فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب جمع القرآن

( بابُُ جَمْعِ القُرْآنِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كَيْفيَّة جمع الْقُرْآن، وَالْمرَاد بِهِ جمع مَخْصُوص وَهُوَ جمع المتفرق مِنْهُ فِي صحف ثمَّ تجمع تِلْكَ الصُّحُف فِي مصحف وَاحِد مُرَتّب السُّور والآيات.



[ قــ :4721 ... غــ :4986 ]
- حدَّثنا مُوسى بنُ إسْماعِيلَ عنْ إبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ حَدثنَا ابنُ شِهابٍ عَنْ عُبَيْدٍ بنِ السَّبَّاقِ: أنَّ زَيْدَ بن ثابِتٍ، رضيَ الله عنهُ قَالَ: أرْسَلَ إلَيَّ أبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أهْلِ اليَمامَةِ فَإِذا عُمَرُ بنُ الخَطّابِ عِنْدَهُ، قَالَ أبُو بَكْرٍ، رَضِي الله عَنهُ: إنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ وإنِّي أخْشَى أنْ يَسْتَحرَّ القَتْلُ بالقُرَّاءِ بالمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وإنِّي أرَى أنْ تأمُرَ بِجَمْعِ القُرْآن.
قلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئا لَمْ يَفْعَلْهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ عُمَرُ: هاذا وَالله خَيْرٌ، فَلَمْ يَزلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حتَّى شَرَحَ الله صَدْرِي لِذَلِكَ ورَأيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأى عُمَر.

قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّكَ رجُلٌ شَاب عاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ وقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَتَتَبَّعِ القَرْآنَ فاجْمَعْهُ.
فَوَالله لوْ كَلَّفُوني نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبالِ مَا كانَ أثْقَلَ عَليَّ مِمَّا أمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئا لَمْ يَفْعَلْهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: هُوَ وَالله خَيْرٌ، فَلمْ يزَل أبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُني حَتَّى شَرَحَ الله صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ واللِّخافِ وصُدُرِ الرِّجالِ حتَّى وجَدْتُ آخِرَ سورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أبي خُزَيْمَةَ الأنْصارِيِّ لَمْ أجِدْها معَ أحَدٍ غَيْرِهِ { لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} ( التَّوْبَة: 821) حتَّى خاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أبي بَكْرٍ حتَّى تَوَفَّاهُ الله ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنتِ عُمَرَ رضِي الله عَنْهُمَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبيد بن السباق، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمدنِي التَّابِعِيّ، يكنى أَبَا سعيد وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث.
لَكِن كَرَّرَه فِي الْأَبْوَاب.

والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير فِي آخر سُورَة بَرَاءَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي ابْن السباق أَن زيد بن ثَابت إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنتكلم فِي بعض شَيْء.

