فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب المجن ومن يترس بترس صاحبه

( بابُُ المِجَنِّ ومنْ يتَتَرَّسُ بِتَرْسِ صاحِبِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر الْمِجَن، وَهُوَ بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْجِيم وَتَشْديد النُّون، وَهُوَ الدرقة.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: هُوَ الترس لِأَنَّهُ يواري حامله أَي يستره، وَالْمِيم زَائِدَة.
قَوْله: ( وَمن يتترس) أَي: وَفِي ذكر من يتترس أَي: يسْتَتر بترس صَاحبه


[ قــ :2774 ... غــ :2902 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أخبرنَا عبدُ الله قَالَ أخبرنَا الأوْزَاعِيُّ عنْ إسْحَاقَ ابنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كانَ أبُو طَلْحَةَ يتَتَرَّسُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِترْسٍ واحِدٍ وكانَ أبُو طَلْحَةَ حَسَنَ الرَّمْيِ فَكانَ إذَا رَمَى تَشَرَّفَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعَ نَبْلِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي الْمِجَن والتستر بترس صَاحبه.

وَأحمد بن مُحَمَّد أَبُو حسن الْخُزَاعِيّ الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَالْأَوْزَاعِيّ: هُوَ عبد الرَّحْمَن وَإِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة واسْمه: زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ ابْن أخي أنس بن مَالك، وَسَيَأْتِي بأتم من هَذَا فِي غَزْوَة أحد.

قَوْله: ( يتترس مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بترس وَاحِد) لِأَن الرَّامِي لَا يمسك الترس لِأَنَّهُ يَرْمِي بيدَيْهِ جَمِيعًا فيستره رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِئَلَّا يَرْمِي، وَكَانَ حسن الرَّمْي، وانكسر فِي يَده قوسان أَو ثَلَاثَة، وَفِي رِوَايَة أَنه كَانَ يَقُول لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَنْصَرِف فيصيبك الْعَدو وَنَحْرِي دون نحرك.
وَفِي حَدِيث سهل: لما أُصِيب سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد بِمَا ذكر من كسر الْبَيْضَة والرباعية، وَهِي السن الَّتِي بَين الثَّنية والناب وأدمى وَجهه عتبَة بن أبي وَقاص أَخُو سد، ورماه بَان قميئة،.

     وَقَالَ : خذنا وَأَنا ابْن قميئة، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أقماك الله فِي النَّار) .
فَدخل بعد ذَلِك فِي صبرَة غنم فَنَطَحَهُ تَيْس مِنْهَا وَرَاءه فَلم يُوجد لَهُ مَكَان، وَأَرَادَ أبيُّ بن خلف أَن يرميه فَأَرَادَ أَبُو طَلْحَة أَن يحول بَينه وَبَينه فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَمَا أَنْت، وَرمى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَصَابَهُ تَحت سابغة الدرْع فِي نَحره فَمَاتَ من يَوْمه.
قَوْله: ( تشرف) ، يُقَال تشرف الرجل إِذا تطلع على شَيْء من فَوق، ويروى ( يشرف) ، بِضَم الْيَاء من الإشراف.





[ قــ :775 ... غــ :903 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَن أبِي حازِمٍ عنْ سَهْلٍ قَالَ لما كُسِرَتْ بَيْضةُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى رأسِهِ وأُدْمِيَ وجْهُهُ وكْسِرَتْ رَباعِيَتُهُ وكانَ عَلِيٌّ يَخْتَلِفُ بِالمَاءِ فِي المِجَنِّ وكَانَتْ فاطِمَةُ تغْسِلُهُ فلَمَّا رأتِ الدَّمَ يَزِيدُ علَى المَاءِ كَثْرَةً عَمَدَتْ إِلَى حَصِيرٍ فأحْرَقَتْها وألْصَقَتْهَا على جُرْحِهِ فرَقَأَ الدَّم..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فِي الْمِجَن) .
وَيَعْقُوب وَأَبُو حَازِم سَلمَة، وَسَهل بن سعد قد مضوا عَن قريب.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن قُتَيْبَة، وَقد مضى الْكَلَام الْآن فِي قَوْله: ( لما كسرت بَيْضَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى قَوْله: ( وَكَانَ عَليّ) والبيضة، بِفَتْح الْبَاء: الخودة.

