فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب العزل

( بابُُ العَزْلِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم عزل الرجل ذَكَرَهُ من الْفرج لينزل منيه خَارج الْفرج فِرَارًا من الإحبار.



[ قــ :4931 ... غــ :5207 ]
- حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يحْيى بن سَعِيدٍ عَن ابنِ جُريْجٍ عنْ عَطاءٍ عنْ جابِرِ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

( ي: 8025، 9025)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه فسر الْإِبْهَام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة وَيحيى بن سعيد هُوَ الْقطَّان يروي عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن جَابر بن عبد الله.

والْحَدِيث من أَفْرَاده بِهَذَا الْوَجْه، وروى هَذَا عَن جَابر بِوُجُوه أُخْرَى، فروى البُخَارِيّ أَيْضا من طَرِيق عَمْرو عَن عَطاء عَن جَابر قَالَ: كُنَّا نعزل وَالْقُرْآن ينزل.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا نَحوه، وروى النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث معمر: عَن يحيى بن أبي كثر عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان عَن جَابر، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُول الله! إِنَّا كُنَّا نعزل، فَزَعَمت الْيَهُود أَنَّهَا الموؤودة الصُّغْرَى، فَقَالَ: كذبت الْيَهُود، إِن الله إِذا أرد أَن يخلقه لم يمنعهُ.
وروى مُسلم من رِوَايَة معقل وَهُوَ ابْن عبيد الله الْجَزرِي عَن عَطاء، قَالَ: سَمِعت جَابِرا يَقُول: لقد كُنَّا نعزل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروى مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: كُنَّا نعزل على عهد نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبلغ ذَلِك نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم ينهنا.
وروى أَيْضا النَّسَائِيّ من رِوَايَة عُرْوَة بن عِيَاض عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: سَأَلَ رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِن عِنْدِي جَارِيَة لي وَأَنا أعزل عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن ذَلِك لم يمْنَع شَيْئا أَرَادَ الله الحَدِيث، وروى أَيْضا أَبُو دَاوُد من رِوَايَة زُهَيْر عَن أبي الزبير عَن جَابر، قَالَ: جَاءَ رجل من الْأَنْصَار إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن لي جَارِيَة أَطُوف عَلَيْهَا وَأَنا أكره أَن تحمل فَقَالَ: اعزل عَنْهَا إِن شِئْت فَإِنَّهُ سيأتيها مَا قدر لَهَا الحَدِيث.
وَلَفظ أبي دَاوُد أخرجه ابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) من رِوَايَة سَالم بن أبي الْجَعْد عَن جَابر نَحوه.

قَوْله: ( كُنَّا نعزل على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَول الصَّحَابِيّ: كُنَّا نَفْعل كَذَا إِن أَضَافَهُ إِلَى زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَحكمه حكم الْمَرْفُوع على الصَّحِيح عِنْد أهل الحَدِيث من الْأُصُولِيِّينَ، وَذهب أَبُو بكر الاسماعيلي إِلَى أَنه مَوْقُوف لاحْتِمَال أَن يكون، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، اطلع على ذَلِك، وَهَذَا الْخلاف لَا يَجِيء هُنَا لوُجُود النَّقْل باطلاعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك، كَمَا ثَبت فِي ( صَحِيح مُسلم) من رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر من قَوْله: ( فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم ينهنا) ، ثمَّ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث على جَوَاز الْعَزْل.

فَمن قَالَ بِهِ من الصَّحَابَة: سعد بن أبي وَقاص وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَزيد بن ثَابت وَعبد الله بن عَبَّاس، ذكره عَنْهُم مَالك فِي ( الْمُوَطَّأ) وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن أبي بن كَعْب وَرَافِع بن خديج وَأنس بن مَالك، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة، لَكِن فِي الْعَزْل عَن الْأمة وهم: عمر بن الْخطاب وخبابُ بن الْأَرَت.
وروى كَرَاهَته عَن أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن عمر وَأبي أُمَامَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَكَذَا روى عَن سَالم وَالْأسود من التَّابِعين، وَرُوِيَ عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة التَّفْرِقَة بَين الْحرَّة وَالْأمة، فتستأمر الْحرَّة وَلَا تستأمر الْأمة وهم: عبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر، وَمن التَّابِعين سعيد بن جُبَير وَمُحَمّد بن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَعَمْرو بن مرّة وَجَابِر بن زيد وَالْحسن وَعَطَاء وطاووس، وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد بن حَنْبَل، وَحَكَاهُ صَاحب ( التَّقْرِيب) عَن الشَّافِعِي، وَكَذَا غزاه إِلَيْهِ ابْن عبد الْبر فِي ( التَّمْهِيد) وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم.

