فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصدقة قبل الرد

( بابُُ الصَّدَقَةِ قبل الرَّدِّ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي التحريض على إِعْطَاء الصَّدَقَة قبل رد من يتَصَدَّق عَلَيْهِ بهَا، وَالْمَقْصُود من هَذِه التَّرْجَمَة المسارعة إِلَى الصَّدَقَة والتحذير عَن تسويفها، لِأَن التسويف قد يكون ذَرِيعَة إِلَى أَن لَا يجد من يقبلهَا.
وَقد أخبر الشَّارِع أَنه سيقع فقد الْفُقَرَاء المحتاجين إِلَى الصَّدَقَة وَيخرج الْغَنِيّ صدقته فَلَا يجد من يقبلهَا، كَمَا يَأْتِي فِي حَدِيث الْبابُُ ( يَقُول الرجل: لَو جِئْت بهَا بالْأَمْس لقبلتها، فَأَما الْيَوْم فَلَا حَاجَة لي فِيهَا) .



[ قــ :1356 ... غــ :1411 ]
- حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا مَعْبَدُ بنُ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حارِثَةَ بنَ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ تَصَدَّقُوا فإنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلاَ يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا يَقُولُ الرَّجُلُ لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالأمْسِ لَقَبِلْتُهَا فأمَّا اليَوْمَ فَلاَ حاجَةَ لِي بِهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: آدم بن أبي إِيَاس، وَشعْبَة بن الْحجَّاج، ومعبد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره دَال مُهْملَة: ابْن خَالِد الجدلي، بِالْجِيم وَالدَّال الْمُهْملَة المفتوحتين: الْكُوفِي الْقَاص، بتَشْديد الصَّاد: العابد وَكَانَ من القانتين، مَاتَ سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة، وحارثة، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبكسر الرَّاء وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة: ابْن وهب الْخُزَاعِيّ أَخُو عبيد الله بن عمر بن الْخطاب لأمه، لَهُ صُحْبَة، يعد فِي الْكُوفِيّين.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: السماع فِي موضِعين، وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه عسقلاني وَشعْبَة واسطي ومعبد كُوفِي والْحَدِيث من الرباعيات.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَليّ بن الْجَعْد، وَأخرجه فِي الْفِتَن عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد.
وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن عبيد الله بن نمير.

قَوْله: ( يَقُول الرجل) أَي: الرجل الَّذِي يُرِيد الْمُتَصَدّق أَن يُعْطِيهِ إِيَّاهَا.
قَوْله: ( فَلَا حَاجَة لي بِهِ) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِيهَا.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَالظَّاهِر أَن ذَلِك يَقع فِي زمَان كَثْرَة المَال وفيضه قرب السَّاعَة.
قلت: هَذَا كَلَام ابْن بطال، وَلكنه غير مُتبع لِأَن الظَّاهِر أَن ذَلِك يَقع فِي زمَان تظهر كنوز الأَرْض الَّذِي هُوَ من جملَة أَشْرَاط السَّاعَة.

وَفِيه: حث على الصَّدَقَة وَالتَّرْغِيب مَا وجد أَهلهَا المستحقون لَهَا خشيَة أَن يَأْتِي الزَّمن الَّذِي لَا يُوجد فِيهِ من يَأْخُذهَا، وَهُوَ الزَّمَان الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا.





[ قــ :1357 ... غــ :141 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ قَالَ حدَّثنا أبُو الزِّنادِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ المَالُ فَيَفِيضُ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ المَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ لَا أرَبَ لِي فِيهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: ذكْوَان، وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج.

