فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الحوالة، وهل يرجع في الحوالة؟

( كتابُ الحَوالاتِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الحوالات، وَهِي جمع: حِوَالَة، بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا، مُشْتَقَّة من التَّحَوُّل والانتقال، قَالَ ثَعْلَب: تَقول: أحلّت فلَانا على فلَان بِالدّينِ إِحَالَة، قَالَ ابْن طريف: مَعْنَاهُ أتبعته على غَرِيم ليأخذه.
.

     وَقَالَ  ابْن درسْتوَيْه: يَعْنِي: أَزَال عَن نَفسه الدّين إِلَى غَيره، وَحَوله تحويلاً، وَفِي ( نَوَادِر) اللحياني: أحيله إِحَالَة وإحالاً، وَهِي عِنْد الْفُقَهَاء: نقل دين من ذمَّة إِلَى ذمَّة.
قَوْله: ( كتاب الْحِوَالَة) بعد الْبَسْمَلَة وَقع كَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَالْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين لم يَقع إلاَّ لفظ: بَاب الْحِوَالَة، لَا غير.


( بابٌُ فِي الحَوالَةِ وهَلْ يَرْجِعُ فِي الحَوَالَةِ؟)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الْحِوَالَة، وَهل يرجع الْمُحِيل فِي الْحِوَالَة أم لَا؟ وَإِنَّمَا لم يجْزم بالحكم لِأَن فِيهِ خلافًا، وَهُوَ أَن الْحِوَالَة عقد لَازم عِنْد الْبَعْض، وَجَائِز عِنْد آخَرين، فَمن قَالَ: عقد لَازم فَلَا يرجع فِيهَا، وَمن قَالَ عقد جَائِز فَلهُ الرُّجُوع.

وَقَالَ الحَسَنُ وقَتادَةُ إذَا كانَ يَوْمَ أحَالَ عَلَيْهِ مَليّا جازَ
أَي: إِذا كَانَ الْمحَال عَلَيْهِ يَوْم أحَال الْمُحِيل عَلَيْهِ.
أَي: على الْمحَال عَلَيْهِ، مَلِيًّا، يَعْنِي: غَنِيا، من ملىء الرجل إِذا صَار مَلِيًّا.
وَهُوَ مَهْمُوز اللَّام، وَلَيْسَ هُوَ من معتل اللَّام، وأصل: مَلِيًّا: مليئا على وزن: فعيلاً، فكأنهم قلبوا الْهمزَة يَاء وأدغموا الْيَاء فِي الْيَاء.
قَوْله: ( جَازَ) ، جَوَاب: إِذا، يَعْنِي: جَازَ هَذَا الْفِعْل وَهُوَ الْحِوَالَة، وَمَفْهُومه أَنه إِذا كَانَ مُفلسًا فَلهُ أَن يرجع، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة والأثرم، وَاللَّفْظ لَهُ، من طَرِيق سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة وَالْحسن أَنَّهُمَا سئلا عَن رجل احتال على رجل فأفلس، قَالَ: إِذا كَانَ مَلِيًّا يَوْم احتال عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع، وَجُمْهُور الْعلمَاء على عدم الرُّجُوع.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: يرجع صَاحب الدّين على الْمُحِيل إِذا مَاتَ الْمحَال عَلَيْهِ مُفلسًا أَو حكم بإفلاسه أَو جحد الْحِوَالَة، وَلم يكن لَهُ بَيِّنَة، وَبِه قَالَ شُرَيْح وَعُثْمَان البتي وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَآخَرُونَ،.

     وَقَالَ  الحكم: لَا يرجع مَا دَامَ حَيا حَتَّى يَمُوت وَلَا يتْرك شَيْئا، فَإِن الرجل يوسر مرّة ويعسر أُخْرَى.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَأحمد وَعبيد وَاللَّيْث وَأَبُو ثَوْر: لَا يرجع عَلَيْهِ وَإِن توى وَسَوَاء غره بالفلس أَو طول عَلَيْهِ أَو أنكرهُ.
.

     وَقَالَ  مَالك: لَا يرجع على الَّذِي أَحَالهُ إلاَّ أَن يغره بفلس.

وَقَالَ ابنُ عبَّاسٍ يَتَخَارَجُ الشَّرِيكَانِ وأهْلُ المِيرَاثِ فيَأخُذُ هَذا عَيْنا وَهَذَا دَيْنا فإنْ تَوِيَ لأِحَدِهِما لَمْ يَرْجِعْ عَلى صاحِبِه.

