فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من باع نخلا قد أبرت، أو أرضا مزروعة أو بإجارة

( بابُُ منْ باعَ نَخْلاً قَدْ أُبِرَّتْ أوْ أرْضا مزْرُوعَةً أوْ بإجَارةٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من بَاعَ نخلا، وَالنَّخْل اسْم جنس يذكر وَيُؤَنث، وَالْجمع: نخيل.
قَوْله: ( قد أُبِرَّت) ، جملَة وَقعت صفة لقَوْله: نخلا، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة من التَّأْبِير، وَهُوَ التشقيق والتلقيح، وَمَعْنَاهُ: شقّ طلع النَّخْلَة الْأُنْثَى ليذر فِيهِ شَيْء من طلع النَّخْلَة الذّكر، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: يُقَال: أبرت النَّخْلَة آبرها، بِكَسْر الْبَاء وَضمّهَا، فَهِيَ: مأبورة، وإبار كل ثَمَر بِحَسبِهِ، وَبِمَا جرت عَادَتهم فِيهِ بِمَا يثبت ثمره ويعقده، وَقد يعبر بالتأبير عَن ظُهُور الثَّمَرَة وَعَن انْعِقَادهَا، وَأَن يفعل فِيهَا شَيْء.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: أَبرته آبره أبرا وإبرا بِالتَّخْفِيفِ كأكلته أكلا.
وأبرته بِالتَّشْدِيدِ أُؤبره تأبيرا، كعلمته أعلمهُ تَعْلِيما، والإبار: شقّ طلع النَّخْلَة سَوَاء خطّ فِيهِ شَيْء أم لَا، وَلَو تأبرت بِنَفسِهَا أَي: تشققت فَحكمهَا فِي البيع حكم المؤبرة بِفعل الْآدَمِيّ.
قَوْله: ( أَو أَرضًا) أَو بَاعَ أَرضًا مزروعة.
قَوْله: ( أَو بِإِجَارَة) ، عطف على: بَاعَ بِتَقْدِير فعل مُقَدّر تَقْدِيره: أَو أَخذ بِإِجَارَة، وَجَوَاب: مَن، مَحْذُوف تَقْدِيره: فثمرتها للَّذي أبرها، وَلم يذكرهُ اكْتِفَاء بِمَا فِي الحَدِيث.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله.

     وَقَالَ  لِي إبراهِيمُ أخبرنَا هِشامٌ قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ أبِي مُلَيْكَةَ يُخَبِّرُ عنْ نافِعٍ مَوْلَى ابْن عُمَرَ أنَّ أيَّما نَخْلٍ بِيعَتْ قَدْ أُبِرَّتْ لَمْ يُذْكَر الثَّمَرُ فالثَّمَرُ لِلَّذِي أبَرَّهَا وكَذَلِكَ الْعَبْدُ والحَرْثُ سَمَّى لَهُ نافِعٌ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( نخل بِيعَتْ قد أُبرت) .
فَإِن قلت: للتَّرْجَمَة ثَلَاثَة أَجزَاء: الأول: بيع النّخل المؤبرة.
وَالثَّانِي: بيع الأَرْض المزروعة.
وَالثَّالِث: الْإِجَارَة، فَأَيْنَ مُطَابقَة الحَدِيث لهَذِهِ الْأَجْزَاء؟ قلت: قَوْله: ( نخل بِيعَتْ قد أبرت) مُطَابق للجزى الأول.
وَقَوله: والحرث، هُوَ الزَّرْع مُطَابق للجزء الثَّانِي، فالزرع للْبَائِع إِذا بَاعَ الأَرْض المزروعة وَيفهم مِنْهُ أَنه: إِذا آجر أرضه وفيهَا زرع فالزرع لَهُ، وَإِن كَانَت الْإِجَارَة فَاسِدَة عندنَا فِي ظَاهر الرِّوَايَة،.

     وَقَالَ  خُوَاهَر زَاده: إِن كَانَ الزَّرْع قد أدْرك جَازَت الْإِجَارَة، وَيُؤمر الْآجر بالحصاد وَالتَّسْلِيم، فعلى كل حَال فالزرع للمؤجر، وَهَذَا مُطَابق للجزء الثَّالِث، وَلم أر أحدا من الشُّرَّاح قد تنبه لهَذَا مَعَ دَعْوَى بَعضهم الدَّعَاوَى العريضة فِي هَذَا الْفَنّ.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: إِبْرَاهِيم بن يُوسُف ين يزِيد بن زادان الْفراء، هَكَذَا نسبه فِي ( التَّلْوِيح) .
.

