فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب صلاة النساء خلف الرجال

( بابُُ صَلاَةِ النِّسَاءِ خَلْفَ الرِّجَالِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن صَلَاة النِّسَاء خلف صُفُوف الرِّجَال، لِأَن مبْنى أمرهن على السّتْر وتأخرهن عَن الرِّجَال أستر لَهُنَّ.



[ قــ :846 ... غــ :870 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ قَزَعَةَ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ هِنْدٍ بِنْتِ الحَارِثِ عنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا سَلَّمَ قامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ ويَمْكُثُ هُوَ فِي مَقَامِهِ يَسِيرا قَبْلَ أنْ يَقُومَ.
قَالَ نَرَي وَالله أعْلَمُ أنَّ ذَلِكَ كانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُنَّ مِنَ الرِّجَالِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن صف النِّسَاء لَو كَانَ أَمَام الرِّجَال أَو بَعضهم للَزِمَ من انصرافهن قبل أَن يتخطينهم، وَذَلِكَ مَنْهِيّ عَنهُ.
قلت: هَذَا على مَذْهَبهم، وَأما على مَذْهَب الْحَنَفِيَّة إِذا تقدم صف من النِّسَاء على صف من الرِّجَال يفْسد ذَلِك صَلَاة هَؤُلَاءِ الصَّفّ بِتَمَامِهِ، كَمَا علم من مَذْهَبهم فِي حكم الْمُحَاذَاة، وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه مضى فِي: بابُُ التَّسْلِيم، أخرجه هُنَاكَ: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد، وَهَهُنَا: عَن يحيى بن قزعة، بِالْقَافِ وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة المفتوحات، وَقد تسكن الزَّاي: الْمَكِّيّ الْمُؤَذّن عَن إِبْرَاهِيم بن سعد.
قَوْله: ( قَالَ نرى) أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ، وَهَذَا إدراج مِنْهُ.
قَوْله: ( قبل أَن يدركهن من الرِّجَال) ، ويروى: ( قبل أَن يدركهن أحد من الرِّجَال) .




[ قــ :847 ... غــ :871 ]
- ( حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة عَن إِسْحَاق عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بَيت أم سليم فَقُمْت ويتيم خَلفه وَأم سليم خلفنا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَأم سليم خلفنا " فَإِنَّهَا صلت خلف الرِّجَال وهم أنس وَمن مَعَه والْحَدِيث مضى فِي بابُُ الْمَرْأَة تكون وَحدهَا صفا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن سُفْيَان عَن إِسْحَاق عَن أنس وَهَهُنَا عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن سُفْيَان إِلَى آخِره نَحوه قَوْله " فَقُمْت " الْقَائِل أنس قَوْله " ويتيم " عطف عَلَيْهِ وَفِيه شَاهد لمَذْهَب الْكُوفِيّين فِي إجَازَة الْعَطف على الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل بِدُونِ التَّأْكِيد وعَلى مَذْهَب الْبَصرِيين يجب نصب الْمَعْطُوف على أَنه مفعول مَعَه واليتيم الْمَذْكُور اسْمه ضميرَة بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَقد مر فِي بابُُ الصَّلَاة على الْحَصِير -


( بابُُ سُرْعَةِ انْصِرَافِ النِّسَاءِ مِنَ الصُّبْحِ وَقِلَّةِ مَقَامِهِنَّ فِي المَسْجِدِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي سرعَة انصراف النِّسَاء من صَلَاة الصُّبْح، وَإِنَّمَا قيدة بالصبح لِأَنَّهُ طول التَّأْخِير فِيهِ يُفْضِي إِلَى الْإِسْفَار، فَالْمُنَاسِب هُوَ الْإِسْرَاع، بِخِلَاف الْعشَاء فَإِنَّهُ يُفْضِي إِلَى زِيَادَة الظلمَة، فَلَا يضر الْمكْث.
قَوْله: ( مقامهن) ، بِفَتْح الْمِيم بِمَعْنى: قيامهن، وَقلة توقفهن فِي الْمَسْجِد خوفًا من أَن ينتشر الضياء ويعرفن حِينَئِذٍ.



[ قــ :847 ... غــ :87 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ موساى قَالَ حدَّثنا سَعِيدُ بنُ مَنْصُور قالَ حدَّثنا فُلَيْحٌ عنْ عَبْدِ الرَّحْمان بنِ القاسِمِ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ المُؤْمِنِينَ لَا يُعْرَفْنَ مِنَ الغلَس أوْ لاَ يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد مضى الحَدِيث، وَأخرجه هَهُنَا: عَن يحيى بن مُوسَى الْبَلْخِي، يُقَال لَهُ: خت، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق.
وَيُقَال لَهُ: الختي، مَاتَ سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَسَعِيد بن مَنْصُور من شُيُوخ البُخَارِيّ، وَقد روى عَنهُ هَهُنَا بالواسطة.
قَوْله: ( فينصرفن نسَاء الْمُؤمنِينَ) ، هُوَ عَليّ لُغَة: أكلوني البراغيث، وَهِي لُغَة بني الْحَارِث.
وَكَذَا قَوْله: ( لَا يعرفن بَعضهنَّ بَعْضًا) ، وَهَذَا فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ والكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: ( لَا يعرف) ، بِالْإِفْرَادِ على الأَصْل.
قَوْله: ( الْمُؤمنِينَ) ذكر الْكرْمَانِي أَن فِي بعض النّسخ: نسَاء الْمُؤْمِنَات، ثمَّ قَالَ: تَأْوِيله نسَاء الْأَنْفس الْمُؤْمِنَات، أَو الْإِضَافَة بَيَانِيَّة نَحْو: شجر الْأَرَاك.
وَقيل: إِن النِّسَاء بِمَعْنى الفاضلات، أَي فاضلات الْمُؤْمِنَات.

قَالَ: وَفِيه دَلِيل على وجوب قطع الذرائع الداعية إِلَى الْفِتْنَة وَطلب إخلاص الْفِكر، لاشتغال النَّفس بِمَا جبلت عَلَيْهِ من أُمُور النِّسَاء، وَالله تَعَالَى أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.