فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما جاء في قوله: (وهو الذي أرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته)

( بابُُ مَا جاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وهْوَ الَّذي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نُشُراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} ( الْأَعْرَاف: 75) .
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ ... إِلَى آخِره.

قاصِفاً تَقْصِفُ كُلَّ شَيْءٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير لفظ: قاصفاً، فِي قَوْله تَعَالَى: { فَيُرْسل عَلَيْكُم قاصفاً من الرّيح} ( الْإِسْرَاء: 96) .
وَفَسرهُ بقوله: تقصف كل شَيْء، يَعْنِي تَأتي عَلَيْهِ.
.
.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ الَّتِي تقصف كل شَيْء أَي: تحطم، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن جريج، قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: القاصف الَّتِي تفرق، هَكَذَا رَوَاهُ مُنْقَطِعًا، لِأَن ابْن جريج لم يدْرك ابْن عَبَّاس.

لَوَاقِحَ مَلاَقِحَ مُلْقِحَة
أَشَارَ بِهِ إِلَى لفظ: لَوَاقِح، فِي قَوْله تَعَالَى: { وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح} ( الْحَج: 22) .
وَفسّر اللواقح بالملاقح جمع ملقحة، وَهُوَ من النَّوَادِر، يُقَال: إلقح الْفَحْل النَّاقة وَالرِّيح السَّحَاب ورياح لَوَاقِح،.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت: اللواقح الْحَوَامِل.
وَعَن أبي عُبَيْدَة: الملاقح جمع ملقحة وملقح، مثل مَا قَالَ البُخَارِيّ، وَأنْكرهُ غَيره، فَقَالَ: جمع لاقحة ولاقح على النّسَب، أَي: ذَات اللقَاح، وَالْعرب تَقول للجنوب: لاقح وحامل، وللشمال حَائِل وعقيم.
.

     وَقَالَ  ابْن مَسْعُود: لَوَاقِح تحمل الرّيح المَاء فتلقح السَّحَاب وتمر بِهِ فيدر كَمَا تدر اللقحة ثمَّ يمطر،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: تلقح الرِّيَاح وَالشَّجر والسحاب وتمر بِهِ،.

     وَقَالَ  عبد الله بن عمر: الرِّيَاح ثَمَانِيَة: أَربع عَذَاب وَأَرْبع رَحْمَة، فالرحمة: الناشرات والذاريات والمرسلات والمبشرات، وَأما الْعَذَاب: فالعاصف والقاصف، وهما فِي الْبَحْر والصرصر والعقيم، وهما فِي الْبر.

إعْصَارٌ ريحٌ عاصفٌ تَهُبُّ مِنَ الأرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كعَمُودٍ فيهِ نَارٌ
أشارَ بِهَذَا إِلَى تَفْسِير لفظ: إعصار، فِي قَوْله تَعَالَى: { فأصابها إعصار فِيهِ نَار} ( الْبَقَرَة: 662) .
وَعَن ابْن عَبَّاس: هِيَ الرّيح الشَّدِيدَة، وَقيل: ريح عاصف فِيهَا سموم، وَقيل: هِيَ الَّتِي يسميها النَّاس الزوبعة، وَعَن الضَّحَّاك: الإعصار ريح فِيهَا برد شَدِيد، وَالَّذِي قَالَه البُخَارِيّ أظهر لقَوْله تَعَالَى: { فِيهِ نَار} ( الْبَقَرَة: 662) .
وَهُوَ تَفْسِير أبي عُبَيْدَة.

صِرٌّ بَرْدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير لفظ: صر، فِي قَوْله تَعَالَى: { ريح فِيهَا صر} ( آل عمرَان: 711) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الصر شدَّة الْبرد.

نُشُراً مُتَفَرِّقَةً
فسر: نشراً، الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى: { وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح نشراً بَين يَدي رَحمته} ( آل عمرَان: 11) .
الَّذِي وَصفه برحمة بقوله: مُتَفَرِّقَة، وَهُوَ جمع نشور، وَعَن عَاصِم، كَأَنَّهُ جمع نشر، وَعَن مُحَمَّد الْيَمَانِيّ: هُوَ الْمَطَر.



