فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب القرعة في المشكلات

( بابُُ القرْعَةِ فِي المُشْكِلاَتِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة الْقرعَة فِي الْأَشْيَاء المشكلات الَّتِي يَقع فِيهَا النزاع بَين اثْنَيْنِ أَو أَكثر، وَوَقع فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: من المشكلات، وَكلمَة: فِي، أصوب، وَأما كلمة: من، إِن كَانَت مَحْفُوظَة فَتكون للتَّعْلِيل، أَي: لأجل المشكلات، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مِمَّا خطاياهم} ( العنكبوت: 21) .
أَي: لأجل خطاياهم.
قيل: وَجه إِدْخَال هَذَا الْبابُُ فِي كتاب الشَّهَادَات أَنَّهَا من جملَة الْبَينَات الَّتِي تثبت بهَا الْحُقُوق.
قلت: الْأَحْسَن أَن يُقَال: وَجه ذَلِك أَنه كَمَا يقطع النزاع، وَالْخُصُومَة بِالْبَيِّنَةِ، فَكَذَلِك يقطع بِالْقُرْعَةِ، وَهَذَا الْمِقْدَار كافٍ لوجه الْمُنَاسبَة.

وقَوْله {إذْ يُلْقُونَ أقْلاَمَهُمْ أيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَم} ( آل عمرَان: 44) .
.

     وَقَالَ  ابنُ عَبَّاسٍ اقْتَرَعوا فَجَرَتِ الأقْلاَمُ مَعَ الجِرْيَةِ وعالَ قَلَمُ زَكَرِيَّاءَ الجِرْيَةَ فَكَفَلَهَا زَكَرِيَّاءَ} ( آل عمرَان: 44) .


وَقَوله، بِالْجَرِّ عطفا على الْقرعَة، وَذكر هَذِه الْآيَة فِي معرض الِاحْتِجَاج لصِحَّة الحكم بِالْقُرْعَةِ، بِنَاء على أَن شرع من قبلنَا هُوَ شرع لنا مَا لم يقص الله علينا بالإنكار، وَلَا إِنْكَار فِي مشروعيتها، وَمَا نسب بَعضهم إِلَى أبي حنيفَة بِأَنَّهُ أنكرها فَغير صَحِيح، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ عَن قريب فِي تَفْسِير قصَّة أهل الْإِفْك.
وَأول الْآيَة: {ذَلِك من أنباء الْغَيْب نوحيه إِلَيْك وَمَا كنت لديهم إِذْ يلقون أقلامهم أَيهمْ يكفل مَرْيَم وَمَا كنت لديهم إِذْ يختصمون} ( آل عمرَان: 44) .
قَوْله: ذَلِك إِشَارَة إِلَى مَا ذكر من قَضِيَّة مَرْيَم.
قَوْله ( من أَبنَاء الغبيب) أَي أَخْبَار الْغَيْب، ( نوحيه إِلَيْك) أَي: نَقصه عَلَيْك {وَمَا كنت لديهم} أَي: وَمَا كنت يَا مُحَمَّد عِنْدهم {إِذْ يلقون} أَي: حِين يلقون {الأقلام أَيهمْ يكفل مَرْيَم} ، أَي: يضمها إِلَى نَفسه ويربيها، وَذَلِكَ لرغبتهم فِي الْأجر {وَمَا كنت لديهم إِذْ يختصمون} أَي: حِين يختصمون فِي أَخذهَا.
وأصل الْقِصَّة أَن امْرَأَة عمرَان، وَهِي حنة بنت فاقود، لَا تحمل: فرأت يَوْمًا طائراً يزق فرخه، فاشتهت الْوَلَد فدعَتْ الله تَعَالَى أَن يَهَبهَا ولدا، فَاسْتَجَاب الله دعاءها، فواقعها زَوجهَا فَحملت مِنْهُ، فَلَمَّا تحققت الْحمل ندرت أَن يكون محررا، أَي: خَالِصا لخدمة بَيت الْمُقَدّس، فَلَمَّا وضعت قَالَت: {رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى} ( آل عمرَان: 63) .
ثمَّ خرجت بهَا فِي خرقتها إِلَى بني الكاهن بن هروة أخي مُوسَى بن عمرَان، وهم يَوْمئِذٍ يلون من بَيت الْمُقَدّس مَا يَلِي الحجبة من الْكَعْبَة، فَقَالَت لَهُم: دونكم هَذِه النذيرة، فَإِنِّي حررتها وَهِي ابْنَتي، وَلَا تدخل الْكَنِيسَة حَائِض، وَأَنا لَا أردهَا إِلَى بَيْتِي، فَقَالُوا: هَذِه ابْنة إمامنا، وَكَانَ عمرَان يؤمهم فِي الصَّلَاة وَصَاحب القربان، فَقَالَ زَكَرِيَّاء: إدفعوها إِلَيّ، فَإِن خَالَتهَا تحتي، فَقَالُوا: لَا تطيب نفوسنا، هِيَ ابْنة إمامنا فَعِنْدَ ذَلِك اقترعوا بأقلامهم عَلَيْهَا، وَهِي الأقلام الَّتِي كَانُوا يَكْتُبُونَ بهَا التَّوْرَاة، فقرعهم زَكَرِيَّاء، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقد ذكر عِكْرِمَة وَالسُّديّ وَقَتَادَة وَغير وَاحِد أَنهم ذَهَبُوا إِلَى نهر الْأُرْدُن واقترعوا هُنَالك على أَن يلْقوا أقلامهم فِيهِ، فَأَيهمْ ثَبت فِي جرية المَاء فَهُوَ كافلها، فَألْقوا أقلامهم فاحتملها المَاء إلاَّ قلم زَكَرِيَّاء، فَإِنَّهُ ثَبت، فَأَخذهَا فَضمهَا إِلَى نَفسه، وَقد ذكر الْمُفَسِّرُونَ أَن الأقلام هِيَ الأقلام الَّتِي كَانُوا يَكْتُبُونَ بهَا التَّوْرَاة، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَيُقَال: الأقلام السِّهَام، وَسمي السهْم قَلما لِأَنَّهُ يقلم: أَي: يبرى.
قَوْله: {أَيهمْ يكفل مَرْيَم} ( آل عمرَان: 44) .
أَي: يَأْخُذهَا بكفالتها.
قَوْله: ( اقترعوا) ، يَعْنِي: عِنْد التنافس فِي كَفَالَة مَرْيَم.
قَوْله: ( مَعَ الجرية) بِكَسْر الْجِيم للنوع من الجريان.