وتفصيل القَوْل فِيهِ: أَن الْمَرْأَة إِن كَانَت حرَّة فقد ادّعى فِيهِ ابْن عبد الْبر فِي ( التَّمْهِيد) أَنه لَا خلاف بَين الْعلمَاء فِي أَنه لَا يعْزل عَنْهَا إلاَّ بِإِذْنِهَا.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله دَعْوَى الْإِجْمَاع لَا تصح، فقد اخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي على طَرِيقين: أظهرها كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ رَحمَه الله: إِنَّهَا إِن رضيت جَازَ لَا محَالة، وإلاَّ فَوَجْهَانِ أصَحهمَا عِنْد الْغَزالِيّ الْجَوَاز، وَكَذَا قَالَ الرَّافِعِيّ فِي ( الشَّرْح الصَّغِير) وَالنَّوَوِيّ فِي ( شرح مُسلم) إِنَّه الْأَصَح.

     وَقَالَ  فِي ( الرَّوْضَة) إِنَّه الْمَذْهَب وَالطَّرِيق الثَّانِي: أَنَّهَا إِن لم تَأذن لم يجز، وَإِن أَذِنت فَوَجْهَانِ؟ وَإِن كَانَت الْمَرْأَة الْمُزَوجَة أمة فَاخْتلف الْعلمَاء فِي وجوب اسْتِئْذَان سَيِّدهَا فَحكى ابْن عبد الْبر فِي ( التَّمْهِيد) : عَن مَالك وَأبي حنيفَة وأصحابهما أَنهم قَالُوا: الْإِذْن فِي الْعَزْل عَنْهَا إِلَى مَوْلَاهَا.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: لَهُ أَن يعْزل عَنْهَا بِدُونِ إِذْنهَا وَإِذن مَوْلَاهَا، وَإِن كَانَت الْمَرْأَة أمة لَهُ، فَقَالَ ابْن عبد الْبر: لَا خلاف بَين فُقَهَاء الْأَمْصَار أَنه يجوز الْعَزْل عَنْهَا بِغَيْر إِذْنهَا وَإنَّهُ لَا حق لَهَا فِي ذَلِك،.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله هَكَذَا أطلق نفي الْخلاف وَلَيْسَ بجيد، وَقد فرق أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي الْأمة بَين الْمُسْتَوْلدَة وَغَيرهَا، فَإِن لم يكن قد اسْتَوْلدهَا فَقَالَ الْغَزالِيّ وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ: لَا خلاف فِي جَوَازه، قَالَ الرَّافِعِيّ: صِيَانة للْملك، وَاعْترض صَاحب ( الْمُهِمَّات) بِأَن فِيهِ وَجها حَكَاهُ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر أَنه لَا يجوز لحق الْوَلَد، وَإِن كَانَت مُسْتَوْلدَة لَهُ فَقَالَ الرَّافِعِيّ: رتبها مرتبون على الْمَنْكُوحَة الرقيقة، وَأولى بِالْمَنْعِ لِأَن الْوَلَد حر، وَآخَرُونَ على الْحرَّة والمستولدة أولى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهَا لَيست راسخة فِي الْفراش، وَلِهَذَا لَا تسْتَحقّ الْقسم.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَهَذَا أظهر.





[ قــ :4931 ... غــ :508 ]
- حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌ و: أَخْبرنِي عَطاءٌ سَمِعَ جابِرا رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ والقُرْآنُ يَنْزِلُ وعنْ عَمْرٍ وعنْ عَطاءٍ عنْ جابرٍ قَالَ: كُنّا نَعْزِلُ عَلى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والقُرْآنُ يَنْزِلُ.

