فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الشفاعة في وضع الدين

( بابُُ الشَّفاعَةِ فِي وَضْعِ الدَّيْنِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الشَّفَاعَة فِي وضع الدّين، أَي: حط شَيْء من أصل الدّين، وَكَذَا فسره ابْن الْأَثِير فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أنظر مُعسرا أَو وضع لَهُ، وَلَيْسَ المُرَاد من الْوَضع إِسْقَاطه بِالْكُلِّيَّةِ.



[ قــ :2303 ... غــ :2405 ]
- حدَّثنا مُوساى حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ مُغِيرَةَ عنْ عامِرٍ عنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أُصِيبَ عبْدُ الله وتَرَكَ عِيالاً ودَيْناً فَطَلَبْتُ إلاى أصْحابِ الدَّيْنِ أنْ يَضَعُوا بَعْضاً مِنْ دَيْنِهِ فأبَوْا فأتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسْتَشْفَعْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فأبَوْا فَقَالَ صَنِّفْ تَمْرَكَ كلَّ شَيْءٍ مِنْهُ علَى حِدَتِهِ عِذْقَ ابنِ زَيْدٍ عَلَى حدَةٍ واللِّينَ عَلَى حِدَةً والعَجْوَةَ علَى حِدَةٍ ثُمَّ أحْضِرْهُمْ حَتَّى آتِيكَ فَفَعَلْتُ ثُمَّ جاءَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَعَدَ علَيْهِ وقالَ لِكُلِّ رَجلٍ حتَّى اسْتَوْفاى وبَقِيَ التَّمْرُ كَما هُوَ كأنَّهُ لَمْ يُمَسَّ.
وغَزَوْتُ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى ناضِحٍ لَنا فأزْحَفَ الْجَمَلُ فتَخَلَّفَ علَيَّ فَوَكَزَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ خَلْفِهِ قَالَ بِعْنِيهِ ولكَ ظَهْرُهُ إلاى الْمَدِينَةِ فلَمَّا دَنَوْنا اسْتأذَنْتُ فقُلْتُ يَا رَسُولَ الله إنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بعُرْسٍ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَما تَزَوَّجْتَ بِكْراً أمْ ثَيِّباً أُصِيبَ عَبْدُ الله وتَرَكَ جَوَارِيَ صِغَاراً فتَزَوَّجْتُ ثَيِّباً تُعَلِّمُهُنَّ وتُؤَدِّبُهُنَّ ثُمَّ قالَ ائْتِ أهْلَكَ فَقَدِمْتُ فأخْبَرْتُ خالِي بِبَيْعِ الْجَمَلِ فَلاَمَنِي فأخْبَرْتهُ بإعْيَاءِ الْجَمَلِ وبِالَّذِي كانَ مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوَكْزِهِ إيَّاهُ فلَمَّا قَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدَوْتُ إلَيْهِ بِالْجَمَلِ فأعْطَانِي ثَمَنَ الجمَلِ والْجَمَلَ وسَهْمِي مَعَ الْقَوْمِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فاستشفعت بِهِ عَلَيْهِم) والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ الْكَيْل على البَائِع والمعطي، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن جرير عَن مُغيرَة عَن الشّعبِيّ عَن جَابر، وَهنا أخرجه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري التَّبُوذَكِي عَن أبي عوَانَة، بِفَتْح الْعين الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي عَن مُغيرَة بن مقسم عَن عَامر الشّعبِيّ عَن جَابر بن عبد الله، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
ولنتكلم فِيمَا لم يذكر هُنَاكَ.

