فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها

(بابُُ الصَّلاةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ وقَبْلَهَا)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كمية الصَّلَاة بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَقبلهَا.



[ قــ :909 ... غــ :937 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُصَلِّي قبْلَ الظُّهْرِ ركْعَتَيْنِ وبعْدَهَا ركْعَتَيْنِ وبَعْدَ المغْرِبِ ركْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وبَعْدَ العِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وكانَ لاَ يُصَلِّي بَعْدَ الجُمُعَةِ حَتَّى ينْصَرِفَ فَيُصَلِّي ركْعَتَيْنِ ...

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكَانَ لَا يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة.
.
) إِلَى آخِره.
فَإِن قلت: التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على بعد الْجُمُعَة وَقبلهَا، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث إلاّ بعْدهَا؟ قلت: أُجِيب عَنهُ من وُجُوه: الأول: كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا وَقع فِي بعض طرق حَدِيث الْبابُُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان من طَرِيق أَيُّوب، (عَن نَافِع قَالَ: كَانَ ابْن عمر يُطِيل الصَّلَاة قبل الْجُمُعَة وَيُصلي بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ، وَيحدث أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَ يفعل ذَلِك وَقد جرت عَادَته بِمثل ذَلِك) .
وَالثَّانِي: أَنه أَشَارَ بِهِ إِلَى اسْتِوَاء الظّهْر وَالْجُمُعَة حَتَّى يدل الدَّلِيل على خِلَافه، لِأَن الْجُمُعَة بدل الظّهْر، وَكَانَت عنايته بِحكم الصَّلَاة بعْدهَا أَكثر، فَلذَلِك ذكره فِي التَّرْجَمَة مقدما على خلاف الْعَادة فِي تَقْدِيم الْقبل على الْبعد.
وَالثَّالِث: وُرُود الْخَبَر فِي الْبعد صَرِيح، وَأَشَارَ إِلَى الَّذِي فِيهِ الْقبل، فَذكر الَّذِي فِيهِ الْبعد صَرِيحًا، وَأَشَارَ الَّذِي فِيهِ الْقبل.

وَأما رجال الحَدِيث فقد ذكرُوا غير مرّة.

وَأما من أخرجه غَيره: فقد أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق مَالك عَن نَافِع إِلَى آخِره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنه كَانَ يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ) .
وَأخرجه ابْن ماجة عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن الزُّهْرِيّ، وَأخرج التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من كَانَ مِنْكُم مُصَليا بعد الْجُمُعَة فَليصل أَرْبعا) .
وَفِي (سنَن سعيد ابْن مَنْصُور) : عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، قَالَ: (علمنَا ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن نصلي بعد الْجُمُعَة أَرْبعا، فَلَمَّا قدم علينا عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، علمنَا أَن نصلي سِتا.
.
) .
وروى ابْن حبَان من حَدِيث عبد الله بن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا من صَلَاة مَفْرُوضَة إلاّ وَبَين يَديهَا رَكْعَتَانِ) .
وَعند أبي دَاوُد،.

     وَقَالَ : هُوَ مُرْسل: (عَن أبي قَتَادَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره الصَّلَاة نصف النَّهَار إلاّ يَوْم الْجُمُعَة) .
.

     وَقَالَ : (إِن جَهَنَّم تسجر إلاّ يَوْم الْجُمُعَة) .
وَعَن أبي هُرَيْرَة مثله، رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم شَيْخه.
وَفِي (الْأَوْسَط) للطبراني من حَدِيث ابْن عُبَيْدَة عَن أَبِيه (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَ يُصَلِّي قبل الْجُمُعَة أَرْبعا وَبعدهَا أَرْبعا) .
وَعند ابْن مَاجَه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرْكَع قبل الْجُمُعَة أَرْبعا لَا يفصل فِي شَيْء مِنْهُنَّ) ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (المعجم الْكَبِير) : بِرِجَال ابْن مَاجَه، وَهِي رِوَايَة بَقِيَّة عَن مُبشر بن عبيد عَن حجاج بن أَرْطَاة عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس، فَزَاد فِيهِ: (وَبعدهَا أَرْبعا) .
قَالَ النَّوَوِيّ فِي (الْخُلَاصَة) : هَذَا حَدِيث بَاطِل اجْتمع فِيهِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة وهم ضعفاء، ومبشر وضَّاع صَاحب أباطيل.
قلت: بَقِيَّة بن الْوَلِيد موثق وَلكنه مُدَلّس، وحجاج صَدُوق روى لَهُ مُسلم مَقْرُونا بِغَيْرِهِ، وعطية مَشاهُ يحيى بن معِين فَقَالَ فِيهِ: صَالح وَلَكِن ضعفهما الْجُمْهُور.

