فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل

( بابُُ مَنْ لَمْ يرَ الوُضُوءَ إِلَّا مِنَ الغَشْيِ المُثْقِلِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من لم ير الْوضُوء إلاَّ من الغشي، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره يَاء آخر الْحُرُوف.
يُقَال: غشى عَلَيْهِ غشية وغشياناً فَهُوَ مغشي عَلَيْهِ، والغشى: مرض يعرض من طول التَّعَب وَالْوُقُوف، وَهُوَ ضرب من الْإِغْمَاء، إلاَّ أَنه أخف مِنْهُ.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْعين) : غشي عَلَيْهِ: ذهب عقله، وَفِي الْقُرْآن: { كَالَّذي يغشى عَلَيْهِ من الْمَوْت} ( الْأَحْزَاب: 19) .

     وَقَالَ  الله تَعَالَى { فاغشيناهم فهم لَا يبصرون} ( ي س: 9) .
قَوْله: ( المثقل) ، بِضَم الْمِيم: من أثقل يثقل إثقالاً فَهُوَ مثقل بِكَسْر الْقَاف للْفَاعِل، وَبِفَتْحِهَا للْمَفْعُول، وَهُوَ ضد الْخَفِيف.
فان قلت: كَيفَ يجوز هَذَا الْحصْر وللوضوء أَسبابُُ أخر غير الغشي؟ قلت: أَيْنَمَا يَقع مثل هَذَا الْحصْر فَالْمُرَاد أَنه رد لاعتقاد السَّامع حَقِيقَة أَو ادِّعَاء، فَكَأَن هَهُنَا من يعْتَقد وجوب الْوضُوء من الغشي مُطلقًا، سَوَاء كَانَ مُثقلًا أَو غير مثقل، وأشركهما فِي الحكم، فالمتكلم حصر على أحد النَّوْعَيْنِ من الغشي فأفرده بالحكم مزيلاً للشَّرِكَة، وَمثله يُسمى قصر الْإِفْرَاد، وَمَعْنَاهُ أَنه لَا يتَوَضَّأ إلاَّ من الغشي المثقل، لَا من الغشي الْغَيْر المثقل، وَلَيْسَ الْمَعْنى أَنه يتَوَضَّأ تَوَضَّأ من الغشي المثقل لَا من سَبَب من أَسبابُُ الْحَدث، وَجَوَاب آخر: أَنه اسْتثِْنَاء مفرغ، فَلَا بُد من تَقْدِير الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مناسباً لَهُ، فتقديره من لم ير الْوضُوء من الغشي.
إلاَّ من الغشي المثقل.

والمناسبة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن فِي الْبابُُ السَّابِق عدم لُزُوم الْوضُوء عَن الْقِرَاءَة، وَهَهُنَا عدم لُزُومه عِنْد الغشي الْغَيْر المثقل.



[ قــ :181 ... غــ :184 ]
- حدّثنا إسْماعِيلُ قالَ حدّثنى مالِكٌ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوةَ عَنِ امْرَأتِهِ فَاطِمة عَن جَدَّتِها أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ أنَّها قالتْ أتَيْتُ عائِشَة زَوْجَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ فاذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ وإذَا هِي قَائِمَةٌ تُصَلِّي فَقُلْتُ مَا لِنَّاسِ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ وقالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ فقُلْتُ آيَةٌ فَأَشَارَتْ أيْ نَعَمْ فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلاَّنِي الغَشْيُ وَجَعَلْتُ أصُبُّ فَوْقَ رَأْسي مَاء فَلَمَّا انْصَرَفَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَمِد اللَّهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أرَهُ إلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَلَقَدْ أُوحِيَ إليَّ أنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ مثْلَ أوْ قَرِيباً من فِتْنَةِ الدَّجَّالِ لاَ أدْرِي أيَّ ذَلِكَ قالَتْ أسْمَاءُ يُؤْتَي أحَدُكُمْ فَيُقَال مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فأَما المُؤْمِنُ أوِ المُوقِنُ لاَ أدْرِي أيَّ ذَلِكَ قالَتْ أسْمَاءُ فَيَقُولُ هُوَ مُحَمَّدٌ رسولُ اللَّهِ جاءَنَا بالبَيِّنَاتِ والهُدَى فَاجَبْنَا وآمنَّا واتَّبَعْنَا فَيُقالُ نَمْ صَالِحاً فَقَدْ عَلِمْنَا إنْ كُنْتَ لَمُؤْمِناً وأمَّا المُنَافِقُ أوِ المُرْتَابُ لَا أدْرِي أيَّ ذَلِكَ قالتْ أْسمَاءُ فَيقُولُ لاَ أدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شيْئاً فقلْتُهُ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: ( حَتَّى تجلاني الغشي) ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ مُثقلًا لَكَانَ إنتقض الْوضُوء مِنْهَا، لِأَنَّهُ كالإغماء حِينَئِذٍ، وَالدَّلِيل على أَنه لم يكن مُثقلًا لِأَنَّهَا صبَّتْ المَاء على رَأسهَا ليزول الغشي، وَذَلِكَ يدل على أَن حواسها كَانَت حَاضِرَة، وَهُوَ يدل على عدم انْتِقَاض وضوئها.

بَيَان رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَقد مر عَن قريب.
الثَّانِي: مَالك بن أنس.
الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام القريشي؛ وَالرَّابِع: فَاطِمَة بنت الْمُنْذر بن الزبير بن الْعَوام.
الْخَامِس: جدَّتهَا أَسمَاء، على وزن حَمْرَاء، بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي الله عَنْهُم، وَزَوْجَة الزبير بن الْعَوام، وَفِي بعض النّسخ عَن: جدته، بتذكير الضَّمِير، وَكِلَاهُمَا صَحِيحَانِ بِلَا تفَاوت فِي الْمَعْنى، لِأَن أَسمَاء جدة لهشام ولفاطمة كليهمَا، وَتقدم ذكر الثَّلَاثَة فِي بابُُ: من أجَاب الْفتيا بِإِشَارَة الْيَد.
السَّادِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله عَنْهَا.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع وبصيغة الْإِفْرَاد والعنعنة وَالْقَوْل.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم مدنيون.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة الأقران هِشَام وَامْرَأَته فَاطِمَة.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي خَمْسَة مَوَاضِع فِي الطَّهَارَة عَن إِسْمَاعِيل، وَفِي الْكُسُوف عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الِاعْتِصَام عَن القعْنبِي، ثَلَاثَتهمْ عَن مَالك، وَفِي الْعلم عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن وهيب، وَفِي الْجِهَاد،.

     وَقَالَ  مَحْمُود: حَدثنَا أَبُو أُسَامَة، ثَلَاثَتهمْ عَن هِشَام بن عُرْوَة بِهِ، وَفِي السمر عَن يحيى ابْن سُلَيْمَان عَن ابْن وهب عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن هِشَام بِهِ مُخْتَصرا.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي كريب عَن عبد الله بن نمير عَن هِشَام بن عُرْوَة بِهِ، وَعَن أبي بكر وَأبي كريب، كِلَاهُمَا عَن أبي أُسَامَة نَحوه، وَقد مر الْكَلَام فِي هَذَا الحَدِيث مُسْتَوفى فِي كتاب الْعلم فِي بابُُ: من أجَاب الْفتيا بِإِشَارَة الْيَد وَالرَّأْس، وَكَانَت تَرْجَمَة الْبابُُ فِيهِ.