قَوْله: ( فيفيض) ، من فاض الْإِنَاء إِذا امْتَلَأَ، وأفاضه ملأَهُ، واشتقاقه من الْفَيْض.
وَفِي ( الْمغرب) : فاض المَاء إِذا انصب على امتلائه، وأفاض المَاء صبه عَن كَثْرَة.
قَوْله: ( حَتَّى يهم) بِفَتْح الْيَاء وَضم الْهَاء من: الْهم، بِفَتْح الْهَاء، وَهُوَ مَا يشغل الْقلب من أَمر يهم بِهِ.
قَوْله: ( رب المَال) ، مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول يهم.
وَقَوله: ( من يقبل) فَاعله من: همه الشَّيْء أحزنه، ويروى: يهم، بِضَم الْيَاء وَكسر الْهَاء من: أهمه الْأَمر إِذا أقلقه، فعلى هَذَا أَيْضا الْإِعْرَاب مثل الأول، لِأَن كلا من: يهم، بِفَتْح الْيَاء، و: يهم، بضَمهَا، متعدٍ.
يُقَال: همه الْأَمر وأهمه،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى فِي ( شرح مُسلم) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ضبطوه بِوَجْهَيْنِ أشهرهما بِضَم أَوله وَكسر الْهَاء، و: رب المَال، مفعول، وَالْفَاعِل: من يقبل أَي يحزنهُ، وَالثَّانِي بِفَتْح أَوله وَضم الْهَاء، وَرب المَال فَاعل، و: من مَفْعُوله أَي: يقْصد.
انْتهى.
قلت: فهم من ذَلِك أَنهم فرقوا بَين الْبابَُُيْنِ، فَجعلُوا الأول مُتَعَدِّيا من الإهمام وَالثَّانِي مُتَعَدِّيا من الْهم بِمَعْنى الْقَصْد، فَجعلُوا رب المَال مَفْعُولا فِي الأول، وفاعلاً فِي الثَّانِي.
قَوْله: ( لَا أرب لي فِيهِ) ، أَي: لَا حَاجَة لي فِيهِ، وَهُوَ بِفتْحَتَيْنِ لَا غير.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: كَأَنَّهُ سقط كلمة: فِيهِ، من الْكتاب؟ قلت: السقط كَأَنَّهُ كَانَ فِي نسخته، وَهُوَ مَوْجُود فِي النّسخ.
.

     وَقَالَ  أَيْضا: وَقد وجدت فِي أَيَّام الصَّحَابَة هَذِه الْحَال، كَانَت تعرض عَلَيْهِم الصَّدَقَة فيأبون قبُولهَا.
قلت: كَانَ هَذَا لزهدهم وإعراضهم عَن الدُّنْيَا وَلم يكن لفيض من المَال، وَكَانُوا يعرضون عَنْهَا مَعَ قلَّة المَال وَكَثْرَة الإحتياج.




[ قــ :1358 ... غــ :1413 ]
- ( حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا أَبُو عَاصِم النَّبِيل قَالَ أخبرنَا سَعْدَان بن بشر قَالَ حَدثنَا أَبُو مُجَاهِد قَالَ حَدثنَا مَحل بن خَليفَة الطَّائِي قَالَ سَمِعت عدي بن حَاتِم رَضِي الله عَنهُ يَقُول كنت عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَجَاءَهُ رجلَانِ أَحدهمَا يشكو الْعيلَة وَالْآخر يشكو قطع السَّبِيل فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما قطع السَّبِيل فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْك إِلَّا قَلِيل حَتَّى تخرج العير إِلَى مَكَّة بِغَيْر خفير وَأما الْعيلَة فَإِن السَّاعَة لَا تقوم حَتَّى يطوف أحدكُم بِصَدَقَتِهِ لَا يجد من يقبلهَا مِنْهُ ثمَّ ليقفن أحدكُم بَين يَدي الله لَيْسَ بَينه وَبَينه حجاب وَلَا ترجمان يترجم لَهُ ثمَّ ليَقُولن لَهُ أم أوتك مَالا فليقولن بلَى ثمَّ ليَقُولن ألم أرسل إِلَيْك رَسُولا فليقولن بلَى فَينْظر عَن يَمِينه فَلَا يرى إِلَّا النَّار ثمَّ ينظر عَن شِمَاله فَلَا يرى إِلَّا النَّار فليتقين أحدكُم النَّار وَلَو بشق تَمْرَة فَإِن لم يجد فبكلمة طيبَة) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله " فَإِن السَّاعَة لَا تقوم حَتَّى يطوف أحدكُم بِصَدَقَتِهِ لَا يجد من يقبلهَا مِنْهُ ".
( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة.
الأول عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن جَعْفَر الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي وَقد مر.
الثَّانِي أَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد الملقب بالنبيل وَقد تكَرر ذكره.
الثَّالِث سَعْدَان بن بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة الْجُهَنِيّ.
الرَّابِع أَبُو مُجَاهِد اسْمه سعد الطَّائِي.
الْخَامِس مَحل بِضَم الْمِيم وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام ابْن خَليفَة الطَّائِي.
السَّادِس عدي بن حَاتِم الطَّائِي ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه السماع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه بخاري وَمن أَفْرَاده وَفِيه أَن شيخ شَيْخه شَيْخه أَيْضا لِأَنَّهُ روى عَنهُ وَأَنه بَصرِي وَأَن سَعْدَان من أَفْرَاده وَأَنه كُوفِي وَأَن لفظ سَعْدَان لقبه واسْمه سعدوان أَبَا مُجَاهِد أَيْضا من أَفْرَاده وَأَنه طائي وَأَن مَحل بن خَليفَة كُوفِي وَأَنه من أَفْرَاده قَالَ الْكرْمَانِي وجده عدي بن حَاتِم ثمَّ قَالَ وَفِي الْإِسْنَاد ثَلَاثَة طائيون.
( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن مُحَمَّد بن الحكم عَن النَّضر بن شُمَيْل وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن نضر بن عَليّ الْجَهْضَمِي مُخْتَصرا ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " يشكو الْعيلَة " بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة أَي الْفقر من عَال إِذا افْتقر قَالَ الْجَوْهَرِي يُقَال عَال يعيل عيلة وعيولا إِذا افْتقر قَالَ تَعَالَى { وَإِن خِفْتُمْ عيلة} وَهُوَ عائل وَقوم عيلة وَترك أَوْلَاده يتامى عيلى أَي فُقَرَاء وَذكره فِي الأجوف اليائي وَأما عَال عِيَاله عولا وعيالة أَي قاتهم ومأنهم وَأنْفق عَلَيْهِم فَهُوَ من الأجوف الواوي.

