فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: لا تتحرى الصلاة قبل غروب الشمس

( بابٌُ لاَ يَتَحَرَّى الصَّلاَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ)
أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ أَن الشَّخْص لَا يتحَرَّى أَي: لَا يقْصد الصَّلَاة قبل غرُوب الشَّمْس، وَفِي بعض النّسخ: بابُُ لَا تتحروا.
قَوْله: ( لَا يتحَرَّى) على صِيغَة الْمَجْهُول، و: ( الصَّلَاة) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ نَائِب عَن الْفَاعِل، وَهَذَا يشْعر بِأَنَّهُ إِذا وَقع مِنْهُ اتِّفَاقًا لَا بَأْس بِهِ، وَقد وَقع الْكَلَام فِيهِ فِي الْبابُُ السَّابِق مستقصىً.



[ قــ :569 ... غــ :585]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخْبَرَنَا مالِكٌ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ يَتَحَرَّى أحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُروبِهَا.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَلَا عِنْد غُرُوبهَا) .
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: التَّرْجَمَة قبل الْغُرُوب.
والْحَدِيث عِنْد الْغُرُوب؟ قلت: المُرَاد مِنْهُمَا وَاحِد.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، والْحَدِيث مضى فِي الْبابُُ الَّذِي قبله.
قَوْله: ( لَا يتحَرَّى) كَذَا وَقع بِلَفْظ الْخَبَر.
قَالَ السُّهيْلي: يجوز الْخَبَر عَن مُسْتَقر أَمر الشَّرْع أَي: لَا يكون إلاَّ هَذَا.
قَوْله: ( فَيصَلي) ، بِالنّصب وَهُوَ نَحْو: مَا تَأْتِينَا فتحدثنا، فِي أَن يُرَاد بِهِ نفي التَّحَرِّي وَالصَّلَاة كِلَاهُمَا، وَأَن يُرَاد بِهِ نفي الصَّلَاة فَقَط، وَيجوز الرّفْع من جِهَة النَّحْو، أَي: لَا يتحَرَّى أحدكُم الصَّلَاة فِي وَقت كَذَا، فَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: لَا يتحَرَّى، وَهُوَ نفي بِمَعْنى النَّهْي، وَيُصلي، هُوَ مَنْصُوب بِأَنَّهُ جَوَابه.
وَيجوز أَن يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ الْمنْهِي أَيْضا، فالفعل الْمنْهِي مُعَلل فِي الأول وَالْفِعْل الْمُعَلل مَنْهِيّ فِي الثَّانِي، وَالْمعْنَى على الثَّانِي: لَا يتحَرَّى أحدكُم فعلا يكون سَببا لوُقُوع الصَّلَاة فِي زمَان الْكَرَاهَة، وعَلى الأول كَأَنَّهُ قيل: لَا يتحَرَّى فَقيل: لم ينهانا عَنهُ؟ فَأُجِيب: عَنهُ: خيفة أَن تصلوا، أَو أَن الْكَرَاهَة،.

     وَقَالَ  ابْن خروف: يجوز فِي: فَيصَلي، ثَلَاثَة أوجه: الْجَزْم على الْعَطف، أَي: لَا يتحر وَلَا يصل، وَالرَّفْع على الْقطع أَي: لَا يتحَرَّى فَهُوَ يُصَلِّي، وَالنّصب على جَوَاب النَّهْي، وَالْمعْنَى: لَا يتحَرَّى مُصَليا.





[ قــ :570 ... غــ :586]
- حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا إبْرَهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي عَطَاءُ بنُ يَزِيدَ الجُنْدَعِيُّ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ ولاَ صَلاَةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة بطرِيق الْإِشَارَة لِأَنَّهُ يلْزم من نفي الصَّلَاة بعد الصُّبْح قبل ارْتِفَاع الشَّمْس، وَبعد الْعَصْر قبل غُرُوبهَا أَن لَا يتحراها فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عَمْرو الْقرشِي الْمدنِي.
الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن سعد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ الْقرشِي الْمدنِي.
الثَّالِث: صَالح بن كيسَان الْغِفَارِيّ، مؤدب ولد عمر ابْن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: عَطاء بن يزِيد من الزِّيَادَة أَبُو يزِيد اللَّيْثِيّ الجندعي الْمدنِي؛ الجندعي، بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَضمّهَا بعْدهَا عين مُهْملَة: نِسْبَة إِلَى جندع ابْن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة.
السَّادِس: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، واسْمه: سعد بن مَالك.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون.
وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن حَرْمَلَة عَن ابْن وهب عَن يُونُس.
وَأخرجه النَّسَائِيّ، فِيهِ عَن عبد الحميد بن مُحَمَّد الْحَرَّانِي عَن مخلد بن يزِيد وَعَن مَحْمُود بن خَالِد.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( لَا صَلَاة) ، كلمة: لَا، لنفي الْجِنْس أَي: لَا صَلَاة حَاصِلَة بعد الصُّبْح، أَي: بعد صَلَاة الصُّبْح، وَيُقَال: هَذَا نفي بِمَعْنى النَّهْي، وَالتَّقْدِير: لَا تصلوا.
ثمَّ قيل: إِن النَّهْي للتَّحْرِيم، وَالأَصَح أَنه للكراهة.
وبالنظر إِلَى صُورَة نفي الْجِنْس قَالَ أَبُو طَلْحَة: المُرَاد بذلك كل صَلَاة، وَلَا يثبت ذَلِك عَنهُ.
.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: وَلَا بَأْس أَن يُصَلِّي فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ الْفَائِتَة، وَيسْجد للتلاوة، وَيُصلي على الْجِنَازَة.