قَوْله: ( وَكَانَ عَليّ) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ( يخْتَلف بِالْمَاءِ) مرّة بعد أُخْرَى.
قَوْله: ( كَثْرَة) ، نصب على التَّمْيِيز.
قَوْله: ( عَمَدت) ، أَي: قصدت.
قَوْله: ( فرقأ الدَّم) ، بِفَتْح الرَّاء وبالهمز، أَي: فسكن عَن الجري.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْأَفْعَال) : يُقَال: رقأ الدَّم والدمع إِذا سكن بعد جريه.

وَفِيه: امتحان الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وإبلاؤهم ليعظم بذلك أجرهم وَيكون أُسْوَة بِمن ناله جرح وألم من أَصْحَابه فَلَا يَجدونَ فِي أنفسهم مِمَّا نالهم غَضَاضَة، وَلَا يجد الشَّيْطَان السَّبِيل إِلَيْهِم بِأَن يَقُول لَهُم: تقتلون أَنفسكُم وتحملون الآلام فِي صون هَذَا، وَإِذا أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُم فقدت هَذِه المكيدة من اللعين وتأسى النَّاس بِهِ وجدوا فِي مساواتهم لَهُ فِي جَمِيع أَحْوَالهم.
وَفِيه: خدمَة الإِمَام وبذل السِّلَاح.
وَفِيه: دَلِيل على أَن ترسهم كَانَ مقعراً وَلم يكن منبسطاً، فَلذَلِك كَانَ يُمكن حمل المَاء فِيهِ.
وَفِيه: أَن النِّسَاء ألطف بمعالجة الرِّجَال والجرحى.





[ قــ :776 ... غــ :904 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ عَمْرٍ وعنِ الزُّهْرِيِّ عنْ مالِكِ بنِ أوْسِ بنِ الحَدَثَانِ عنْ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كانَتْ أمْوالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أفَاءَ الله عَلَى رسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونِ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكاب فَكانَتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة وكانَ يُنْفِقُ علَى أهْلِهِ نفَقَةَ سنَتِهِ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلاحِ والكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ الله..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ثمَّ يَجْعَل مَا بَقِي) إِلَى آخِره، لِأَن الْمِجَن من جملَة آلَات السِّلَاح، وَعلي بن عبد الله هُوَ المسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَمَالك بن أَوْس بن الْحدثَان، بِالْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالثاء الْمُثَلَّثَة كلهَا بِالْفَتْح، مر فِي الزَّكَاة.
قيل: إِن لَهُ صُحْبَة.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن عباد وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَأبي بكر بن أبي شيبَة.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجراح عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَأحمد بن عَبدة الضَّبِّيّ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْجِهَاد عَن ابْن أبي عمر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن وَعَن زِيَاد بن أَيُّوب، وَفِيه، وَفِيه فِي قسم الْفَيْء عَن عبيد الله بن سعيد وَفِي التَّفْسِير عَن عبيد الله بن سعيد أَيْضا وَيحيى بن مُوسَى وَهَارُون ابْن عبد الله.

