْعَكْس فِي اوصل ردك آخر الشَّيْء إِلَى أَوله.
قَوْله: العفاة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْفَاء، جمع عاف.
كالقضاة جمع قَاض، وهم السائلون.
قَوْله: مَحْبُوس أَي مَوْقُوف عَلَيْهِم.
قَوْله: ( قَالَت: خرج أَبُو زرع) ، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: خرج من عِنْدِي، وَفِي رِوَايَة الْحَارِث ابْن أبي أُسَامَة ثمَّ خرج من عِنْدِي قَوْله: ( والأوطاب تمخض) الْوَاو فِيهِ للْحَال، والأوطاب جمع وطب وَهُوَ سقاء اللَّبن خَاصَّة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هُوَ جمع على غير قِيَاس، وَكَذَا قَالَ أَبُو سعيد: إِن فعلا لَا يجمع على أَفعَال، بل يجمع على فعال.
قلت: يرد قَوْلهمَا قَول الْخَلِيل: جمع وطب على وطاب وأوطاب، كَمَا جمع: فَرد على أَفْرَاد.
قَوْله: ( تمحض) من المخض وَهُوَ أَخذ الزّبد من اللَّبن، وَعَن عِيَاض: رَأَيْت فِي رِوَايَة حَمْزَة عَن النَّسَائِيّ: والأطاب، بِغَيْر وَاو، فَإِن كَانَ مضبوطا فَهُوَ على إِبْدَال الْوَاو همزَة، كَمَا قَالُوا: أكاف ووكاف ثمَّ إِن قَول أم زرع هَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: إِنْكَار خُرُوجه من منزلهَا غدْوَة وَعِنْدهم خير كثير وَلبن غزير يشرب صَرِيحًا ومخيضا ويفضل عِنْدهم مَا يمخضوه فِي الأوطاب، وَالْآخر: أَنَّهَا أَرَادَت أَن خُرُوجه كَانَ فِي اسْتِقْبَال الرّبيع وطيبه، وَأَن خُرُوجه إِمَّا السّفر أَو غَيره، فَلم تدر مَا ترَتّب عَلَيْهَا بِسَبَب خُرُوجه من تزوج غَيرهَا وَالظَّاهِر أَنه لما رأى أم زرع تعبت من مخض اللَّبن واستقلت لتستريح خرج، فَرَأى امْرَأَة فَتَزَوجهَا، وَهُوَ معنى قَوْلهَا: ( فلقي امْرَأَة مَعهَا ولدان لَهَا كالفهدين) وَفِي رِوَايَة لِابْنِ الْأَنْبَارِي: كالصقرين، وَفِي رِوَايَة لغيره: كالشبلين، وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي أويس: سارين حسنين نفيسين، وَسبب وصفهَا لَهما التَّنْبِيه على سَبَب تَزْوِيج أبي زرع لَهَا، لِأَن الْعَرَب كَانَت ترغب فِي كَون الْأَوْلَاد من النِّسَاء النجيبات فِي الْخلق والخلق.
وتظاهرت الرِّوَايَات على أَن الغلامين كَانَا ابْنَيْنِ للْمَرْأَة الْمَذْكُورَة إلاَّ مَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة عَن هِشَام: أَنَّهُمَا كَانَا أخويها،.

     وَقَالَ  عِيَاض: يتَأَوَّل بِأَن المُرَاد أَنَّهُمَا ولداها ولكنهما جعلا أخويها فِي حسن الصُّورَة.
قَوْله: ( يلعبان من تَحت حضريها برمانتين) أَرَادَت بِهَذَا أَن هَذِه الْمَرْأَة كَانَت ذَات كفل عَظِيم فَإِذا اسْتَقَلت على ظهرهَا ارْتَفع كفلها بهَا من الأَرْض حَتَّى تصير تحتهَا فجوة يجْرِي فِيهَا الرُّمَّان.
وَفِي رِوَايَة الْحَارِث: من تَحت درعها.
وَفِي رِوَايَة الْهَيْثَم: من تَحت صدرها، وَعَن ابْن أبي أويس: أَن الرمانتين هما الثديان.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه، وَلَا سِيمَا وَقد رُوِيَ: من تَحت درعها برمانتين، وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقع فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: وَهِي مستقلية على قفاها وَمَعَهَا رمانة يرميان بهَا من تحتهَا فَتخرج من الْجَانِب درعها برمانتين، وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقع فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: وَهِي مستلقية على قفاها وَمَعَهَا رمانة يرميان بهَا من تحتهَا فَتخرج من الْجَانِب الآخر من عظم إليتيها.
قَوْله: ( فطلقني ونكحها) وَفِي رِوَايَة الْحَارِث: فَأَعْجَبتهُ فطلقني، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: فَخَطَبَهَا أَبُو زرع فَتَزَوجهَا فَلم تزل بِهِ حَتَّى طلق أم زرع، وَفِي رِوَايَة الْهَيْثَم: فاستبدلت بعده وكل بدل أَعور، وَهُوَ مثل مَعْنَاهُ: أَن الْبَدَل من الشَّيْء غَالِبا لَا يقوم مقَام الْمُبدل مِنْهُ، بل هُوَ دونه وَأنزل مِنْهُ، وَالْمرَاد بالأعور الْمَعِيب.
.

