فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الاستلقاء في المسجد ومد الرجل

(بابُُ الاسْتِلْقَاءِ فِي المَسْجِدِ وَمَدِّ الرِّجْلِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز الاستلقاء فِي الْمَسْجِد، والاستلقاء مصدر: اسْتلْقى، وثلاثيه من: لَقِي يلقى، فَنقل إِلَى بابُُ: الاستفعال، فَقيل: اسْتلْقى على قَفاهُ.
ذكره الْجَوْهَرِي فِي بابُُ اللِّقَاء، وَذكر فِيهِ: واستلقى على قَفاهُ، ومصدره إِذن يكون: الاستلقاء.
وَذكره ابْن الْأَثِير فِي بابُُ: سلنق يسلنق ومستلق: بالنُّون فِي الأول، وَالتَّاء فِي الثَّانِي، وَالصَّحِيح مَا ذكره الْجَوْهَرِي.



[ قــ :465 ... غــ :475]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ مسْلَمَة عنْ مالِكٍ عَن ابنِ شِهَابٍ عنْ عَبَّادِ بنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أنَّهُ رَأى رسولَ اللَّهِ مُسْتَلْقياً فِي المَسْجِدِ وَاضِعَاً إحْدَى رجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
(الحَدِيث 574 طرفاه فِي: 9695، 7826) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عبد ابْن مسلمة القعْنبِي.
الثَّانِي: مَالك بن أنس.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الرَّابِع: عباد، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، تقدم فِي بابُُ: لَا يتَوَضَّأ من الشَّك.
الْخَامِس: عَمه عبد ابْن زيد بن عَاصِم الْمَازِني، تقدم فِي هَذَا الْبابُُ أَيْضا.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: الرُّؤْيَة.
وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَن عَمه.
وَفِيه: أَن رُوَاته مدنيون.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره.
أخرجه البُخَارِيّ فِي اللبَاس عَن أَحْمد بن يُونُس عَن إِبْرَاهِيم بن سعد، وَفِي الاسْتِئْذَان عَن عَليّ بن عبد اعن سُفْيَان.
وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَعَن يحيى بن يحيى وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن عبد ابْن نمير وَزُهَيْر بن حَرْب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، خمستهم عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وحرملة، وَكِلَاهُمَا عَن ابْن وهب عَن يُونُس وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن عبد بن حميد، كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر، كِلَاهُمَا عَن الزُّهْرِيّ بِهِ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن القعْنبِي والنفيلي، كِلَاهُمَا عَن مَالك بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن عَن سُفْيَان بِهِ،.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ.

ذكر إعرابه وَمَا يُسْتَفَاد مِنْهُ.
قَوْله: (رأى) بِمَعْنى: أبْصر، فَلذَلِك اكْتفى بمفعول وَاحِد.
قَوْله: (مُسْتَلْقِيا) حَال، وَكَذَلِكَ: (وَاضِعا) ، كِلَاهُمَا من رَسُول الله وهما حالان مترادفتان، وَيجوز أَن يكون: وَاضِعا، حَالا من الضَّمِير الَّذِي فِي: مُسْتَلْقِيا، فعلى هَذَا يكون الحالان متداخلتين.

وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ: بَيَان جَوَاز هَذَا الْفِعْل، وَالنَّهْي الْوَارِد عَن ذَلِك مَنْسُوخ بِهَذَا الحَدِيث.
قلت: النَّهْي هُوَ مَا روى جَابر بن عبد ا: (أَن رَسُول ا، نهى أَن يضع الرجل إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى وَهُوَ مستلق) .
وَأجَاب: الْخطابِيّ عَن النَّهْي بِجَوَاب آخر، وَهُوَ: أَن عِلّة النَّهْي عَنهُ أَن تبدو عَورَة الْفَاعِل لذَلِك، فَإِن الْإِزَار رُبمَا ضَاقَ، فَإِذا شال لابسه إِحْدَى رجلَيْهِ فَوق الْأُخْرَى بقيت هُنَاكَ فُرْجَة تظهر مِنْهَا عَوْرَته.
وَمِمَّنْ جزم بِأَنَّهُ مَنْسُوخ ابْن بطال.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: محمل النَّهْي حَيْثُ يخْشَى أَن تبدو عَورَة الْفَاعِل أولى من ادِّعَاء النّسخ، لِأَنَّهُ لَا يثبت بِالِاحْتِمَالِ.
قلت: الْقَائِل بالنسخ مَا ادّعى أَن النّسخ بِالِاحْتِمَالِ، وَإِنَّمَا جزم بِهِ، فَكيف يدعى الْأَوْلَوِيَّة بِالِاحْتِمَالِ؟ وَيُقَوِّي دَعْوَى النّسخ مَا رُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان أَنَّهُمَا كَانَا يفْعَلَانِ ذَلِك، على مَا نذكرهُ إِن شَاءَ اتعالى، وَيُقَال: يحْتَمل أَن يكون الشَّارِع فعل ذَلِك لضَرُورَة، أَو كَانَ ذَلِك بِغَيْر محْضر جمَاعَة، فجلوس رَسُول الله فِي الْجَامِع كَانَ على خلاف ذَلِك من التربع والاحتباء، وجلسات الْوَقار والتواضع.
وَفِيه: جَوَاز الاتكاء فِي الْمَسْجِد والاضطجاع، وأنواع الاسْتِرَاحَة غير الانبطاح، وَهُوَ الْوُقُوع على الْوَجْه، فَإِن النَّبِي قد نهى عَنهُ،.