قَوْله: ( بني النَّضِير) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة: بَنو النَّضِير وَبَنُو قُرَيْظَة بطْنَان من الْيَهُود من بني إِسْرَائِيل.
قَوْله: ( مِمَّا أَفَاء الله) من الْفَيْء، وَهُوَ مَا حصل للْمُسلمين من أَمْوَال الْكفَّار من غير حَرْب وَلَا جِهَاد.
قَوْله: ( مِمَّا لم يوجف) من الإيجاف، وَهُوَ الْإِسْرَاع فِي السّير، وَيُقَال: وجف الْبَعِير يجِف وجفاً ووجيفاً، وَهُوَ ضرب من سيره، وأوجفه صَاحبه إِذا سَار بِهِ ذَلِك السّير،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: أوجف أعنق فِي السّير، وَالْمعْنَى: لم يعملوا فِيهِ سعياً لَا بِالْخَيْلِ وَلَا بالركاب وَهِي الْإِبِل، وَكَانَت غَزْوَة بني النَّضِير فِي سنة أَربع، وقا الزُّهْرِيّ فِي سنة ثَلَاث.
قَوْله: ( فَكَانَت لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة) ، أَي: فَكَانَت أَمْوَال بني النَّضِير لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْخُصُوص لَا يُشَارِكهُ فِيهَا أحد، وَعَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان، قَالَ: أرسل إِلَيّ عمر بن الْخطاب فَدخلت عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّه قد حضر أهل أبيان من قَوْمك، وَإِنَّا قد أمرنَا لَهُم يرضح فاقسمه بَينهم.
فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: مر بذلك غَيْرِي، قَالَ إقبضه أَيهَا الْمَرْء، فَبينا أَنا كَذَلِك، إِذْ جَاءَ برقاء مَوْلَاهُ فَقَالَ: عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالزُّبَيْر وَعُثْمَان وَسعد يستأذنون، فَقَالَ: إيذن لَهُم، ثمَّ مكث سَاعَة ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَذَا عَليّ وَالْعَبَّاس يستأذنان، فَقَالَ: إيذن لَهما، فَلَمَّا دخل الْعَبَّاس، قَالَ: إقضِ بيني وَبَين هَذَا الغادر الْفَاجِر الخائن، وهما حِينَئِذٍ يختصمان فِيمَا أَفَاء الله على رَسُوله من أَمْوَال بني النَّضِير، فَقَالَ الْقَوْم: إقسم بَينهمَا يَا أَمِير المؤمين، فأرح كل وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه فقد طَالَتْ خصومتهما، فَقَالَ: أنْشدكُمْ بِاللَّه الَّذِي بِإِذْنِهِ تقوم السَّمَوَات وَالْأَرْض، أتعلمون أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة؟ قَالُوا: قد قَالَ ذَلِك، ثمَّ قَالَ لَهما: أتعلمان أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة؟ قَالَا: نعم، قَالَ: فسأخبركم بِهَذَا الْفَيْء: أَن الله تَعَالَى خص نبيه بِشَيْء لم يُعْطه غَيره فَقَالَ: و { وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله مِنْهُم فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب} ( الْحَشْر: 6) .
وَكَانَت هَذِه لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة، فوَاللَّه مَا اخْتَارَهَا دونكم وَلَا استأثرها دونكم وَلَقَد قسمهَا عَلَيْكُم حَتَّى بَقِي مِنْهَا هَذَا المَال، وَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْفق على أَهله مِنْهُ نَفَقَة سنتهمْ ثمَّ يَجْعَل مَا بَقِي فِي مَال الله، قَوْله: ( والكراع) ، وَهُوَ اسْم للخيل.
قَوْله: ( عدَّة) ، وَهِي الاستعداد، وَمَا أعددته لحوادث الدَّهْر من السِّلَاح وَنَحْوه.





[ قــ :777 ... غــ :905 ]
- حدَّثنا قَبِيصَةُ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمُ قَالَ حدَّثني عبْدُ الله بنُ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّاً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ مَا رَأيْتُ النبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُفَدِّي رَجُلاً بَعْدَ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ ارْمِ فِدَاكَ أبِي وأُمِّي.

.
قيل: دُخُول هَذَا الحَدِيث هُنَا لَا وَجه لَهُ، لِأَنَّهُ لَا يُطَابق وَاحِدًا من جزئي التَّرْجَمَة.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ أثبت أَن شبويه قبل هَذَا الحَدِيث لفظ: بابُُ بِغَيْر تَرْجَمَة فَعلى هَذَا يكون لَهُ وَجه من حَيْثُ أَن الرَّامِي لَا يَسْتَغْنِي عَن شَيْء بَقِي بِهِ نَفسه من سِهَام من يَقْصِدهُ.
قلت: هَذَا لَا يَخْلُو عَن تعسف، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: وَجه الْمُنَاسبَة أَن فِيهِ ذكر الرَّمْي، وَكَذَلِكَ الحَدِيث الْمَذْكُور فِي أول الْبابُُ فِيهِ ذكر الرَّمْي، فَهَذَا الْقدر كَاف فِي ذَلِك.

وَقبيصَة بِفَتْح الْقَاف هُوَ ابْن عقبَة، قد تكَرر ذكره، وَزعم أَبُو نعيم فِي ( مستخرجه) أَن لفظ قبيصَة هُنَا تَصْحِيف من الْكَاتِب، وَأَن الصَّوَاب: حَدثنَا قُتَيْبَة، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
قلت: كَأَنَّهُ علل بِأَن المُرَاد من سُفْيَان هُنَا هُوَ الثَّوْريّ، وَأَن قُتَيْبَة لم يسمع من الثَّوْريّ، وَلَكِن لَا مَانع أَن يكون لكل وَاحِد من السفيانين هَذَا الحَدِيث.