فَقَوله: ( مقتل أهل الْيَمَامَة) أَي: بعد قتل مُسَيْلمَة الْكذَّاب، وَقتل من الْقُرَّاء يَوْمئِذٍ سَبْعمِائة وَقيل أَكثر.
قَوْله: ( قد استحر) بسين مُهْملَة ومثناة من فَوق مَفْتُوحَة وحاء مُهْملَة مَفْتُوحَة وَرَاء مُشَدّدَة أَي: اشْتَدَّ وَكثر وَهُوَ على وزن استفعل من الْحر خلاف الْبرد قَوْله: ( بالمواطن) ، أَي: فِي المواطن أَي الْأَمَاكِن الَّتِي يَقع فِيهَا الْقِتَال مَعَ الْكفَّار.
قَوْله: ( لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، قَالَ الْخطابِيّ وَغَيره: يحْتَمل أَن يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا لم يجمع الْقُرْآن فِي الصُّحُف لما كَانَ يترقب من وُرُود نَاسخ لبَعض أَحْكَامه أَو تِلَاوَته، فَلَمَّا انْقَضى نُزُوله بوفاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألهم الله الْخُلَفَاء الرَّاشِدين ذَلِك وَفَاء لوعده الصَّادِق بِضَمَان حفظه على هَذِه الْأمة المحمدية، فَكَانَ ابْتِدَاء ذَلِك على يَد الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بمشورة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَيُؤَيِّدهُ مَا أخرجه ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف بِإِسْنَاد حسن عَن عبد خير قَالَ: سَمِعت عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: أعظم النَّاس فِي الْمَصَاحِف أجرا أَبُو بكر رَحْمَة الله على أبي بكر، هُوَ أول من جمع كتاب الله.
فَإِن قلت: أخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف من طَرِيق ابْن سِيرِين، قَالَ: قَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لما مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آلَيْت أَن لَا آخذ على رِدَائي إلاَّ لصَلَاة جُمُعَة حَتَّى أجمع الْقُرْآن، فَجَمعه قلت: إِسْنَاده ضَعِيف لانقطاعه، وَلَئِن سلمنَا كَونه مَحْفُوظًا فمراده بجمعه حفظه فِي صَدره قَوْله: ( وَالله خير) ، يَعْنِي: خير فِي زمانهم.
قَوْله: ( فتتبع الْقُرْآن) صِيغَة أَمر، وَكَذَلِكَ قَوْله: ( فاجمعه) قَوْله: ( فتتبعت الْقُرْآن أجمعه) حَال أَي: حَال كوني أجمعه، وَقت التتبع.
قَوْله: ( من العسب) بِضَم الْعين وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ بعدهمَا بَاء مُوَحدَة جمع عسب وَهُوَ جريد النّخل كَانُوا يكشطون الخوص ويكتبون فِي الطّرف العريض، وَقيل: العسب طرف الجريد العريض الَّذِي لم ينْبت عَلَيْهِ الخوص، وَالَّذِي ينْبت عَلَيْهِ الخوص هُوَ السعف، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن شهَاب: الْقصب والعسب والكرانيف وجرائد النّخل.
وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة فِي التَّفْسِير من الرّقاع، الأكتاف والعسب وصدور الرِّجَال، والرقاع جمع رقْعَة، وَقد يكون من جلد أَو ورق أَو كاغد، وَفِي رِوَايَة عمَارَة بن غزيَّة: وَقطع الْأَدِيم.
وَفِي رِوَايَة ابْن أبي دَاوُود من طَرِيق أبي دَاوُود الذيالسي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد: والصحف وَفِي رِوَايَة ابْن أبي دَاوُد والأضلاع، وَعِنْده أَيْضا: والاقتاب جمع قتب الْبَعِير.
قَوْله: ( واللخاف) ، بِكَسْر اللَّام وبالخاء الْمُعْجَمَة وَبعد الْألف فَاء وَهُوَ جمع لخفة، بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْحجر الْأَبْيَض الرَّقِيق،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: اللخاف صَفَائِح الْحِجَارَة الرقَاق.
قَوْله: ( مَعَ أبي خُزَيْمَة الْأنْصَارِيّ) وَوَقع فِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد مَعَ خُزَيْمَة بن ثَابت، أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ، وَرِوَايَة من قَالَ: مَعَ أبي خُزَيْمَة أصح، وَالَّذِي وجد مَعَه آخر سُورَة التَّوْبَة أَبُو خُزَيْمَة بالكنية، وَالَّذِي وجد مَعَه الْآيَة من الْأَحْزَاب خُزَيْمَة، وَاسم أبي خُزَيْمَة لَا يعرف وَهُوَ مَشْهُور بكنيته وَهُوَ ابْن أَوْس بن زيد بن أَصْرَم.
قَوْله: ( فَكَانَت) أَي: الصُّحُف الَّتِي جمعهَا زيد بن ثَابت عِنْد أبي بكر إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى.
قَوْله: ( ثمَّ عِنْد عمر حَيَاته) ، أَي: ثمَّ كَانَت عِنْد عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مُدَّة حَيَاته.
قَوْله: ( ثمَّ عِنْد حَفْصَة) ، أَي: ثمَّ بعد عمر كَانَت عِنْد حَفْصَة بنت عمر فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِنَّمَا كَانَت عِنْد حَفْصَة لِأَن عمر أوصى بذلك فاستمرت عِنْدهَا إِلَى أَن طلبَهَا من لَهُ الطّلب.





