فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصلاة في البيعة

( بابُُ الصَّلاَةِ فِي البِيعَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الصَّلَاة فِي الْبيعَة، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة: معبد النَّصَارَى، والكنيسة: معبد الْيَهُود، فَإِن قلت: إِذا كَانَ كَذَلِك فَكيف عقد الْبابُُ للصَّلَاة فِي الْبيعَة، وَالْمَذْكُور فِي الحَدِيث هُوَ الْكَنِيسَة؟ قلت: عقد الْبابُُ هَكَذَا على قَول من لم يفرق بَينهمَا، فَإِن الْجَوْهَرِي قَالَ: الْكَنِيسَة والبيعة لِلنَّصَارَى، وَيُقَال: الْبيعَة صومعة الراهب، ذكره فِي ( الْمُحكم) وَيُقَال: الْبيعَة والكنيسة لِلنَّصَارَى، والصلوات للْيَهُود، والصوامع للرهبان.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: البيع للْيَهُود، والصلوات للصابئين.
وَقيل: كالمساجد للْمُسلمين.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: وَأنكر بعض أهل اللُّغَة هَذِه الْمقَالة،.

     وَقَالَ  الجواليقي: جعل بعض الْعلمَاء الْبيعَة والكنيسة فارسيتين معربتين.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: هَذَا الْبابُُ لَيْسَ مُعَارضا لبابُ من صلى وقدامه نَار أَو تنور، وَذَلِكَ أَن الِاخْتِيَار أَن لَا يبتدىء بِالصَّلَاةِ إِلَى شَيْء من معبودات الْكفَّار، إلاَّ أَن يعرض لَهُ، كَمَا فِي حَدِيث صَلَاة الخسوف وَعرض النَّار عَلَيْهِ، صلى اتعالى عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: تَقْرِير معنى الْمُعَارضَة بَين الْبابَُُيْنِ أَن فِي هَذَا الْبابُُ كَرَاهَة الصَّلَاة أَو تَحْرِيمهَا، وَفِي ذَاك الْبابُُ جَوَازهَا مَعَ عدم الْكَرَاهَة، وَتَقْرِير الْجَواب أَن مَا كَانَ فِي ذَاك الْبابُُ بِغَيْر الِاخْتِيَار، وَمَا فِي هَذَا الْبابُُ كَقَوْل عمر، رَضِي اتعالى عَنهُ: إِنَّا لَا ندخل كنائسكم، يَعْنِي بِالِاخْتِيَارِ وَالِاسْتِحْسَان دون ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى ذَلِك.

وَقَالَ عُمَرُ، رَضِي اعنه، إنَّا لاَ نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ منْ أجْلِ التَّمَائِيلِ الَّتِي فِيها الصُّوَرُ
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عدم دُخُوله فِي كنائسهم لأجل الصُّور الَّتِي فِيهَا، وَلَوْلَا الصُّور وَمَا كَانَ يمْتَنع من الدُّخُول، وَعند الدُّخُول لَا تمنع الصَّلَاة، فحينئذٍ صَحَّ فعل الصَّلَاة فِي الْبيعَة من غير كَرَاهَة إِذا لم يكن فِيهَا تماثيل، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) عَن سهل بن سعد عَن حميد عَن بكر، قَالَ: ( كتب إِلَى عمر، رَضِي اتعالى عَنهُ، من نَجْرَان أَنهم لم يَجدوا مَكَانا أنظف وَلَا أَجود من بيعَة فَكتب انضحوها بِمَاء وَسدر وصلوا فِيهَا) .
وَأثر عمر وَصله عبد الرَّزَّاق من طَرِيق أسلم مولى عمر، قَالَ: ( لما قدم عمر الشَّام صنع لَهُ رجل من النَّصَارَى طَعَاما، وَكَانَ من عظمائهم،.