     وَقَالَ  بَعضهم: إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الرَّازِيّ،.

     وَقَالَ  الْمزي: إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر.

إِذا قَالَت حذام فصدقوها!
الثَّانِي: هِشَام بن يُوسُف أَبُو عبد الرَّحْمَن،.

     وَقَالَ  الْمزي: هِشَام هَذَا هُوَ ابْن سُلَيْمَان بن عِكْرِمَة بن خَالِد بن الْعَاصِ الْقرشِي المَخْزُومِي.
الثَّالِث: عبد الْملك ابْن عبد الْعَزِيز بن جريج.
الرَّابِع: عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم: واسْمه زُهَيْر بن عبد الله.
الْخَامِس: نَافِع مولى ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: الْأَخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: أَن إِبْرَاهِيم رازي وَأَن هشاما صنعاني قاضيها، وَكَانَ من الْأَبْنَاء، وَأَن ابْن جريج وَابْن أبي مليكَة مكيان، وَأَن نَافِعًا مدنِي، وَهَذَا الْأَثر من أَفْرَاده.

ذكر حكمه: أما حكمه أَولا: فَإِنَّهُ ذكر هَذَا عَن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور على سَبِيل المحاورة والمذاكرة حَيْثُ قَالَ: قَالَ لي إِبْرَاهِيم، وَلم يقل: حَدثنِي، وَقد تقدم غير مرّة أَن قَول البُخَارِيّ عَن شُيُوخه بِهَذِهِ الصِّيغَة يدل على أَنه أَخذه مِنْهُم فِي حَالَة المذاكرة.
وَأما ثَانِيًا: فَإِنَّهُ مَوْقُوف على نَافِع، لِأَن ابْن جريج رَوَاهُ عَن نَافِع، هَكَذَا مَوْقُوفا.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَبَّاس الطرقي: الصَّحِيح من رِوَايَة نَافِع مَا اقْتصر عَلَيْهِ فِي هَذَا الحَدِيث من التَّأْبِير خَاصَّة، قَالَ: وَحَدِيث العَبْد يَعْنِي: من ابْتَاعَ عبدا وَله مَال فَمَاله للْبَائِع إلاَّ أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع، يذكرهُ عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: وَقد رَوَاهُ عَن نَافِع عبد ربه بن سعيد وَبُكَيْر بن الْأَشَج، فجمعا بَين الْحَدِيثين مثل رِوَايَة سَالم وَعِكْرِمَة بن خَالِد فَإِنَّهُمَا رويا الْحَدِيثين جَمِيعًا عَن ابْن عمر عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: اتّفق نَافِع وَسَالم عَن ابْن عمر مَرْفُوعا فِي قصَّة النّخل، وَاخْتلفَا فِي قصَّة العَبْد: رَفعهَا سَالم ووقفها نَافِع على عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: وَنَافِع يروي حَدِيث النّخل عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحَدِيث العَبْد عَن ابْن عمر مَوْقُوفا.
قيل: وَحَدِيث الْحَرْث لم يروه غير ابْن جريج، وَوصل مَالك وَاللَّيْث وَغَيرهمَا عَن نَافِع عَن ابْن عمر قصَّة النّخل دون غَيرهَا، وَاخْتلف على نَافِع وَسَالم فِي رفع مَا عدا النّخل، فَرَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه مَرْفُوعا فِي قصَّة النّخل وَالْعَبْد مَعًا، وروى مَالك وَاللَّيْث وَأَيوب وَعبيد الله بن عمر وَغَيرهم عَن نَافِع عَن ابْن عمر قصَّة النّخل، وَعَن ابْن عمر عَن عمر قصَّة العَبْد مَوْقُوفَة، كَذَلِك أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق مَالك بالإسنادين مَعًا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( أَيّمَا نخل) ، كلمة: أَي، تَجِيء لمعان خَمْسَة، أَحدهَا: للشّرط نَحْو { أيّا مَا تَدْعُو فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} ( الْإِسْرَاء: 11) .