     وَقَالَ  ابْن قرقول وَأَصله من الْعَوْل وَهُوَ الْقُوت وَمِنْه قَوْله " وابدأ بِمن تعول " أَي بِمن تقوت قَوْله " قطع السَّبِيل " هُوَ من فَسَاد السراق واللصوص كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي وَفِيه نظر لِأَن قطع السَّبِيل لَا يكون إِلَّا من قطاع الطَّرِيق جَهرا وَالسَّارِق لَا يَأْخُذ جَهرا وَكَذَلِكَ اللص قَوْله " العير " بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف الْإِبِل الَّتِي تحمل الْميرَة وَفِي الْمطَالع العير الْقَافِلَة وَهِي الْإِبِل وَالدَّوَاب تحمل الطَّعَام وَغَيره من التِّجَارَة وَلَا تسمى عيرًا إِلَّا إِذا كَانَت كَذَلِك.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير العير الْإِبِل بأحمالها فعل من عَار يعير إِذا سَار وَقيل هِيَ قافلة الْحمير فكثرت حَتَّى سميت بهَا كل قافلة كَأَنَّهَا جمع عير وَكَانَ قياسها أَن يكون فعلا بِالضَّمِّ كسقف فِي سقف إِلَّا أَنه حوفظ على الْيَاء بالكسرة نَحْو عين قَوْله " خفير " بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء وَهُوَ المجير الَّذِي يكون الْقَوْم فِي ضَمَانه وذمته.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَالْمرَاد مِنْهُ حَتَّى تخرج الْقَافِلَة من الشَّام وَالْعراق وَنَحْوهمَا إِلَى مَكَّة بِغَيْر البدرقة وَفِي الصِّحَاح خفرت الرجل أخفره بِالْكَسْرِ خفرا إِذا آجرته وَكنت لَهُ خفيرا تَمنعهُ قَالَ الْأَصْمَعِي وَكَذَلِكَ خفرته تخفيرا وأخفرته إِذا نقضت عَهده وغدرت بِهِ قَوْله " بَين يَدي الله " هُوَ من المتشابهات وَالْأمة فِي أَمْثَالهَا كاليمين وَنَحْوه طَائِفَتَانِ المفوضة والمؤولة بِمَا يُنَاسِبهَا قَوْله " وَلَا ترجمان " بِضَم التَّاء وَفتحهَا وَالْجِيم مَضْمُومَة فيهمَا وَالتَّاء فِيهِ أَصْلِيَّة.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي زَائِدَة.

     وَقَالَ  هُوَ نَحْو الزَّعْفَرَان فالجيم مَفْتُوحَة هَذَا على جِهَة التَّمْثِيل ليفهم الْخطاب أَن الله تَعَالَى لَا يُحِيط بِهِ شَيْء وَلَا يَحْجُبهُ حجاب وَإِنَّمَا يسْتَتر تَعَالَى عَن أبصارنا بِمَا وضع فِيهَا من الْحجب للعجز عَن الْإِدْرَاك فِي الدُّنْيَا فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة كشف تِلْكَ الْحجب عَن أبصارنا وقواها حَتَّى نرَاهُ مُعَاينَة كَمَا نرى الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر كَمَا ثَبت فِي الْأَحَادِيث الصِّحَاح قَوْله " فليتقين " أَمر مُؤَكد بالنُّون الثَّقِيلَة دخلت عَلَيْهِ اللَّام قَوْله " وَلَو بشق تَمْرَة " بِكَسْر الشين مَعْنَاهُ لَا تحقروا شَيْئا من الْمَعْرُوف وَلَو كَانَ بشق تَمْرَة أَي بِنِصْفِهَا قَوْله " فَإِن لم يجد " أَي فَإِن لم يجد أحدكُم شَيْئا يتَصَدَّق بِهِ على الْمُحْتَاج فليرده بِكَلِمَة طيبَة وَهِي الَّتِي فِيهَا تطييب قلبه فَدلَّ على أَن الْكَلِمَة الطّيبَة يتقى بهَا كَمَا أَن الْكَلِمَة الخبيثة مستوجب بهَا النَّار.
وَفِيه حث على الصَّدَقَة وَأَن لَا يحقر شَيْئا من الْخَيْر قولا وفعلا وَإِن قل -



