فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم، بل هو شر لهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة، ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير)

( بابٌُ: { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ} ( آل عمرَان: 180) الآيَةَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَا تحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله} الْآيَة هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره سيقت الْآيَة إِلَى آخرهَا قَالَ الواحدي: أجمع الْمُفَسِّرُونَ على أَنَّهَا نزلت فِي مانعي الزَّكَاة، وروى عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا نزلت فِي أَحْبَار الْيَهُود الَّذين كتموا صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ونبوته وَأَرَادَ بالبخل كتمان الْعلم الَّذِي آتَاهُم الله عز وَجل، وَذكره الزّجاج أَيْضا عَن ابْن جريج وَاخْتَارَهُ، وَفِي ( تَفْسِير أبي عبد الله بن النَّقِيب) أَن هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة نزلت فِي الْبَخِيل بِنَفَقَة الْجِهَاد حَيْثُ كَانَت النَّفَقَة فِيهِ وَاجِبَة.
وَقيل: نزلت فِي النَّفَقَة على الْعِيَال وَذَوي الْأَرْحَام إِذا كَانُوا مُحْتَاجين.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ، وَلَا تحسبن من قَرَأَ بِالتَّاءِ قدر مُضَافا محذوفا أَي: وَلَا تحسبن بخل الَّذين يَبْخلُونَ هُوَ خيرا لَهُم، وَكَذَلِكَ من قَرَأَ بِالْيَاءِ وَجعل فَاعل: يَحسبن، ضمير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو ضمير أحد، وَمن جعل فَاعله الَّذين يَبْخلُونَ كَانَ الْمَفْعُول الأول عِنْده محذوفا، تَقْدِيره، وَلَا تحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بخلهم هُوَ خيرا لَهُم، وَالَّذِي سوغ حذفه دلَالَة، يَبْخلُونَ، عَلَيْهِ قَوْله: ( هُوَ خيرا لَهُم) كلمة هُوَ فصل وَقَرَأَ الْأَعْمَش بِغَيْر هُوَ.
قَوْله: ( سيطوقون) تَفْسِير لقَوْله: ( بل هُوَ شَرّ لَهُم) أَي: سيلزمون وبال مَا يَخْلُو بِهِ إِلْزَام الطوق، وروى عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور من طَرِيق إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ بِإِسْنَاد جيد فِي هَذِه الْآيَة سيطوقون، قَالَ: بطوق من النَّار.
سَيُطَوَّقُونَ كَقَوْلِكَ طَوَّقْتُهُ بِطَوْقٍ
أَرَادَ بِهَذَا تَفْسِير قَوْله: { سيطوقون مَا بخلوا بِهِ} حَاصِل الْمَعْنى: أَن مَا بخلوا بِهِ فِي الدُّنْيَا يَجْعَل أطواقا يَوْم الْقِيَامَة فيطوقون بهَا فَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا سيحملون يَوْم الْقِيَامَة مَا بخلوا بِهِ، وَعَن مُجَاهِد: يكلفون أَن يَأْتُوا بِمَا بخلوا بِهِ، وَعَن أبي مَالك الْعَبْدي: يخرج لَهُم مَا بخلوا بِهِ شجاعا أَقرع من النَّار فيطوقونه، وَعَن ابْن مَسْعُود ثعبانا يلتوي بِهِ رَأس أحدهم.
قَوْله: ( كَقَوْلِك: طوقته) ، يَعْنِي الَّذِي بخلوا بِهِ يصير أطواقا فِي أَعْنَاقهم فيصيرون مطوقين.
كَمَا فِي قَوْلك إِذا قلت: طوقت فلَانا، يَعْنِي: جعلت فِي عُنُقه طوقا حَتَّى صَار مطوقا.



[ قــ :4312 ... غــ :4565 ]
- ح دَّثني عَبْدُ الله بنُ مُنِيرٍ سَمِع أبَا النَّضْرِ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحمانِ هُوَ ابنُ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي صَالِحٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ آتَاهُ الله مَالا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثْلَ لَهُ مَالُهُ شُجاعا أقْرَعَ لهُ زَبيبتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ يَقُولُ أنَا مَالِكَ أنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلا هاذِهِ الآيَةَ { وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ الله مِنْ فَضْلِهِ} إلَى آخِرِ الآيَةَ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الله بن مُنِير، بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون على وزن اسْم فَاعل من الإنارة، أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمروزِي الزَّاهِد، وَأَبُو النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة، هَاشم بن الْقَاسِم ولقبه قَيْصر التَّمِيمِي، وَيُقَال: الْكِنَانِي الْحَافِظ الْخُرَاسَانِي، سكن بَغْدَاد، وَأَبُو صَالح السمان واسْمه ذكْوَان.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بابُُ إِثْم مَانع الزَّكَاة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن هَاشم بن الْقَاسِم عَن عبد الرَّحْمَن بن دِينَار إِلَى آخِره نَحوه: وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( مثل) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: صور لَهُ مَاله ( شجاعا) أَي: حَيَّة ( أَقرع) أَي: منحسر شعر الرَّأْس لِكَثْرَة سمه.
والزبيبة، بِفَتْح الزَّاي وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى: النقطة السَّوْدَاء فَوق الْعين، واللهزمة: بِكَسْر اللَّام وَسُكُون الْهَاء وبالزاي: وَهِي الشدق.