     وَقَالَ  ثَعْلَب: الْأَعْوَر الرَّدِيء من كل شَيْء كَمَا يُقَال: كلمة عوراء أَي: قبيحة.
قَوْله: ( رجلا سريا) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف أَي سيدا شريفا من قَوْلهم: فرس سري أَي: خِيَار، وَمِنْه: هَذَا من سراة المَال أَي: خِيَاره.
قَوْله: ( ركب شربا) بالشين الْمُعْجَمَة أَي فرسا شريا وَهُوَ الَّذِي يستشري فِي سيره أَي يلج ويمضي بِلَا فتور.

     وَقَالَ  عِيَاض عَن ابْن السّكيت شريا بالشين الْمُعْجَمَة يَعْنِي: سيدا سخيا ركب شريا، بِالْمُعْجَمَةِ فَقَط.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فرسا شريا بِالْمُعْجَمَةِ بالِاتِّفَاقِ.
قلت: مَا ذكرنَا الْآن يردهُ، وَفِي رِوَايَة الْحَارِث: ركب فرسا عَرَبيا، وَفِي رِوَايَة الزبير: أعوجيا، وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى أَعْوَج فرس مَشْهُور تنْسب إِلَيْهِ الْعَرَب خِيَار الْخَيل، كَانَت لبني كِنْدَة ثمَّ لبني سليم ثمَّ لبني هِلَال.
قَوْله: ( وَأَخذه خطيا) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الطَّاء الْمُهْملَة أَي: أَخذ رمحا خطيا أَي: مَنْسُوبا إِلَى الْخط، وَهُوَ مَوضِع مَعْرُوف بنواحي الْبَحْرين تجلب الرماح مِنْهُ، وَقيل: أَصْلهَا من الْهِنْد تحمل فِي الْبَحْر إِلَى الْخط، الْمَكَان الْمَذْكُور، ثمَّ تفرق مِنْهُ فِي الْبِلَاد.
قَوْله: ( وأراح) من الإراحة وَهُوَ السُّوق إِلَى مَوضِع الْمبيت بعد الزَّوَال.
قَوْله: ( على) بِالتَّشْدِيدِ.
قَوْله: ( نعما ثريا) بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الرَّاء الْخَفِيفَة وَتَشْديد الْيَاء، وَهُوَ الْكثير من المَال وَمن الْإِبِل وَغَيرهَا، وَهُوَ صفة: نعما، وَإِنَّمَا ذكر لأجل السجع،.

     وَقَالَ  عِيَاض: النعم الْإِبِل خَاصَّة، وَكَذَا قَالَه ابْن بطال وَابْن التِّين،.

     وَقَالَ  غَيرهم: النعم الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، قَالَ تَعَالَى: { وَمن الْأَنْعَام حمولة وفرشا} ( الْأَنْعَام: 241) ثمَّ قَالَ: { ثَمَانِيَة أَزوَاج} ( الزمر: 6) فَذكر أَنْوَاع الْمَاشِيَة، ويروى نعما، بِكَسْر النُّون جمع: نعْمَة، وَالْأول هُوَ الْأَشْهر.
قَوْله: ( وَأَعْطَانِي من كل رَائِحَة زوجا) أَي: من كل مَا يروح من النعم وَالْعَبِيد وَالْإِمَاء زوجا.
أَي: اثْنَيْنِ وَيحْتَمل أَنَّهَا أَرَادَت صنفا وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَأَعْطَانِي من كل ذابحة أَي مذبوحة.
مثل { عيشة راضية} ( الحاقة: 12) أَي: مرضية، وَحَاصِل المعني: أَعْطَانِي من كل شَيْء يذبح زوجا، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: وَأَعْطَانِي من كل سَائِمَة، والسائمة الراعية، والرائحة الْآتِيَة وَقت الرواح وَهُوَ آخر النَّهَار قَوْله: ( وميري أهلك) بِكَسْر الْمِيم أَي: صلى أهلك بالميرة وَهِي الطَّعَام قَوْله: ( قَالَت) أَي أم زرع.
قَوْله: ( كل شَيْء أعطانيه) ، أَي: الزَّوْج الثَّانِي الَّذِي تزوج بهَا بعد أبي زرع.
قَوْله: ( مَا بلغ) خبر لقَوْله: ( كل شَيْء) وَفِي رِوَايَة مُسلم أَعْطَانِي، بِلَا هَاء.
وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: مَا بلغت أناء، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: فَلَو جمعت كل شَيْء أصبته مِنْهُ فَجعلت فِي أَصْغَر وعَاء من أوعية أبي زرع مَا ملاه.