وَهنا كَذَلِك تَقْدِيره: أَي نخل من النخيل بِيعَتْ، فَلذَلِك دخلت الْفَاء فِي جوابها، وَهُوَ قَوْله: ( فالثمر للَّذي أبرها) ، وَذكر النّخل لَيْسَ بِقَيْد، وَإِنَّمَا ذكر لأجل أَن سَبَب وُرُود الحَدِيث كَانَ فِي النّخل وَهُوَ الظَّاهِر، وإمَّا لِأَن الْغَالِب فِي أَشْجَارهم كَانَ النّخل، وَفِي مَعْنَاهُ كل ثَمَر بارز يرى فِي الشّجر: كالعنب والتفاح إِذْ أبيع أصُول الشّجر لم تدخل هَذِه الثِّمَار فِي بيعهَا إلاَّ أَن يشْتَرط.
قَوْله: ( بِيعَتْ) ، بِكَسْر الْبَاء على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( قد أبرت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا، وَقعت حَالا، وَالْجُمْلَة الَّتِي قبلهَا صفة، وَكَذَلِكَ قَوْله: ( لم يذكر الثَّمر) ، جملَة حَالية قيد بهَا لِأَنَّهُ إِذا ذكر الثَّمر لأحد من الْمُتَعَاقدين فَهُوَ لَهُ بِمُقْتَضى الشَّرْط.
قَوْله: ( وَكَذَلِكَ العَبْد) ، يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: إِذا بِيعَتْ الْأُم الْحَامِل وَلها ولد رَقِيق مُنْفَصِل فَهُوَ للْبَائِع، وَإِن كَانَ جَنِينا لم يظْهر فَهُوَ للْمُشْتَرِي.
وَالثَّانِي: إِذا بيع العَبْد وَله مَال على مَذْهَب من يَقُول: إِنَّه يملك فَإِنَّهُ للْبَائِع، وروى مُسلم قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا لَيْث عَن ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله عَن عبد الله بن عمر، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ( من ابْتَاعَ نخلا قبل أَن تؤبر فثمرتها للَّذي بَاعهَا إلاَّ أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع، وَمن ابْتَاعَ عبدا لَهُ فَمَاله للَّذي بَاعه إلاَّ أَن يَشْتَرِطه الْمُبْتَاع) .
قَوْله: ( والحرث) ، أَي: الزَّرْع فَإِنَّهُ للْبَائِع إِذا بَاعَ الأَرْض المزروعة.
قَوْله: ( سمى لَهُ نَافِع) أَي: سمى لِابْنِ جريج هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة، أَي: التَّمْر وَالْعَبْد والحرث، وَهُوَ بِتَمَامِهِ مَوْقُوف على نَافِع.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: أَخذ بِظَاهِر هَذَا وبظاهر حَدِيث ابْن عمر الْمَرْفُوع الَّذِي هُوَ عقيب هَذَا كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَالك وَالشَّافِعِيّ وَاللَّيْث وَأحمد وَإِسْحَاق، فَقَالُوا: من بَاعَ نخلا قد أبرت وَلم يشْتَرط ثَمَرَته الْمُبْتَاع فالثمرة للْبَائِع، وَهِي فِي النّخل متروكة إِلَى الْجذاذ، وعَلى البَائِع السَّقْي وعَلى المُشْتَرِي تخليته وَمَا يَكْفِيهِ من المَاء، وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ الثَّمَرَة دون الأَصْل فعلى البَائِع السَّقْي.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: سَوَاء أبرت أَو لم تؤبر هِيَ للْبَائِع وَللْمُشْتَرِي أَن يُطَالِبهُ بقلعها عَن النّخل فِي الْحَال، وَلَا يلْزمه أَن يصبر إِلَى الْجذاذ فَإِن اشْترط البَائِع فِي البيع ترك الثَّمَرَة إِلَى الْجذاذ فَالْبيع فَاسد.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: تَعْلِيق الحكم بالإبار إمَّا للتّنْبِيه لَهُ على مَا لم يؤبر، أَو لغير ذَلِك، أَو لم يقْصد بِهِ نفي الحكم عَمَّا سوى الحكم الْمَذْكُور.

