فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب التبكير بالصلاة في يوم غيم

( بابُُ التَّبْكِيرِ بِالصَّلاَةِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان التبكير، أَي: الْمُبَادرَة والإسراع إِلَى الصَّلَاة فِي الْيَوْم الَّذِي فِيهِ الْغَيْم خوفًا من وُقُوعهَا خَارج الْوَقْت.



[ قــ :578 ... غــ :594]
- حدَّثنا مُعَاذُ بنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدثنَا هِشَامٌ عنْ يَحْيَى هُوَ ابنُ أبِي كَثِيرٍ عنُ أبي قِلاَبَة َ أنَّ أَبَا المَلِيحِ حدَّثَهُ قَالَ كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي يوْمٍ ذِي غيْمٍ فَقَالَ بَكِّرُوا بِالصَّلاَةِ فإنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ ( انْظُر الحَدِيث 553) .


هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه قد مر فِي بابُُ إِثْم من ترك الْعَصْر، غير أَن هُنَاكَ رَوَاهُ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام إِلَى آخِره نَحوه، وَفِيه لَفْظَة زَائِدَة، وَهِي: ( كُنَّا مَعَ بُرَيْدَة فِي غَزْوَة فِي يَوْم ذِي غيم) ، وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَأَبُو قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف، عبد الله ابْن زيد الْجرْمِي وَأَبُو الْمليح عَامر بن أُسَامَة الْهُذلِيّ، وَبُرَيْدَة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: بن الْحصيب، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة: الْأَسْلَمِيّ.
فَإِن قلت: التَّرْجَمَة فِي التبكير فِي الصَّلَاة الْمُطلقَة فِي يَوْم الْغَيْم، والْحَدِيث لَا يطابقها من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْمُطَابقَة لقَوْل بُرَيْدَة لَا للْحَدِيث، وَالثَّانِي: أَن الْمَذْكُور فِي الحَدِيث صَلَاة الْعَصْر، وَفِي التَّرْجَمَة مُطلق الصَّلَاة؟ قلت: دلّت الْقَرِينَة على أَن قَول بُرَيْدَة: ( بَكرُوا بِالصَّلَاةِ) كَانَ فِي وَقت دُخُول الْعَصْر فِي يَوْم غيم، فَأمر بالتبكير حَتَّى لَا يفوتهُمْ بِخُرُوج الْوَقْت بتقصيرهم فِي ترك التبكير، وَهَذَا الْفِعْل كتركهم إِيَّاهَا فِي اسْتِحْقَاق الْوَعيد، وتفهم إِشَارَته أَن بَقِيَّة الصَّلَوَات كَذَلِك، لِأَنَّهَا مستوية الْإِقْدَام فِي الْفَرْضِيَّة، فَحِينَئِذٍ يفهم التطابق بَين الحَدِيث والترجمة بطرِيق الْإِشَارَة لَا بالتصريح.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: من عَادَة البُخَارِيّ أَن يترجم بِبَعْض مَا يشْتَمل عَلَيْهِ لفظ الحَدِيث، وَلَو لم يكن على شَرطه فَلَا إِيرَاد عَلَيْهِ.
قلت: لَيْسَ هُنَا مَا يشْتَمل على التَّرْجَمَة من لفظ الحَدِيث، وَلَا من بعضه، وَكَيف لَا يُورد عَلَيْهِ إِذا ذكر تَرْجَمَة وَلم يُورد عَلَيْهَا شَيْئا، وَلَا فَائِدَة فِي ذكر التَّرْجَمَة عِنْد عدم الْإِيرَاد بِشَيْء.
فَإِن قلت: مَا فَائِدَة ذكر بُرَيْدَة الحَدِيث الَّذِي فِيهِ الْعَصْر مَعَ أَن غَيره مثله.
قلت: كَانَ أمره بالتبكير فِي وَقت الْعَصْر كَمَا ذكرنَا وإلاَّ فَغَيره مثله، وَقد روى الْأَوْزَاعِيّ من طَرِيق أُخْرَى عَن أبي يحيى بن كثير، بِلَفْظ: ( بَكرُوا بِالصَّلَاةِ فِي يَوْم الْغَيْم فَإِنَّهُ من ترك صَلَاة الْفجْر حَبط عمله) .
وَأما فَائِدَة تعْيين الْعَصْر فِي الحَدِيث فقد ذَكرْنَاهُ.