     وَقَالَ : إِنَّهَا ضجعة يبغضها اتعالى.

وعنِ ابنِ شهِابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ قَالَ كانَ عُمَرُ وَعُثْمانُ يَفْعَلاَنِ ذَلِكَ.


قَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون هَذَا تَعْلِيقا، وَأَن يكون دَاخِلا تَحت الْإِسْنَاد السَّابِق، أَي: عَن مَالك عَن ابْن شهَاب،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّوْضِيح) : وَعَن ابْن شهَاب ... إِلَى آخِره، سَاقه البُخَارِيّ بالسند الأول، وَقد صرح بِهِ أَبُو دَاوُد، وَزَاد أَبُو مَسْعُود فِيمَا حَكَاهُ الْحميدِي فِي جمعه، فَقَالَ: إِن أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك.
وَقد أخرج البرقاني هَذَا الْفَصْل من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن سعد عَن الزُّهْرِيّ مُتَّصِلا بِالْحَدِيثِ الأول، وَلم يذكر سعيد بن الْمسيب، وَسَعِيد لم يَصح سَمَاعه عَن عمر رَضِي اتعالى عَنهُ، وَأدْركَ ثَمَان وَلم يحفظ لَهُ عَنهُ رِوَايَة عَن رَسُول ا.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَعَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب.
مَعْطُوف على الْإِسْنَاد الأول، وَقد صرح بذلك أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَته عَن القعْنبِي، وَهُوَ كَذَلِك فِي (الْمُوَطَّأ) ، وغفل عَن ذَلِك من زعم أَنه مُعَلّق.

قلت: يُرِيد بِهِ الْكرْمَانِي، والكرماني مَا جزم بِأَنَّهُ مُعَلّق، بل قَالَ: يحْتَمل، وَهُوَ صَحِيح بِحَسب الظَّاهِر وتصريح أبي دَاوُد بذلك فِي كِتَابه لَا يدل على أَن هَذَا دَاخل فِي الْإِسْنَاد الْمَذْكُور هَهُنَا قطعا، وَرِوَايَة أبي دَاوُد هَكَذَا: حدّثنا القعْنبِي عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان كَانَا يفْعَلَانِ ذَلِك، أَي: الْمَذْكُور من الاستلقاء والوضع.
قلت: اخْتلف جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَغَيرهم فِي هَذَا الْبابُُ، فَذهب مُحَمَّد بن سِيرِين وَمُجاهد وَطَاوُس وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ إِلَى أَنه يكره وضع إِحْدَى الرجلَيْن على الْأُخْرَى، وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَكَعب بن عجْرَة، وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، فَقَالُوا: لَا بَأْس بذلك، وهم: الْحسن الْبَصْرِيّ وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَأَبُو مجلز وَمُحَمّد بن الْحَنَفِيَّة، ويروى ذَلِك عَن أُسَامَة بن زيد وَعبد ابْن عمر وَأَبِيهِ عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان وَعبد ابْن مَسْعُود وَأنس بن مَالك.
.

     وَقَالَ  ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حدّثنا وَكِيع عَن عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب: أَن عمر وَعُثْمَان كَانَا يفعلانه، حدّثنا يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن يحيى بن عبد ابْن مَالك عَن أَبِيه قَالَ: (دخل على عمر وَرَأى مُسْتَلْقِيا وَاضِعا إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى) ، حدّثنا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن سُفْيَان بن الْحسن عَن الزُّهْرِيّ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز عَن عبد ابْن عبد ابْن الْحَارِث (أَنه رأى ابْن عمر يضطجع فَيَضَع إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى) ، حدّثنا وَكِيع عَن أُسَامَة عَن نَافِع قَالَ: (كَانَ ابْن عمر يستلقي على قَفاهُ وَيَضَع إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى، لَا يرى بذلك بَأْسا، ويفعله بذلك وَهُوَ جَالس لَا يرى بذلك بَأْسا) ، حدّثنا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن جَابر بن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن عَمه، قَالَ: (رَأَيْت ابْن مَسْعُود رَضِي اتعالى عَنهُ، مُسْتَلْقِيا وَاضِعا إِحْدَى رجلَيْهِ فَوق الْأُخْرَى وَهُوَ يَقُول: { رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للْقَوْم الظَّالِمين} (يُونُس: 58) حدّثنا ابْن مهْدي عَن سُفْيَان عَن عمرَان، يَعْنِي: ابْن مُسلم، قَالَ: (رَأَيْت أنسا وَاضِعا إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى) .