[ قــ :47 ... غــ :4987 ]
- حدَّثنا مُوسى احدّثنا إبْرَاهيم حَدثنَا ابنُ شِهاب: أنَّ أنَسَ بنَ مالِكٍ حدَّثَهُ أنَّ حذَيْفَةَ ابنَ اليَمانِ قَدِمَ علَى عُثْمانَ، وكانَ يُغازي أهْلع الشَّأْمِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وأذْرَبِيجانَ مَعَ أهْلِ العِرَاقِ، فأفْزعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي القِرَاءَة، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمانَ: يَا أميرَ المُؤْمِنينَ أدْرِكَ هذِه الأُمَّةَ قَبْلَ أنْ يَخْتَلِفُوا فِي الكِتَابِ اخْتِلاَفَ اليَهُودِ والنصارَى، فأرْسَلَ عثْمانُ إِلَى حَفْصَةَ أنْ أرْسِلِي إليْنا بالصُّحُفِ نَنْسَخُها فِي المصاحِفِ ثُمَّ نَزُدها إليْكِ، فأرْسَلَتْ بِها حَفْصَةُ إِلَى عُثْمانَ فأمَرَ زَيْدَ بنَ ثابِتٍ وعَبْدَ الله بنَ الزُّبَيْرِ وسَعِيدَ بنَ الْعاصِ وعبْدَ الرَّحْمانِ بنَ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوها فِي المَصاحِفِ.
.

     وَقَالَ  عُثْمانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثلاثَةِ: إِذا اخْتَلَفْتُمْ أنْتُمْ وزَيْدُ بنُ ثابتٍ فِي شَيْء مِنَ القُرْآنِ فاكْتُبُوهُ بِلِسانِ قُرَيْشٍ فإِنَّما نَزَلَ بلِسَانِهمْ.
ففَعَلُوا، حتَّى إذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي المَصاحِفِ رَدَّ عُثْمانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، فأرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ ممَّا نَسَخُوا وأمَرَ بمَا سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أوْ مُصْحَفٍ أنْ يخْرَقَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل، وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن سعد، وَهَذَا الْإِسْنَاد إِلَى ابْن شهَاب هُوَ الَّذِي قبله بِعَيْنِه، أَعَادَهُ إِشَارَة إِلَى أَنَّهُمَا حديثان لِابْنِ شهَاب فِي قصتين مختلفتين، وَإِن اتفقَا فِي كِتَابَة الْقُرْآن وَجمعه، وَله قصَّة أُخْرَى عَن خَارِجَة بن زيد فِي آخر هَذَا الحَدِيث، على مَا يَأْتِي الْآن.

قَوْله: ( وَكَانَ يغازي) ، أَي: يغزى، أَي: كَانَ عُثْمَان يُجهز أهل الشَّام وَأهل الْعرَاق لغزو أرمينية وأذربيجان وفتحهما، وأرمينية بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَكسر الْمِيم بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ نون مَكْسُورَة،.

     وَقَالَ  ابْن السَّمْعَانِيّ بِفَتْح الْهمزَة،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: هِيَ بلد مَعْرُوف يضم كورا كَثِيرَة سميت بذلك لكَون الأرمن فِيهَا، وَهِي أمة كالروم، وَقيل: سميت بأرمون بن ليطى بن يومن بن يافث بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام:.