وتلخيص مَأْخَذ اخْتلَافهمْ فِي الحَدِيث أَن أَبَا حنيفَة اسْتعْمل الحَدِيث لفظا ومعقولاً، وَاسْتَعْملهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ لفظا ودليلا وَلَكِن الشَّافِعِي يسْتَعْمل دلَالَته من غير تَخْصِيص، ويستعملها مَالك مخصصة.
وَبَيَان ذَلِك أَن أَبَا حنيفَة جعل الثَّمَرَة للْبَائِع فِي الْحَالين، وَكَأَنَّهُ رأى أَن ذكر الإبار تَنْبِيه على مَا قبل الإبار، وَهَذَا الْمَعْنى يُسمى فِي الْأُصُول: مَعْقُول الْخطاب، وَاسْتَعْملهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ على أَن الْمَسْكُوت عَنهُ حكمه حكم الْمَنْطُوق، وَهَذَا يُسَمِّيه أهل الْأُصُول دَلِيل الْخطاب، وَقَول الثَّوْريّ وَأهل الظَّاهِر وفقهاء أَصْحَاب الحَدِيث كَقَوْل الشَّافِعِي، وَقَول الْأَوْزَاعِيّ نَحْو قَول أبي حنيفَة،.

     وَقَالَ  ابْن أبي ليلى: سَوَاء أبرت، أَو لم تؤبر الثَّمَرَة للْمُشْتَرِي، اشْترط أَو لم يشْتَرط، قَالَ أَبُو عمر: إِنَّه خَالف لحَدِيث ورده جهلا بِهِ.

الثَّانِي: أَن الْمَالِكِيَّة استدلت بِهِ على كَون الثَّمَرَة مَعَ الْإِطْلَاق للْبَائِع بعد الإبار إلاَّ أَن يشْتَرط، وَأَنَّهَا قبل الإبار للْمُشْتَرِي.
قلت: كَأَن مَالِكًا يرى أَن ذكر الإبار هَهُنَا لتعليق الحكم ليدل على أَن مَا عداهُ بِخِلَافِهِ.

الثَّالِث: قَالَ مَالك: إِذا لم يشْتَرط المُشْتَرِي الثَّمَرَة فِي شِرَاء الأَصْل جَازَ لَهُ شراؤها بعد شِرَاء الأَصْل، وَهَذَا مَشْهُور قَوْله، وَعنهُ: أَنه لَا يجوز لَهُ إفرادها بِالشِّرَاءِ مَا لم تطب، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي.

الرَّابِع: اسْتدلَّ بِهِ أَشهب من الْمَالِكِيَّة على جَوَاز اشْتِرَاط بعض الثَّمر،.

     وَقَالَ : يجوز لمن ابْتَاعَ نخلا قد أبرت أَن يشْتَرط من الثَّمر نصفهَا أَو جُزْءا مِنْهَا، وَكَذَلِكَ فِي مَال العَبْد، لِأَن مَا جَازَ اشْتِرَاط جَمِيعه جَازَ اشْتِرَاط بعضه، وَمَا لم يدْخل الرِّبَا فِي جَمِيعه فأحرى أَن لَا يدْخل فِي بعضه.
.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: لَا يجوز لمبتاع النّخل المؤبر أَن يشْتَرط مِنْهَا جُزْءا، وَإِنَّمَا لَهُ أَن يشْتَرط جَمِيعهَا أَو لَا يشْتَرط شَيْئا مِنْهَا.

الْخَامِس: استدلت بِهِ أَصْحَابنَا على أَن من بَاعَ رَقِيقا وَله مَال أَن مَاله لَا يدْخل فِي البيع، وَيكون للْبَائِع إلاَّ أَن يَشْتَرِطه الْمُبْتَاع.

السَّادِس: اسْتدلَّ بِهِ على أَن المؤبر يُخَالف فِي الحكم غير المؤبر،.

     وَقَالَ ت الشَّافِعِيَّة: لَو بَاعَ نَخْلَة بَعْضهَا مؤبر وَبَعضهَا غير مؤبر فالجميع للْبَائِع، فَإِن بَاعَ نخلتين فَكَذَلِك بِشَرْط اتِّحَاد الصّفة، فَإِن أفرد فلكلٍ حكمه.
وَيشْتَرط كَونهمَا فِي بُسْتَان وَاحِد، فَإِن تعدد فَلِكُل حكمه.
وَنَصّ أَحْمد على أَن الَّذِي يؤبر للْبَائِع وَالَّذِي لَا يؤبر للْمُشْتَرِي، وَجعلت الْمَالِكِيَّة الحكم للأغلب.