يتخارج الشريكان أَي: يخرج هَذَا الشَّرِيك مِمَّا وَقع فِي نصيب صَاحبه، وَذَلِكَ الآخر كَذَلِك أَرَادَ أَن ذَلِك فِي الْقِسْمَة بِالتَّرَاضِي بِغَيْر قرعَة مَعَ اسْتِوَاء الدّين وَإِقْرَار من عَلَيْهِ وحضوره فَأخذ أَحدهمَا عينا وَالْآخر الدّين، ثمَّ إِذا توى الدّين أَي: إِذا هلك لم تنقضِ الْقِسْمَة لِأَنَّهُ رَضِي بِالدّينِ عوضا فَتْوَى فِي ضَمَانه، فَالْبُخَارِي أَدخل قسْمَة الدُّيُون وَالْعين فِي التَّرْجَمَة، وقاس الْحِوَالَة عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الحكم بَين الْوَرَثَة أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: ( وَأهل الْمِيرَاث) قَوْله: ( فَإِن توى) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْوَاو على وزن: قوى، من: توى المَال يتوى من بابُُ علم: إِذا هلك، وَيُقَال: توى حق فلَان على غَرِيمه إِذا ذهب توى وتواء، وَالْقصر أَجود فَهُوَ: تو وتاو، وَمِنْه: لَا توى على مَال امرىء مُسلم، وَتَفْسِيره فِي حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي الْمُحْتَال عَلَيْهِ يَمُوت مُفلسًا، قَالَ: يعود الدّين إِلَى ذمَّة الْمُحِيل.



[ قــ :2194 ... غــ :2287 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ أبِي الزِّناد عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ فإذَا اتْبِعَ أحَدُكُمْ على مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَإِذا أتبع) إِلَى آخِره، وَأَبُو الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف النُّون: هُوَ عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، وَقد تكَرر ذكرهمَا.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن يحيى بن يحيى.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد ابْن سَلمَة، والْحَارث بن مِسْكين كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم أربعتهم عَن مَالك بِهِ.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحِوَالَة عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبيُوع عَن بنْدَار عَن ابْن مهْدي عَن سُفْيَان.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا وَابْن مَاجَه من رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَفِي الْبابُُ عَن ابْن عمر رَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة يُونُس بن عبيد عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( مطل الْغَنِيّ ظلم وَإِذا أُحِيل أحدكُم على ملي فَليَحْتَلْ) .
وَعَن الشريد بن سُوَيْد أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة مُحَمَّد بن مَيْمُون بن مُسَيْكَة عَن عَمْرو بن الشريد عَن أَبِيه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لي: الْوَاجِد يحل عرضه وعقوبته، وَعَن جَابر أخرجه الْبَزَّار من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( مطل الْغَنِيّ ظلم وَإِذا أتبع أحدكُم على ملي فَليتبعْ) .

