فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة

( بابُُ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ بالمُزْدَلِفَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي الْمزْدَلِفَة.



[ قــ :1601 ... غــ :1672 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عَن مُوسى بنِ عُقْبَةَ عنْ كُرَيْبٍ عنْ أُسَامةَ بنِ زَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ دفَعَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ عَرَفَةَ فنزَلَ الشِّعْبَ فبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأ ولَمْ يُسْبِغ الوُضُوءَ فَقُلْتُ لَهُ الصَّلاَةُ فَقَالَ الصَّلاَةُ أمامَكَ فجَاءَ المُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأ فأسْبَغَ ثُمَّ أقيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلى المَغْرِبَ ثُمَّ أنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فصَلَّى ولَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فجَاء الْمزْدَلِفَة) إِلَى آخِره، وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْوضُوء فِي: بابُُ إسباغ الْوضُوء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك، وَهَهُنَا أخرجه: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك، والتفاوت فِي الْإِسْنَاد فِي شيخيه فَقَط، وَفِي المتنين شَيْء يسير، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.

قَوْله: ( عَن كريب عَن أُسَامَة) قَالَ ابْن عبد الْبر: رَوَاهُ أَصْحَاب مَالك عَنهُ هَكَذَا إلاَّ أَشهب وَابْن الْمَاجشون فَإِنَّهُمَا أدخلا بَين كريب وَأُسَامَة عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أخرجه النَّسَائِيّ.
قَوْله: ( وَلم يسبغ الْوضُوء) ، قَالَ ابْن عبد الْبر: أَي: استنجى بِهِ وَأطلق عَلَيْهِ اسْم الْوضُوء اللّغَوِيّ لِأَنَّهُ من الْوَضَاءَة وَهِي النَّظَافَة، وَمعنى الإسباغ الْإِكْمَال أَي: لم يكمل وضوءه فيتوضأ للصَّلَاة، قَالَ: وَقد قيل: إِن معنى قَوْله: ( لم يسبغ الْوضُوء) أَي: لم يتَوَضَّأ فِي جَمِيع أَعْضَاء الْوضُوء، بل اقْتصر على بَعْضهَا.
وَقيل: إِنَّه تَوَضَّأ وضوأ خَفِيفا،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: اخْتلف الشُّرَّاح فِي قَوْله: ( وَلم يسبغ الْوضُوء) ، هَل المُرَاد بِهِ: اقْتصر على بعض الْأَعْضَاء فَيكون وضوأ لغويا؟ وَاقْتصر على بعض الْعدَد فَيكون وضوأ شَرْعِيًّا؟ قَالَ: وَكِلَاهُمَا مُحْتَمل، لَكِن يعضد من قَالَ بِالثَّانِي قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: ( وضُوءًا خَفِيفا) لِأَنَّهُ لَا يُقَال فِي النَّاقِص: خَفِيف فَإِن قلت: قَول أُسَامَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الصَّلَاة، يدل على أَنه رَآهُ أَنه تَوَضَّأ وضوء الصَّلَاة.
قلت: يحْتَمل أَن يكون مُرَاده: أَتُرِيدُ الصَّلَاة؟ فلِمَ لَم تتوضأ وضوء الصَّلَاة؟.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: إِنَّمَا ترك إسباغه حِين نزل الشّعب ليَكُون مستصحبا للطَّهَارَة فِي طَرِيقه، وَتجوز فِيهِ، لِأَنَّهُ لم يرد أَن يُصَلِّي بِهِ، فَلَمَّا نزل وَأَرَادَهَا أسبغه فَإِن قلت: هَذَا يدل على أَنه تَوَضَّأ وضوء الصَّلَاة وَلكنه خفف، ثمَّ لما نزل تَوَضَّأ وضُوءًا آخر وأسبغه، وَالْوُضُوء لَا يشرع مرَّتَيْنِ لصَلَاة وَاحِدَة، قَالَه ابْن عبد الْبر، رَحمَه الله تَعَالَى قلت: لَا نسلم عدم مَشْرُوعِيَّة تكْرَار الْوضُوء لصَلَاة وَاحِدَة، وَلَئِن سلمنَا فَيحْتَمل أَنه تَوَضَّأ ثَانِيًا عَن حدث طَار، وَالله أعلم.