     وَقَالَ  ابْن التِّين صَوَابه اقرعوا أَو قارعوا لِأَنَّهُ رباعي قلت قد جَاءَ اقترعوا كَمَا جَاءَ أقرعوا فَلَا وَجه لدعوى الصَّوَاب فِيهِ.
قَوْله: ( عَال) أَي: غلب الجرية ويروى: علا، ويروى: عدا، حَاصله: ارْتَفع قلم زَكَرِيَّاء، وَيُقَال: إِنَّهُم اقترعوا ثَلَاث مَرَّات، وَعَن ابْن عَبَّاس: فَلَمَّا وُضعت مَرْيَم فِي الْمَسْجِد اقترع عَلَيْهَا أهل الْمصلى وهم يَكْتُبُونَ الْوَحْي.

وقَوْلِهِ {فَساهَمَ} أقْرَعَ {فكانَ مِنَ المدْحَضينَ} ( الصافات: 141) .
من المَسْهومِينَ

وَقَوله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله الأول.
قَوْله: ( أَقرع) ، تَفْسِير لقَوْله: فساهم، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى يُونُس، عَلَيْهِ السَّلَام.
وَفسّر البُخَارِيّ المدحضين بِمَعْنى: المسهومين، يَعْنِي: المغلوبين، يُقَال: ساهمته فسهمته، كَمَا يُقَال: قارعته فقرعته.
وَقَوله: {فساهم} : اقرع تَفْسِير ابْن عَبَّاس أخرجه الطَّبَرِيّ من طَرِيق مُعَاوِيَة بن صَالح عَن عَليّ بن أبي طالحة عَن ابْن عَبَّاس وروى عَن السدى قَالَ: قَوْله: {فساهم} أَي: قارع.
قَالَ بَعضهم: هُوَ أوضح.
قلت: كَونه أوضح بِاعْتِبَار أَنه من بابُُ المفاعلة الَّتِي هِيَ للاشتراك بَين اثْنَيْنِ.
وَحَقِيقَة المدحض المزلق عَن مقَام الظفر وَالْغَلَبَة.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: يُونُس بن مَتى لما دَعَا قومه أهل نِينَوَى من بِلَاد الْموصل على شاطىء دجلة للدخول فِي دينه أبطؤوا عَلَيْهِ، فَدَعَا عَلَيْهِم وَوَعدهمْ الْعَذَاب بعد ثَلَاث، وَخرج عَنْهُم فَرَأى قومه دخاناً ومقدمات الْعَذَاب، فآمنوا بِهِ وَصَدقُوهُ وتابوا إِلَى الله، عز وَجل، وردوا الْمَظَالِم حَتَّى ردوا حِجَارَة مَغْصُوبَة، كَانُوا بنوا بهَا وَخَرجُوا طَالِبين يُونُس فَلم يجدوه، وَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى كشف الله عَنْهُم الْعَذَاب، ثمَّ إِن يُونُس ركب سفينة فَلم تجرِ، فَقَالَ أَهلهَا: فِيكُم آبق، فاقترعوا فَخرجت الْقرعَة عَلَيْهِ، فالتقمه الْحُوت.
وَقد اخْتلف فِي مُدَّة لبثه فِي بَطْنه من يَوْم وَاحِد إِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
فَأوحى الله تَعَالَى إِلَى الْحُوت أَن يلتقمه وَلَا يكسر لَهُ عظما.
وَذكر مقَاتل: أَنهم قارعوه سِتّ مَرَّات خوفًا عَلَيْهِ من أَن يقذف فِي الْبَحْر، وَفِي كلهَا خرج عَلَيْهِ، وَفِي يُونُس سِتّ لُغَات: ضم النُّون وَفتحهَا وَكسرهَا مَعَ الْهمزَة وَتَركه، وَالْأَشْهر ضم النُّون بِغَيْر همز.

وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عَرَضَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قَوْمٍ اليَمينَ فَأسْرَعُوا فأمَرَ أنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ أيُّهُمْ يَحْلِفُ

هَذَا التَّعْلِيق قد مر مَوْصُولا فِي: بابُُ إِذا سارع قوم فِي الْيَمين، وَقد مر عَن قريب، وَهَذَا أَيْضا يدل على مَشْرُوعِيَّة الْقرعَة.



[ قــ :2568 ... غــ :2686 ]
- حدَّثنا عُمَرَ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ قَالَ حدَّثنا أبِي قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ حدَّثني الشَّعْبِيُّ أنَّهُ سَمِعَ النُّعْمَانَ بنَ بَشِيرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقولُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَثَلُ الْمُدهِنِ فِي حُدُودِ الله والواقِعِ فِيها مثَلُ قَوْمٍ اسْتهَمُوا سَفِينَةً فصارَ بَعْضُهُمْ فِي أسْفَلِهَا وصارَ بَعْضُهم فِي أعْلاهَا فكانَ الَّذِي فِي أسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بالْمَاءِ على الَّذِينَ فِي أعْلاهَا فَتأذَّوْا بهِ فأخَذَ فَأْساً فَجَعَلَ يَنْقُرُ أسْفَلَ السَّفِينَةِ فأتوْهُ فَقَالُوا مالَكَ قَالَ تأذَّيْتُمْ بِي وَلَا بُدَّ لي مِنَ المَاءِ فإنْ أخَذُوا على يدَيْهِ أنْجَوْه ونجَّوا أنْفُسَهُمْ وإنْ تَرَكُوا أهْلَكُوهُ وأهْلَكُوا أنْفُسَهُمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( استهموا سفينة) ، وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي الشّركَة فِي: بابُُ هَل يقرع فِي الْقِسْمَة؟ والاستهام فِيهِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي نعيم عَن زَكَرِيَّاء.
قَالَ: سَمِعت عَامِرًا، وَهُوَ الشّعبِيّ يَقُول: سَمِعت النُّعْمَان بن بشير ... إِلَى آخِره، وَفِي بعض النّسخ وَقع حَدِيث النُّعْمَان هَكَذَا فِي آخر الْبابُُ.

قَوْله: ( مثل المدهن) ، وَهُنَاكَ: مثل الْقَائِم على حُدُود الله تَعَالَى، والمدهن، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الْهَاء، وَفِي آخِره نون من الإدهان، وَهُوَ الْمُحَابَاة فِي غير حق، وَهُوَ الَّذِي يرائي ويضيع الْحُقُوق وَلَا يُغير الْمُنكر، وَوَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الشّركَة: مثل الْقَائِم على حُدُود الله وَالْوَاقِع فِيهَا والمدهن فِيهَا، وَهَذِه ثَلَاث فرق، وجودهَا فِي الْمثل الْمَضْرُوب هُوَ أَن الَّذين أَرَادوا خرق السَّفِينَة بِمَنْزِلَة الْوَاقِع فِي حُدُود الله، ثمَّ من عداهم إِمَّا مُنكر وَهُوَ الْقَائِم، وَإِمَّا سَاكِت وَهُوَ المداهن.

وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: قَالَ ثمَّة، يَعْنِي: فِي كتاب الشّركَة: مثل الْقَائِم على حُدُود الله،.

     وَقَالَ  هَهُنَا: مثل المدهن، وهما نقيضان إِذْ الْآمِر هُوَ الْقَائِم بِالْمَعْرُوفِ والمدهن هُوَ التارك لَهُ، فَمَا وَجهه؟ قلت: كِلَاهُمَا صَحِيح، فَحَيْثُ قَالَ الْقَائِم نظر إِلَى جِهَة النجَاة، وَحَيْثُ قَالَ المدهن نظر إِلَى جِهَة الْهَلَاك، وَلَا شكّ أَن التَّشْبِيه مُسْتَقِيم على كل وَاحِد من الْجِهَتَيْنِ.
وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بقوله: كَيفَ يَسْتَقِيم هُنَا الِاقْتِصَار على ذكر المدهن، وَهُوَ: التارك لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وعَلى ذكر الْوَاقِع فِي الْحَد وَهُوَ العَاصِي، وَكِلَاهُمَا هَالك، وَالْحَاصِل أَن بعض الروَاة ذكر المدهن والقائم، وَبَعْضهمْ ذكر الْوَاقِع والقائم، وَبَعْضهمْ جمع الثَّلَاثَة.
وَأما الْجمع بَين المدهن وَالْوَاقِع دون الْقَائِم فَلَا يَسْتَقِيم.
انْتهى.

قلت: لَا وَجه لاعتراضه على الْكرْمَانِي، لِأَن سُؤال الْكرْمَانِي وَجَوَابه مبنيان على الْقسمَيْنِ الْمَذْكُورين فِي هَذَا الحَدِيث، وهما: المدهن الْمَذْكُور هُنَا، والقائم الْمَذْكُور هُنَاكَ، وَهُوَ لم يبين كَلَامه على التارك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ، وَالْوَاقِع فِي الْحَد، فَلَا يرد عَلَيْهِ شَيْء أصلا، تَأمل، فَإِنَّهُ مَوضِع يحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّأَمُّل.

قَوْله: ( استهموا سفينة) أَي: اقترعوها فَأخذ كل وَاحِد مِنْهُم سَهْما، أَي: نَصِيبا من السَّفِينَة بِالْقُرْعَةِ،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَإِنَّمَا يَقع ذَلِك فِي السَّفِينَة وَنَحْوهَا فِيمَا إِذا أنزلوا مَعًا، أما لَو سبق بَعضهم بَعْضًا فَالسَّابِق أَحَق بموضعه،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَذَا فِيمَا إِذا كَانَت مسبلة، أما إِذا كَانَت مَمْلُوكَة لَهُم مثلا فالقرعة مَشْرُوعَة: إِذا تنازعوا.
قلت: إِذا وَقعت الْمُنَازعَة تشرع الْقرعَة سَوَاء كَانَت مسبلة أَو مَمْلُوكَة، مَا لم يسْبق أحدهم فِي المسبلة.
قَوْله: ( فتأذوا بِهِ) ، أَي: بالمار عَلَيْهِم، أَو: بِالْمَاءِ الَّذِي مَعَ الْمَار عَلَيْهِم.
قَوْله: ( ينقر) ، بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون النُّون وَضم الْقَاف من النقر، وَهُوَ الْحفر سَوَاء كَانَ فِي الْخشب أَو الْحجر، أَو نَحْوهمَا، قَوْله: ( فَإِن أخذُوا على يَدَيْهِ) أَي: منعُوهُ من النقر، ويروى: على يَده.
قَوْله: ( نجوه) أَي: نجو الْمَار، ويروى: أنجوه: بِالْهَمْزَةِ، ونجوا أنفسهم، بتَشْديد الْجِيم، وَهَكَذَا إِقَامَة الْحُدُود تحصل بهَا النجَاة لمن إقامها وأقيمت عَلَيْهِ، وإلاَّ هلك العَاصِي بالمعصية والساكت بِالرِّضَا بهَا.

وَقَالَ الْمُهلب: فِي هَذَا الحَدِيث: تَعْذِيب الْعَامَّة بذنب الْخَاصَّة، وَاسْتِحْقَاق الْعقُوبَة بترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ، وتبيين الْعَالم الحكم بِضَرْب الْمثل.