قَوْله: ( عبد الله) ، هُوَ أَبُو جَابر، اسْتشْهد يَوْم أحد، وَهُوَ معنى قَوْله: أُصِيب.
.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ: عبد الله بن عَمْرو بن حرَام بن ثَعْلَبَة الخزرجي السّلمِيّ أَبُو جَابر، نقيب بَدْرِي قتل فِي أحد.
قَوْله: ( وَترك عيالاً) ، بِكَسْر الْعين: جمع عيل، بتَشْديد الْيَاء كجياد جمع جيد، من عَال عِيَاله: مانهم وَأنْفق عَلَيْهِم، وَقد مضى أَنه ترك سبع بَنَات أَو تسعا.
قَوْله: ( فطلبت إِلَى أَصْحَاب الدّين) ، أَي: أنهيت طلبي إِلَيْهِم، وَفِي الأَصْل: الطّلب يسْتَعْمل بِدُونِ صلَة، فَمَا قصد الْمُبَالغَة اسْتَعْملهُ بِحرف الْغَايَة.
قَوْله: ( صنِّف) ، أَمر: من التصنيف، وَهُوَ أَن يَجْعَل الشَّيْء أصنافاً ويميز بَعْضهَا عَن بعض.
قَوْله: ( على حِدة) أَي: كل وَاحِد على حياله، وَالْهَاء عوض من الْوَاو.
قَوْله: ( عذق ابْن زيد) ، هُوَ نوع من التَّمْر جيد، و: العذق، بِفَتْح الْعين وَكسرهَا وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة، وَقيل: بِالْفَتْح، النَّخْلَة.
قلت: وَفِي ( التَّوْضِيح) بِخَط الدمياطي: عذق زيد، قَوْله: ( واللين) ، بِكَسْر اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: نوع من التَّمْر، وَقيل: التَّمْر الرَّدِيء، وَهُوَ جمع لينَة، وَهِي النَّخْلَة، قَالَه ابْن عَبَّاس، أَو النّخل كُله مَا خلا البرني،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: اللين اللوان التَّمْر مَا خلا الْعَجْوَة، وَأما الْعَجْوَة فَهِيَ من أَجود تمور الْمَدِينَة، وَيُقَال: أهل الْمَدِينَة يسمون الْعَجْوَة ألواناً، وَقيل: اللين الدقل، وَأَصله: لون، قلبت الواء يَاء لانكسار مَا قبلهَا.
قَوْله: ( وَقَالَ لكل رجل) أَي: أعْطى لكل رجل من أَصْحَاب الدُّيُون حَتَّى استوفى حَقه، وَقد مر أَن: قَالَ، يسْتَعْمل لمعان كَثِيرَة، فَكل معنى بِحَسب مَا يَلِيق بِهِ.
قَوْله: ( كَمَا هُوَ) ، كلمة: مَا، مَوْصُولَة مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف أَو زَائِدَة، أَي: كمثله، وَفِي رِوَايَة: بَقِي مِنْهُ بَقِيَّة، وَفِي أُخْرَى: بَقِي مِنْهُ أوسق، وَفِي رِوَايَة: بَقِي مِنْهُ سَبْعَة عشر وسْقا.
قَوْله: ( لم يمس) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( على نَاضِح) ، بالضاد الْمُعْجَمَة والحاء الْمُهْملَة: وَهُوَ الْجمل الَّذِي يسقى عَلَيْهِ النّخل.
قَوْله: ( فأزحف الْجمل) ، أَي: كل وأعيى، ومادته: زَاي وحاء مُهْملَة وَفَاء، يُقَال: أزحفه الْمسير إِذا أعياه، وَأَصله أَن الْبَعِير إِذا تَعب يجر رسنه، وَكَأَنَّهُ كنى بقوله: أزحف، على بِنَاء الْفَاعِل عَن جَرّه الرسن عَن الإعياء.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: صَوَابه: فزحف، ثلاثي إلاَّ أَنه ضبط بِضَم الْهمزَة وَكسر الْحَاء فِي أَكثر النّسخ، وَفِي بَعْضهَا بِفَتْحِهَا، وَالْأول أبين.
قَوْله: ( فوكزه) بالزاي، أَي: ضربه بالعصا، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والحموي: وركزه، بالراء مَوضِع الْوَاو، أَي: ركز فِيهِ العصي، وَالْمرَاد بِهِ الْمُبَالغَة فِي ضربه بهَا.
قَوْله: ( وَلَك ظَهره إِلَى الْمَدِينَة) ، أَرَادَ بِهِ ركُوبه عَلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَة، قَوْله: فلامني، من اللوم، وَكَانَ لومه إِمَّا لكَونه مُحْتَاجا إِلَيْهِ، وَإِمَّا لكَونه بَاعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَهبهُ مِنْهُ.
قَوْله: ( وسهمي) ، بِالنّصب أَي: وَأَعْطَانِي أَيْضا سهمي من الْغَنِيمَة، ويروى: فسهمني، بِلَفْظ فعل الْمَاضِي، وَفِيه فَوَائِد كَثِيرَة ذَكرنَاهَا هُنَاكَ.