فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ابني عم: أحدهما أخ للأم، والآخر زوج

( بابُُ ابْنَيْ عَمٍّ أحَدُهُما أخٌ لِلأمِّ والآخَرُ زَوْجٌ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي شَأْن امْرَأَة مَاتَت عَن ابْني عَم: أَحدهمَا أَخُوهَا لأمها وَالْآخر زَوجهَا، وَهَذِه التَّرْجَمَة مثل اللغز لَيْسَ فِيهَا بَيَان صورتهَا وَلَا بَيَان حكمهَا وَلَكِن حكمهَا يظْهر من قَول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصورتهَا: رجل تزوج بِامْرَأَة فَجَاءَت مِنْهُ بِابْن ثمَّ تزوج بِأُخْرَى فَجَاءَت مِنْهُ بِابْن، ثمَّ فَارق الْمَرْأَة الثَّانِيَة فَتَزَوجهَا أَخُوهُ فَجَاءَت مِنْهُ ببنت فَهِيَ أُخْت الإبن الثَّانِي لأمه وَابْنَة عَمه، فَتزوّجت هَذِه الْبِنْت الابْن الأول وَهُوَ ابْن عَمها ثمَّ مَاتَت عَن ابْني عَم أَحدهمَا أَخُوهَا لأمها وَالْآخر زَوجهَا.

وَقَالَ عَلِيٌّ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ولِلأخِ منَ الأُمِّ السُّدْسُ وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُما نِصْفانِ
أَي: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة: للزَّوْج النّصْف لِأَنَّهُ زوج وفرضه النّصْف، وللأخ من الْأُم السُّدس لكَونه أَخا من أم وفرضه السُّدس، وَمَا بَقِي وَهُوَ الثُّلُث بَينهمَا أَي: بَين ابْني عَمها أَحدهمَا الزَّوْج وَالْآخر أَخُوهَا من أمهَا نِصْفَانِ بطرِيق الْعُصُوبَة فَيصح للْأولِ الَّذِي هُوَ الزَّوْج الثُّلُثَانِ النّصْف بطرِيق الْفَرْض وَالسُّدُس بطرِيق التَّعْصِيب، وَيصِح للثَّانِي وَهُوَ ابْن عَمها الآخر الثُّلُث بطرِيق الْفَرْض والتعصيب.
قَالَ ابْن بطال: وَبقول عَليّ قَالَ المدنيون وَالثَّوْري وَمَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق.
.

     وَقَالَ  عَمْرو بن مَسْعُود: جَمِيع المَال للَّذي جمع القرابتين لِأَنَّهُمَا قَالَا فِي ابْني الْعم أَحدهمَا أَخ لَام أَن الْأَخ للْأُم أَحَق بِالْمَالِ لَهُ السُّدس بِالْفَرْضِ وَبَاقِي المَال بِالتَّعْصِيبِ، وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَابْن سِيرِين وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو ثَوْر وَأهل الظَّاهِر، وَتَعْلِيق عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ يزِيد بن هَارُون عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَوْس بن ثَابت عَن حَكِيم بن عقال قَالَ: أفتى شُرَيْح فِي امْرَأَة تركت ابْني عَمها أَحدهمَا زَوجهَا وَالْآخر أَخُوهَا لأمها، فَأعْطِي الزَّوْج النّصْف وَأعْطِي الْأَخ من الْأُم مَا بَقِي فَبلغ ذَلِك عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ، فَقَالَ: ادْع لي العَبْد لأنظر، فَدَعَا شُرَيْح فَقَالَ: مَا قضيت أبكتاب الله أَو بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ شُرَيْح: بِكِتَاب الله.
قَالَ: أَيْن؟ قَالَ: { وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله} ( الْأَحْزَاب: 33) فَقَالَ عَليّ، فَهَل قَالَ للزَّوْج النّصْف وَله مَا بَقِي؟ ثمَّ أعْطى الزَّوْج النّصْف وَالْأَخ من الْأُم السُّدس ثمَّ قسم مَا بَقِي بَينهمَا.



[ قــ :6393 ... غــ :6745 ]
- حدّثنا مَحْمُودٌ أخبرنَا عُبَيْدُ الله عنْ إسْرائِيلَ عنْ أبي حَصِينٍ عنْ أبي صالحٍ عنْ أبي هُرَّيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَنا أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ، فَمَنْ ماتَ وتَرَكَ مَالا فَمالُهُ لِمَوالِي العَصَبَةِ، ومَنْ تَرَك كَلاًّ أوْ ضَياعاً فَأَنا وَلِيُّهُ فَلأُدْعى لهُ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة بالتعسف تُؤْخَذ من قَوْله: ( فَمَاله لموَالِي الْعصبَة) لِأَن التَّرْجَمَة الَّتِي صورتهَا مَا ذكرنَا فِيهَا الْفَرْض والتعصيب فيطابق قَوْله: ( لموَالِي الْعصبَة) ، وَالْإِضَافَة فِيهِ للْبَيَان نَحْو: شجر الْأَرَاك أَي: الموَالِي الَّذين هم الْعصبَة.
قيل: قد يكون لأَصْحَاب الْفُرُوض، قيل لَهُ: أَصْحَاب الْفُرُوض مقدمون على الْعصبَة فَإِذا كَانَ للأبعد فبالطريق الأولى يكون للأقرب.

ومحمود شيخ البُخَارِيّ هُوَ ابْن غيلَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة يروي عَن عبيد الله بن مُوسَى وَهُوَ أَيْضا شيخ البُخَارِيّ يروي عَنهُ كثيرا بِلَا وَاسِطَة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَأَبُو حُصَيْن بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ واسْمه عُثْمَان بن عِصَام، وَأَبُو صَالح هُوَ ذكْوَان السمان.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْفَرَائِض عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان.

قَوْله: ( أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم) يَعْنِي: الأولولية النُّصْرَة أَي: أَنا أتولى أُمُورهم بعد وفاتهم فأنصرهم فَوق مَا كَانَ مِنْهُم لَو عاشوا، فَإِن تركُوا شَيْئا من المَال فأذب المستأكل من الظلمَة أَن يحوم حوله فيخلص لورثتهم، وَإِن لم يتْركُوا وَتركُوا ضيَاعًا وكلاًّ من الْأَوْلَاد فَأَنا كافلهم وَإِلَى ملجؤهم ومأواهم، وَإِن تركُوا دينا فعلي أَدَاؤُهُ فَلذَلِك وَصفَة الله فِي كِتَابه بقوله: { بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم} ( التَّوْبَة: 821) وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَن تفسر الْآيَة أَيْضا وَزَاد فِي رِوَايَة الْأَصْلِيّ هُنَا: { وأزواجه أمهاتهم} ( الْأَحْزَاب: 6) .

     وَقَالَ  عِيَاض: وَهِي زِيَادَة فِي الحَدِيث لَا معنى لَهَا هُنَا،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: إِنَّمَا يلتئم قَوْله: { وأزواجه أمهاتهم} إِذا قُلْنَا إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَالْأَبِ المشفق لَهُم بل هُوَ أراف وأرحم بهم.
قَوْله: ( فَمن مَاتَ) الْفَاء فِيهِ تفسيرية مفصلة لما أجمل من قَوْله: ( أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ) قَوْله: ( فَمَاله لموَالِي الْعصبَة) قد مر تَفْسِيره الْآن قَوْله: ( وَمن ترك كلاًّ) بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد اللَّام وَهُوَ الثّقل، قَالَ تَعَالَى: { وَهُوَ كل على مَوْلَاهُ} ( النَّحْل: 67) .
وَجمعه: كلول، وَهُوَ يَشْمَل الدّين والعيال.
قَوْله: ( أَو ضيَاعًا) بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة مصدر من ضَاعَ الشَّيْء يضيع ضَيْعَة وضياعاً أَي: هلك، قيل: فَهُوَ على تَقْدِير مَحْذُوف أَي: ذَا ضيَاع،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: الضّيَاع اسْم مَا هُوَ فِي معرض أَن يضيع إِن لم يتعهد: كالذرية الصغار والزمن الَّذين لَا يقومُونَ بِكُل أنفسهم وَمن يدْخل فِي معناهم،.

     وَقَالَ  أَيْضا: رُوِيَ الضّيَاع بِالْكَسْرِ على أَنه جمع ضائع كجياع فِي جمع جَائِع.
قَوْله: ( فلأدعى لَهُ) بِلَفْظ أَمر الْغَائِب الْمَجْهُول، وَالْأَصْل فِي لَام الْأَمر أَن تكون مَكْسُورَة كَقَوْلِه تَعَالَى: { وليوفوا نذورهم وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} ( الْحَج: 92) قرىء بِكَسْر اللَّام وإسكانها وَقد تسكن مَعَ الْفَاء أَو الْوَاو غَالِبا فيهمَا، وَإِثْبَات الْألف بعد عين ( لادعى) جَائِز على قَول من قَالَ:
ألم يَأْتِيك والأنباء تنمي
وَكَانَ الْقيَاس: فلادع لَهُ أَي: فادعوني لَهُ حَتَّى أقوم بكله وضياعه، لِأَن حذفهَا عَلامَة الْجَزْم لِأَنَّهُ مجزوم بلام الْأَمر، لِأَن كل فعل فِي آخِره واوا وياء أَو ألف فجزمه بِحَذْف آخِره، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي اللُّغَة، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ كثير أَنه قَرَأَ: { من يَتَّقِي ويصبر} ( يُوسُف: 09) بِإِثْبَات الْيَاء وَإِسْكَان الرَّاء وَهِي لُغَة أَيْضا.





[ قــ :6394 ... غــ :6746 ]
- حدّثنا أُمَيَّةُ بنُ بِسْطامٍ حدّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ عنْ رَوح عنْ عَبْدِ الله بنِ طاوُوسٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( أَلْحِقُوا الفَرائِضَ بِأهْلِها فَما تَرَكَتِ الفَرائِضُ فَلأوْلَى رَجلٍ ذَكَرٍ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن يُوَجه مثل مَا وَجه فِي تَرْجَمَة الحَدِيث السَّابِق.
وَأُميَّة بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن بسطَام بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسرهَا الْبَصْرِيّ، وروح بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو ابْن الْقَاسِم الْعَنْبَري.

والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بابُُ مِيرَاث الْوَلَد من أَبِيه وَأمه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.