فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من رأى ترك النكير من النبي صلى الله عليه وسلم حجة، لا من غير الرسول

( بابُُ مَنْ رَأى تَرْكَ النَّكِيرِ مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حُجَّةً لَا مِنْ غَيْرِ الرَّسُولِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من رأى ترك النكير أَي الْإِنْكَار وَهُوَ بِفَتْح النُّون وَكسر الْكَاف مُبَالغَة فِي الْإِنْكَار غَرَضه أَن تَقْرِير الرَّسُول، حجَّة إِذْ هُوَ نوع من فعله وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ مُنْكرا للزمه التَّغْيِير وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء فِي ذَلِك، لِأَنَّهُ، لَا يجوز لَهُ أَن يرى أحدا من أمته يَقُول قولا أَو يفعل فعلا مَحْظُورًا فيقرره عَلَيْهِ لِأَن الله تَعَالَى فرض عَلَيْهِ النَّهْي عَن الْمُنكر.
قَوْله: لَا من غير الرَّسُول، يَعْنِي: لَيْسَ بِحجَّة ترك الْإِنْكَار من غير الرَّسُول لجَوَاز أَنه لم يتَبَيَّن لَهُ حينئذٍ وَجه الصَّوَاب.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: التَّرْجَمَة تتَعَلَّق بِالْإِجْمَاع السكوتي وَأَن النَّاس اخْتلفُوا فِيهِ، وَقد علم ذَلِك فِي مَوْضِعه.



[ قــ :6961 ... غــ :7355 ]
- حدّثنا حَمَّادُ بنُ حُمَيْدٍ، حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُعاذٍ، حدّثنا أبي، حَدثنَا شعبْةُ، عنْ سَعْدِ ابنِ إبْراهِيمَ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: رَأيْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله يَحْلِفُ بِالله أنَّ ابنَ الصَّيَّادِ الدَّجَّالُ.
قُلْتُ: تَحْلِفُ بِالله؟ قَالَ: إنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلى ذالِكَ عِنْدَ النبيِّ فَلَمْ يُنْكِرْهُ النبيُّ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَحَمَّاد بن حميد بِالضَّمِّ الْخُرَاسَانِي وَذكر الْحَافِظ الْمزي فِي التَّهْذِيب أَن فِي بعض النّسخ الْقَدِيمَة من البُخَارِيّ: حَدثنَا حَمَّاد بن حميد صَاحب لنا حَدثنَا بِهَذَا الحَدِيث.
وَعبيد الله بن معَاذ فِي الْإِحْيَاء.

وَقد أخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث عَن عبيد الله بن معَاذ بِلَا وَاسِطَة، قيل: هُوَ أحد الْأَحَادِيث الَّتِي نزل فِيهَا البُخَارِيّ عَن مُسلم، أخرجهَا مُسلم عَن شيخ وأخرجها البُخَارِيّ بِوَاسِطَة بَينه وَبَين ذَلِك الشَّيْخ.
قلت: عبيد الله بن معَاذ من مَشَايِخ مُسلم روى عَنهُ فِي غير مَوضِع، وروى البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن النَّضر وَحَمَّاد بن حميد وَأحمد غير مَنْسُوب عَنهُ فِي ثَلَاث مَوَاضِع فِي كِتَابه: فِي تَفْسِير سُورَة الْأَنْفَال فِي موضِعين، وَفِي آخر الِاعْتِصَام، وروى البُخَارِيّ هُنَا عَن حَمَّاد عَن عبيد الله عَن أَبِيه معَاذ بن حسان الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ عَن شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمان بن عَوْف عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر.
وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد كِلَاهُمَا عَن عبيد الله بن معَاذ، فَمُسلم أخرجه فِي الْفِتَن، وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَلَاحِم.

قَوْله: إِن ابْن الصياد كَذَا لأبي ذَر بِصِيغَة الْمُبَالغَة، وَوَقع عِنْد ابْن بطال مثله لَكِن بِغَيْر الْألف وَاللَّام، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ ابْن الصَّائِد، بِوَزْن الظَّالِم واسْمه صَاف، وَإِنَّمَا حلف عمر بِالظَّنِّ وَلَعَلَّه سَمعه من النَّبِي، أَو فهمه بالعلامات والقرائن.
فَإِن قلت: جَاءَ فِي خَبره أَن عمر قَالَ لرَسُول الله، دَعْنِي أضْرب عُنُقه، فَقَالَ: إِن يكن هُوَ فَلَنْ تسلط عَلَيْهِ، وَإِن لم يكن فَلَا خير لَك فِي قَتله، فَهَذَا يدل على شكه فِيهِ، وَترك الْقطع عَلَيْهِ أَنه الدَّجَّال.
قلت: يُمكن أَن يكون هَذَا الشَّك مِنْهُ كَانَ مُتَقَدما على يَمِين عمر بِأَنَّهُ الدَّجَّال، ثمَّ أعلمهُ الله أَنه الدَّجَّال، وَجَوَاب آخر أَن الْكَلَام، وَإِن خرج مخرج الشَّك، فقد يجوز، أَن يُرَاد بِهِ الْيَقِين وَالْقطع.
كَقَوْلِه: لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك وَقد علم تَعَالَى أَن ذَلِك لَا يَقع مِنْهُ فَإِنَّمَا خرج هَذَا مِنْهُ على الْمُتَعَارف عِنْد الْعَرَب فِي مخاطبتها قَالَ الشَّاعِر:
( أيا ظَبْيَة الوعساء بَين جلاجل ... وَبَين النقا أَأَنْت أم أم سَالم؟) فَأخْرج كَلَامه مخرج الشَّك مَعَ كَونه غير شَاك فِي أَنَّهَا لَيست بِأم سَالم، وَكَذَلِكَ كَلَامه خرج مخرج الشَّك لطفاً مِنْهُ بعمر فِي صرفه عَن عزمه على قَتله.