السَّابِع: اخْتلف الشَّافِعِيَّة فِيمَا لَو بَاعَ نَخْلَة وَبقيت ثَمَرَتهَا ثمَّ خرج طلع آخر من تِلْكَ النَّخْلَة، فَقَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة: هُوَ للْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ لَيْسَ للْبَائِع إلاَّ مَا وجد دون مَا لم يُوجد.
.

     وَقَالَ  الْجُمْهُور: وَهُوَ للْبَائِع لكَونه من ثَمَرَة المؤبر دون غَيرهَا.

الثَّامِن: روى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَن من اشْترى أَرضًا مزروعة وَلم يسنبل فالزرع للْبَائِع إلاَّ أَن يَشْتَرِطه المُشْتَرِي، وَإِن وَقع البيع وَالْبذْر وَلم ينْتَه فَهُوَ للْمُبْتَاع بِغَيْر شَرط، وروى ابْن عبد الحكم عَن مَالك إِن كَانَ الزَّرْع لقح أَكْثَره ولقاحه أَن يتحبب ويسنبل حَتَّى لَو يبس حِينَئِذٍ لم يكن فَسَادًا، فَهُوَ للْبَائِع إلاَّ أَن يَشْتَرِطه المُشْتَرِي، وَإِن كَانَ لم يلقح فَهُوَ للْمُبْتَاع.

التَّاسِع: إِن وَقع العقد على النّخل أَو على العَبْد خَاصَّة ثمَّ زَاده شَيْئا يلْحق الثَّمَرَة وَالْمَال.
.

     وَقَالَ  ابْن الْقَاسِم: إِن كَانَ بِحَضْرَة البَائِع وَتَقْدِيره جَازَ، وإلاَّ فَلَا.
.

     وَقَالَ  أَشهب: يجوز فِي الثَّمَرَة وَلَا يجوز فِي مَال العَبْد.

الْعَاشِر: اسْتدلَّ بِهِ الطَّحَاوِيّ على جَوَاز بيع الثَّمَرَة على رُؤُوس النّخل قبل بَدو صَلَاحهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جعل فِيهِ ثَمَر النّخل للْبَائِع عِنْد عدم اشْتِرَاط المُشْتَرِي، فَإِذا اشْترط المُشْتَرِي ذَلِك يكون لَهُ، وَيكون المُشْتَرِي مُشْتَريا لَهَا أَيْضا.
وَاعْترض الْبَيْهَقِيّ عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّه يسْتَدلّ بالشَّيْء فِي غير مَا ورد فِيهِ، حَتَّى إِذا جَاءَ مَا ورد فِيهِ اسْتدلَّ بِغَيْرِهِ عَلَيْهِ كَذَلِك، فيستدل لجَوَاز بيع الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا بِحَدِيث التَّأْبِير، وَلَا يعْمل بِحَدِيث التَّأْبِير.
انْتهى.
قلت: هَل الْبَيْهَقِيّ عَن الدلالات الْأَرْبَعَة للنَّص، وَهِي عبارَة النَّص وإشارته ودلالته واقتضاؤه، وبهذه يكون الِاسْتِدْلَال بالنصوص، والطَّحَاوِي مَا ترك الْعَمَل بِالْحَدِيثِ، غَايَة مَا فِي الْبابُُ أَنه اسْتدلَّ على مَا ذهب إِلَيْهِ بِإِشَارَة النَّص، والخصم اسْتدلَّ بعبارته، وهما سَوَاء فِي إِيجَاب الحكم، وَلم يُوَافق الْخصم فِي الْعَمَل بعبارته لِأَن عِبَارَته تَعْلِيق الحكم بالإبارة للتّنْبِيه على مَا لم يؤبر أَو لغير ذَلِك، فَافْهَم، فَإِن فِيهِ دقة عَظِيمَة لَا يفهمها إلاَّ من لَهُ يَد فِي وُجُوه الاستدلالات بالنصوص.



[ قــ :2118 ... غــ :2204 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ منْ باعَ نَخْلاً قَدْ أُبِرَّتْ فثَمَرُها لِلْبائِعِ إلاَّ أنْ يَشْتَرطَ المُبْتَاعُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشُّرُوط عَن عبد الله بن يُوسُف أَيْضا.
وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن يحيى بن يحيى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الشُّرُوط عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات عَن هِشَام بن عمار، خمستهم عَن مَالك بِهِ، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي أثر نَافِع قبله.