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( مطل الْغَنِيّ ظلم) ، المطل فِي الأَصْل من قَوْلهم: مطلت الحديدة أمطلها إِذا مددتها لتطول.
وَفِي ( الْمُحكم) : المطل التسويف بالعدة وَالدّين، مطله حَقه وَبِه يمطله مطلاً فأمطل.
قَالَ الْقَزاز: وَالْفَاعِل ماطل ومماطل، وَالْمَفْعُول: ممطول ومماطل.
تَقول: ماطلني ومطلني حَقي.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: المطل عدم قَضَاء مَا اسْتحق أَدَاؤُهُ مَعَ التَّمَكُّن مِنْهُ.
.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي: المطل المدافعة، وَإِضَافَة المطل إِلَى الْغَنِيّ إِضَافَة الْمصدر للْفَاعِل هُنَا وَإِن كَانَ الْمصدر قد يُضَاف إِلَى الْمَفْعُول، لِأَن الْمَعْنى أَنه يحرم على الْغَنِيّ الْقَادِر أَن يمطل بِالدّينِ بعد اسْتِحْقَاقه، بِخِلَاف الْعَاجِز، وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّه مُضَاف للْمَفْعُول، وَالْمعْنَى: أَنه يجب وَفَاء الدّين وَلَو كَانَ مُسْتَحقّه غَنِيا، وَلَا يكون غناهُ سَببا لتأخيره حَقه عَنهُ، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فِي حق الْغَنِيّ فَهُوَ فِي حق الْفَقِير أولى، وَفِيه تكلّف وتعسف، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد عِنْد النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه: المطل ظلم الْغَنِيّ، وَالْمعْنَى: أَنه من الظُّلم، أطلق ذَلِك للْمُبَالَغَة فِي التنفير عَن المطل، وَقد رَوَاهُ الجوزقي من طَرِيق همام عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: إِن من الظُّلم مطل الْغَنِيّ.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه لُغَة، وَفِي الشَّرْع: هُوَ محرم مَذْمُوم، وَعَن سَحْنُون: ترد شَهَادَة الملي إِذا مطل لكَونه سمي ظَالِما.
وَعند الشَّافِعِي: بِشَرْط التّكْرَار.
قَوْله: ( فَإِذا أتبع) ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: هُوَ بِضَم الْهمزَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة مَبْنِيا لما لم يسم فَاعله عِنْد الْجَمِيع.
وَقَوله: ( فَليتبعْ) ، بِالتَّخْفِيفِ من تبِعت الرجل بحقي أتبعه تباعة، بِالْفَتْح: إِذا طلبته، وَقيل: فَليتبعْ، بِالتَّشْدِيدِ وَالْأول أَجود عِنْد الْأَكْثَر.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: إِن أَكثر الْمُحدثين يَقُولُونَهُ بِالتَّشْدِيدِ، وَالصَّوَاب التَّخْفِيف، وَمَعْنَاهُ: إِذا أُحِيل فَليَحْتَلْ، وَقد رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ: أَحْمد عَن وَكِيع عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي الزِّنَاد، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عمر بِلَفْظ: فإا أحلّت على ملي فَأتبعهُ وَهَذَا بتَشْديد التَّاء بِلَا خلاف.
.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيّ: الْأَشْهر فِي الرِّوَايَات، وَإِذا اتبع، يَعْنِي بِالْوَاو، وَلِأَنَّهُمَا جملتان لَا تعلق لأحداهما بِالْأُخْرَى.
وغفل عَمَّا فِي ( صَحِيح البُخَارِيّ) هُنَا فَإِنَّهُ بِالْفَاءِ فِي جَمِيع الرِّوَايَات، وَهُوَ كالتوطئة وَالْعلَّة لقبُول الْحِوَالَة.
فَإِن قلت: رَوَاهُ مُسلم بِالْوَاو، وَكَذَا البُخَارِيّ فِي الْبابُُ الَّذِي بعده.
قلت: نعم لَكِن قَالَ: وَمن اتبع، وَقَوله: لي الْوَاجِد، قَالَ ابْن التِّين: لي الْوَاجِد بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء أَي: مطله، يُقَال: لواه بِدِينِهِ ليا وليانا وأصل: لي لوى، اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء، وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء، والواجد، بِالْجِيم: الْغَنِيّ الَّذِي يجد مَا يقْضِي بِهِ دينه.
قَوْله: يحل عرضه، أَي: لومه وعقوبته، أَي: حَبسه، هَذَا تَفْسِير سُفْيَان، وَالْعرض مَوضِع الْمَدْح والذم من الْإِنْسَان سَوَاء كَانَ فِي نَفسه أَو فِي سلفه أَو من يلْزمه أمره، وَقيل: هُوَ جَانِبه الَّذِي يصونه من نَفسه وحسبه ويحامي عَنهُ أَن ينتقص ويثلب،.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة: عرض الرجل نَفسه وبدنه لَا غير، وَفِي ( الفصيح) : الْعرض ريح الرجل الطّيبَة أَو الخبيثة.
وَيُقَال: هُوَ نقي الْعرض، أَي: بَرِيء من أَن يشْتم أَو يعاب.
.