     وَقَالَ  الرشاطي: افتتحت فِي سنة أَربع وَعشْرين فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على يَد سلمَان بن ربيعَة الْبَاهِلِيّ، قَالَ: وَأَهْلهَا بَنو أرمي بن أرم بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام، وأذربيجان بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وبالراء الْمَفْتُوحَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة ثمَّ الْيَاء آخر الْحُرُوف الساكنة ثمَّ الْجِيم وَالْألف وَالنُّون،.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: فتح عبد الله بن سُلَيْمَان الْيَاء، وَعَن الْمُهلب بِالْمدِّ وَكسر الرَّاء بعْدهَا يَاء سَاكِنة بعْدهَا بَاء مَفْتُوحَة،.

     وَقَالَ  أَبُو الْفرج: ألفها مَقْصُورَة وذالها سَاكِنة كَذَلِك قِرَاءَته على أبي مَنْصُور، ويغلط من يمده.
وَفِي المبتدىء: من يقدم الْيَاء أُخْت الْوَاو على الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ جهل، وَفِي النَّوَادِر لِابْنِ الْأَعرَابِي: الْعَرَب تَقوله بقصر الْهمزَة، وَكَذَا ذكره صَاحب تثقيف اللِّسَان وَلَكِن كسر الْهمزَة،.

     وَقَالَ  أَبُو إِسْحَاق البحتري: من الفصيح أذربيجان،.

     وَقَالَ  الجواليقي: الْهمزَة فِي أَولهَا أَصْلِيَّة لِأَن أذر مضموم إِلَيْهِ الآخر،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي: اجْتمعت فِيهَا أَربع مَوَانِع من الصّرْف: العجمة والتعريف، والتأنيث والتركيب، وَهِي بَلْدَة بالجبال من بِلَاد الْعرَاق يَلِي كور أرمينية من جِهَة الغرب،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْأَشْهر عِنْد الْعَجم أذربايجان، بالمدو الْألف بَين الْمُوَحدَة والتحتانية، هُوَ بَلْدَة تبريز وقصباتها.
قَوْله: ( مَعَ أهل الْعرَاق) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِي أهل الْعرَاق.
قَوْله: ( فأفزع) من الإفزاع، و ( حُذَيْفَة) بِالنّصب.
مَفْعُوله، ( وَاخْتِلَافهمْ) بِالرَّفْع فَاعله، وَفِي رِوَايَة يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه: فيتناز عون فِي الْقُرْآن حَتَّى سمع حُذَيْفَة من اخْتلَافهمْ مَا ذعره، وَفِي رِوَايَة يُونُس: فتذاكروا الْقُرْآن وَاخْتلفُوا فِيهِ حَتَّى كَاد يكون بَينهم فتْنَة، وَفِي رِوَايَة عمَارَة بن غزيَّة أَن حُذَيْفَة قدم من غَزْوَة فَلم يدْخل بَيته حَتَّى أَتَى عُثْمَان فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أدْرك النَّاس! قَالَ: وَمَا ذَاك؟ قَالَ: غزوت فرج أرمينية فَإِذا أهل الشَّام يقرأون بِقِرَاءَة أبي بن كَعْب فَيَأْتُونَ بِمَا لم يسمع أهل الْعرَاق، وَإِذا أهل الْعرَاق يقرأون بِقِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود فَيَأْتُونَ بِمَا لم يسمع أهل الشَّام فيكفر بَعضهم بَعْضًا انْتهى.
وَكَانَ هَذَا سَببا لجمع عُثْمَان الْقُرْآن فِي الْمُصحف، وَالْفرق بَينه وَبَين الصُّحُف أَن الصُّحُف هِيَ الأوراق المحررة الَّتِي جمع فِيهَا الْقُرْآن فِي عهد أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَت سورا مفرقة كل سُورَة مرتبَة بآياتها على حِدة، لَكِن لم يرتب بَعْضهَا إِثْر بعض، فَلَمَّا نسخت ورتب بعصها إِثْر بعض صَارَت مُصحفا، وَلم يكن مُصحفا إلاَّ فِي عهد عُثْمَان، على مَا ذكر فِي الحَدِيث من طلب عُثْمَان الصُّحُف من حَفْصَة وَأمره للصحابة الْمَذْكُورين فِي الحَدِيث بِكِتَابَة مصاحف وإرساله إِلَى كل نَاحيَة بمصحف، قَوْله: ( فَأمر زيد بن ثَابت) هُوَ الْأنْصَارِيّ، والبقية قرشيون.
قَوْله: ( فنسخوها) أَي: الصُّحُف أَي: مَا فِي الصُّحُف الَّتِي أرسلتها حَفْصَة إِلَى عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَوْله: ( للرهط القرشيين) وهم عبد الله بن الزبير الْأَسدي وَسَعِيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَرْث المخرومي.
قَوْله: ( فَإِنَّمَا نزل بلسانهم) أَي: فَإِنَّمَا نزل الْقُرْآن بِلِسَان قُرَيْش أَي: مُعظم الْقُرْآن، كَمَا ذكرنَا.
قَوْله: ( وَأرْسل إِلَى كل أفق) أَي: نَاحيَة، وَيجمع على: آفَاق، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: فَأرْسل إِلَى كل جند من أجناد الْمُسلمين بمصحف.
وَاخْتلف فِي عدد الْمَصَاحِف الَّتِي أرسل بهَا عُثْمَان إِلَى الْآفَاق فَالْمَشْهُور أَنَّهَا خَمْسَة، وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي كتاب الْمَصَاحِف من طَرِيق حَمْزَة الزيات، قَالَ: أرسل عُثْمَان أَرْبَعَة مصاحف وَبعث مِنْهَا إِلَى الْكُوفَة بمصحف فَوَقع عِنْد رجل من مُرَاد فَبَقيَ حَتَّى كتبت مصحفي مِنْهُ،.

