فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الرجل: لأطوفن الليلة على نسائي

( بابُُ قَوْلِ الرَّجُل لأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ علَى نِسَائِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان قَول الرجل: ( لأطوفن) أَي: لأدورن على نسَائِي فِي هَذِه اللَّيْلَة بِالْجِمَاعِ، وَهَذِه التَّرْجَمَة إِنَّمَا وَضعهَا فِي قَول سُلَيْمَان، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: لأطوفن اللَّيْلَة بِمِائَة امْرَأَة، على مَا يَجِيء الْآن،.

     وَقَالَ  بَعضهم: تقدم فِي كتاب الطَّهَارَة، بابُُ من دَار على نِسَائِهِ فِي غسل وَاحِد.
وَهُوَ قريب من معنى هَذِه التَّرْجَمَة، وَالْحكم فِي الشَّرِيعَة المحمدية أَن ذَلِك لَا يجوز فِي الزَّوْجَات.
قلت: هَذَا الْكَلَام هُنَا طائح لِأَنَّهُ لم يقْصد من التَّرْجَمَة هَذَا، وَإِنَّمَا قصد بذلك بَيَان قَول سُلَيْمَان، عَلَيْهِ السَّلَام، فَلذَلِك أورد حَدِيثه.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : لَا يجوز أَن يجمع الرجل جماع زَوْجَاته فِي غسل وَاحِد وَلَا يطوف عَلَيْهِنَّ فِي لَيْلَة إلاَّ إِذا ابْتَدَأَ الْقسم بَينهُنَّ أَو أذنَّ لَهُ فِي ذَلِك، أَو إِذا قدم من سفر وَلَعَلَّه لم يكن فِي شَرِيعَة سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام.
من فرض الْقسم بَين النِّسَاء وَالْعدْل بَينهُنَّ مَا أَخذه الله عز وَجل على هَذِه الْأمة.



[ قــ :4964 ... غــ :5242 ]
- حدّثنا مَحْمُودٌ حَدثنَا عَبْدُ الرَّزّاقِ أخْبَرنا مَعَمَرٌ عنِ ابنِ طاوُسِ عنْ أبِيهِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ سُلَيْمانُ بنُ داوُدَ، عَليْهِما السَّلامُ: لأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمَائَةِ امْرَأةٍ تَلِدُ كلُّ امْرَأةٍ غُلاَما يُقاتل فِي سَبِيلِ الله، فَقَالَ لَهُ المَلكُ: قُلْ شاءَ الله، فلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ فأطافَ بِهِنَّ ولَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إلاّ امْرَأةٌ نِصْفَ إنْسانٍ، قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لوْ قَالَ: إنْ شاءَ الله، لَمْ يَحْنَثْ وكانَ أرْجَى لِحاجَتِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ومحمود هُوَ ابْن غيلَان، وَمعمر بِفَتْح الميمن هُوَ ابْن رَاشد، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله يروي عَن أَبِيه طَاوُوس.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بابُُ من طلب الْوَلَد للْجِهَاد.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن عبد بن حميد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَبَّاس الْعَنْبَري.

قَوْله: ( لأطوفن اللَّيْلَة بِمِائَة امْرَأَة) وَفِي كتاب الْجِهَاد: لأطوفن اللَّيْلَة على مائَة امْرَأَة أَو تسع وَتِسْعين،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَفِي بعض الرِّوَايَات: لأطوفن على سبعين، وَفِي بَعْضهَا بِأَلف.
قلت: ذكر أهل التَّارِيخ أَنه كَانَت لَهُ ألف امْرَأَة: ثَلَاثمِائَة حرائر وَسَبْعمائة إِمَاء، وَالله أعلم.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَالَ البُخَارِيّ: الْأَصَح تسعون، وَلَا مُنَافَاة بَين الرِّوَايَات إِذْ التَّخْصِيص بِالْعدَدِ لَا يدل على نفي الزَّائِد.
قَوْله: ( فَقَالَ لَهُ الْملك) أَي جِبْرَائِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، أَو الْملك من الْكِرَام الْكَاتِبين.
قلت: يجوز أَن يكون ملكا غَيرهمَا أرْسلهُ الله.
قَوْله: ( فأطاف بِهن) أَي ألمَّ بِهن وقاربهن.
قَوْله: ( إِلَّا امْرَأَة نصف إِنْسَان) وَهُنَاكَ جَاءَت بشق رجل، وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله لَجَاهَدُوا فِي سَبِيل الله فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: ( لم يَحْنَث) أَي: لم يتَخَلَّف مُرَاده لِأَن الْحِنْث لَا يكون إلاَّ عَن يَمِين، وَيحْتَمل أَن يكون سُلَيْمَان حلف على ذَلِك، وَقيل: ينزل التَّأْكِيد الْمُسْتَفَاد من قَوْله: ( لأطوفن) بمزلة الْيَمين فَلْيتَأَمَّل.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: ( لم يَحْنَث) لم يخب وَلَا عُوقِبَ بالحرمان حِين لم يسْتَثْن مَشِيئَة الله وَلم يَجْعَل الْأَمر لَهُ، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث يَمِين فَيحنث فِيهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه: لما جعل لنَفسِهِ الْقُوَّة وَالْفِعْل عاقبه الله تَعَالَى بالحرمان، فَكَانَ الْحِنْث بِمَعْنى التخييب.
وَقد احْتج بعض الْفُقَهَاء بِهِ على أَن الِاسْتِثْنَاء بعد السُّكُوت عَن النَّهْي جَائِز بِخِلَاف قَول مَالك: وَاحْتَجُّوا بقوله: لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله لم يَحْنَث، وَلَيْسَ كَمَا توهموه، لِأَن هَذَا لم يُمكن يَمِينا وَإِنَّمَا كَانَ قولا جعل الْأَمر لنَفسِهِ وَلم يجب فِيهِ كَفَّارَة فَتسقط عَنهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ.