فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب لا يرد السلام في الصلاة

( بابُُ لَا يرد السَّلَام فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ أَن الْمُصَلِّي لَا يرد السَّلَام على الْمُسلم فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ خطاب آدَمِيّ

[ قــ :1172 ... غــ :1216]
- ( حَدثنَا عبد الله بن أبي شيبَة قَالَ حَدثنَا ابْن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله.
قَالَ كنت أسلم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَيرد عَليّ فَلَمَّا رَجعْنَا سلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ.
.

     وَقَالَ  إِن فِي الصَّلَاة شغلا)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَلم يرد عَليّ " وَقد مضى الحَدِيث فِي بابُُ مَا ينْهَى عَنهُ من الْكَلَام وَأخرجه عَن ابْن نمير عَن ابْن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش وَقد مضى هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء وَعبد الله هُوَ ابْن مُحَمَّد بن أبي شيبَة الْكُوفِي الْحَافِظ أَخُو عُثْمَان بن أبي شيبَة مَاتَ فِي الْمحرم سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَابْن فُضَيْل بِضَم الْفَاء وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة مر فِي كتاب الْإِيمَان وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ وعلقمة بن قيس النَّخعِيّ وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود وَحكى ابْن بطال الْإِجْمَاع أَنه لَا يرد السَّلَام نطقا وَاخْتلفُوا هَل يرد إِشَارَة فكرهه طَائِفَة رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر وَرخّص فِيهِ طَائِفَة روى ذَلِك عَن سعيد بن الْمسيب وَقَتَادَة وَالْحسن وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة أجَازه وَفِي أُخْرَى كرهه وَعند طَائِفَة إِذا فرغ من الصَّلَاة يرد وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي السَّلَام على الْمُصَلِّي فكره ذَلِك قوم رُوِيَ ذَلِك " عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لَو دخلت على قوم وهم يصلونَ مَا سلمت عَلَيْهِم ".

     وَقَالَ  أَبُو مجلز السَّلَام على الْمُصَلِّي عجز وَكَرِهَهُ عَطاء وَالشعْبِيّ رَوَاهُ ابْن وهيب عَن مَالك وَبِه قَالَ إِسْحَاق ورخصت فِيهِ طَائِفَة رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَهُوَ قَول مَالك فِي الْمُدَوَّنَة.

     وَقَالَ  لَا يكره السَّلَام عَلَيْهِ فِي فَرِيضَة وَلَا نَافِلَة وَفعله أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى



[ قــ :1173 ... غــ :117]
- ( حَدثنَا أَبُو معمر قَالَ حَدثنَا عبد الْوَارِث قَالَ حَدثنَا كثير بن شنظير عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَاجَة لَهُ فَانْطَلَقت ثمَّ رجعت وَقد قضيتها فَأتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ فَوَقع فِي قلبِي مَا الله أعلم بِهِ فَقلت فِي نَفسِي لَعَلَّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وجد عَليّ أَنِّي أَبْطَأت عَلَيْهِ ثمَّ سلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ فَوَقع فِي قلبِي أَشد من الْمرة الأولى ثمَّ سلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ فَقَالَ إِنَّمَا مَنَعَنِي أَن أرد عَلَيْك أَنِّي كنت أُصَلِّي وَكَانَ على رَاحِلَته مُتَوَجها إِلَى غير الْقبْلَة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول أَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج واسْمه ميسرَة التَّمِيمِي المقعد.
الثَّانِي عبد الْوَارِث بن سعيد التنوري.
الثَّالِث كثير ضد قَلِيل ابْن شنظير بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَكسر الظَّاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء.
الرَّابِع عَطاء بن أبي رَبَاح.
الْخَامِس جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته بصريون وَفِيه شنظير وَهُوَ علم وَالِد كثير وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَة السيء الْخلق ولقب كثير أَبُو قُرَّة.
( ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي كَامِل عَن حَمَّاد وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن مُعلى بن مَنْصُور.
( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " فِي حَاجَة " بَين مُسلم من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر أَن ذَلِك كَانَ فِي غَزْوَة بني المصطلق قَوْله " فَلم يرد عَليّ " وَفِي رِوَايَة مُسلم الْمَذْكُورَة " فَقَالَ لي بِيَدِهِ هَكَذَا " وَفِي رِوَايَة أُخْرَى " فَأَشَارَ إِلَيّ " فَإِذا كَانَ كَذَلِك يحمل قَول جَابر فِي وَرِوَايَة البُخَارِيّ " فَلم يرد عَليّ " أَي بِاللَّفْظِ وَكَانَ جَابِرا لم يعرف أَولا أَن المُرَاد بِالْإِشَارَةِ الرَّد عَلَيْهِ فَلذَلِك قَالَ " فَوَقع فِي قلبِي مَا الله أعلم بِهِ " أَي من الْحزن وَكَأَنَّهُ أبهم ذَلِك إشعارا بِأَنَّهُ لَا يدْخل من شدته تَحت الْعبارَة قَوْله " مَا الله أعلم بِهِ " كلمة مَا فَاعل لقَوْله " وَقع " وَلَفْظَة " الله " مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله " أعلم بِهِ " قَوْله " وجد عَليّ " بِفَتْح الْوَاو وَالْجِيم مَعْنَاهُ غضب يُقَال وجد عَلَيْهِ يجد وجدا وموجدة وَوجد ضالته يجدهَا وجدانا إِذا رَآهَا ولقيها وَوجد يجد جدة أَي اسْتغنى غنى لَا فقر بعده وَوجدت بفلانة وجدا إِذا أحببتها حبا شَدِيدا قَوْله " إِنِّي أَبْطَأت " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " أَن أَبْطَأت " بنُون خَفِيفَة قَوْله " فَرد عَليّ " أَي بعد أَن فرغ من صلَاته قَوْله " مَا مَنَعَنِي أَن أرد عَلَيْك " أَي السَّلَام " إِلَّا أَنِّي كنت أُصَلِّي " قَوْله " وَكَانَ على رَاحِلَته مُتَوَجها إِلَى غير الْقبْلَة " وَفِي رِوَايَة مُسلم " فَرَجَعت وَهُوَ يُصَلِّي على رَاحِلَته وَوَجهه على غير الْقبْلَة ".
وَمِمَّا يُسْتَفَاد أَمنه إِثْبَات الْكَلَام النفساني وَأَن الْكَبِير إِذا وَقع مِنْهُ مَا يُوجب حزنا يظْهر سَببه ليندفع ذَلِك وَجَوَاز صَلَاة النَّفْل على الرَّاحِلَة إِلَى غير الْقبْلَة.
وَفِيه كَرَاهَة السَّلَام على الْمُصَلِّي وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب