فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نكتب ولا نحسب»

( بابُُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ نَكْتُبُ ولاَ نَحْسُبُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا نكتب، بنُون الْمُتَكَلّم، وَكَذَلِكَ: لَا نحسب.



[ قــ :1831 ... غــ :1913 ]
- حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا الأسْودُ بنُ قَيْسٍ قَالَ حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عَمُرٍ وأنَّهُ سَمِعَ ابنَ عمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَالَ إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةُ لاَ نَكْتُبُ ولاَ نَحْسُبُ الشَّهْرَ هَكَذَا أوْ هَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وعِشْرِينَ ومَرَّةً ثَلاثِينَ.

( انْظُر الحَدِيث 8091 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا بعض الحَدِيث، وَالْأسود بن قيس أَبُو قيس البَجلِيّ الْكُوفِي التَّابِعِيّ، مر فِي الْعِيد فِي: بابُُ كَلَام الإِمَام، وَسَعِيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي مر فِي الْوضُوء، وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّوْم أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَابْن الْمثنى وَابْن بشار، ثَلَاثَتهمْ عَن غنْدر عَن شُعْبَة بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن ابْن مهْدي.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَفِيه وَفِي الْعلم عَن ابْن الْمثنى وَابْن بشار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر بِهِ.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص قَالَ: ( ضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ على الْأُخْرَى،.

     وَقَالَ : الشَّهْر هَكَذَا وَهَكَذَا، ثمَّ نقص فِي الثَّالِثَة إصبعا)
.
وَأخرجه عَن جَابر بن عبد الله أَيْضا قَالَ: ( اعتزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الحَدِيث، وَفِيه: ( إِن الشَّهْر يكون تسعا وَعشْرين) .
وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن مَسْعُود: ( مَا صمت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسعا وَعشْرين أَكثر مِمَّا صمنا ثَلَاثِينَ) ، وَعَن عَائِشَة مثله عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مَاجَه مثله من حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: ( إِنَّا) ، أَي: الْعَرَب، قَالَ الطَّيِّبِيّ: إِنَّا كِنَايَة عَن جيل الْعَرَب، وَقيل: أَرَادَ نَفسه، عَلَيْهِ السَّلَام.
قَوْله: ( أمة) أَي: جمَاعَة قُرَيْش مثل قَوْله تَعَالَى: { أمة من النَّاس يسقون} ( الْقَصَص: 32) .
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الْأمة الْجَمَاعَة،.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش: هُوَ فِي اللَّفْظ وَاحِد وَفِي الْمَعْنى جمع، وكل جنس من الْحَيَوَان أمة، وَالْأمة الطَّرِيقَة وَالدّين، يُقَال: فلَان لَا أمة لَهُ، أَي: لَا دين لَهُ، وَلَا نحلة لَهُ، وَكسر الْهمزَة فِيهِ لُغَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الْأمة الرجل الْمُفْرد بدين لقَوْله تَعَالَى: { إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة قَانِتًا لله} ( النَّحْل: 021) .
قَوْله: ( أُميَّة) ، نِسْبَة إِلَى الْأُم، لِأَن الْمَرْأَة هَذِه صفتهَا غالبة، وَقيل: أَرَادَ أمة الْعَرَب لِأَنَّهَا لَا تكْتب، وَقيل: مَعْنَاهُ باقون على مَا ولدت عَلَيْهَا الْأُمَّهَات،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: أمة أُميَّة لما تَأْخُذ عَن كتب الْأُمَم قبلهَا، إِنَّمَا أخذت عَمَّا جَاءَهُ الْوَحْي من الله، عز وَجل، وَقيل: منسوبون إِلَى أم الْقرى،.

     وَقَالَ  بَعضهم: مَنْسُوب إِلَى الْأُمَّهَات قلت: من لَهُ أدنى شمة من التصريف لَا يتَصَرَّف هَكَذَا.
قَوْله: ( لَا نكتب وَلَا نحسب) بَيَان لكَوْنهم كَذَلِك، وَقيل: الْعَرَب أُمِّيُّونَ لِأَن الْكتاب فيهم كَانَت عزيزة نادرة، قَالَ الله تَعَالَى: { هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم} ( الْجُمُعَة: 2) .
فَإِن قلت: كَانَ فيهم من يكْتب ويحسب؟ قلت: وَإِن كَانَ ذَلِك كَانَ نَادرا، وَالْمرَاد بِالْحِسَابِ هُنَا حِسَاب النُّجُوم وتسييرها، وَلم يَكُونُوا يعْرفُونَ من ذَلِك شَيْئا إلاَّ النّذر الْيَسِير، وعلق الشَّارِع الصَّوْم وَغَيره بِالرُّؤْيَةِ لرفع الْحَرج عَن أمته فِي معاناة حِسَاب التسيير، وَاسْتمرّ ذَلِك بَينهم، وَلَو حدث بعدهمْ من يعرف ذَلِك، بل ظَاهر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ) .
يَنْفِي تَعْلِيق الحكم بِالْحِسَابِ أصلا، إِذْ لَو كَانَ الحكم يعلم من ذَلِك لقَالَ: فاسألوا أهل الْحساب، وَقد رَجَعَ قوم إِلَى أهل التسيير فِي ذَلِك، وهم الروافض، وَنقل عَن بعض الْفُقَهَاء موافقتهم، قَالَ القَاضِي: وَإِجْمَاع السّلف الصَّالح حجَّة عَلَيْهِم،.

     وَقَالَ  ابْن بزيزة، هُوَ مَذْهَب بَاطِل، فقد نهت الشَّرِيعَة عَن الْخَوْض فِي علم النُّجُوم لِأَنَّهَا حدس وتخمين لَيْسَ فِيهَا قطع وَلَا ظن غَالب، مَعَ أَنه لَو ارْتبط الْأَمر بهَا لضاق الْأَمر، إِذْ لَا يعرفهَا إِلَّا الْقَلِيل.
قَوْله: ( وَلَا نحسب) بِضَم السِّين، قَالَ ثَعْلَب: حسبت الْحساب أَحْسبهُ حسبا وحسبانا.
وَفِي ( شرح مكي) : أَحْسبهُ أَيْضا، بِمَعْنى.
وَفِي ( الْمُحكم) : حسابة وحسبة وحسبانا.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال وَغَيره: أُمَم لم تكلّف فِي تَعْرِيف مَوَاقِيت صومنا وَلَا عبادتنا مَا نحتاج فِيهِ إِلَى معرفَة حِسَاب وَلَا كِتَابَة إِنَّمَا ربطت عبادتنا بأعلام وَاضِحَة وَأُمُور ظَاهِرَة يَسْتَوِي فِي معرفَة ذَلِك الْحساب وَغَيرهم، ثمَّ تمم هَذَا الْمَعْنى بإشارته بِيَدِهِ وَلم يتَلَفَّظ بعبارته عَنهُ نزولاً مَا يفهمهُ الخرس والعجم، وَحصل من إِشَارَته بيدَيْهِ أَن الشَّهْر يكون ثَلَاثِينَ، وَمن خنس إبهامه فِي الثَّالِثَة أَنه يكون تسعا وَعشْرين، وعَلى هَذَا إِن من نذر أَن يَصُوم شهرا غير معِين فَلهُ أَن يَصُوم تسعا وَعشْرين، لِأَن ذَلِك يُقَال لَهُ شهر، كَمَا أَن من نذر صَلَاة أَجزَأَهُ من ذَلِك رَكْعَتَانِ، لِأَنَّهُ أقل مَا يصدق عَلَيْهِ الِاسْم، وَكَذَا من نذر صوما فصَام يَوْمًا أَجزَأَهُ، وَهُوَ خلاف مَا ذهب إِلَيْهِ مَالك، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجْزِيه إِذا صَامَهُ بِالْأَيَّامِ إلاَّ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، فَإِن صَامَهُ بالهلال فعلى الرُّؤْيَة.

وَفِيه: أَن يَوْم الشَّك من شعْبَان، قَالَ ابْن بطال: وَهَذَا الحَدِيث نَاسخ لمراعاة النُّجُوم بقوانين التَّعْدِيل، وَإِنَّمَا الْمعول على رُؤْيَة الْأَهِلّة، وَإِنَّمَا لنا أَن نَنْظُر فِي علم الْحساب مَا يكون عيَانًا أَو كالعيان، وَأما مَا غمض حَتَّى لَا يدْرك إلاَّ بالظنون ويكشف الهيآت الغائبة عَن الْأَبْصَار فقد نهينَا عَنهُ، وَعَن تكلفه لِأَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِنَّمَا بعث إِلَى الْأُمِّيين، وَفِي الحَدِيث مُسْتَند لمن رأى الحكم بِالْإِشَارَةِ والإيماء، كمن قَالَ امْرَأَته طَالِق وَأَشَارَ بأصابعه الثَّلَاث، فَإِنَّهُ يلْزمه ثَلَاث تَطْلِيقَات، وَالله أعلم.