[ قــ :3058 ... غــ :3205 ]
- حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ الحَكَمِ عنْ مُجَاهِدٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نُصِرْتُ بالصَّبَا وأُهْلِكَتْ عادٌ بالدَّبُورِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ يتَضَمَّن ريح الرَّحْمَة.
والحَكَم بِفتْحَتَيْنِ هُوَ ابْن عتيبة، والْحَدِيث مضى فِي الاسْتِسْقَاء فِي: بابُُ قَول النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نصرت بالصبا، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُسلم عَن شُعْبَة إِلَى آخِره.



[ قــ :3059 ... غــ :306 ]
- حدَّثنا مَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثَنا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عطَاءٍ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا رأى مَخِيلَةً فِي السَّماءِ أقْبَلَ وأدْبرَ ودَخَلَ وخَرَجَ وتَغَيَّرَ وجهُهُ فإذَا أمْطَرَتِ السَّماءُ سُرِّيَ عنْهُ فَعرَّفَتْهُ عائِشَةُ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أدْرِي لَعَلَّهُ كَما قَالَ قَوْمٌ { فلَمَّا رَأوْهُ عارِضَاً مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ} ( الْأَحْقَاف: 4) .
الْآيَة.
( الحَدِيث 603 طرفه فِي: 984) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه مُشْتَمل على ذكر الرّيح والمطر الَّذِي يَأْتِي بِهِ الرّيح.
ومكي بن إِبْرَاهِيم بن بشر بن فرقد الْحَنْظَلِي الْبَلْخِي، وَلَفظ: مكي، على صُورَة النِّسْبَة، اسْمه وَلَيْسَ هُوَ مَنْسُوبا إِلَى مَكَّة، وَقد وهم الْكرْمَانِي، فَقَالَ: مكي، نِسْبَة إِلَى مَكَّة.

     وَقَالَ  فِي مَوضِع آخر: كالمنسوب إِلَى مَكَّة: وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح.

والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود الْبَصْرِيّ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن يحيى بن أَيُّوب الْمروزِي.

قَوْله: ( مخيلة) بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهِي: السحابة الَّتِي بخال فِيهَا الْمَطَر.
قَوْله: ( وَتغَير وَجهه) خوفًا أَن تصيب أمته عُقُوبَة ذَنْب الْعَامَّة كَمَا أصَاب الَّذين { قَالُوا: هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} ( الْأَنْفَال: 33) .
الْآيَة.
فَإِن قلت: كَيفَ يلتئم هَذَا مَعَ قَوْله: { وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم} ( الْأَنْفَال: 33) .
قلت: الْآيَة نزلت بعد هَذِه الْقِصَّة، وَهَذِه كَرَامَة لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرفع لدرجته حَيْثُ لَا يعذب أمته وَهُوَ فيهم، وَلَا يعذبهم أَيْضا وهم يَسْتَغْفِرُونَ بعد ذَهَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واستنبطت الصُّوفِيَّة من ذَلِك: أَن الْإِيمَان الَّذِي فِي الْقُلُوب أَيْضا يمْنَع من تَعْذِيب أبدانهم كَمَا كَانَ وجوده فيهم مَانِعا مِنْهُ.
قَوْله: ( فَإِذا أمْطرت السَّمَاء) قد مر الْكَلَام فِي أمطر ومطر فِي: بابُُ الاسْتِسْقَاء، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِدُونِ الْألف.
قَوْله: ( سري عَنهُ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: كشف عَنهُ مَا خالطه من الوجل، يُقَال: سررت الثَّوْب وسريته إِذا أخلقته، وسريت الجل عَن الْفرس إِذا نَزَعته عَنهُ، وَالتَّشْدِيد للْمُبَالَغَة.
قَوْله: ( فعرفته عَائِشَة) من التَّعْرِيف أَي: عرفت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلمما كَانَ عرض لَهُ.
قَوْله: ( عارضاً) وَهُوَ السَّحَاب الَّذِي يعْتَرض فِي أفق السَّمَاء.