[ قــ :569 ... غــ :687 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني خارِجة بنُ زَيْدٍ الأنْصَارِيُّ أنَّ أُمَّ العَلاءِ امْرأةً مِنْ نِسَائِهِمْ قَدْ بايَعَتِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَتْهُ أنَّ عُثْمَانَ بنَ مَظْعُونٍ طارَ لَهُ سَهْمُهُ فِي السُّكْناى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأنْصَارُ سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ قالتْ أُمُّ العَلاءِ فسَكَنَ عِنْدَنَا عُثْمَانُ بنُ مَظْعُونٍ فاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حتَّى إِذا تُوُفِّيَ وجعلْنَاهُ فِي ثِيابِهِ دخَلَ علَيْنَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقلْتُ رَحْمَةُ الله عَلَيْكَ أبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي علَيْكَ لَقَدْ أكْرَمَكَ الله فَقَالَ لِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يُدْرِيكِ أنَّ الله أكْرَمَهُ فقُلْتُ لَا أدْرِي بِأبي أنْتَ وأُمِّي يَا رسولَ الله فَقَالَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَّا عُثمانُ فَقد جاءَهُ وَالله اليَقِينُ وإنِّي لأرْجو لهُ الخَيْرَ وَالله مَا أدْرِي وَأَنا رسولُ الله مَا يُفْعَلُ بِهِ قالتْ فَوالله لَا أُزَكِّي أحَدَاً بعْدَهُ أبدَاً وأحْزَنَنِي ذالِكَ قالتْ فَنِمْتُ فأُرِيتُ لِعُثْمَانَ عَيْناً تَجْرِي فَجِئْتُ إِلَى رسولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبرتُهُ فَقَالَ ذلِكَ عَمَلُهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا السَّنَد بِعَيْنِه قد مر غير مرّة، والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بابُُ الدُّخُول على الْمَيِّت بعد الْمَوْت، وَتقدم الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
وخارجة بن زيد بن ثَابت أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ النجاري الْمَدِينِيّ أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة، قَالَ الْعجلِيّ: مدنِي تَابِعِيّ ثِقَة، وَأم الْعَلَاء بنت الْحَارِث بن ثَابت بن خَارِجَة بن ثَعْلَبَة بن الْجلاس بن أُميَّة بن جدارة بن عَوْف بن الْحَارِث بن الخزر، وَهِي وَالِدَة خَارِجَة بن زيد بن ثَابت وَعُثْمَان بن مَظْعُون، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الظَّاء الْمُعْجَمَة وَضم الْعين الْمُهْملَة: ابْن حبيب بن وهب الجُمَحِي أَبُو السَّائِب، أحد السَّابِقين.

قَوْله: ( اشْتَكَى) أَي: مرض.
قَوْله: ( فمرضناه) بتَشْديد الرَّاء من التمريض، وَهُوَ الْقيام بِأم الْمَرِيض.
قَوْله: ( أَبَا السَّائِب) كنية عُثْمَان.
قَوْله: ( بِأبي أَنْت وَأمي) أَي: مفدًى.
قَوْله: ( ذَلِك عمله) إِنَّمَا عبر المَاء بِالْعَمَلِ وجريانه بجريانه، لِأَن كل ميت تمم على عمله إلاَّ الَّذِي مَاتَ مرابطاً، فَإِن عمله يَنْمُو إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.





[ قــ :570 ... غــ :688 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَةُ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أرادَ سفَرَاً أقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ وكانَ يقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا ولَيْلَتَهَا غَيْرَ أنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وهبَتْ يَوْمَهَا ولَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبْتَغِي بِذالِكَ رِضاءَ رسولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد: والْحَدِيث مضى فِي أول حَدِيث الْإِفْك، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.





[ قــ :571 ... غــ :689 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ سُمَيٍّ عنْ أبِي صالِحٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ والصَّفِّ الأوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلاَّ أنْ يَسْتَهْمُوا علَيْهِ لاسْتَهَمُوا ولَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرٍ لاَسْتَبَقُوا إلَيْهِ ولَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ والصُّبْحِ لأتَوْهُما ولَوْ حَبْواً.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( إِلَّا أَن يستهموا عَلَيْهِ لاستهموا) أَي: لاقترعوا عَلَيْهِ، وكل مَا ذكر فِي هَذَا الْبابُُ من الحَدِيث وَغَيره فِي مَشْرُوعِيَّة الْقرعَة.
والْحَدِيث مر فِي كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بابُُ الاستهام فِي الْأَذَان، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