قَوْله: ( قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كنت لَك كَأبي زرع لأم زرع) قَالَه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تطبيبا لنَفسهَا، وإيضاحا لحس عشرته إِيَّاهَا، ثمَّ اسْتثْنى من ذَلِك الْأَمر الْمَكْرُوه مِنْهُ أَنه طَلقهَا، وَإِنِّي لَا أطلقك، تتميما لطيب نَفسهَا وإكمالاً لطمأنينة قَلبهَا ورفعا للإبهام لعُمُوم التَّشْبِيه بجملة أَحْوَال أبي زرع إِذا لم يكن فِيهَا مَا تذمه سوى طَلَاقه لَهَا، وَقَول عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: بِأبي أَنْت وَأمي، بل أَنْت خير لي من أبي زرع، جَوَاب مثلهَا فِي فَضلهَا، فَإِن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أخْبرهَا أَنه لَهَا كَأبي زرع لأم زرع، لفرط محبَّة أم زرع لَهُ وإحسانه لَهَا، أخْبرته هِيَ أَنه عِنْدهَا أفضل وَهِي لَهُ أحب من أم زرع لأبي زرع.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَكَانَ هِيَ زَائِدَة أَي: أَنا لَك.
قلت: يُؤَيّد قَوْله: فِي زِيَادَة كَانَ، رِوَايَة الزبير: أَنا لَك كَأبي زرع لأم زرع،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: قَوْله: ( كنت لَك) مَعْنَاهُ أَنا لَك، وَهَذَا نَحْو قَوْله عز وَجل: { كُنْتُم خير أمة} ( آل عمرَان: 011) أَي أَنْتُم خير أمة.
قَالَ: وَيُمكن بَقَاؤُهَا على ظَاهرهَا، أَي: كنت لَك فِي علم الله السَّابِق، وَيُمكن أَن يُرِيد بِهِ مِمَّا أُرِيد بِهِ الدَّوَام كَقَوْلِه تَعَالَى: { وَكَانَ الله سمعيا بَصيرًا} ( النِّسَاء: 852) [/ ح.

وَفِي هَذَا الحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا: ذكر محَاسِن النِّسَاء للرِّجَال إِذا كن مجهولات بِخِلَاف المعينات، فَهَذَا مَنْهِيّ عَنهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَلَا تصف الْمَرْأَة الْمَرْأَة لزَوجهَا حَتَّى كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهَا.
وَمِنْهَا: جَوَاز إِعْلَام الرجل بمحبته للْمَرْأَة إِذا أَمن عَلَيْهَا من هجر وَشبهه.
وَمِنْهَا: مَا يدل على التَّكَلُّم بالألفاظ الْعَرَبيَّة والأسجاع، وَإِنَّمَا يكره من ذَلِك التَّكَلُّف.
وَمِنْهَا: مَا قَالَه الْمُهلب فِيهِ: التأسي بِأَهْل الْإِحْسَان من كل أمة.
أَلا يرى أَن أم زرع أخْبرت عَن أبي زرع بجميل عشرته، فامتثله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ عِيَاض: وَهَذَا عِنْدِي غير مُسلم.
لأَنا لَا نقُول إِن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إقتدى بِأبي زرع، بل أخبر أَنه لَهَا كَأبي زرع.
وَأعلم أَن حَاله مَعهَا مثل حَاله ذَلِك لَا على التأسي بِهِ، وَأما قَوْله بِجَوَاز التأسي بِأَهْل الْإِحْسَان من كل أمة فَصَحِيح مَا لم تصادمه الشَّرِيعَة.
وَمِنْهَا: شكر الْمَرْأَة إِحْسَان زَوجهَا، وَكَذَا ترْجم عَلَيْهِ النَّسَائِيّ، وَخرج مَعَه فِي الْبابُُ حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: لَا ينظر الله إِلَى امْرَأَة لَا تشكر زَوجهَا.
وَمِنْهَا: مدح الرجل فِي وَجهه بِمَا فِيهِ إِذا علم أَن ذَاك غير مُفسد لَهُ وَلَا مغير نَفسه، وَالنَّبِيّ، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، مَظَنَّة كل مدح ومستحق كل ثَنَاء، وَأَن من أثنى بِمَا أثنى فَهُوَ فَوق ذَلِك كُله.
وَمِنْهَا: أَن كنايات الطَّلَاق لَا يَقع بهَا الطَّلَاق إلاَّ بِالنِّيَّةِ، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كنت لَك كَأبي زرع، وَمن جملَة أَفعَال أبي زرع أَنه طلق امْرَأَته أم زرع، وَلم يَقع على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلَاق لتشبهه لكَونه لم ينْو الطَّلَاق وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة إِلَّا أَن أَبَا زرع طلق أم زرع، وَأَنا لم أطلقك.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله: قَالَ سَعيدُ بنُ سَلَمَةَ عنْ هِشَامٍ وَلاَ تُعَشِّشُ بَيْتَنَا تَعْشِيشا.

