فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يكره من التمني

( بابُُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَنِّي)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يكره من التَّمَنِّي، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن التَّمَنِّي الَّذِي فِيهِ الْإِثْم يكره.
وَعَن الشَّافِعِي: لَوْلَا أَن نأثم بالتمني لتمنينا أَن يكون كَذَا، وَالتَّمَنِّي الَّذِي فِيهِ الْإِثْم هُوَ الَّذِي يكون دَاعيا إِلَى الْحَسَد والبغضاء.

{ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيماً}
سيقت الْآيَة بكمالها فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: إِلَى قَوْله { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيماً} .

     وَقَالَ  الْمُهلب: بيّن الله تَعَالَى فِي هَذِه الْآيَة مَا لَا يجوز تمنيه، وَذَلِكَ مَا كَانَ من عرض الدُّنْيَا وأشباهه،.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ أَو قيل: إِن هَذِه الْآيَة نزلت فِي نسَاء تمنين منَازِل الرِّجَال وَأَن يكون لَهُنَّ مَا لَهُم، فَنهى الله سُبْحَانَهُ عَن الْأَمَانِي الْبَاطِلَة إِذا كَانَت الْأَمَانِي الْبَاطِلَة تورث أَهلهَا الْحَسَد وَالْبَغي بِغَيْر الْحق.
.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: فِي هَذِه الْآيَة لَا يتمن الرجل بِأَن يَقُول: لَيْت لي مَال فلَان وَأَهله، فَنهى الله عَن ذَلِك وَأمر عباده أَن يسألوه من فَضله.



[ قــ :6844 ... غــ :7233 ]
- حدّثنا الْحَسَنُ بنُ الرَّبِيعِ، حدّثنا أبُو الأحْوَصِ، عنْ عاصِمٍ، عنَ النَّضْرِ بنِ أنَسٍ قَالَ: قَالَ أنَسٌ، رَضِي الله عَنهُ: لَوْلا أنِّي سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ لَا تَتَمَنَّوا المَوْت لَتَمَنَّيْتُ
انْظُر الحَدِيث 5671 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَالْحسن بن الرّبيع بن سُلَيْمَان البَجلِيّ الْكُوفِي يعرف بالبوراني، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا وَأَبُو الْأَحْوَص سلاّم بتَشْديد اللَّام ابْن سليم الْكُوفِي، وَالنضْر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن أنس بن مَالك.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن حَامِد بن عمر.

قَوْله: لَا تَتَمَنَّوْا بتاءين فِي أَوله، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره بِحَذْف التَّاء الأولى للتَّخْفِيف، وَمعنى النَّهْي عَن تمني الْمَوْت هُوَ أَن الله عز وَجل قدر الْآجَال فمتمني الْمَوْت غير راضٍ بِقدر الله وَلَا يسلم لقضائه.





[ قــ :6845 ... غــ :734 ]
- حدّثنا مُحَمَّدٌ، حدّثنا عَبْدَةُ عنِ ابنِ أبي خالِد، عنْ قَيْسٍ قَالَ: أتَيْنا خَبَّابَ بنَ الأرَتِّ نَعُودُهُ، وقَدِ اكْتَوَى سَبْعاً، فَقَالَ: لَوْلا أنَّ رسُولَ الله نَهانا أنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ.

ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، وَعَبدَة بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَابْن أبي خَالِد هُوَ إِسْمَاعِيل.
وَاسم أبي خَالِد سعد البَجلِيّ، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي.

والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن آدم، وَفِي الدَّعْوَات عَن مُسَدّد وَفِي الرقَاق عَن أبي مُوسَى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: نعوده جملَة حَالية، وَكَذَلِكَ وَقد اكتوى قيل: الْمَكِّيّ مَنْهِيّ عَنهُ.
أُجِيب بِأَنَّهُ عِنْد عدم الضَّرُورَة أَو عِنْد اعْتِقَاد أَن الشِّفَاء مِنْهُ.
قلت: فِي الْجَواب الأول نظر لَا يخفى.





[ قــ :6846 ... غــ :735 ]
- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا هِشامُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ أبي عُبَيْدٍ اسْمُهُ سَعْدُ بنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أزْهَرَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يَتَمَنَّى أحَدُكُمُ المَوْتَ، إمَّا مُحْسِناً فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وإمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.

والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن أبي الْيَمَان.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن عَمْرو بن عُثْمَان.

قَوْله: إِمَّا محسناً تَقْدِيره إِمَّا أَن يكون محسناً، وَكَذَا التَّقْدِير فِي قَوْله: وَإِمَّا مسيئاً وَوَقع فِي رِوَايَة أَحْمد عَن عبد الرَّزَّاق بِالرَّفْع فيهمَا، وَهَذَا هُوَ الأَصْل، وَيحْتَمل أَن يكون الْحَذف من بعض الروَاة.
وَقد بَين رَسُول الله، مَا للمحسن والمسيء فِي أَن لَا يتَمَنَّى الْمَوْت، وَذَلِكَ ازدياد المحسن من الْخَيْر وَرُجُوع الْمُسِيء عَن الشَّرّ، وَذَلِكَ نظر من الله للْعَبد وإحسان مِنْهُ إِلَيْهِ خير لَهُ من تمنيه الْمَوْت.
قَوْله: يستعتب أَي: يسترضي الله بِالتَّوْبَةِ وَهُوَ مُشْتَقّ من الاستعتاب الَّذِي هُوَ طلب الإعتاب والهمزة للإزالة أَي: يطْلب إِزَالَة العتاب وَهُوَ على غير قِيَاس إِذْ الاستفعال إِنَّمَا يبْنى من الثلاثي لَا من الْمَزِيد فِيهِ.