[ قــ :1359 ... غــ :1414 ]
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ قَالَ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ عنْ بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوسى ارضي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَبِ ثُمَّ لاَ يَجد أحَدا يَأخُذُهَا مِنْهُ وَيُرَى الرَّجُلُ الوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أرْبَعُونَ امْرَأةً يَلُذْنَ بِهِ من قِلَّةِ الرِّجَالِ وكَثْرَةِ النِّسَاءِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( ليَأْتِيَن على النَّاس زمَان يطوف الرجل فِيهِ بِالصَّدَقَةِ من الذَّهَب ثمَّ لَا يجد أحدا يَأْخُذهَا مِنْهُ) .

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن الْعَلَاء أَبُو كريب، مَاتَ سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة اللَّيْثِيّ.
الثَّالِث: بريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن عبد الله بن أبي بردة ابْن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
الرَّابِع: أَبُو بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: اسْمه عَامر، وَقيل: الْحَارِث بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
الْخَامِس: أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، واسْمه: عبد الله بن قيس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد عَن شَيْخه، وَقيل بِصِيغَة الْجمع وبصيغته أَيْضا فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كوفيون.
وَفِيه: رِوَايَة الرَّاوِي عَن جده وَرِوَايَة الإبن عَن أَبِيه.
وَفِيه: ثَلَاثَة مكيون.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا بِإِسْنَاد البُخَارِيّ.

قَوْله: ( من الذَّهَب) ، خص بِالذكر مُبَالغَة فِي عدم من يقبل الصَّدَقَة لِأَن الذَّهَب أعز المعدنيات وأشرف الْأَمْوَال، فَإِذا لم يُوجد من يَأْخُذ هَذَا فَفِي غَيره بِالطَّرِيقِ الأولى.
قَوْله: ( وَيرى الرجل) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( يتبعهُ) ، جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال.
قَوْله: ( يلذن) ، بِضَم اللَّام وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة أَي: يلتجئن إِلَيْهِ ويرغبن فِيهِ، من لَاذَ بِهِ يلوذ لياذا إِذا التجأ إِلَيْهِ وانضم واستغاث، هَذَا وَالله أعلم يكون عِنْد ظُهُور الْفِتَن وَكَثْرَة الْقَتْل فِي النَّاس، قَالَ الدَّاودِيّ: لَيْسَ فِيهِنَّ قيم غَيره، وَهَذَا يحْتَمل أَن يكون نِسَاءَهُ وجواريه وَذَوَات مَحَارمه وقراباته، وَهَذَا كُله من أَشْرَاط السَّاعَة.

وَفِيه: الْإِعْلَام بِمَا يكون بعده من كَثْرَة الْأَمْوَال حَتَّى لَا يجد من يقبلهَا وَأَن ذَلِك بعد قتل عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، الدَّجَّال وَالْكفَّار، فَلم يبْق بِأَرْض الْإِسْلَام كَافِر، وتنزل إِذْ ذَاك بَرَكَات السَّمَاء إِلَى الأَرْض وَالنَّاس إِذْ ذَاك قَلِيلُونَ لَا يدخرون شَيْئا لعلمهم بِقرب السَّاعَة، وتربي الأَرْض إِذْ ذَاك بركاتها حَتَّى تشبع الرمانة أهل الْبَيْت، وتلقى الأَرْض أفلاذ كَبِدهَا وَهُوَ مَا دَفَنته مُلُوك الْعَجم كسْرَى وَغَيره وَيكثر المَال حَتَّى لَا يتنافس فِيهِ النَّاس.
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: تقدم فِي: بابُُ رفع الْعلم أَنه يكون لخمسين امْرَأَة الْقيم الْوَاحِد؟ قلت: التَّخْصِيص بِعَدَد الْأَرْبَعين لَا يدل على نفي الزَّائِد.
قلت: الْمَذْكُور فِي: بابُُ رفع الْعلم وَظُهُور الْجَهْل، حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يقل الْعلم وَيظْهر الْجَهْل، وَيظْهر الزِّنَا وتكثر النِّسَاء ويقل الرِّجَال حَتَّى يكون لخمسين امْرَأَة الْقيم الْوَاحِد.