( انْظُر الحَدِيث 705 وطرفه)
هَذَانِ وَجْهَان فِي حَدِيث جَابر: أَحدهمَا: عَن عَليّ بن عبد الله الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار، وَذكر فِيهِ الْإِخْبَار وَالسَّمَاع، وَلم يذكر على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَالْآخر: بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور عَن عَمْرو، وَذكره بالعنعنة وَذكر فِيهِ على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني كَانَ يعْزل بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الزَّاي على صِيغَة الْمَجْهُول.
( فَإِن قلت) روى مُسلم من حَدِيث أبي الْأسود عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن جد أمة بنت وهب أُخْت عكاشة: حضرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أنَاس الحَدِيث.
وَفِيه: ثمَّ سَأَلُوهُ عَن الْعَزْل؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَاك الوأد الْخَفي، وَبِه اسْتدلَّ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسَالم بن عبد الله وَالْأسود بن يزِيد.
وطاووس وَقَالُوا: الْعَزْل مَكْرُوه لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الْعَزْل بِمَنْزِلَة الوأد إِلَّا أَنه خَفِي، لِأَن من يعْزل عَن امْرَأَته إِنَّمَا يعْزل هربا من الْوَلَد، فَلذَلِك سمي: الموؤدة الصُّغْرَى، والموؤدة الْكُبْرَى هِيَ الَّتِي تدفن وَهِي حَيَّة، كَانَ إِذا ولد لأَحَدهم بنت فِي الْجَاهِلِيَّة دفنوها فِي التُّرَاب وَهِي حَيَّة فَكيف التَّوْفِيق بَين هَذَا وَبَين حَدِيث جَابر وَأبي سعيد وَغَيرهمَا وَفِي حَدِيث جَابر: قُلْنَا يَا رَسُول الله إِنَّا كُنَّا نعزل، فَزَعَمت الْيَهُود أَنَّهَا الموؤدة الصُّغْرَى، فَقَالَ: كذبت الْيَهُود، إِن الله إِذا أَرَادَ أَن يخلقه لم يمنعهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ قلت: أُجِيب عَن هَذَا بِوُجُوه: الأول: أَنه يحْتَمل أَن يكون الْأَمر فِي ذَلِك كَمَا وَقع فِي عَذَاب الْقَبْر لما قَالَت الْيَهُود إِن الْمَيِّت يعذب فِي قَبره، فكذبهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يطلعه الله على ذَلِك، فَلَمَّا أطلعه الله على عَذَاب الْقَبْر أثبت ذَلِك واستعاذ بِاللَّه مِنْهُ، وَهَهُنَا كَذَلِك.
الثَّانِي: مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ: إِنَّه مَنْسُوخ بِحَدِيث جَابر وَغَيره فَإِن قلت: ذكرُوا أَن جذامة أسلمت عَام الْفَتْح فَيكون حَدِيثهَا مُتَأَخِّرًا فَيكون نَاسِخا لغير قلت: ذكرُوا أَيْضا أَنَّهَا أسلمت قبل الْفَتْح،.

     وَقَالَ  عبد الْحق: هُوَ الصَّحِيح.
الثَّالِث: قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: حَدِيث جذامة مُضْطَرب الرَّابِع: يرجع إِلَى التَّرْجِيح، فَحَدِيث جذامة يرد من حَدِيثهَا، وَحَدِيث جَابر بِرِجَال الصَّحِيح وَله شَاهد من حَدِيث أبي سعيد على مَا سَيَأْتِي، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي أخرجه النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي سَلمَة عَنهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْل؟ فَقيل: إِن الْيَهُود تزْعم أَنَّهَا الموؤدة الصُّغْرَى، فَقَالَ: كذبت يهود.





[ قــ :493 ... غــ :510 ]
- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ أسْماء حَدثنَا جُوَيْرِيَةُ عَن مالِكِ بنِ أنسِ عَن الزُّهْرِيِّ عنِ ابنِ مُحَيْرِيزِ عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: أصَبْنا سَبْيا فَكُنَّا نَعْزِلُ فَسألْنا رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أوَ إنَّكُمْ تَفْعَلُونَ؟ قالَها ثَلاَثا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إِلَّا هِيَ كائنةَ.

( انْظُر الحَدِيث 9)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعبد الله شيخ البُخَارِيّ ابْن أخي جوَيْرِية، وَأَسْمَاء وَجُوَيْرِية من الْأَسْمَاء الْمُشْتَركَة بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَابْن محيريز مصغر محراز بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي واسْمه عبد الله، وَكَذَلِكَ وَقع فِي رِوَايَة يُونُس كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقدر عَن الزُّهْرِيّ: أَخْبرنِي عبد الله بن محيريز الجُمَحِي.
وَهُوَ مدنِي سكن الشَّام، وَأَبُو محيريز جُنَادَة كَانَ من رَهْط أبي محدورة الْمُؤَذّن، وَكَانَ يَتِيما فِي حجره.