     وَقَالَ : أَنا أحب أَن تُجِيبنِي وتكرمني.
فَقَالَ لَهُ عمر: إنَّا لَا ندخل كنائسكم من أجل الصُّور الَّتِي فِيهَا)
.
يَعْنِي التماثيل.
قَوْله: ( إِنَّا لَا ندخل كنائسكم) بكاف الْخطاب، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: ( كنائسهم) ، بضمير الْجمع الْغَائِب.
قَوْله: ( الَّتِي فِيهَا الصُّور) ، جملَة إسمية، لِأَن الصُّور مُبْتَدأ مَرْفُوع، وَقَوله: ( فِيهَا) خَبره، أَي: فِي الْكَنَائِس، وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول وَقعت صفة للكنائس لَا للتماثيل لفساد الْمَعْنى، لِأَن التماثيل هِيَ الصُّور.
ويروى الصُّور، بِالْجَرِّ، فعلى هَذَا يكون الْمَوْصُول مَعَ صلته صفة للتماثيل، وَتَكون الصُّور بِالْجَرِّ بَدَلا من: التماثيل، أَو عطف بَيَان.
وَيجوز نصب الصُّور على الِاخْتِصَاص، وَوجه بَعضهم رفع الصُّور، بقوله: إِن التماثيل مصورة، وَهَذَا تَوْجِيه من لَا يعرف من الْعَرَبيَّة شَيْئا.
وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: والصور، بواو الْعَطف على التماثيل، وَالْمعْنَى: وَلأَجل الصُّورَة الَّتِي فِيهَا، والصور أَعم من التمثال.

وكانَ ابنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي البيعَةِ إِلاَّ بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ.

هَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَغَوِيّ فِي الجعديات، وَزَاد فِيهِ: ( فَإِن كَانَ فِيهَا تماثيل خرج فصلى فِي الْمَطَر) ، وروى ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) بِسَنَد فِيهِ خصيف، وَفِيه كَلَام: عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس أَنه كره الصَّلَاة فِي الْكَنِيسَة إِذا كَانَ فِيهَا تصاوير وَمِمَّنْ لم ير بِالصَّلَاةِ فِي الْكَنَائِس وَالْبيع بَأْسا: عَطاء وَالشعْبِيّ وَابْن سِيرِين، وَهُوَ قَول مَالك، وروى عَنهُ أَنه كره الصَّلَاة فِي الْكَنَائِس لما يُصِيب أَهله فِيهَا من الْخَنَازِير وَالْخمر، إِلَّا أَن يضْطَر إِلَى ذَلِك من شدَّة طين أَو مطر.



[ قــ :426 ... غــ :434]
- حَدَّثَنَا مُحَمدٌ قَالَ أخبرنَا عَبْدَةُ عنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسولِ اللَّهِ كَنيسَةً رَأَنْهَا بِأَرْضِ الحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ فَذَكرَتْ لَهُ مَا رَأتْ فِيهَا مِنَ الصُوَرِ فقالَ رَسولُ الله أُولَئِكَ قَوْمٌ إذَا ماتَ فِيهمُ العَبْدُ الصَّالِحُ أَو الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِداً وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أولَئِكِ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ.
( انْظُر الحَدِيث 724 وطرفيه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( بنوا على قَبره مَسْجِدا وصوروا فِيهِ تِلْكَ الصُّور) ، لِأَن الْبابُُ فِي الصَّلَاة فِي الْبيعَة، وَقد مر أَنَّهَا تكره فِي الْبيعَة إِذا كَانَت فِيهَا صور، وَهَذَا الحَدِيث ذكره فِي بابُُ: هَل تنبش قُبُور مُشْركي الْجَاهِلِيَّة؟ قبل هَذَا الْبابُُ بِخَمْسَة أَبْوَاب، وَذكرنَا مَا يتَعَلَّق بِهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام البيكندي، كَمَا صرح بِهِ ابْن السكن فِي رِوَايَته، وَعَبدَة، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: هُوَ ابْن سُلَيْمَان، واسْمه: عبد الرَّحْمَن، وَعَبدَة لقبه.
قَوْله: ( مَارِيَة) بالراء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف.




( بابُُ)

غير منون، لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ بعد العقد والتركيب، وَلم يذكر لَهُ تَرْجَمَة، وَكَذَا رُوِيَ فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَهُوَ كالفصل من الْبابُُ الَّذِي قبله، وَله تعلق بِذَاكَ.

وَجه التَّعَلُّق أَن كلاًّ مِنْهُمَا مُشْتَمل على الزّجر عَن اتِّخَاذ الْقُبُور مَسَاجِد، والتصوير مَذْكُور هُنَاكَ، وَهَهُنَا يُشِير إِلَى أَن اتِّخَاذ الْقُبُور مَسَاجِد مَذْمُوم، سَوَاء كَانَ فعل ذَلِك بصور أم لَا.