     وَقَالَ  ابْن أبي دَاوُد: وَسمعت أَبَا حَاتِم السجسْتانِي يَقُول: كتبت سَبْعَة مصاحف: إِلَى مَكَّة وَإِلَى الشَّام وَإِلَى الْيَمين وَإِلَى الْبَحْرين وَإِلَى الْبَصْرَة وَإِلَى الْكُوفَة وَحبس بِالْمَدِينَةِ وَاحِدًا.
قَوْله: ( أَن يخرق) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة رِوَايَة الأكثين وبالمهملة رِوَايَة الْمروزِي وبالوجهين رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وبالمعجمة أثبت، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَن يُمحى أَو يحرق،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ إحراق الْقُرْآن؟ قلت: المحروق هُوَ الْقُرْآن الْمَنْسُوخ أَو الْمُخْتَلط بِغَيْرِهِ من التَّفْسِير أَو بلغَة غير قُرَيْش أَو الْقرَاءَات الشاذة، وَفَائِدَته أَن لَا يَقع الِاخْتِلَاف فِيهِ، قلت: هَذِه الْأَجْوِبَة جَوَاب من لم يطلع على كَلَام الْقَوْم وَلم يتَأَمَّل مَا يدل عَلَيْهِ قَوْله فِي آخر الحَدِيث.

     وَقَالَ  عِيَاض: غسلوها بِالْمَاءِ ثمَّ أحرقوها مُبَالغَة فِي إذهابها، وَعند أبي دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ: وَأمرهمْ أَن يحرقوا كل مصحف يُخَالف الْمُصحف الَّذِي أرسل بِهِ، قَالَ: فَذَلِك زمَان أحرقت الْمَصَاحِف بالعراق بالنَّار، وَفِي رِوَايَة سُوَيْد بن غَفلَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لَا تَقولُوا لعُثْمَان فِي إحراق الْمَصَاحِف إلاَّ خيرا وَفِي رِوَايَة بكير بن الْأَشَج: فَأمر بِجمع الْمَصَاحِف فأحرقها ثمَّ بَث فِي الأجناد الَّتِي كتبت، وَمن طَرِيق مُصعب بن سعد قَالَ: أدْركْت النَّاس متوافرين حِين أحرق عُثْمَان الْمَصَاحِف، فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِك أَو قَالَ: لم يُنكر ذَلِك مِنْهُم أحد.
وَقَالَ ابْن بطال: فِي هَذَا الحَدِيث جَوَاز تحريق الْكتب الَّتِي فِيهَا اسْم الله، عز وَجل، بالنَّار وَإِن ذَلِك إكرام لَهَا وصون عَن وَطئهَا بالأقدام، وَقيل: هَذَا كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت، وَأما الْآن فالغسل إِذا دعت الْحَاجة إِلَى إِزَالَته،.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا الحنيفة: إِن الْمُصحف إِذا بلي بِحَيْثُ لَا ينْتَفع بِهِ يدْفن فِي مَكَان طَاهِر بعيد عَن وَطْء النَّاس.