     وَقَالَ  ابْن خالويه: الْعرض الْجلد، يُقَال: هُوَ نقي الْعرض، أَي: لَا يعاب بِشَيْء.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُبَارك: يحل عرضه: يغلظ عَلَيْهِ وعقوبته يحبس بِهِ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الزّجر عَن المطل.
وَاخْتلف: هَل يعد فعله عمدا كَبِيرَة أم لَا؟ فالجمهور على أَن فَاعله يفسق، لَكِن هَل يثبت فسقه بمطله مرّة وَاحِدَة أم لَا؟ قَالَ النَّوَوِيّ: مُقْتَضى مَذْهَبنَا اشْتِرَاط التّكْرَار، ورد عَلَيْهِ السُّبْكِيّ فِي ( شرح الْمِنْهَاج) : بِأَن مُقْتَضى مَذْهَبنَا عَدمه، وَاسْتدلَّ بِأَن منع الْحق بعد طلبه وَانْتِفَاء الْعذر عَن أَدَائِهِ كالغصب، وَالْغَصْب كَبِيرَة، وتسميته ظلما يشْعر بِكَوْنِهِ كَبِيرَة، والكبيرة لَا يشْتَرط فِيهَا التّكْرَار.
نعم، لَا يحكم عَلَيْهِ بذلك إلاَّ بعد أَن يظْهر عدم عذره انْتهى.
وَفِيه: أَن الْعَاجِز عَن الْأَدَاء لَا يدْخل فِي المطل.
وَفِيه: أَن الْمُعسر لَا يحبس وَلَا يُطَالب حَتَّى يوسر، وَقيل: لصَاحب الْحق أَن يحْبسهُ، وَقيل: يلازمه.
وَفِيه: أَمر بِقبُول الْحِوَالَة، فمذهب الشَّافِعِي: يسْتَحبّ لَهُ الْقبُول.
وَقيل: الْأَمر فِيهِ للْوُجُوب، وَهُوَ مَذْهَب دَاوُد، وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ الْوُجُوب وَالنَّدْب، وَالْجُمْهُور على أَنه ندب لِأَنَّهُ من بابُُ التَّيْسِير على الْمُعسر، وَقيل: مُبَاح، وَلما سَأَلَ ابْن وهب مَالِكًا عَنهُ! قَالَ: هَذَا أَمر ترغيب وَلَيْسَ بإلزام، وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يُطِيع سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِشَرْط أَن يكون بدين وإلاَّ فَلَا حِوَالَة لِاسْتِحَالَة حَقِيقَتهَا إِذْ ذَاك، وَإِنَّمَا يكون حمالَة.
وَفِي ( التَّوْضِيح) ؛ وَمن شَرطهَا تَسَاوِي الدينَيْنِ قدرا ووصفا وجنسا كالحلول وَالتَّأْخِير،.

     وَقَالَ  ابْن رشد: وَمِنْهُم من أجازها فِي الذَّهَب وَالدَّرَاهِم فَقَط، ومنعها فِي الطَّعَام، وَأَجَازَ مَالك إِذا كَانَ الطعامان كِلَاهُمَا من قرض إِذا كَانَ دين الْمحَال حَالا، وَأما إِن كَانَ أَحدهمَا من سلم فَإِنَّهُ لَا يجوز إِلَّا أَن يكون الدينان حَالين، وَعند ابْن الْقَاسِم وَغَيره من أَصْحَاب مَالك: يجوز ذَلِك إِذا كَانَ الدّين الْمحَال بِهِ حَالا، وَلم يفرق بَين ذَلِك الشَّافِعِي لِأَنَّهُ كَالْبيع فِي ضَمَان الْمُسْتَقْرض.
وَأما أَبُو حنيفَة، فَأجَاز الْحِوَالَة بِالطَّعَامِ وَشبهه بِالدَّرَاهِمِ، وَفِي ( التَّلْوِيح) : وَجُمْهُور الْعلمَاء على أَن الْحِوَالَة ضد الْحمالَة فِي أَنه إِذا أفلس الْمحَال عَلَيْهِ لم يرجع صَاحب الدّين على الْمُحِيل بِشَيْء، وَعند أبي حنيفَة: يرجع صَاحب الدّين على الْمُحِيل إِذا مَاتَ الْمحَال عَلَيْهِ مُفلسًا أَو حكم بإفلاسه أَو جحد الْحِوَالَة وَلَا بَيِّنَة لَهُ، وَبِه قَالَ ابْن شُرَيْح وَعُثْمَان البتي وَجَمَاعَة، وَقد مر فِي أول الْبابُُ وَفِي الرَّوْضَة للنووي: أما الْمحَال عَلَيْهِ فَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين للْمُحِيل لم يعْتَبر رِضَاهُ على الْأَصَح، وَإِن لم يكن لم يَصح بِغَيْر رِضَاهُ قطعا وبإذنه وَجْهَان، وَفِي الْجَوَاهِر للمالكية أما الْمحَال عَلَيْهِ فَلَا يشْتَرط رِضَاهُ، وَفِي بعض كتب الْمَالِكِيَّة: يشْتَرط رِضَاهُ إِذا كَانَ عدوا وإلاَّ فَلَا، وَأما الْمُحِيل فرضاه شَرط عندنَا وَعِنْدهم لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الْحِوَالَة وَفِي الْعُيُون والزيادات لَيْسَ بِشَرْط،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : ورئي بِخَط بعض الْفُضَلَاء فِي قَوْله: مطل الْغَنِيّ ظلم، دلَالَة على أَن الْحِوَالَة إِنَّمَا تكون بعد حُلُول الْأَجَل فِي الدّين، لِأَن المطل لَا يكون إِلَّا بعد الْحُلُول.
وَفِيه: مُلَازمَة المماطل وإلزامه بِدفع الدّين والتوصل إِلَيْهِ بِكُل طَرِيق وَأَخذه مِنْهُ قهرا.