[ قــ :47 ... غــ :435]
- ( حَدثنَا أَبُو الْيَمَان قَالَ أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة أَن عَائِشَة وَعبد الله بن عَبَّاس قَالَا لما نزل برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طفق يطْرَح خميصة لَهُ على وَجهه فَإِذا اغتم بهَا كشفها عَن وَجهه فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِك لعنة الله على الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد يحذروا مَا صَنَعُوا) مطابقته لترجمة الْبابُُ المترجم فِي قَوْله " اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد " لأَنهم إِذا اتَّخَذُوهَا مَسَاجِد يصلونَ فِيهَا ويسمون الْمَسَاجِد البيع وَالْكَنَائِس وَالْبابُُ فِي الصَّلَاة فِي البيع ( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة الأول أَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.
الثَّانِي شُعَيْب بن أبي حَمْزَة.
الثَّالِث مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الرَّابِع عبيد الله بن عبد الله بتصغير الابْن وتكبير الْأَب.
الْخَامِس عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
السَّادِس عبد الله بن عَبَّاس ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع آخر وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين حمصي ومدني وَفِيه رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ وصحابية كِلَاهُمَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن يحيى بن بكير وَفِي الْمَغَازِي عَن سعد بن عفير كِلَاهُمَا عَن اللَّيْث عَن عقيل وَفِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن بشر بن مُحَمَّد عَن ابْن الْمُبَارك عَن معمر وَيُونُس أربعتهم عَن الزُّهْرِيّ وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي وحرملة بن يحيى كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب عَن يُونُس بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الْوَفَاة عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك بِهِ وَفِي الْوَفَاة أَيْضا عَن عبد الله بن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن عَمه يَعْقُوب ( ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه) قَوْله " لما نزل " على صِيغَة الْمَعْلُوم فِي رِوَايَة أبي ذَر وفاعله مَحْذُوف أَي لما نزل الْمَوْت وَفِي رِوَايَة غَيره بِضَم النُّون وَكسر الزَّاي على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " طفق " جَوَاب لما وَهُوَ من أَفعَال المقاربة وَهِي ثَلَاثَة أَنْوَاع مِنْهَا مَا وضع للدلالة على الشُّرُوع فِي الْخَبَر وأفعاله أنشأ وطفق وَجعل وعلق وَأخذ وتعمل هَذِه الْأَفْعَال عمل كَانَ إِلَّا أَن خبرهن يجب كَونه جملَة حكى الْأَخْفَش طفق يطفق مثل ضرب يضْرب وطفق يطفق مثل علم يعلم وَلم يسْتَعْمل لَهُ اسْم فَاعل وَاسْتعْمل لَهُ مصدر حكى الْأَخْفَش طفوقا عَمَّن قَالَ طفق بِالْفَتْح وطفقا عَمَّن قَالَ طفق بِالْكَسْرِ وَمَعْنَاهُ هَهُنَا جعل وَقَوله يطْرَح جملَة خَبره وخميصة بِالنّصب مفعول يطْرَح وَهِي كسَاء لَهُ إِعْلَام أَو علمَان أسود مربع وَقد مر تَفْسِيرهَا مستقصى قَوْله " لَهُ " فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا صفة لخميصة قَوْله " على وَجهه " يتَعَلَّق بقوله " يطْرَح " قَوْله " فَإِذا اغتم " بالغين الْمُعْجَمَة أَي إِذا تسخن وَحمى قَوْله " بهَا " أَي بالخميصة قَوْله " فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِك " أَي فِي تِلْكَ الْحَال.

     وَقَالَ  بَعضهم وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك فِي الْوَقْت الَّذِي ذكرت فِيهِ أم سَلمَة وَأم حَبِيبَة أَمر الْكَنِيسَة الَّتِي رأتاها بِأَرْض الْحَبَشَة ( قلت) هَذَا بعيد جدا لَا يخفى على الفطن.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي قَوْله وَهُوَ كَذَلِك مقول الرَّاوِي أَي قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ حَال الطرح والكشف قَوْله " لعنة الله " اللَّعْنَة الطَّرْد والإبعاد عَن الرَّحْمَة قَوْله " اتَّخذُوا " جملَة استئنافية كَأَنَّهَا جَوَاب عَن سُؤال سَائل مَا سَبَب لعنهم فَأُجِيب بقوله اتَّخذُوا قَوْله " يحذر مَا صَنَعُوا " مقول الرَّاوِي لَا مقول الرَّسُول وَهِي أَيْضا جملَة مستأنفة وَإِنَّمَا كَانَ يُحَذرهُمْ من ذَلِك الصَّنِيع لِئَلَّا يفعل بقبره مثله وَلَعَلَّ الْحِكْمَة فِيهِ أَنه يصير بالتدريج شَبِيها بِعبَادة الْأَصْنَام



[ قــ :48 ... غــ :437]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالكٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ قَالَ قاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ اتَّخَذوا وقُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق.
وَرِجَاله مَشْهُورُونَ قد ذكرُوا غير مرّة، وَابْن شهَاب هُوَ: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
وَفِي إِسْنَاده صِيغَة الْجمع بِالتَّحْدِيثِ، وَالْبَاقِي بالعنعنة، وَرُوَاته مدنيون، وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ.

ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن سعيد بن هَارُون عَن ابْن وهب عَن مَالك وَيُونُس، كِلَاهُمَا عَن الزُّهْرِيّ بِهِ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجَنَائِز عَن القعْنبِي بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَفَاة عَن عَمْرو بن سَواد بن الْأسود عَن مَالك بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ وَمَا يستنبط مِنْهُ قَوْله: ( قَاتل االيهود) ، أَي: قَتلهمْ ا، لِأَن فَاعل يَجِيء بِمَعْنى فعل أَيْضا، كَقَوْلِهِم: سَافر وسارع بِمَعْنى: سفر وسرع، وَيُقَال: مَعْنَاهُ لعنهم ا، وَيُقَال: عاداهم ا، وَيُقَال: الْقِتَال هَهُنَا عبارَة عَن الطَّرْد والإبعاد عَن الرَّحْمَة، فمؤداه ومؤدي اللَّعْنَة وَاحِد، وَإِنَّمَا خصص الْيَهُود هَهُنَا بِالذكر بِخِلَاف مَا تقدم لأَنهم أسسوا هَذَا الاتخاذ وابتدؤوا بِهِ، فهم أظلم، أَو لأَنهم أَشد غلوًّا فِيهِ.
وَقد اسْتشْكل بَعضهم ذكر النَّصَارَى فِي الحَدِيث الأول لأَنهم لَيْسَ لَهُم نَبِي بَين عِيسَى وَبَين نَبينَا، غير عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلَيْسَ لَهُ قبر لِأَنَّهُ فِي السَّمَاء.
وَأجِيب: عَنهُ: بِأَنَّهُ كَانَ فيهم أَنْبيَاء أَيْضا لكِنهمْ غير مرسلين كالحواريين وَمَرْيَم فِي قَول.
قلت: هَذَا الْجَواب فِيهِ نظر لِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة عَن عِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالزهْرِيّ أَن الثَّلَاثَة الَّذين أَتَوا إِلَى أنطاكية الْمَذْكُورين فِي قَوْله تَعَالَى: { إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ فكذبوهما فعززنا بثالث} ( يس: 41) كَانُوا رسلًا من اتعالى وهم: صَادِق وصدوق وشلوم، وَعَن قَتَادَة إِنَّهُم كَانُوا رسلًا من عِيسَى، فعلى هَذَا لم يَكُونُوا أَنْبيَاء فضلا عَن أَن يَكُونُوا رسلًا من اتعالى، وَأما مَرْيَم فَزعم ابْن حزم وَآخَرُونَ أَنَّهَا نبية، وَكَذَلِكَ سارة أم إِسْحَاق وَأم مُوسَى، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَعند الْجُمْهُور، كَمَا حَكَاهُ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَغَيره من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة: أَن النُّبُوَّة مُخْتَصَّة بِالرِّجَالِ وَلَيْسَت فِي النِّسَاء نبية.

وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ: منع الْبناء على الْقَبْر، لِأَن أَبَا دَاوُد أخرج هَذَا الحَدِيث فِي بابُُ الْبناء على الْقَبْر، وَرُوِيَ أَيْضا عَن أَحْمد بن حَنْبَل: حدّثنا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا ابْن جريج أَخْبرنِي ابْن الزبير أَنه سمع جَابِرا يَقُول: ( سَمِعت رَسُول ا، نهى أَن يقْعد على الْقَبْر وَأَن يُقَصَّص وَأَن يبْنى عَلَيْهِ) .
وَأخرجه مُسلم أَيْضا وَالتِّرْمِذِيّ، وَفِي رِوَايَته: ( وَأَن يكْتب عَلَيْهَا) .
وَالنَّسَائِيّ أَيْضا وَفِي رِوَايَته: ( وَأَن يُزَاد عَلَيْهِ) .