[ قــ :47 ... غــ :4988 ]
- حدَّثنا قَالَ ابنُ شِهاب: وَأَخْبرنِي خارِجَةُ بنُ زَيْدٍ بنِ ثابِتٍ سَمِعَ زَيْدَ بنَ قابِتٍ، قَالَ: فقَدْتُ آيَة مِنَ الأحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا المُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أسْمَعُ رسولَ لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقْرَأُ بِهَا، فالْتَمَسْناها فَوَجَدْناها مَعَ خُزَيمَةَ بن ثابِتٍ الأنْصارِيِّ { ( 33) من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} ( الْأَحْزَاب: 3) فأَلْحقْناها فِي سُوْرَتِها فِي المُصْحفِ..
هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول، وَذكره البُخَارِيّ مَوْصُولا مُفردا فِي الْجِهَاد وَفِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب وَرَوَاهُ أَيْضا فِي الْأَحْكَام عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن الزُّهْرِيّ كَمَا رَوَاهُ هُنَا، وَظَاهر حَدِيث زيد بن ثَابت هَذَا أَنه فقد آيَة الْأَحْزَاب من الصُّحُف الَّتِي كَانَ نسخهَا فِي خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَتَّى وجدهَا مَعَ خُزَيْمَة بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَوَقع فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن مجمع عَن ابْن شهَاب أَن فَقده إِيَّاهَا إِنَّمَا كَانَ خلَافَة أبي بكر، وَهُوَ وهم مِنْهُ، وَالصَّحِيح مَا فِي الصَّحِيح وَأَن الَّذِي فَقده فِي خلَافَة أبي بكر آيتان من آخر بَرَاءَة، وَأما الَّتِي فِي الْأَحْزَاب ففقدها لما كتب الْمُصحف فِي خلَافَة عُثْمَان، وَجزم ابْن كثير بِمَا وَقع فِي رِوَايَة ابْن مجمع، وَلَيْسَ كَذَلِك وَالله أعلم.
قيل: كَيفَ ألحقها بالمصحف وَشرط الْقُرْآن التَّوَاتُر؟ وَأجِيب بِأَنَّهُ كَانَت مسموعة عِنْدهم من فَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسورتها وموضعها مَعْلُومَة لَهُم ففقدوا كتَابَتهَا.
قيل: لما كَانَ الْقُرْآن متواترا فَمَا هَذَا التتبع وَالنَّظَر فِي العسب؟ وَأجِيب للاستظهار، وَقد كتبت بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وليعلم هَل فِيهَا قِرَاءَة لغير قِرَاءَته من وجوهها أم لَا قيل: شَرط الْقُرْآن كَونه متواترا فَكيف أثبت فِيهِ مَا لم يجده مَعَ أحد غَيره؟ وَأجِيب: بِأَن مَعْنَاهُ لم يجده مَكْتُوبًا عِنْد غَيره، وَأَيْضًا لَا يلْزم من عدم وجدانه أَن لَا يكون متواترا وَأَن لَا يجد غَيره، أَو الْحفاظ نسوها ثمَّ تذكروها.