والْحَدِيث قد مر فِي الْبيُوع فِي: بابُُ بيع الرَّقِيق، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي ابْن محيريز الحَدِيث.

قَوْله: ( سبيا) أَي: جواري أخذناها من الْكفَّار أسرا وَذَلِكَ فِي غَزْوَة بني المصطلق، وروى ابْن أبي شيبَة فِي ( مصفنه) من رِوَايَة أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَأبي أُمَامَة بن سهل جَمِيعًا عَن أبي سعيد، قَالَ: لما أصبْنَا سبي بني المصطلق استمتعنا من النِّسَاء وعزلنا عَنْهُن قَالَ: ثمَّ إِنِّي وقفت على جَارِيَة فِي سوق بني قينقاع، فَمر رجل من الْيَهُود فَقَالَ: مَا هَذِه الْجَارِيَة يَا أَبَا سعيد؟ قلت: جَارِيَة لي أبيعها.
قَالَ: هَل كنت تصيبها؟ قَالَ: قلت: نعم.
قَالَ: فلعلك تبيعها وَفِي بَطنهَا مثل سخلة، قَالَ: كنت أعزل عَنْهَا.
قَالَ: هَذِه الموؤدة الصُّغْرَى، قَالَ: فَجئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: كذبت يهود، كذبت يهود.
قَوْله: ( أَو إِنَّكُم تَفْعَلُونَ) اخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَت طَائِفَة: ظَاهره الْإِنْكَار والزجر فَنهى عَن الْعَزْل، وَحكى ذَلِك أَيْضا عَن الْحسن، وَكَأَنَّهُم فَهموا من كلمة: لَا، فِي رِوَايَة أُخْرَى: لَا! مَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا، وَهِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَغَيره عَن مَالك إِنَّهَا للنَّهْي عَمَّا سُئِلَ عَنهُ، وَأَن كلمة؛ لَا فِي: أَن لَا تَفعلُوا، لتأكيد النَّهْي كَأَنَّهُ قَالَ: لَا تعزلوا وَعَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا.
.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: إِن هَذَا إِلَى النَّهْي أقرب.
.

     وَقَالَ ت طَائِفَة أُخْرَى: كَأَنَّهَا جعلت جَوَابا لسؤال.
قَوْله: ( عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا) أَي: لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِي أَن لَا تَفعلُوا.
وَقَول هَؤُلَاءِ أولى بالمصير إِلَيْهِ بِدَلِيل قَوْله: ( مَا من نسمَة) إِلَى آخِره، وَبِقَوْلِهِ: افعلوا أَو لَا تَفعلُوا، إِنَّمَا هُوَ الْقدر، وَبِقَوْلِهِ إِذا أَرَادَ الله خلق شَيْء لم يمنعهُ شَيْء، وَهَذِه الألفظا كلهَا مصرحة بِأَن الْعَزْل لَا يرد الْقدر وَلَا يضر، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْس بِهِ، وَبِهَذَا تمسك من رأى إِبَاحَته مُطلقًا عَن الزَّوْجَة وَالْأمة، وَبِه قَالَ كثير من السّلف من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، كَمَا ذَكرْنَاهُ قَوْله: ( مَا من نسمَة) ، بِفَتَحَات هِيَ: النَّفس، أَي مَا من نفس قدر كَونهَا إلاَّ وَهِي تكون سَوَاء عزلتم أَو لَا، أَي: مَا قدر وجوده لَا يمنعهُ الْعَزْل.
وَفِي حَدِيث جَابر أَيْضا: إِن ذَلِك لم يمْنَع شَيْئا أَرَادَهُ الله، وَفِي حَدِيثه أَيْضا وَفِي رِوَايَة مُسلم: أعزل عَنْهَا إِن شِئْت فَإِنَّهُ سيأتيها مَا قدر لَهَا وَفِي حَدِيث الْبَراء، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب ( الْعِلَل) لَيْسَ من كل المَاء يكون الْوَلَد.