قَوْله: (حَتَّى ينْصَرف) أَي: إِلَى الْبَيْت.
قَوْله: (فَيصَلي) بِالرَّفْع لَا بِالنّصب.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن صَلَاة النَّوَافِل فِي الْبَيْت أولى،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: إِنَّمَا أعَاد ابْن عمر ذكر الْجُمُعَة بعد ذكر الظّهْر من أجل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي سنة الْجُمُعَة فِي بَيته، بِخِلَاف الظّهْر، قَالَ: وَالْحكمَة فِيهِ أَن الْجُمُعَة لما كَانَت بدل الظّهْر وَاقْتصر فِيهَا على رَكْعَتَيْنِ ترك التَّنَفُّل بعْدهَا فِي الْمَسْجِد خشيَة أَن يظنّ أَنَّهَا الَّتِي حذفت.
انْتهى.
وَقد أجَاز مَالك الصَّلَاة بعد الْجُمُعَة فِي الْمَسْجِد للنَّاس وَلم يجز للْأمة.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي الصَّلَاة بعد الْجُمُعَة، فَقَالَت طَائِفَة: يُصَلِّي بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيته كالتطوع بعد الظّهْر، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَعمْرَان بن حُصَيْن وَالنَّخَعِيّ،.

     وَقَالَ  مَالك: إِذا صلى الإِمَام الْجُمُعَة فَيَنْبَغِي أَن لَا يرْكَع فِي الْمَسْجِد، لما رُوِيَ عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه: كَانَ ينْصَرف بعد الْجُمُعَة وَلم يرْكَع فِي الْمَسْجِد، حَتَّى قَالَ: وَمن خَلفه أَيْضا إِذا سلمُوا، فَأحب أَن ينصرفوا، وَلَا يركعوا فِي الْمَسْجِد، وَإِن ركعوا فَذَاك وَاسع.
.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: يُصَلِّي بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أَرْبعا، رُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عمر وَأبي مُوسَى، وَهُوَ قَول عَطاء وَالثَّوْري وَأبي يُوسُف إلاّ أَن أَبَا يُوسُف اسْتحبَّ أَن تقدم الْأَرْبَع قبل الرَّكْعَتَيْنِ.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: مَا أَكثر الْمُصَلِّي بعد الْجُمُعَة من التَّطَوُّع فَهُوَ أحب إِلَيّ.
.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: يُصَلِّي بعْدهَا أَرْبعا لَا يفصل بَينهُنَّ بِسَلام، وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وعلقمة وَالنَّخَعِيّ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَإِسْحَاق.

حجَّة الْأَوَّلين حَدِيث ابْن عمر: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة إلاّ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيته) .
قَالَ الْمُهلب: وهما الركعتان بعد الظّهْر.
وَحجَّة الطَّائِفَة الثَّانِيَة مَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق (عَن عَطاء قَالَ: صليت مَعَ ابْن عمر الْجُمُعَة، فَلَمَّا سلم قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ صلى أَربع رَكْعَات ثمَّ انْصَرف) .
وَجه قَول أبي يُوسُف مَا رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن سُلَيْمَان بن مسْهر عَن حرشة بن الْحر: أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كره أَن تصلي بعد صَلَاة مثلهَا.
وَحجَّة الطَّائِفَة الثَّالِثَة مَا رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (من كَانَ مِنْكُم مُصَليا بعد الْجُمُعَة فَليصل أَرْبعا) .
وَقد مر ذكره.

