فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين} [التوبة: 2] "

(بابُُ قَوْلِهِ: { فَسِيحُوا فِي الأرْضِي أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله وَأنَّ الله مُخْزِى الكَافِرِينَ} (التَّوْبَة: 2)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: { فسيحوا فِي الأَرْض} الْآيَة وَقد مر الْكَلَام فِي { أَرْبَعَة أشهر} عَن قريب.
قَوْله: (غير معجزي الله) ، أَي: غير سابقي الله بأعمالكم.
قَوْله: (وَأَن الله) ، أَي: وَاعْلَمُوا أَن الله مخزي (الْكَافرين) أَي مذلهم، وَيُقَال: معذب الْكَافرين فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ، وَفِي الْآخِرَة بالنَّار.
سِيحُوا سِيرُوا
أَي: معنى قَوْله: سيحوا سِيرُوا فِي الأَرْض مُقْبِلين ومدبرين آمِنين غير خَائِفين أحدا بِحَرب وَلَا سلب وَلَا قتل.
وَلَا أسر، يُقَال: ساح فلَان فِي الأَرْض يسيح سيحا وسياحة وسيوحا.



[ قــ :4401 ... غــ :4655 ]
- ح دَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ حدَّثني اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني عُقَيْلٌ عَنِ ابنِ شِهابٍ وَأخْبَرَنِي حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ قَالَ بَعَثَنِي أبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمَنًى أنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ العامِ مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ قَالَ حُمَيْدُ ابنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ ثُمَّ أرْدَفَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَلِيِّ بنِ أبِي طَالِبٍ وَأمَرَهُ أنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ فَأذَّنَ مَعَنا عَلِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ فِي أهْلِ منى بِبَرَاءَةَ وَأنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ العامِ مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عَرْيَانٌ.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن هَذِه التَّرْجَمَة من تَتِمَّة الْآيَة الَّتِي هِيَ أول السُّورَة أَعنِي قَوْله تَعَالَى: { بَرَاءَة من الله وَرَسُوله} وَفِيه أَيْضا لفظ بَرَاءَة.

وَسَعِيد بن عفير، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَهُوَ سعيد بن كثير بن عفير الْمصْرِيّ، وروى لَهُ مُسلم أَيْضا.
وَعقيل: بِضَم الْعين المهلمة وَفتح الْقَاف ابْن خَالِد الْأَيْلِي يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بابُُ مَا يستر من الْعَوْرَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن يَعْقُوب إِلَى آخِره، وَمضى فِي كتاب الْحَج أَيْضا فِي: بابُُ لَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس قَالَ ابْن شهَاب: حَدثنِي حميد بن عبد الرَّحْمَن أَن أَبَا هُرَيْرَة أخبرهُ إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: (وَأَخْبرنِي حميد) ، وَفِي كتاب الْحَج: وحَدثني حميد بن عبد الرَّحْمَن، وَإِنَّمَا قَالَ بواو الْعَطف أشعارا بِأَنَّهُ أخبرهُ أَيْضا بِغَيْر ذَلِك فَهُوَ عطف على مُقَدّر، قَالَ الْكرْمَانِي: وَلم يعين الْمُقدر.
قلت: الظَّاهِر أَن الْمُقدر هَكَذَا عَن ابْن شهَاب حَدثنِي وَأَخْبرنِي حميد، وَتظهر الْفَائِدَة فِيهِ على قَول من يَقُول بِالْفرقِ بَين حَدثنَا وَبَين أخبرنَا.
قَوْله: (أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ بَعَثَنِي) وَفِي كتاب الْحَج: أَن أَبَا هُرَيْرَة أخبرهُ أَن أَبَا بكر بَعثه.
قَوْله: (فِي تِلْكَ الْحجَّة) ، وَهِي الْحجَّة الَّتِي كَانَ فِيهَا أَبُو بكر أَمِيرا على الْحَاج، وَهِي فِي السّنة التَّاسِعَة.
قَوْله: (فِي مؤذنين) جمع مُؤذن من الإيذان وَهُوَ الْإِعْلَام بالشَّيْء قَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال آذن يُؤذن إِيذَانًا وَأذن يُؤذن تأذينا والمشدد مَخْصُوص فِي الِاسْتِعْمَال بإعلام وَقت الصَّلَاة.
قَوْله: (قَالَ حميد) مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الأول قَوْله: (ثمَّ أرْدف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعلي بن أبي طَالب) أَي: أرْسلهُ بعد أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،.

     وَقَالَ  الإِمَام أَحْمد حَدثنَا عَفَّان حَدثنَا حَمَّاد عَن سماك عَن أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعث بِبَرَاءَة مَعَ أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلَمَّا بلغ ذَا الحليفة قَالَ: لَا يبلغهَا إلاَّ أَنا أَو رجل من أهل بَيْتِي، فَبعث بهَا مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير،.

     وَقَالَ : حسن غَرِيب،.

     وَقَالَ  عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل بِإِسْنَادِهِ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما نزلت عشر آيَات من بَرَاءَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبَا بكر فَبَعثه بهَا لِيَقْرَأهَا على أهل مَكَّة.
ثمَّ دَعَاني فَقَالَ: أدْرك أَبَا بكر فَحَيْثُ مَا لَقيته فَخدَّ الْكتاب مِنْهُ فَاذْهَبْ إِلَى أهل مَكَّة فاقرأه عَلَيْهِم، فلحقته بِالْجُحْفَةِ فَأخذت الْكتاب مِنْهُ وَرجع أَبُو بكر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أنزل فِي شَيْء؟ فَقَالَا: لَا وَلَكِن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، جَاءَنِي.

     وَقَالَ : لن يُؤَدِّي عَنْك إلاَّ أَنْت أَو رجل مِنْك، قَالَ ابْن كثير: هَذَا إِسْنَاد فِيهِ ضعف، وَلَيْسَ المُرَاد أَن أَبَا بكر رَجَعَ من فوره، وَإِنَّمَا رَجَعَ بعد قَضَائِهِ الْمَنَاسِك الَّتِي أمَّره عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا جَاءَ مُبينًا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى،.

     وَقَالَ  عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله: { بَرَاءَة من الله وَرَسُوله} قَالَ: لما كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زمن حنين اعْتَمر من الْجِعِرَّانَة ثمَّ أمَّر أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على تِلْكَ الْحجَّة، قَالَ معمر: قَالَ الزُّهْرِيّ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يحدث أَن أَبَا بكر أَمر أَبَا هُرَيْرَة أَن يُؤذن بِبَرَاءَة فِي حجَّة أبي بكر بِمَكَّة.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: ثمَّ اتَّبعنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا وَأمره أَن يُؤذن بِبَرَاءَة وَأَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَمَا هُوَ على الْمَوْسِم.
أَو قَالَ: على هَيئته، قَالَ ابْن كثير وَهَذَا السِّيَاق فِيهِ غرابة من جِهَة أَن أَمِير الْحَج سنة عمْرَة الْجِعِرَّانَة إِنَّمَا كَانَ عتاب بن أسيد، وَأما أَبُو بكر فَإِنَّمَا كَانَ أَمِيرا سنة تسع.
قَوْله: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَأذن مَعنا عَليّ) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده.
قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأذن مَعنا، قيل: هَذَا غلط فَاحش مُخَالف لرِوَايَة الْجَمِيع، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام أبي هُرَيْرَة قطعا فَهُوَ الَّذِي كَانَ يُؤذن بذلك.

     وَقَالَ  عِيَاض: أَن أَكثر رُوَاة الْفربرِي وافقوا الْكشميهني قَالَ: وَهُوَ غلط.