[ قــ :571 ... غــ :587]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبَانٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدُرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بنَ أبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ إنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلاَةَ لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ ( الحَدِيث 587 طرفه فِي: 3766) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن أبان، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة: الْبَلْخِي أَبُو بكر مستملى وَكِيع الْمَعْرُوف بحمدويه، مَاتَ سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: هُوَ مُحَمَّد بن أبان الوَاسِطِيّ لَا الْمَذْكُور.
قلت: لكل من الْقَوْلَيْنِ مُرَجّح، وَكِلَاهُمَا ثِقَة.
الثَّانِي: غنْدر، مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّالِث: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الرَّابِع: أَبُو التياح، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: واسْمه يزِيد ابْن حميد الضبعِي الْبَصْرِيّ.
الْخَامِس: حمْرَان، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم: ابْن أبان، مر فِي بابُُ الْوضُوء.
السَّادِس: مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْفِعْل الْمُضَارع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بلخي وواسطي وبصري ومدني.
وَفِيه: عَن مُعَاوِيَة، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: من طَرِيق معَاذ وَغَيره عَن شُعْبَة: خَطَبنَا مُعَاوِيَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَخَالفهُم عُثْمَان بن عَمْرو وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فَقَالَا: عَن ابي التياح عَن معبد الْجُهَنِيّ عَن مُعَاوِيَة وَطَرِيق البُخَارِيّ أرجح، وَيجوز أَن يكون لأبي التياح شَيْخَانِ: أَحدهمَا: حمْرَان، وَالْآخر: معبد الْجُهَنِيّ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( لتصلون) : اللَّام، فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد، وَكَذَلِكَ: اللَّام، فِي كلمة: لقد.
قَوْله: ( يُصليهَا) ، بإفراد الضَّمِير أَي: يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاة، هَذَا فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيره: ( يُصَلِّيهمَا) ، بضمير التَّثْنِيَة أَي: يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ، وَكَذَا وَقع الْخلاف بَين الروَاة فِي قَوْله: عَنْهَا أَو عَنْهُمَا.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَمَا نَفَاهُ مُعَاوِيَة من رُؤْيَته صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهما لقد أثْبته غَيره، والمثبت مقدم على النَّافِي.
قلت: نفي مُعَاوِيَة يرجع إِلَى صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا إِلَى ذَاتهَا، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّيهمَا على وَجه الخصوصية لَهُ، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب؛ وَهَؤُلَاء كَانُوا يصلونَ على سَبِيل التَّطَوُّع الرَّاتِب لَهما، كَمَا كَانُوا يصلونَ بعد الظّهْر، فَأنْكر مُعَاوِيَة عَلَيْهِم من هَذَا الْوَجْه، لِأَنَّهُ ثَبت عِنْده وُرُود النَّهْي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك، كَمَا ورد عَن غَيره عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، على مَا قد ذَكرْنَاهُ.
.

     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا: لَكِن لَيْسَ فِي رِوَايَة الْإِثْبَات مُعَارضَة للأحاديث الْوَارِدَة فِي النَّهْي، لِأَن رِوَايَة الْإِثْبَات لَهَا سَبَب، وَالنَّهْي مَحْمُول على مَا لَا سَبَب لَهُ.
قلت: الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي النَّهْي عَامَّة فَلَا يتْرك الْعَمَل بعمومها للأحاديث الْوَارِدَة الَّتِي لَهَا سَبَب الَّتِي لَا تقاومها، على أَنا نقُول: إِن أَحَادِيث النَّهْي مُتَأَخِّرَة، فَالْعَمَل للمتأخر دون الْمُتَقَدّم.





[ قــ :57 ... غــ :588]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدَةُ عنْ عُبَيْدِ الله عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ حَفْصِ بنِ عَاصِمٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ صَلاَتَيْنِ بَعْدَ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وبعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ.


هَذَا الحَدِيث قد تقدم فِي الْبابُُ الَّذِي قبله بأتم مِنْهُ.
أخرجه هُنَاكَ: عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة عَن عبيد الله، وَهَهُنَا: عَن مُحَمَّد بن سَلام بتَشْديد اللَّام عَن عَبدة بن سُلَيْمَان عَن عبيد الله بن عمر بن حَفْص عَن خبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة إِلَى آخِره ...