وَبَقِي الْكَلَام فِي سنة الظّهْر وَالْمغْرب وَالْعشَاء.
أما سنة الظّهْر فَسَيَأْتِي بَيَانهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَأما سنة الْمغرب، فقد روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ: (مَا أحصي مَا سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْفجْر.
{ بقل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و { قل هُوَ الله أحد} وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا من رِوَايَة أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: (حفظت من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عشر رَكْعَات) الحَدِيث.
وَفِيه: (رَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب فِي بَيته) .
وَاتفقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ من رِوَايَة يحيى بن سعيد عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَفِي هَذَا الْبابُُ عَن عبد الله بن جَعْفَر عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) وَابْن عَبَّاس عِنْد أبي دَاوُد وَأبي أُمَامَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) وَأبي هُرَيْرَة عِنْد النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه: وَهَاتَانِ الركعتان بعد الْمغرب من السّنَن الْمُؤَكّدَة، وَبَالغ بعض التَّابِعين فيهمَا، فروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : عَن وَكِيع عَن جرير بن حَازِم عَن عِيسَى بن عَاصِم الْأَسدي عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: لَو تركت الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب لَخَشِيت أَن لَا يغْفر لي، وَقد شَذَّ الْحسن الْبَصْرِيّ فَقَالَ بوجوبهما، وَلم يقل مَالك بِشَيْء من التوابع للفرائض إلاّ رَكْعَتي الْفجْر، وروى ابْن أبي شيبَة (عَن ابْن عمر، قَالَ: من صلى بعد الْمغرب أَرْبعا كَانَ كَالْمُعَقبِ غَزْوَة بعد غَزْوَة) .
وَرُوِيَ أَيْضا عَن مَكْحُول، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صلى رَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب) ، يَعْنِي: قبل أَن يتَكَلَّم (رفعت صلَاته فِي عليين) .
قَالَ شَارِح التِّرْمِذِيّ: وَهَذَا لَا يَصح لإرساله، وَأَيْضًا فَلَا يدْرِي من الْقَائِل، يَعْنِي: قبل أَن يتَكَلَّم.
قلت: رَوَاهُ مُتَّصِلا أَبُو الشَّيْخ ابْن حبَان فِي كتاب (الثَّوَاب وفضائل الْأَعْمَال) من رِوَايَة مقَاتل عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: (مَا من صَلَاة أحب إِلَى الله من الْمغرب) .
الحَدِيث، وَفِيه: (فَمن صلاهَا ثمَّ صلى بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يتَكَلَّم جليسه رفعت صلَاته فِي أَعلَى عليين) .
قلت: يَصح هَذَا مُسْتَندا لِأَصْحَابِنَا فِي استحبابُهم إِيصَال السّنَن للفرائض.
.

     وَقَالَ  شَارِح التِّرْمِذِيّ: وَله وَجه فِي الْمغرب بِسَبَب ضيق وَقتهَا على القَوْل بِأَن وَقتهَا ضيق على قَول الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد، ثمَّ الْمُسْتَحبّ فِي رَكْعَتي الْمغرب أَن تَكُونَا فِي بَيته لظَاهِر الحَدِيث، وَكَذَلِكَ سَائِر النَّوَافِل التابعة للفرائض أَن تكون فِي الْبَيْت عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء، للْحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ: (أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إلاّ الْمَكْتُوبَة) .
وَعند الثَّوْريّ وَمَالك: نوافل النَّهَار كلهَا فِي الْمَسْجِد أفضل، وَذهب ابْن أَلِي ليلى إِلَى أَن سنة الْمغرب لَا يجزىء فعلهَا فِي الْمَسْجِد.
وَأما سنة الْعشَاء، وهما الركعتان بعْدهَا، فَمن السّنَن الْمُؤَكّدَة، وَقد صَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يدعهما.
وَعَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صلى رَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء الْآخِرَة يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِفَاتِحَة الْكتاب وَعشْرين مرّة.
{ قل هُوَ الله أحد} بنى الله عز وَجل لَهُ قصرا فِي الْجنَّة) .
رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ ابْن حبَان.
<