قَالَ أبُو عبد الله:.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ أتَقَمَّحُ، بِالْمِيم وهاذَا أصَحُّ.

أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، هَذَا إِلَى آخِره لَيْسَ فِي بعض النّسخ.
قَالَ الْكرْمَانِي: صَوَابه فِي هَذِه الْمُتَابَعَة كَمَا فِي بعض النّسخ هُوَ: قَالَ أَبُو سَلمَة عَن سعيد بن سَلمَة إِلَى آخِره، وَأَبُو سَلمَة هَذَا هُوَ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، وَسَعِيد بن سَلمَة بالفتحات ابْن أبي الحسام الْعَدوي الْمَدِينِيّ، مولى آل عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يكنى أَبَا عَمْرو وَمن رجال مُسلم، روى عَنهُ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَهُوَ حَدِيث وَاحِد: حَدِيث أم زرع، وَمَاله فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير، روى عَنهُ سعيد بن سَلمَة بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقد وَصله مُسلم عَن الْحسن بن عَليّ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن سعيد بن سَلمَة عَن هِشَام بن عُرْوَة، وَلكنه لم يسق فِيهِ لَفظه بِتَمَامِهِ.
قَوْله: ( وَلَا تعشش بيتنا تعشيشا) قد مر الِاخْتِلَاف فِي ضَبطه عَن قريب، فَقيل بِالْعينِ الْمُهْملَة وَقيل بِالْمُعْجَمَةِ قَوْله: ( قَالَ أَبُو عبد الله) .
هُوَ البُخَارِيّ أَيْضا، قَالَ بَعضهم: أتقمح، بِالْمِيم وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي قَوْله: قَالَت الْحَادِيَة عشرَة، وَهِي أم أبي زرع.
قَوْله: ( وَهَذَا أصح) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه وَقع فِي أصل رِوَايَة أتقنح، بالنُّون، وبالميم أصح.





[ قــ :4913 ... غــ :5190 ]
-
حدّثنا عبد الله بن مُحمَّدٍ حَدثنَا هشامٌ أخبرَنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهريِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشةَ قالَتْ: كانَ الحَبَشُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ، فَسَتَرَنِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أنْظُرُ، فَما زلْتُ أنْظُرُ حتَّى كُنْتُ أَنا أنْصَرِفُ، فاقدُرُوا قَدْرَ الجارِيَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي اشتماله على ذكر حسن المعاشرة.
وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد.

والْحَدِيث قد مر فِي كتاب صَلَاة الْعِيد، والحبش هُوَ الجيل الْمَعْرُوف من السودَان، والحراب جمع حَرْبَة.

قَوْله: ( فاقدروا) بِضَم الدَّال وَكسرهَا، لُغَتَانِ أَي: اقدروا رغبتها فِي ذَلِك إِلَى أَن تَنْتَهِي.
قَوْله: ( الحديثة السن) أَي: الشَّابَّة، وَأَنَّهَا تحب اللَّهْو والتفرج وَالنَّظَر إِلَى اللّعب حبا بلغيا وتحرص عل إِقَامَته مَا أمكنها وَلَا تمل ذَلِك إلاَّ بعد زمَان طَوِيل، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَذكرنَا أَنَّهَا كَانَت يَوْمئِذٍ بنت خمس عشرَة سنة أَو أَزِيد،.

     وَقَالَ  بَعضهم، هُوَ مَنْسُوخ بِالْقُرْآنِ وَالسّنة، أما الْقُرْآن فَقَوله عز وَجل: { فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع} ( النُّور: 63) وَالسّنة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ وَمَجَانِينكُمْ) ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون مَنْسُوخا، لِأَن نظر النِّسَاء إِلَى الرِّجَال وَإِلَى اللَّهْو فِيهِ مَا فِيهِ.