وَقد أخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب هَذَا الحَدِيث من طَرِيق يحيى الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، وَأخرجه فِي الْمَغَازِي أَيْضا عَن أبي نعيم وَعَن بسرة ابْن صَفْوَان، وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن مَنْصُور بن أبي مُزَاحم وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن أبي كريب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَن ابْن الْمثنى وَابْن بشار، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن مَحْمُود بن غيلَان.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن بنْدَار عَن يحيى عَن سُفْيَان وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بِهِ مُخْتَصرا.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن بنْدَار عَن غنْدر بِهِ.
قَوْله: ( يفدى) ، مضارع فدَاه، إِذا قَالَ لَهُ: جعلت فدَاك، وَكَذَا فدَاه بِنَفسِهِ،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الْفِدَاء إِذا كسر أَوله يمد وَيقصر وَإِذا فتح فَهُوَ مَقْصُور يُقَال: قُم فدى لَك أبي.
قَوْله: ( بعد سعد) أَي: سعد بن أبي وَقاص أحد الْعشْرَة المبشرة،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: التفدية من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دُعَاء، وأدعيته خليق أَن تكون مستجابة، وَادّعى الْمُهلب أَن هَذَا مِمَّا خص بِهِ سعد، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَفِي ( الصَّحِيحَيْنِ) ، أَنه فدى الزبير بذلك، وَلَعَلَّ عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم يسمعهُ،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَقد جَمعهمَا لغَيْرِهِمَا، أَيْضا، والتفدية بذلك جَائِزَة عِنْد الْجُمْهُور، وَكَرِهَهُ عمر بن الْخطاب وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَكَرِهَهُ بَعضهم فِي التفدية بِالْمُسلمِ من أَبَوَيْهِ، وَالصَّحِيح الْجَوَاز مُطلقًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقِيقَة فدَاء، وَإِنَّمَا هُوَ بر ولطف وإعلام بمحبته لَهُ، وَقد وَردت الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بالتفدية مُطلقًا.
فَإِن قلت: روى أَبُو سَلمَة عَن ابْن الْمُبَارك عَن الْحسن: دخل الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ شَاك، فَقَالَ: كَيفَ تجدك جعلني الله فدَاك؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا تركت أعرابيتك بعد،.

     وَقَالَ  الْحسن: لَا يَنْبَغِي أَن يفْدي أحد أحدا، وَرَوَاهُ الْمُنْكَدر عَن أَبِيه مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، قَالَ: دخل الزبير ... فَذكره.
قلت: هَذَا غير صَحِيح لِأَن الأول مُرْسل وَالثَّانِي ضَعِيف،.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ، هَذِه أَخْبَار واهية، لِأَن مَرَاسِيل الْحسن أَكْثَرهَا صحف غير سَماع، وَإِذا وصل الْأَخْبَار فَأكْثر رِوَايَته عَن مَجَاهِيل لَا يعْرفُونَ، والمنكدر بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عِنْد أهل النَّقْل لَا يعْتَمد على نَقله، وعَلى تَقْدِير الصِّحَّة لَيْسَ فِيهِ النَّهْي عَن ذَلِك، وَالْمَعْرُوف من قَول الْقَائِل إِذا قَالَ: فلَان لم يتْرك أعرابيته، أَنه نسبه إِلَى الْجفَاء لَا إِلَى فعل مَا لَا يجوز، وأعلمه أَن غَيره من القَوْل والتحية ألطف وأرق مِنْهُ دُعَاء.
قَوْله: ( فدَاك أبي وَأمي) أَي: مفدى لَك أبي وَأمي: فَقَوله: أبي، مُبْتَدأ، وَأمي عطف عَلَيْهِ، و: فدَاك، خَبره مقدما، وَقد يُوهم هَذَا القَوْل أَن فِيهِ إزراء بِحَق الْوَالِدين، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَنَّهُمَا مَاتَا كَافِرين، وَسعد مُسلم ينصر الدّين وَيُقَاتل الْكفَّار، فتفديته بِكُل كَافِر غير مَحْذُور، قَالَه الْخطابِيّ.
قلت: القَوْل بِأَنَّهُمَا مَاتَا كَافِرين غير جيد، لما قيل: إِن الله أحياهما لأَجله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل الْوَجْه فِي هَذَا أَن هَذَا القَوْل بالتفدية لأجل إِظْهَار الْبر والمحبة، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وللأبوة حُرْمَة كَيفَ كَانَت، وَعَن مَالك: من آذَى مُسلما فِي أَبَوَيْهِ الْكَافرين عُوقِبَ وأدب لحرمتهما عَلَيْهِ.